الموضوع: تبـــاريــح
عرض مشاركة واحدة
قديم 25-10-2011, 10:53 AM   رقم المشاركة : 21
عبدالعزيز التويجري
( ود نشِـط )
 
الصورة الرمزية عبدالعزيز التويجري
 





عبدالعزيز التويجري غير متصل



هذه الخاطرة لم أكتبها بمداد قلمي بل كتبتها بقطرات دمي ودموع عيني بعدما مررت على بيتنا القديم فوجدته خاوٍ على عروشه فتأثرت وكتبت هذه الخاطرة :

أيها البيت الذي فيه نشأت وعلى ترابه درجت ووسط عراصه تقلبت أين بناؤك الشامخ وعزك الباذخ الذي لعبت به أيدي المنون وتصاريف الدهور .
ألم تكن قبل عقود قليلة ذلك البناء الذي ترنوا إليه الأنظار فما الذي دهاك حتى أصبحت ذكرى تذكر وأحاديث تروى وتاريخاً يكتب .
لقد كنت أرجو أن تكون ذكرى باقية بعد رحيلي وها أنذا أبقى ذكرى لأحدث عن ذكرياتي معك بعد رحيلك .
هل تذكر تلك الليالي والأيام الجميلة عندما كنت طفلاً آتي بصحبة ذلك الملاك الطاهر ونجلس عند النخلة التي اتكأت على أحد حيطانك بعدما عصفت بها رياح الشيخوخة نرقب غروب الشمس وأفول أشعتها الذهبية وعندما كنا نجلس تحت العريش نرقب المطر المتساقط .
وهل تذكر عندما كنت مع أترابي نرقب الطيور المهاجرة نحو الأفق البعيد .
وعندما كنا نرمي النخلة الهرمة بالحجارة لتسقط لنا الرطب فنأكله تحتها بين خرير الماء وتغريد الطيور .
يا لها من براءة نرميها ونؤذيها ثم نتفيأ ظلها ونأكل ثمارها .
وهل تذكر أولئك الشباب الذين عهدتهم كالأسود أصبحوا اليوم متنعمين متميعين قد آثروا النعومة على الخشونة .
وهل تذكر أولئك الناس الطيبون الذين يبذلون مهجهم وأفئدتهم لجارهم إن دهته النوائب وحلت بساحه المصائب لم يعودوا كما كانوا فقد قلبوا لماضيهم ظهر المجن وانقلبوا ذئاباً كاسرة وتلك القلوب التي تحكي صفاء السماء أصبحت كالليل الحالك المليء بالغيوم والعواصف .
وهل تذكر ذلك الطفل الصغير الذي كان بالأمس يدرج فوق ترابك ويجول بين مغانيك ها هو اليوم شاباً قد زاد على الخامسة والعشرين من العمر واقفاً على أطلالك يناجي رسومك الدارسة بعدما عصفت بجسمه رياح الأسى والوهن وثارت بقلبه أمواج الصبابة والشجن أفما آن لهذا الفارس أن يترجل ولجسمه المنهك أن يستريح بعد هذا العناء الطويل .
أيها البيت لقد ذهبت ذكراك من قلوب أهلك ولم يبق من يكن لك الود غيري وسأحتفظ لك بهذا الحب والوفاء حتى تطويني يد الردى وأوسد في قبري حينها ستطوى تلك الصفحة التي حفظت ودك وراعت عهدك وتصبح بعدها نسياً منسيّا .
أيها البيت لم يبق لي أمل في هذه الدنيا فقد ذهب الزمان الذي ما زالت ذكراه ماثلة أمامي بكل أحداثها وتفاصيلها وذهب ذلك الملاك الطاهر الذي تركني وحيداً أصارع الشجن والوهن من دون نصير أو معين ومضى أولئك الناس الطيبون ورقدوا تحت الثرى فلم يعد الزمان زماني ولا المكان مكاني .
أيها البيت ها أنذا راحل عنك لأقضي ما بقي لي من أيام كما أرادها الله وكما كتبت في اللوح المحفوظ حتى تكتمل أنفاسي وأذهب إلى حيث الراحة الأبدية التي لا هم فيها ولا نصب في العالم الآخر حيث تكتنفني رحمة أرحم الراحمين .
أيها البيت ربما هذه آخر وقفة لي على أطلالك ولا أعلم هل سيسعفني القدر بتحقيق أملي ببنائك وإعادة مجدك القديم أو يحول من دون هذا الأجل فالوداع الوداع الذي لا لقاء بعده .






التوقيع :
كلٍّ نهار العيـد دنـى جديـده=وأنا نهار العيد دنيت الأكفان

رد مع اقتباس