عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 04:18 AM   رقم المشاركة : 24
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
.‏ الآية رقم ‏(‏110 ‏:‏ 113‏)‏
‏{‏ ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ‏.‏ ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ‏.‏ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ‏.‏ ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما‏}
‏ يخبر تعالى عن كرمه وجوده أن كل من تاب إليه تاب عليه من أي ذنب كان ‏{‏ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أخبر اللّه عباده بعفوه وحلمه وكرمه، وسعة رحمته، ومغفرته، فمن أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً ‏{‏ثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً‏}‏ ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال ‏"‏أخرجه ابن جري عن ابن عباس‏"‏وقال ابن جرير قال عبد اللّه‏:‏ كان بنوا إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه، وإذا أصاب البول منه شيئا قرضه بالمقراض، فقال رجل‏:‏ لقد آتى اللّه بني إسرائيل خيراً، فقال عبد اللّه رضي اللّه عنه‏:‏ ما آتاكم اللّه خير مما آتاهم جعل الماء لكم طهوراً، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفوراً رحيماً‏}‏ وقال علي رضي اللّه عنه‏:‏ كنت إذا سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شيئاً نفعني اللّه فيه بما شاء أن ينفعني منه، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما من مسلم يذنب ذنباً ثم يتوضأ ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر اللّه لذلك الذنب إلاغفر له ‏)‏وقرأ هاتين الآيتين‏:‏ ‏{‏ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه‏}‏ الآية، ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم‏}‏ ‏
"‏رواه أحمد‏"‏الآية‏.
‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه‏}‏ الآية، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تزرو وازرة وزر أخرى‏}‏ الآية، يعني أنه لا يغني أحد عن أحد، وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها غيرها، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وكان اللّه عليماً حكيماً‏}‏ أي من علمه وحكمته، وعدله ورحمته كان ذلك، ثم قال‏:‏ ‏{‏ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً‏}‏ الآية يعني كما اتهم بنو أبيرق‏:‏ بصنيعهم القبيح ذلك الرجل الصالح وهو لبيد بن سهل كما تقدم في الحديث، أو زيد بن السمين اليهودي على ما قاله الآخرون وقد كان بريئاً وهم الظلمة الخونة كما أطلع اللّه على ذلك رسوله صلى اللّه عليه وسلم ؛ ثم هذا التقريع وهذا التوبيخ عام فيهم وفي غيرهم ممن اتصف بصفتهم فارتكب مثل خطيئتهم فعليه مثل عقوبتهم، وقوله‏:‏ ‏{‏ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء‏}‏ وقال الإمام ابن أبي حاتم عن قتادة بن النعمان وذكر قصة بني أبيرق فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء‏}‏ يعني أسيد بن عروة وأصحابه يعني بذلك لما أثنوا على بني أبيرق ولاموا قتادة بن النعمان في كونه اتهمهم وهم صلحاء برآء ولم يكن الأمر كما أنهوه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولهذا أنزل اللّه فصل القضية وجلاءها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم امتن عليه بتأييده إياه في جميع الأحوال؛ وعصمته له؛ وما أنزل عليه من الكتاب وهو القرآن والحكمة؛ وهي السنة ‏{‏وعلمك ما لم تكن تعلم‏}‏ أي قبل نزول ذلك عليك كقوله‏:‏ ‏{‏وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب‏}‏ إلى آخر السورة؛ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك‏}‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وكان فضل اللّه عليك عظيماً‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏114 ‏:‏ 115‏)‏
‏{‏ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ‏.‏ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏لا خير في كثير من نجواهم ‏}‏
يعني كلام الناس‏ ‏{‏إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس‏ } أي إلا نجوى من قال ذلك كما جاء في الحديث الذي رواه ابن مردويه عن أم حبيبة قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ذكر اللّه عزَّ وجلَّ؛ أو أمر بمعروف؛ أو نهي عن منكر‏)‏، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً؛ أو يقول خيراً‏)‏، وقال الإمام أحمد عن أبي الدرداء قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏الا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة‏)‏ قالوا بلى يا رسول اللّه قال‏:‏ ‏(‏إصلاح ذات البين‏)‏ قال‏:‏ ‏(‏وفساد ذات البين هي الحالقة‏)‏ ورواه أبو داود والترمذي،
‏{‏ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات اللّه‏}‏ أي مخلصاً في ذلك محتسباً ثواب ذلك عند اللّه عزّ وجلَّ ‏{‏فسوف نؤتيه أجراً عظيماً‏}‏ أي ثواباً جزيلاً كثيراً واسعاً‏.‏ وقوله تعالى‏:‏
{‏ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى‏}‏ أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى اللّه عليه وسلم فصار في شق، والشرع في شق وذلك عن عمد منه، بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له، وقوله‏:‏ ‏{‏ويتبع غير سبيل المؤمنين‏}‏ هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقاً، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، تشريفاً لهم وتعظيماً لنبيهم، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك‏.‏ ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، والذي عول عليه الشافعي رحمه اللّه في الإحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك ولهذا توعد تعالى على ذلك بقول‏:‏ ‏{‏نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً‏}‏ أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه علىذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجاً له كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ونذرهم في طغيانهم يعمهون‏}‏ وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏احشروا الذين ظلموا وأزواجهم‏}‏ الآية وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏116 ‏:‏ 122‏)‏
{‏ إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ‏.‏ إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ‏.‏ لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ‏.‏ ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا ‏.‏ يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ‏.‏ أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ‏.‏ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا ‏}‏
قد تقدم الكلام على هذه الآية الكريمة وهي قوله‏:‏ ‏{‏إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك‏}‏ الآية، وذكرنا ما يتعلق بها من الأحاديث في صدر هذه السورة وقد روي الترمذي عن علي رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية‏:‏ ‏{‏إن اللّه لا يغفر أن يشرك به‏}‏ الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ومن يشرك باللّه فقد ضل ضلالا بعيداً‏}‏ أي فقد سلك غير الطريق الحق وضل عن الهدى وبعد عن الصواب وأهلك نفسه، وخسرها في الدنيا والآخرة، فاتته سعادة الدنيا والآخرة وقوله‏:‏ ‏{‏إن يدعون من دونه إلا إناثاً‏}‏، عن عائشة قالت‏:‏ أوثاناً، وقال ابن جرير عن الضحاك في الآية قال المشركون للملائكة‏:‏ بنات اللّه، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى اللّه زلفى، قال‏:‏ فاتخذوهن أبابا وصوروهن جواري فحكموا وقلدوا، وقالوا‏:‏ هؤلاء يشبهن بنات اللّه الذي نعبده يعنون الملائكة وهذا التفسير شبيه بقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أفرأيتم اللات والعزى‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً‏}‏ وقال ابن عباس ‏{‏إن يدعون من دونه إلا إناثا‏}‏ قال‏:‏ عني موتى، وقال الحسن‏:‏ الإناث كل شيء ميت ليس فيه روح، إما خشبة يابسة، وإما حجر يابس، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً‏}‏ أي هو الذي أمرهم بذلك وحسنه وزينه لهم وهم إنما يعبدون إبليس في نفسه الأمر كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم أعهد إليك يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان‏}‏ الآية، وقال تعالى إخباراً عن الملائكة أنهم يقولون يوم القيامة عن المشركني الذي ادعوا عبادتهم في الدنيا ‏{‏بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون‏}‏ وقول‏:‏
‏{‏لعنه اللّه‏}‏ أي طرده وأبعده من رحمته، وأخرجه من جواره وقال‏:‏ ‏{‏لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً‏}‏ أي معيناً مقدراً معلوماً، قال قتادة من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة ‏{‏ولأضلنهم‏}‏ أي عن الحق ‏{‏ولأمنينهم‏}‏ أي أزين لهم ترك التوبة، وأعدهم الأماني، وآمرهم بالتسويف والتأخير، وأغرهم من أنفسهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏ولآمرنهم فلّيبتكنَّ آذان الأنعام‏}‏ قال قتادة يعني تشقيقها وجعلها سمة، وعلامة للبحيرة والسائبة والوصيلة ‏{‏ولآمرنهم فليغيرن خلق اللّه‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يعني بذللك خصي الدواب، وقال الحسن البصري‏:‏ يعني بذلك الوشم، وفي صحيح مسلم النهي عن الوشم في الوجه، وفي لفظ، لعن اللّه من فعل ذلك‏.‏ وفي الصحيح عن ابن مسعود أنه قال‏:‏ لعن اللّه الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات النامصات‏:‏ ناتفات الزغب والشعر من الوجه، والمتنمصات‏:‏ اللواتي ينتف الشعر من وجوههن والمتفلجات المتفلجات‏:‏ اللواتي يبردن أطراف أسنانهن للتجميل للحسن المغيرات خلق اللّه عزَّ وجلَّ، ثم قال ألا ألعن من لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو في كتاب اللّه عزَّ وجلَّ يعني قوله‏:‏ ‏{‏وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا‏}‏ وقال ابن عباس في رواية عنه ومجاهد والضحاك
في قوله‏:‏ ‏{‏ولآمرنهم فليغيرن خلق اللّه‏}‏ يعني دين اللّه عزَّ وجلَّ وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه‏}‏ على قول من جعل ذلك أمراً أي لا تبدلوا فطرة اللّه ودعوا النا على فطرتهم كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏‏(‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تجدون بها من جدعاء‏)‏‏؟‏ وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏قال اللّه عزّ وجلَّ‏:‏ إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم صرفتهم عن الهدى عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم‏)‏ ثم قال تعالى‏:‏{‏ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون اللّه فقد خسر خسراناً مبيناً‏}‏ أي فقد خسر الدنيا والآخرة وتلك خسارة لا جبر لها ولا استدراك لفائتها‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً‏}‏ وهذا إخبار عن الواقع فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم بأنهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة، وقد كذب وافترى في ذلك، ولهذا قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما يعدهم الشيطان إلاغروراً‏}‏، كما قال تعالى مخبراً عن إبليس يوم المعاد‏:‏ ‏{‏وقال الشيطان لما قضي الأمر إن اللّه وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان - إلى قوله - وإن الظالمين لهم عذاب أليم‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أولئك‏}‏ أي المستحسنون له فيما وعدهم ومنَّاهم ‏{‏مأواهم جهنم‏}‏ أي مصيرهم ومآلهم يوم القيامة ‏{‏ولا يجدون عنها محيصاً‏}‏ أي ليس لهم عنها مندوحة ولا مصرف، ولا خلاص، ولا مناص، ثم ذكر تعالى حال السعداء والأتقياء وما لهم من الكرامة التامة فقال تعالى‏:‏ ‏{‏والذين آمنوا وعملوا الصالحات‏}‏ أي صدقت قلوبهم وعملت جوارحهم بما أمروا به من الخيرات، وتركوا ما نهو عنها من المنكرات ‏{‏سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار‏}‏ أي يصرفونها حيث شاءوا وأين شاءوا ‏{‏خالدين فيها أبداً‏}‏ أي بلا زوال ولا انتقال ‏{‏وعد اللّه حقاً‏}‏ أي هذا وعد من اللّه ووعد اللّه معلوم حقيقة أنه واقع لا محالة، ولهذا أكده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر وهو قوله ‏{‏حقاً‏}‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن أصدق من اللّه قيلاً‏}‏‏؟‏ أي لا أحد أصدق منه قولاً أي خبراً لا إله إلا هو ولا رب سواه وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في خطبته‏:‏ ‏(‏إن أصدق الحديث كلام اللّه، وخير الهدي هديُ محمد صلى اللّه عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، كل ضلالة في النار‏)
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
‏ الآية رقم ‏(‏123 ‏:‏ 126‏)‏ ‏
{‏ ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ‏.‏ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ‏.‏ ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ‏.‏ ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا ‏}‏ قال قتادة‏:‏ ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب‏:‏ نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى باللّه منكم، وقال المسلمون‏:‏ نحن أولى باللّه منكم ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجْزّ بِهِ‏}‏ ‏{‏ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه للّه وهو محسن‏}
الآية، ثم أفلج اللّه حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان‏.‏ وكذا روي عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ في هذه الآية تخاصم أهل الأديان، فقال أهل التوراة‏:‏ كتابنا خير الكتب، ونبينا خير الأنبياء، وقال أهل الإنجيل‏:‏ مثل ذلك، وقال أهل الإسلام‏:‏ لا دين إلا الإسلام، وكتابنا نسخ كل كتاب؛ ونبينا خاتم النبيين، وأمرتهم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا فقضى اللّه بينهم وقال‏:‏ ‏{‏ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به‏}‏ الآية؛ وخيِّر بين الأديان فقال‏:‏{‏ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه للّه وهو محسن‏}‏ إلى قوله‏:‏{‏واتخذ اللّه إبراهيم خليلاً‏}‏ وقال مجاهد‏:‏ قالت العرب لن نُبعث ولن نُعذب؛ وقالت اليهود والنصارى‏:‏ {‏لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى‏}‏ وقالوا‏:‏ ‏{‏لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات‏}والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني؛ ولكن ما قر في القلوب وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال إنه هو على الحق سمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من اللّه برهان؛ ولهذا قال تعالى‏:‏{‏ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به‏}‏ أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني‏؟‏ بل العبرة بطاعة اللّه سبحانه واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام، ولهذا قال بعده‏:‏ ‏{‏من يعمل سوءاً يجز به‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره؛ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره‏}‏‏.‏ وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير
من الصحابة، قال الإمام أحمد بسنده أخبرت أن أبا بكر رضي اللّه عنه قال‏:‏ يا رسول اللّه كيف الفلاح بعد هذه الآية‏:‏ ‏{‏ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجزبه‏}‏ فكل سوء عملناه جُزيناه به‏!‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏غفر اللّه لك يا ابا بكر ألست تمرض‏؟‏ ألست تنصب‏؟‏ ألست تصيبك اللأواء‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ بلى، قال‏:‏ ‏(‏فهو مما تجزون به‏)
وروى أبو بكر بن مردويه عن أبي بكر الصديق قال‏:‏ كنت عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون اللّه ولياً ولا نصيراً‏}‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏يا ابا بكر ألا أقرئك آية أنزلت عليّ‏)‏ قلت‏:‏ بلى يا رسول اللّه قال‏:‏ فأقرأنيها فلا أعلم أني قد وجدت انفصاماً في ظهري حتى تمطيت لها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏مالك يا أبا بكر‏)‏‏؟‏ قلت‏:‏ بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه، وأينا لم يعلم السوء، وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أما أنت يا أبا بكر واصحابك المؤمنون فإنكم تجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا اللّه ليس لكم ذنوب، وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة‏)‏ وقال ابن جرير‏:‏ لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر‏:‏ جاءت قاصمة الظهر فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إنما هي المصيبات في الدنيا‏)‏ حديث آخر قال سعيد بن منصور عن عائشة‏:‏ أن رجلا تلى هذه الآية‏:‏ ‏{‏من يعمل سوءاً يجز به‏}‏ فقال‏:‏ إنا لنجزي بكل ما عملناه هلكنا إذاً فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏نعم يجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه في جسده فيما يؤذيه‏)‏ طريق أخرى قال ابن أبي حاتم عن عائشة قالت،






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس