عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2014, 03:55 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ خطبتي الجمعة من المسجد النبوي بعنوان : الحياة و الموت في الكتاب و السنة‎


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
ألقى فضيلة الشيخ عبد البارئ بن عواض الثبيتي - حفظه الله -
خطبتي الجمعة من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بعنوان :
الحياة والموت في الكتاب والسنة
والتي تحدَّث فيها عن الحياة والموت حقيقةً ومجازًا في كتاب الله
وسُنَّة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، ذاكِرًا العديد من الآيات والأحاديث
التي فيه بيان معنى الحياة ومعنى الموت على الحقيقة في الدنيا والآخرة.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين،
أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه على فضلِه العظيم،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الوليُّ الحميد،
وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه دعا إلى صراط الله المُستقيم،
صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
أمابعد ....
فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله،
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[ آل عمران: 102 ].
الحياةُ وضِدُّها الموت في المعاني الحقيقية والمجازية؛ فحياةُ الأرض بالإنبات،
وحياةُ العقل بالعلم وسَداد الرأي،
قال الله تعالى:
{ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ }
[ النحل: 21 ].
الإسلامُ أحيَا موتَ البشرية وبعثَ فيها الرُّوحَ من جديد،
أنقَذَنا الله بالإسلام من موتِ الرُّوح الذي هو أشدُّ من موتِ الجسَد،
والعبدُ ما لم تُشرِق في قلبِه شمسُ الرِّسالة وينالُ من حياتها ورُوحِها،
فهو في ظُلمةٍ، وهو من الأموات،
قال الله تعالى:
{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }
[ الأنعام: 122 ].
فهذا وصفُ المؤمن كان ميِّتًا في ظُلمة الجهَالَة، فأحيَاه الله برُوح الرسالة،
ونور الإيمان، وجعلَ له نورًا يمشِي به في الناس. وأما الكافِرُ فميِّتُ القلبِ في الظُّلُمات.
ومن صُور الموت: موتُ القلوبِ بضعفِ الإيمان؛
فالقلبُ الميِّتُ لا يعرِفُ ربَّه ولا يهتدِي بنُورِه، والحياةُ الحقيقيةُ هي حياةُ القلب،
وعُمر الإنسان مُدَّة حياته هي حياتُه بالله، هي ساعات عُمره في البرِّ والتقوى والطاعة،
ولا عُمر له سِواها.
وإذا أعرضَ العبدُ عن الله، واشتغلَ بالمعاصِي ضاعَت عليه أيامُ حياتِه الحقيقية،
وبعد إضاعتِها يقولُ:
{ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }
[ الفجر: 24 ].
قال الله تعالى:
{ فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ }
[ الروم: 52 ]
شبَّهَهم في موتِ قلوبِهم بأهل القُبُور؛ فإنهم قد ماتت أرواحُهم،
وصارَت أجسامُهم قبورًا لها، فكما أنه لا يسمعُ أصحابُ القبور، كذلك لا يسمعُ هؤلاء.
وإذا كانت الحياةُ هي الحِسُّ والحركة، فهذه القلوبُ لما لم تُحِسَّ بالعلم والإيمان،
ولم تتحرَّك له كانت ميِّتةً حقيقةً، وليس هذا تشبيهًا لموتِها بموتِ البدَن؛
بل ذلك موتُ القلبِ والرُّوح، والجهلُ موتٌ وضياعٌ للحياة، والعلمُ ضياءٌ لها،
ونورٌ للبصيرة، وبه سعادةُ الدنيا.
ومن جهِل نقصَت حياتُه، وفقدَ جُزءًا من زهرتها،
قال الله تعالى:
{ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى }
[ الرعد: 19 ].
فالجاهلُ مُجرَّد جسدٍ يمشِي على الأرض وإن كان حيَّ البدَن،
قال الله تعالى:
{ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ }
[ يس: 69، 70 ]
وقد يموتُ المرءُ بركُودِ همَّته وعزيمتِه، فتذبُل حيويَّتُه، ويغدُو أسيرَ الشهوات والملذَّات،
يتحرَّكُ معها وينشطُ لها. والمُسلمُ حياتُه وقَّادةٌ مع ذِكر الله والجنة والنار،
وعزيمتُه ماضيةٌ في الطاعة والعبادة.
علامة الحياة هذه الهمَّة التي تجعلُ للمُسلم قيمة، ولحياته معنًى، ولعُمره أثرًا،
وقد يموتُ المرءُ معنويًّا بموت مشاعِره، وتجمُّد عاطفتِه،
وحركةُ المشاعِر وتجاوبُها مع الأحداث دليلُ الحياة وعلامةُ الإيمان.
وكيف لا تتحرَّك مشاعِرُ المُسلم مع ما يمُوجُ في شرق الأرض وغربِها من فتنٍ مُترادِفة،
ومِحَنٍ مُتتالِية، تعصِفُ بالأمة الإسلامية: حربُ إبادةٍ .. وانتِهاكٌ للمُقدَّسات ..
وقتلٌ وتهجيرٌ .. وسُخريةٌ واستِهزاءٌ .. وفُرقةٌ وشَتاتٌ .. وتخلُّفٌ وفقرٌ.
عن حُذيفة بن اليَمان - رضي الله عنه - قال:
سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
( تُعرَضُ الفتنُ على القلوبِ كالحَصِيرِ عُودًا عُودًا،
فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَ فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيه نُكتةٌ بيضاء،
حتى تصيرَ على قلبَين: على أبيَضَ مثل الصفاء،
فلا تضُرُّه فتنةٌ ما دامَت السماواتُ والأرض،
كالكُوز مُجخِّيًا لا يعرِفُ معروفًا ولا يُنكِرُ مُنكرًا إلا ما أُشرِبَ من هواه )
وقد تموتُ الحواسُّ،
قال الله تعالى:
{ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا }
[ الأعراف: 179 ].
وحياةُ الحواسِّ تكون في حُسن الخُلُق، وأدب الكلمة، وخُشوع النظر،
وغضِّ البصر، وخفضِ الجَناح،
قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:
( تبسُّمُك في وجهِ أخيكَ صدقةٌ )
وقد يموتُ المرءُ اجتماعيًّا بانحِسار دورِه في الحياة والمُجتمع،
وضعفِ تواصُلِه مع أهلِه وأقارِبِه والناس، فيعيشُ مُنعزِلاً،
ويُؤثِّرُ هذا على رسالتِه في بناءِ مُجتمعِه ووطنِه وأمَّتِه، وتنمية شخصيَّته.
والحياةُ - عباد الله - هي الإنجازُ والطُّموحُ، والموتُ يعني:
اليأسَ والخمولَ والكسلَ، وتعطيلَ الطاقات، والبَطالَة.
الإنجازُ أن تصنعَ شيئًا لنفسِك ووطنِك وأمَّتك ومُجتمعك،
ولن يشبعَ مُؤمنٌ من خيرٍ حتى تكون الجنة مُنتهاه،
وقد غرسَ فينا رسولُنا الكريمُ - صلى الله عليه وسلم - الطُّموحَ فقال:
( فإذا سألتُم الله فاسألُوه الفِردوسَ )
ويقول عُمر بن عبد العزيز - رحمه الله -:
[ إن لي نفسًا توَّاقَة ]
وموتُ الوقت - عباد الله - هو موتُ الإنسان في الحياة،
ويُفرِزُ عواقِبَ وخيمةً في السُّلُوك والأخلاق والعقيدة.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس