عرض مشاركة واحدة
قديم 08-05-2014, 08:24 PM   رقم المشاركة : 24
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الآية رقم ‏(‏105‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ‏}‏
يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، ومخبراً لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس، سواء كان قريباً منه أو بعيداً‏.‏ قال ابن عباس في تفسير
هذه الآية، يقول تعالى‏:‏ إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال، ونهيته عنه من الحرام، فلا يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته به، وهكذا قال مقاتل بن حيان‏.‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم‏}‏ نصب على الإغراء ‏{‏لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى اللّه مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون‏}‏ أي فيجازي كل عام بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر‏.‏ وليس فيها دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكناً، وقد قام أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال‏:‏ أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم‏}‏ وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إن الناس إذا رأو المنكر ولا يغيرونه يوشك الله عزَّ وجلَّ أن يعمهم بعقابه ‏"‏رواه أحمد وأصحاب السنن وابن ماجة‏"‏قال الترمذي عن أبي أمية الشعباني قال‏:‏ أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقلت له‏:‏ كيف تصنع في هذه الآية‏؟‏ قال‏:‏ أية آية‏؟‏ قلت‏:‏ قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم‏}‏ قال‏:‏ أما واللّه لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإن من ورائكم أياماً الصابر فيهن مثل القابض عن الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم‏)‏، وفي رواية قيل‏:‏ يا رسول اللّه أجر خمسين رجلاً منا أو منهم‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بل أجر خمسين منكم‏)‏

وروى الرازي عن أبي العالية عن ابن مسعود في قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليك أنفسكم لا يضركم من ضل‏}‏ الآية، قال‏:‏ كانوا عند عبد اللّه بن مسعود جلوساً فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه فقال رجل من جلساء عبد اللّه‏:‏ ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر، فقال آخر إلى جنبه‏:‏ عليك بنفسك، فإن اللّه يقول‏:‏ ‏{‏عليكم أنفسكم‏}‏ الآية، قال‏:‏ فسمعها ابن مسعود، قال‏:‏ مه لم يجيء تأويل هذه بعد، إن القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومنه آية قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه أي تأويلهن عند الساعة وما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب ما ذكر من الحساب والجنة والنار فما دامت قلبوكم واحدة وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً، ولم يذكق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا، وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض فامرؤ ونفسه، وعند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية رواه ابن جرير، وقال ابن جرير تلا الحسن هذه الآية‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم‏}‏ فقال الحسن‏:‏ الحمد للّه بها، والحمد للّه عليها، ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جنبه منافق يكره عمله‏.‏ وقال سعيد بن المسيب‏:‏ إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فلا يضرك من ضل إذا اهتديت‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏106 ‏:‏ 108‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ‏.‏ فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ‏.‏ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين ‏}‏

اشتملت هذه الآية الكريمة على حكم عزيز، قيل إنه منسوخ، وقال آخرون وهم الأكثرون بل هو محكم، ومن ادعى نسخه فعليه البيان ‏"‏قاله ابن جرير رحمه اللّه تعالى‏"‏فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان‏}‏ هذا هو الخبر لقوله شهادة بينكم فقيل‏:‏ تقديره شهادة اثنين شهادة اثنين حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه‏.‏ وقيل‏:‏ دل الكلام على تقدير‏:‏ أن يشهد اثنان، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذوا عدل‏}‏ وصف الإثنين بأن يكونا عدلين، وقوله‏:‏ ‏{‏منكم‏}‏ أي من المسلمين، قاله الجمهور‏.‏ قال ابن عباس رضي اللّه عنه في قوله ‏{‏ذوا عدل منكم‏}‏، قال‏:‏ من المسليمن‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ وقال آخرون عني ذلك ‏{‏ذوا عدل منكم‏}‏ أي من أهل الموصي، وقوله‏:‏ ‏{‏أو آخران من غيركم‏}‏ قال ابن ابي حاتم، قال ابن عباس في قوله ‏{‏أو آخران من غيركم‏}‏ قال‏:‏ من غير المسلمين، يعني أهل الكتاب ‏"‏وروي عن شريح وعكرمة وقتادة والسدي ومقاتل نحو ذلك‏"‏وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله‏:‏ ‏{‏منكم‏}‏ أن المراد من قبيلة الموصي، يكون المراد ههنا ‏{‏أو آخران من غيركم‏}‏ أي من غير قبيلة الموصي، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أنتم ضربتم في الأرض‏}‏ أي سافرتم ‏{‏فأصابتكم مصيبة الموت‏}‏ وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين أن يكون ذلك في سفر، وأن يكون في وصية، كما قال ابن جرير عن شريح‏:‏ لا تجوز شهادة شهادة اليهود والنصارى إلا في سفر، ولا تجوز في سفر إلا في الوصية، وروي نحوه عن الإمام أحمد بن حنبل وخالفه الثلاثة، فقالوا‏:‏ لا تجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين، وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضاً‏.‏

وقال ابن جرير عن الزهري قال‏:‏
مضت السنة أن لا تجوز شهادة الكافر في حضر ولا سفر، إنما هي في المسلمين‏.‏ وقال ابن زيد‏:‏ نزلت هذه الآية في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك في أول الإسلام والأرض حرب، والناس كفار، وكان الناس يتوارثون بالوصية، ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل الناس بها، رواه ابن جرير‏.‏ وفي هذا نظر واللّه أعلم‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ اختلف في قوله‏:‏ ‏{‏شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم‏}‏ هل المراد به أن يوصي إليهما أو يشهدهما‏؟‏ على قولين أحدهما ‏:‏ أن يوصي إليهما، سئل ابن مسعود رضي اللّه عنه عن هذه الآية قال‏:‏ هذا رجل سافر ومعه مال فأدركه قدره، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين، والقول الثاني ‏:‏ أنهما يكونا شاهدين، وهو ظاهر سياق الآية الكريمة، فإن لم يكن وصي ثالث معهما اجتمع فيهما الوصفان الوصاية والشهادة، كما في قصة تميم الداري وعدي بن بداء كما سيأتي ذكرها إن شاء اللّه وبه الوفيق‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏تحبسونهما من بعد الصلاة‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يعني صلاة العصر، وقال الزهري‏:‏ يعني صلاة المسلمين، وقال السدي عن ابن عباس‏:‏ يعني صلاة أهل دينهما، والمقصود أن يقام هذان الشاهدان بعد صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم، ‏{‏فيقسمان بالله‏}‏ أي فيحلفنان باللّه‏}‏ أي فيحلفان باللّه ‏{‏إن ارتبتم‏}‏ أي إن ظهرت لكم منهما ريبة أنهما خانا أو غلَّا فيحلفان يحينئذ باللّه ‏{‏لا نشتري به‏}‏ أي بأيماننا ‏{‏ثمنا‏}‏ أي لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة ‏{‏ولو كان ذا قربى‏}‏ أي ولو كان المشهود عليه قريباً لنا لا نحابيه، ‏{‏ولا نكتم شهادة اللّه‏}‏ اضافها إلى اللّه تشريفاً لها وتعظيماً لأمرها‏.‏

‏{‏إنا إذاً لمن الآثمين‏}‏
أي فعلنا شيئاً من ذلك من تحريف الشهادة أو تبديلها أو تغييرها أو كتمها بالكلية، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن عثر على أنهما استحقا إثماً‏}‏ أي فإن اشتهر وظهر وتحقق من الشاهدين الوصيين أنهما خانا أو غلّا شيئاً من المال الموصى به إليهما وظهر عليهما بذلك ‏{‏فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عيهم الأوليان‏}‏ أي متى تحقق بالخبر الصحيح خيانتهما، فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة وليكونا من أولى من يرث ذلك المال ‏{‏فيقسمان باللّه لشهادتنا أحق من شهادتما‏}‏، أي لقولنا إنهما خانا أحق وأصح واثبت من شهادتهما المتقدمة، ‏{‏وما اعتدينا‏}‏ أي فيما قلنا فيهما من الخيانة ‏{‏إنا إذا لمن الظالمين‏}‏ أي إن كنا قد كذبنا عليهما، وهذا التحليف للورثة والرجوع إلى قولهما والحالة هذه كما يحلف أولياء المقتول إذا ظهر لوث في جانب القاتل، فيقسم المتسحقون على القاتل فيدفع برمته إليم كما هو مقرر في باب القسامة من الأحكام‏.‏

وقد روي عن ابن عباس قال‏:‏ خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري، وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدمنا بتركته، فقدوا جاما من فضة مخوصاً بالذهب، فأحلفهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ووجدوا الجام بمكة، فقيل‏:‏ اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا باللّه لشهادتنا أحق من شهادتهما، وإن الجام لصاحبهم، وفيهم نزلت‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم‏}‏ ‏"‏أخرجه الترمذي وابو داود، وقال الترمذي ‏:‏ حسن غريب‏"‏الآية، ومن الشواهد لصحة هذه القصة ما رواه أبو جعفر بن جرير عن الشعبي أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا‏؟‏‏؟‏ هذه، قال فحضرته الوفاة ولم يجد أحداً من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، قال‏:‏ فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري يعني أبا موسى الأشعري رضي اللّه عنه، فأخبراه، وقدما الكوفة بتركته ووصيته، فقال الأشعري‏:‏ هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وقال‏:‏ فأحلفهما بعد العصر، باللّه ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيّرا، وإنها لوصية الرجل وتركته، قال‏:‏ فأمضى شهادتهما، فقوله‏:‏ هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الظاهر - واللّه أعلم - أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعدي بن بداء، وقد ذكروا أن إسلام تميم بن أوس الداري رضي اللّه عنه كان سنة تسع من الهجرة، فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخراً يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام، واللّه أعلم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس