عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-2014, 02:39 AM   رقم المشاركة : 26
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقال قائلون‏:‏ إنها لم تنزل، روي عن قتادة قال‏:‏ كان الحسن يقول‏:‏ لما قيل لهم ‏{‏فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين‏}‏ قالوا‏:‏ لا حاجة لنا فيها فلم تنزل، ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت، وهو الذي اختاره ابن جرير، لأن اللّه تعالى أخبر بنزولها في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إني منزلها عليكم فيمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين‏}‏، قال‏:‏ ووعد الله ووعيده حق وصدق، وههذا القول هو - والله أعلم - الصواب، كما دلت عليه الأخبار والآثار عن السلف وغيرهم‏.‏ وقد قال الإمام أحمد عن ابن عباس قال‏:‏ قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهباً ونؤمن بك، قال‏:‏ ‏(‏وتفعلون‏)‏ قالوا‏:‏ نعم، قال‏:‏ فدعا، فأتاه جبريل، فقال‏:‏ إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك‏:‏ إن شئت أصبح لهم الصفا ذهباً، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏بل باب التوبة والرحمة‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وابن مردويه والحاكم في مستدركه‏"‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏116 ‏:‏ 118‏)‏
‏{‏ وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ‏.‏ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد ‏.‏ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ‏}‏

هذا أيضاً مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام قائلاً له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله ‏{‏يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله‏}‏ وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد، هكذا قاله قتادة وغيره، واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم‏}‏ وقال السدي‏:‏ هذا الخطاب والجواب في الدنيا، وصوبه ابن جرير، قال‏:‏ وكان ذلك حين رفعه إلى السماء‏.‏ واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين أحدهما ‏:‏ أن الكلام بلفظ المضي، والثاني قوله‏:‏ ‏{‏إن تعذبهم‏}‏ ‏{‏وإن تغفر لهم‏}‏ وهذان الدليلان فيهما نظر، لأن كثيراً من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت‏.‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏{‏إن تعذبهم فإنهم عبادك‏}‏ الآية‏.‏ التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى اللّه، وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه، كما في نظائر ذلك من الآيات، والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر - واللّه أعلم - أن ذلك كائن يوم القيامة ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوتبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة‏.‏ وقد روي بذلك حديث مرفوع، ررواه الحافظ ابن عساكر عن أبي موسى الأشعري قال، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم، ثم يدعى بعيسى فيذكره اللّه نعمته عليه فيقر بها، فيقول ‏{‏يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك‏}‏ الآية، ثم يقول‏:‏ ‏{‏أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون اللّه‏}‏ فينكر أن يكون قال ذلك، فيؤتى بالنصارى فيسألون فيقولون‏:‏ نعم،هو أمرنا بذلك، قال‏:‏ فيطول شعر عيسى عليه السلام فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعرة من شعر رأسه وجسده، فيجاثيهم بين يدي اللّه عزَّ وجلَّ مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة، ويرفع لهم الصليب، وينطلق بهم إلى النار‏)‏
‏"‏رواه الحافظ ابن عساكر، وقال ابن كثير‏:‏ هذا حديث غريب عزيز‏"‏

وقوله تعالى‏:‏{‏سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق‏}‏، هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل، كما قال ابن أبي حاتم‏:‏ حدثنا أبي، حدثنا ابن ابي عمر، حدثنا سفيان عن عمرو عن طاووس عن أبي هريرة قال‏:‏ يلقي عيسى حجته، ولقاه الله تعالى في قوله‏:‏ ‏{‏وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله‏}‏، قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلقاه اللّه ‏{‏سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق‏}‏ إلى آخر الآية، وقد رواه الثوري عن معمر عن ابن طاووس عن طاووس بنحوه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إن كنت قلتُه فقد علمتَه‏}‏ أي إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب فإنه لا يخفى عليك شيء فما قلته ولا أردته في نفسي لا أضمرته، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب* ما قلت لهم إلا ما أمرتني به‏}‏ بإبلاغه ‏{‏أن اعبدوا اللّه ربي وربكم‏}‏ أي ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتين بإبلاغه ‏{‏أن اعبدوا الله ربي وربكم‏}‏ أي هذا هو الذي قلت لهم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم‏}‏ أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم،
‏{‏فلما توفيتين كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد‏}‏‏.‏

قال أبو داود الطيالسي عن ابن عباس قال‏:‏ قام فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال‏:‏ ‏(‏أيها الناس إنكم محشورون إلى اللّه عزَّ وجلَّ حفاة عراة غرلا ‏{‏كما بدأنا أول خلق نعيده‏}‏، وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول‏:‏ أصحابي، فيقال‏:‏ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح ‏{‏وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد* إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم‏}‏ فيقال‏:‏ إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم‏)‏ ‏"‏رواه البخاري في التفسير عند هذه الآية‏:‏
{‏إن تعذبهم فإنهم عبادك‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم‏}‏ هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى اللّه عزَّ وجلَّ، فإنه الفعال لما يشاء الذي لا يسال عما يفعل وهم يسألون، ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على اللّه وعلى رسوله، وجعلوا للّه نداً وصاحبة وولداً، تعالى اللّه عما يقولون علواً كبيراً، وهذه الآية لها شأن عظيم ونبأ عجيب، وقد
ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها، قال الإمام أحمد عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها ‏{‏إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم‏}‏ فلما أصبح، قلت‏:‏ يا رسول اللّه ما زلت تقرأ هذه الآية حتى اصبحت تركع بها وتسجد بها‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إني سالت ربي عز وجلَّ الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء اللّه لمن لا يشرك باللّه شيئاً‏)‏ وقال ابن ابي حاتم عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول عيسى ‏{‏إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم‏}‏ فرفع يديه فقال‏:‏ ‏(‏اللهم أمتي‏)‏ وبكى، فقال اللّه‏:‏ يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله ما يبكيه ‏!‏ فأتاه جبريل فساله فأخبره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال اللّه‏:‏ يا جبريل اذهب إلى محمد فقال‏:‏ إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك‏.‏ وقال الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان قال غاب عنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوماً فلم يخرج، حتى ظننا أن لن يخرج، فلما خرج سجد سجدة، ظننا أن نفسه قد قبضت فيها، فلما رفع رأسه قال‏:‏‏(‏ إن ربي عزَّ وجلَّ استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم‏؟‏ فقلت‏:‏ ما شئت يا رب هم خلقك وعبادك، فاستشارني الثانية فقلت له‏:‏ كذلك، فقال لي‏:‏ لا أخزيك في أمتك يا محمد، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفاً مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حسبا، ثم أرسل إليّ فقال‏:‏ ادع تجب وسل تعط، فقلت لرسوله‏:‏ أو معطي ربي سؤلي‏؟‏ فقال‏:‏ ما ارسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد أعطاني ربي - ولا فخر - وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر‏.‏ وأنا أمشي حياً صحيحاً، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي، وأعطاني العز، والنصر، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهراً، وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة، وطيب لي ولأمتي الغنيمة، وأحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا، ولم يجعل علينا في الدين من حرج الحديث وإن كان ضعيف السند ففي أحاديث الشفاعة ما يؤيده ويؤكده
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏119 ‏:‏ 120‏)‏
‏{‏ قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ‏.‏ لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ‏}‏

يقول تعالى مجيباً لعبده ورسوله عيسى بن مريم عليه السلام فيما أنهاه إليه من التبري من النصارى الملحدين الكاذبين على اللّه وعلى رسوله، ومن رد المشيئة فيهم إلى ربه عزَّ وجلَّ فعند ذلك يقول تعالى‏:‏ ‏{‏هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يوم ينفع الموحدين توحيدهم ‏{‏لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً‏}‏ أي ماكثين فيهن لا يحولون ولا يزولون رضي الله عنهم ورضوا عنه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ورضوان من اللّه أكبر‏}‏ وسيأتي ما يتعلق بتلك الآية من الحديث، وروى ابن ابي حاتم عن أنس مرفوعاً قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيه‏:‏ ‏(‏ثم يتجلى لهم الرب جل جلاله فيقول‏:‏ سلوني سلوني أعطكم - قال - فيسألونه الرضا فيقول‏:‏ رضاي أحلكم داري، وأنالكم كرامتي، فسلوني أعطكم فيسالونه الرضا - قال فيشهدهم أنه قد رضي عنهم‏.‏ سبحانه وتعالى‏)‏، ‏{‏ذلك الفوز العظيم‏}‏ أي هذا الفوز الكبير الذي لا أعظم منه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لمثل هذا فليعمل العاملون‏}‏، وكما قال‏:‏ ‏{‏وفي ذلك فليتنافس المتنافسون‏}‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏للّه ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير‏}‏ أي هو الخالق للأشياء المالك لها، المتصرف فيها، القادر عليها، فالجميع ملكه وتحت قهره وقدرته وفي مشئيته، فلا نظير له ولا وزير ولا عديل ولا والد ولا ولد ولا صاحبة، ولا إلّه غيره ولا رب سواه‏.‏ قال ابن وهب‏:
آخر سورة أنزل سورة المائدة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس