عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 05:14 AM   رقم المشاركة : 27
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

ني سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار‏:‏ أن السنّة في هاتين الآيتين اللتين ذكر اللّه فيهما نشوز الرجل وإعراضه عن امرأته في قوله‏:‏ ‏{‏وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً‏}‏ إلى تمام الآيتين، أن المرء إذا نشز عن امرأته وآثر عليها، فإن من الحق أن يعرض عليها أن يطلقها أو تستقر عنده على ما كانت من أثرة في القسم من ماله ونفسه، صلح له ذلك وكان صلحها عليه، كذلك ذكر سعيد بن المسيب و سليمان الصلحَ الذي قاله اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير‏}‏ وقد ذكر لي أن رافع بن خديج الأنصاري - وكان من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم - كانت عنده امرأة حتى إذا كبرت تزوج عليها فتاة شابة وآثر عليها الشابة، فناشدته الطلاق فطلقها تطليقة، ثم أمهلها حتى إذا كادت تحل راجعها، ثم عاد فآثر عليها الشابة فناشدته الطلاق، فقال لها‏:‏ ما شئت إنما بقيت لك تطليقة واحدة، فإن شئت استقررت على ما ترين من الاثرة وإن شئت فارقتك، فقالت‏:‏ لا بل استقر على الأثرة، فأمسكها على ذلك فكان ذلك صلحهما، ولم ير رافع عليه إثماً حين رضيت أن تستقر عنده على الأثرة فيما آثر به عليها
"‏أخرجه البهيقي وابن أبي حاتم‏"‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والصلح خير‏} قال ابن عباس‏:‏ يعني التخيير، وهذه هي الحالة الثانية‏:‏ أن يخير الزوج لها بين الإقامة والفراق خير من تمادي الزوج على أثرة غيرها عليها، والظاهر من الآية أن صلحهما على ترك بعض حقها للزوج وقبول الزوج ذلك خير من المفارقة بالكلية، كما أمسك النبي صلى اللّه عليه وسلم سودة بنت زمعة على أن تركت يومها لعائشة رضي اللّه عنها، ولم يفارقها بل تركها من جملة نسائه، وفعله ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه، فهو أفضل في حقه عليه الصلاة والسلام، ولما كان الوفاق أحب إلى اللّه من الفراق قال‏:‏ ‏{‏والصلح خير‏}‏، بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة
عن عبد اللّه بن عمر قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ابغض الحلال إلى الله الطلاق‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تحسنوا وتتقوا فإن اللّه كان بما تعملون خبيراً‏}‏، وإن تتجشموا مشقة الصبر على ما تكرهون منهن، وتقسموا لهن أسوة أمثالهن فإن الله عالم بذلك وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم‏}‏ أي لن تستطيعوا أيها الناس أن تساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع كما قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك‏.‏ وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عبد اللّه بن يزيد عن عائشة، قالت‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول‏:‏ ‏(‏اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك‏)‏، يعني القلب‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فلا تميلوا كل الميل‏}‏ أي فإذا ملتم إلى واحدة منهن فلا تبالغوا في اميل بالكلية ‏{‏فتذروها كالمعلقة‏}‏ أي فتبقى هذه الأخرى معلقة، قال ابن عباس وآخرون‏:‏ معناه لا ذات زوج ولا مطلقة؛ وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من كانت له امرأتان فمال إلى أحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وأصحاب السنن‏"‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تصلحوا وتتقوا فإن اللّه كان غفوراً رحيماً‏}‏ أي وإن أصلحتم في أموركم، وقسمتم بالعدل فيما تملكون، وأتقيتم اللّه في جميع الأحوال غفر اللّه لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإن يتفرقا يغن اللّه كلاً من سعته وكان اللّه واسعاً حكيما‏}‏ وهذه هي الحالة الثالثة‏:‏ وهي حالة الفراق‏:‏ وقد أخبر اللّه تعالى أنهما إذا تفرقا فإن اللّه يغنيه عنها ويغنيها عنه، بأن يعوضه اللّه من هو خير له منها ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه، ‏{‏وكان اللّه واسعاً حكيما‏}‏ أي واسع الفضل عظيم المن حكيماً في جميع أفعاله وأقداره وشرعه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏131 ‏:‏ 134‏)‏ ‏
{‏ ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا ‏.‏ ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا ‏.‏ إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا ‏.‏ من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا ‏}‏
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأنه الحاكم فيهما ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم‏}‏ أي وصيناكم بما وصيناهم به من تقوى اللّه عزّض وجلَّ بعبادته وحده لا شريك له، ثم قال‏:‏ ‏{‏وإن تكفروا فإن للّه ما في السموات وما في الأرض‏}‏ الآية، كما قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لقومه‏:‏ ‏{‏إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن اللّه لغني حميد‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏فكفروا وتولوا واستغنى اللّه واللّه غني حميد‏}‏ أي غني عن عباده، ‏{‏حميد أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه، وقوله‏:‏ ‏{‏وللّه ما في السموات وما في الأرض الأرض وكفى بالله وكيلاً‏}‏ أي هو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب الشهيد على كل شيء، وقوله‏:‏ ‏{‏إن يشا يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان اللّه على ذلك قديراً‏}‏ أي هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه، كما قال‏:‏ ‏{‏وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم‏}‏ قال بعض السلف‏:‏ ما أهون العباد على اللّه إذا أضاعوا أمره‏!‏‏!‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد* وما ذلك على اللّه بعزيز‏}‏ أي وما هو عليه بممتنع‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من كان يريد ثواب الدنيا فعند اللّه ثواب الدينا والآخرة‏}‏ أي يا من ليس له همة إلا الدنيا اعلم أن عند اللّه ثواب الدنيا والآخرة وإذا سألته من هذه وهذه أعطاك وأغناك وأقناك كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد‏}‏ الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فعند اللّه ثواب الدنيا والآخرة‏}‏ ظاهر في حصول الخير في الدنيا والآخرة، أي بيده هذا وهذا، فلا يقتصران قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط، بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة، فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع، وهو اللّه الذي لا إله إلا هو، الذي قد قسم السعادة والشقاوة بين الناس في الدنيا والآخرة، وعدل بينهم فيما علمه فيهم ممن يستحق هذا، وممن يستحق هذا، ولهذا قال‏:‏
‏{‏وكان اللّه سميعاً بصيراً‏}‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏135‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ‏}‏
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تأخذهم في اللّه لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏شهداء للّه‏}‏ كما قال‏:‏ ‏{‏وأقيموا الشهادة للّه‏}‏ أي أدوها ابتغاء وجه اللّه، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقاً، خالية من التحريف والتبديل والكتمان، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولو على أنفسكم‏}‏ أي أشهد الحق ولو عاد ضررها عليك، وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه لو عادت مضرته عليك، فإن اللّه سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه، وقوله‏:‏ ‏{‏أو الوالدين والأقربين‏}‏ أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها، بل اشهد الحق وإن عاد ضررها عليهم فإن الحق حاكم على كل أحد، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن يكن غنياً أو فقيراً فاللّه أولى بهما‏}‏ أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه لفقره، اللّه يتولاهما، بل هو أولى بهما منك وأعلم بما فيه صلاحهما وقوله‏:‏ ‏{‏فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا‏}‏ أي فلا يحملنكم الهوى والعصبية وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم، بل الزموا العدل على أي حال كان، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى‏}‏ ومن هذا قول عبد اللّه بن رواحة لما بعثه النبي صلى اللّه عليه وسلم يحرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهمم، فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال‏:‏ والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا‏:‏ بهذا قامت السموات والأرض‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تلووا أو تعرضوا‏}‏ قال مجاهد‏:‏ تلووا أن تحرفوا الشهادة وتغيروها، واللّي‏:‏ هو التحريف وتعمد الكذب‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب‏}‏ الآية، والإعراض‏:‏ هو كتمان الشهادة وتركها‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ون يكتمها فإنه آثم قلبه‏}‏، وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يُسألها‏)‏، ولهذا توعدهم اللّه بقوله‏:‏ ‏{‏فإن اللّه كان بما تعملون خبيراً‏}‏ أي وسيجازيكم بذلك‏.‏ 136 ‏{‏ يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا ‏}‏ يأمر تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشعبه وأركانه ودعائمه، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل هو من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته الاستمرار عليه، كما يقول المؤمن في كل صلاة ‏{‏إهدنا الصراط المستقيم‏}‏ أي بصّرنا وزدنا هدى، وثبتنا عليه، فأمرهم بالإيمان به وبرسوله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وآمنوا برسوله‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏والكتاب الذي نزل على رسوله‏}‏ يعني القرآن ‏{‏والكتاب الذي أنزل من قبل‏}‏ وهذا جنس يشمل جميع الكتب المتقدمة، وقال في القرآن ‏{‏نزّل‏}‏ لأنه نزل مفرقاً منجماً على الوقائع بحسب ما يحتج إليه العباد في معاشهم ومعادهم، وأما الكتب المتقدمة فكانت تنزل جملة واحدة، لهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏والكتاب الذي أنزل من قبل‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله اليوم الآخر فقد ضل صلالاً بعيداً‏}‏ أي فقد خرج عن طريق الهدى، وبعد عن القصد كل البعد‏.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏137 ‏:‏ 140‏)‏ ‏
{‏ إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ‏.‏ بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ‏.‏ الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ‏.‏ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ‏}
يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه، ثم عاد فيه، ثم رجع واستمر على ضلالة وازداد حتى مات، فإنه لا توبة بعد موته، ولا يغفر اللّه له، ولا يجعل له مما هو فيه فرجاً ولا مخرجاً ولا طريقاً إلى الهدى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لم يكن اللّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً‏}‏ قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم ازدادوا كفراً‏}‏ قال‏:‏ تمادوا على كفرهم حتى ماتوا‏.‏ وعن علي رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ يستتاب المرتد ثلاثاً، ثم تلا هذه الآية‏:‏ ‏{‏إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن اللّه ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً‏}‏، ثم قال‏:‏ ‏{‏بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً‏}‏ يعني أن المنافقين من هذه الصفة فإنهم آمنوا ثم كفروا، فطبع على قلوبهم، ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة، ويقولون لهم إذا خلوا بهم ‏{‏إنما نحن معكم إنما نحن مستهزءون‏}‏ أي بالمؤمنين في إظهارنا لهم الموافقة، قال اللّه تعالى منكراً عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين ‏{‏أيبتغون عندهم العزة‏}‏ ثم أخبر اللّه تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له كما قال تعالى في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون‏}‏، والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب اللّه، والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين، الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم‏}‏، أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات اللّه ويستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك فقد شاركتموهم في الذي هم في فلهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنكم إذا مثلهم‏}‏ في المأثم كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر‏)‏ والذي أحيل عليه في هذه الآية من النهي في ذلك، هو قوله تعالى في سورة الأنعام وهي مكية‏:‏ ‏{‏وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم‏}‏ الآية‏.‏ قال مقاتل بن حيان‏:‏ نَسَختْ هذه الآية التي في سورة الأنعام، يعني نسخ قوله‏:‏ ‏{‏إنكم إذا مثلهم‏}‏، لقوله‏:‏ ‏{‏وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إن اللّه جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً‏}‏، أي كما أشركوهم في الكفر، كذلك يشارك اللّه بينهم في الخلود في نار جهنم أبداً، ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏141‏)‏
‏{‏ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ‏}
يخبر تعالى عن المنافقين أنهم يتربصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى ينتظرون زوال دولتهم وظهور الكفرة عليهم وذهاب ملتهم، ‏{‏فإن كان لكم فتح من اللّه‏}‏ أي نصر وتأييد وظفر وغنيمة‏:‏ ‏{‏قالوا ألم نكن معكم‏}‏‏؟‏ أي يتوددون إلى المؤمنين بهذه المقالة، ‏{‏وإن كان للكافرين نصيب‏}‏‏:‏ أي إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان كما وقع يوم أُحد، فإن الرسل تبتلي ثم يكون لها العاقبة، ‏{‏قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين‏}‏‏؟‏ أي ساعدناكم في الباطن وما ألوناهم خبالاً وتخذيلاً حتى انتصرتم عليهم، وقال السدي‏:‏ نستحوذ عليكم‏:‏ نغلب عليكم، كقوله‏:‏ ‏{‏استحوذ عليهم الشيطان‏}‏ وهذا أيضاً تودد منهم إليهم، فإنهم كانوا يصانعون هؤلاء وهؤلاء ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم، وما ذاك إلا لضعف إيمانهم وقلة إيقانهم‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة‏}‏ أي بما يعلمه منكم أيها المنافقون من البواطن الرديئة، فلا تغتروا بجريان الأحكام الشرعية عليكم ظاهراً في الحياة الدنيا، لما له في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا تنفعكم ظواهركم، بل هو يوم تبلى فيه السرائر ويحصل ما في الصدور‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاًؤ جاء رجل إلى علي بن ابي طالب فقال‏:‏ كيف هذه الآية ‏{‏ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً‏}‏‏؟‏ فقال علي رضي اللّه عنه‏:‏ ادنه ادنه ‏{‏فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً‏}‏ قال ذاك يوم القيامة، وكذا روى السدي‏:‏ يعني يوم القيامة، وقال السدي ‏{‏سبيلاً‏}‏ أي حجة، ويحتمل أن يكون المعنى‏:‏ ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً أي في الدنيا، بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية، وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا‏}‏ الآية، وعلى هذا يكون رداً على المافقين فيما أمَّلوه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفاً على أنفسهم منهم، إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم - إلى قوله - نادمين‏}‏، وقد استدل كثير من العلاماء بهذه الآية الكريمة على أصح قولي العلماء وهو المنع من بيع العبد المسلم للكافرين لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال، ومن قال منهم بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا‏}






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس