عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 01:48 AM   رقم المشاركة : 17
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏53 ‏:‏ 55‏)‏
‏{‏ أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ‏.‏ أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ‏.‏ فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏أم لهم نصيب من الملك‏}‏ وهذا استفهام إنكاري أي ليس لهم نصيب من الملك، ثم وصفهم بالبخل فقال‏:‏ ‏{‏فإذا لا يؤتون الناس نقيرا‏}‏ أي لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لما أعطوا أحداً من الناس ولا سيما محمداً صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولا ما يملأ النقير وهو النقطة التي في النواة في قول ابن عباس والأكثرين، وهذه الآية كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق‏}‏ أي خوف أن يذهب ما بأيديكم، مع أنه لا يتصور نفاده، وإنما هو من بخلكم وشحكم، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وكان الإنسان قتوراً‏} أي بخيلاً‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏أم يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله‏}‏ يعني بذلك حسدهم النبي صلى اللّه عليه وسلم على ما رزقه اللّه من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل، ‏{‏فقد آتينا آل إبراهم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً‏}‏ أي فقد جعلنا في أسباط بني إسرائيل الذين هم من ذرية إبراهيم النبوة وأنزلنا عليهم الكتب، وحكموا فيهم بالسنن وهي الحكمة وجعلنا منهم الملوك، ومع هذا ‏{‏فمنهم من آمن به‏}‏ أي بهذا الإيتاء وهذا الإنعام ‏{‏ومنهم من صدَّ عنه‏}‏ أي كفر به وأعرض عنه وسعى في صد الناس عنه، وهو منهم ومن جنسهم أي من بني إسرائيل فقد اختلفوا عليهم فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل‏؟‏ وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏فمنهم من آمن به‏}‏ أي بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏ومنهم من صدّ عنه‏}‏ فالكفرة منهم أشد تكذيباً لك، وأبعد عما جئتهم به من الهدى، والحق المبين ولهذا قال متوعداً لهم‏:‏ ‏{‏وكفى بجهنم سعيرا‏}‏ أي وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب اللّه ورسله‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏56 ‏:‏57‏)‏
‏{‏ إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما ‏.‏ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا ‏}

يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله، فقال‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا بآياتنا‏}‏ الآية، أي ندخلهم ناراً دخولاً يحيط بجميع أجرامهم وأجزائهم، ثم أخبر عن دوام عقوبتهم ونكالهم فقال‏:‏ ‏{‏كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب‏}‏ قال الأعمش عن ابن عمر‏:‏ إذا احترقت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها بيضاً أمثال القراطيس، وعن الحسن قوله‏:‏ ‏{‏كلما نضجت جلودهم‏}‏ الآية قال‏:‏ تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة، ثم قيل لهم‏:‏ عودوا فعادوا، عن ابن عمر قال‏:‏ قرأ رجل عند عمر هذه الآية‏:‏ ‏{‏كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها‏}‏ فقال عمر‏:‏ أعدها عليَّ، فأعادها، فقال معاذ بن جبل‏:‏ عندي تفسيرها، تبدل في ساعة مائة مرة، فقال عمر‏:‏ هكذا سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏وقال الربيع بن أنس‏:‏ مكتوب في الكتاب الأول أن جلد أحدهم أربعون ذراعاً، وسنّه سبعون ذراعاً، وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه، فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلوداً غيرها، وقد ورد في الحديث ما هو أبلغ من هذا،
قال الإمام أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يعظم أهل النار في النار حتى إن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وإن غلظ جلده سبعون ذراعاً، وإن ضرسه مثل أحد‏)

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً‏}‏، هذا إخبار عن مآل السعداء في جنات عدن التي تجري فيها الأنهار في جميع فجاجها، ومحالها وأرجائها حيث شاءوا وأين أرادوا، وهم خالدون فيها أبداً لا يحولون ولا يزولون ولا يبغون عنها حولاً‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لهم فيها أزواج مطهرة‏}‏ أي من الحيض، والنفاس، والأذى، والأخلاق الرذيلة، والصفات الناقصة كما قال ابن عباس‏:‏ مطهرة من الاقذار والأذى‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ مطهرة من البول والحيض النخام والبزاق والمني والولد، وقال قتادة‏:‏ مطهرة من الأذى والمآثم، ولا حيض ولا كلف‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وندخلهم ظلاً ظليلاُ‏}‏ أي ظلاً عميقاً كثيراً غزيراً طيباً أنيقاً،
عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها - شجرة الخلد‏)‏
‏"‏رواه ابن جرير وأخرجه الشيخان بنحوه‏"‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏58‏)‏
{‏ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ‏}

يخبر اللّه تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخنمن خانك‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وأصحاب السنن‏"‏وهو يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق اللّه عزّ وجلَّ على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات النذور وغير ذلك، ما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض، كالودائع وغير ذلك مما يأتمون به من غير اطلاع بينة على ذلك فأمر اللّه عزَّ وجلَّ بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء‏)
، وقال ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة، يؤتى بالرجل يوم القيامة وإن كان قد قتل في سبيل اللّه فيقال‏:‏ أد أمانتك، فيقول‏:‏ فأنَّى أؤديها وقد ذهبت الدنيا‏؟‏ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم فيهوي إليها فيحملها على عاتقه فتنزل عن عاتقه فيهوي على أثرها أبد الآبدين ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود موقوفاً‏"‏قال أبو العالية‏:‏ الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه‏.‏ وروى ابن أبي حاتم عن مسروق قال، قال أُبيّ بن كعب ‏:‏ من الأمانات أن المرأة ائتمنت على فرجها، وقال الربيع بن أنس‏:‏ هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس‏.‏ وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة حاجب الكعبة المعظمة، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص‏.‏ ...و

سبب نزولها فيه
لما أخذ منه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ثم رده عليه، وقال محمد بن إسحاق‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس خرج حتى جاء إلى البيت فطاف به سبعاً على راحلته يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها، وفوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكن له الناس في المسجد فقال‏:‏‏(‏لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، أن كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدميَّ هاتين، الا سدانة البيت وسقاية الحاج‏)‏ وذكر بقيِّة الحديث في خطبة النبي صلى اللّه عليه وسلم يومئذ إلىأن قال‏:‏ ثم جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المسجد، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال‏:‏ يا رسول اللّه اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى اللّه عليك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ أين عثمان بن طلحة ‏؟‏ فدعي له، فقال له‏:‏ ‏)‏هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم وفاء وبر‏)قال ابن جرير‏:‏ نزلت في عثمان بن طلحة،
قبض منه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مفتاح الكعبة فدخل في البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية ‏{‏إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ الآية، فدعا عثمان إليه فدفع إليه المفتاح، وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الكعبة وهو يتلو هذه الآية ‏{‏إن اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ فداه أبي وأمي ما سمعته يتلوها قبل ذلك‏.‏
وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في ذلك، وسواء كانت في ذلك أو لا فحكمها عام، ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية‏:‏ هي للبر والفاجر، أي هي أمر لكل أحد، وقوله‏:‏ ‏{‏وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل‏}‏ أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس، ولهذا قال زيد بن أسلم‏:‏ إن هذه الآية‏:‏ إنما نزلت في الأمراء يعني الحكام بين الناس، وفي الحديث‏:
‏(‏إن اللّه مع الحاكم ما لم يجر، فإذا جار وكله إلى نفسه‏)
‏، وفي الأثر‏:‏ ‏(‏عدل يوم كعبادة أربعين سنة‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إن اللّه نعمَّا يعظكم به‏}‏ أي يأمركم به من أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن اللّه كان سميعاً بصيراً‏}‏ سميعاً لأقوالكم، بصيراً بأفعالكم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏59‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ‏}

قال البخاري عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم‏}‏، قال نزلت‏:‏ في عبد اللّه بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سرية، وقال الإمام أحمد عن علي قال‏:‏ بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، فلما خرجوا وجد عليهم في شيء قال، فقال لهم‏:‏ أليس قد أمركم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن تطيعوني‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى، قال‏:‏ فاجمعوا لي حطباً - ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال‏:‏ عزمت عليكم لتدخلنها، قال، فقال لهم شاب منهم‏:‏ إنما فررتم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها، قال‏:‏ فرجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم‏:‏ ‏(‏لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف‏)
وعن عبد اللّه بن عمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة‏)"‏رواه أبو داود‏"‏وعن عبادة ابن الصامت قال‏:‏ بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال‏:‏ ‏(‏إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من اللّه برهان‏)‏‏"‏رواه البخاري ومسلم‏"‏وفي الحديث الآخر عن أنس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اسمعوا وأطيعوا، وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة‏)رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال‏:‏ ‏(‏أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدوع الأطراف‏) رواه مسلم وروى ابن جرير عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏سيليكم ولاة بعدي فيليكم البر ببره، والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، وصلّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم‏)‏
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون‏)‏ قالوا، يا رسول اللّه‏:‏ فما تأمرنا‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أوفوا ببيعة الأول فالاول، وأعطوهم حقهم، فإن اللّه سائلهم عما استرعاهم‏)أخرجاه، وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية‏}‏أخرجاه، وعن ابن عمر أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من خلع يداً من طاعة لقي اللّه يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية‏)‏ رواه مسلم وروى مسلم أيضاً عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال‏:‏ دخلت المسجد فإذا عبد اللّه بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس حوله مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه فقال‏:‏ كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره أصل الجشر‏:‏ الدواب ترعى في مكان وتبيت فيه اهـ إذا نادى منادي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الصلاة جامعة‏!‏ فاجتمعنا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور ينكرونها، وتجيء فتن يُرَقِّقُ بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن‏:‏ هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن‏:‏ هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن باللّه واليوم الآخر، وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر، قال فدنوت منه فقلت‏:‏ أنشدك باللّه آنت‏؟‏‏؟‏ سمعت هذا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏؟‏ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيده وقال‏:‏ سمعته أذناي، ووعاه قلبي، فقلت له‏:‏ هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ويقتل بعضاً بعضاً، واللّه تعالى يقول‏:‏ {‏يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن اللّه كان بكم رحيماً‏}‏ قال فسكت ساعة ثم قال‏:‏ أطعه في طاعة اللّه، واعصه في معصية اللّه
، والأحاديث في هذا كثيرة‏.‏
وقال ابن عباس ‏{‏وأولي الأمر منكم‏}‏ يعني أهل الفقه والدين، وكذا قال مجاهد وعطاء ‏{‏وأولي الأمر منكم‏}‏ يعني العلماء، والظاهر - والله أعلم - أنها عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء كما تقدم، وقال تعالى‏:‏
{
‏لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت‏}‏، وقال تعالى‏:{‏فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون‏}‏، وفي الحديث الصحيح المتفق على صحته عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من أطاعني فقد أطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصا اللّه، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصا أميري فقد عصاني‏(‏، فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أطيعوا اللّه‏}‏ أي اتبعوا كتابه، ‏{‏وأطيعوا الرسول‏}‏ أي خذوا بسنته، ‏{‏وأولي الأمر منكم‏}‏ أي فيما أمروكم به من طاعة اللّه لا في معصية اللّه، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية اللّه كما تقدم في الحديث الصحيح‏: ‏(‏إنما الطاعة في المعروف‏)

وقال الإمام أحمد عن عمران بن حصين عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، قال‏:‏‏(‏لا طاعة في معصية اللّه‏)‏ وقوله‏:‏ ‏
{‏فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى اللّه والرسول‏}‏قال مجاهد‏:‏ أي إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله، وهذا أمر من اللّه عزَّ وجلَّ بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنّة كما قال تعالى‏:‏
{‏وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى اللّه‏}‏، فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال‏؟‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر‏}‏ أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب اللّه وسنَّة رسوله، فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم ‏{‏إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر‏}‏، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنّة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمناً باللّه ولا باليوم الآخر، وقوله‏:‏ ‏{‏ذلك خير‏}‏ أي التحاكم إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله، والرجوع إليهما في فصل النزاع خير ‏{‏وأحسن تأويلاً‏}‏، أي وأحسن عاقبة ومآلاً كما قاله السدي وقال مجاهد‏:‏ وأحسن جزاء، وهو قريب‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس