عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 02:30 AM   رقم المشاركة : 20
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏80 ‏:‏ 81‏)‏
{‏ من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ‏.‏ ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ‏}‏
يخبر تعالى عن عبده ورسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم بأن من أطاعه فقد أطاع اللّه، ومن عصاه فقد عصى اللّه، وما ذاك إلا لأنه{‏ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى‏}
قال ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من أطاعني فقد أطاع اللّه، ومن عصاني فقد عصى اللّه ؛ ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني‏)‏"‏الحديث ثابت في الصحيحين‏"‏وقوله‏:‏ ‏{‏ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً‏}‏ أي ما عليك منه، إن عليك إلا البلاغ فمن اتبعك سعد ونجا، وكان لك من الأجر نظير ما حصل له، ومن تولى عنك خاب وخسر، وليس عليك من أمره شيء كما جاء في الحديث‏:‏ ‏
(‏من يطع اللّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ اللّه ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولون طاعة‏}‏ يخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يظهرون الموافقة والطاعة ‏{‏فإذا برزوا من عندك‏}‏ أي خرجوا وتواروا عنك ‏{‏بيَّت طائفة منهم غير الذي تقول‏}‏ أي استسروا ليلاً فيما بينهم بغير ما أظهروه لك، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه يكتب ما يبيّتون‏}‏ أي يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين الذين هم موكلون بالعباد، والمعنى في هذا التهديد أنه تعالى يخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم، وما يتفقون عليه ليلاً من مخالفة الرسول صلى اللّه عليه وسلم وعصيانه، وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة، وسيجزيهم على ذلك، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولن آمنا باللّه وبالرسول وأطعنا‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏فأعرض عنهم‏}‏ أي اصفح عنهم واحلم عليهم ولا تؤاخذهم، ولا تكشف أمورهم للناس، ولا تخف منهم أيضاً، ‏{‏وتوكل على اللّه وكفى بالله وكيلاً‏}‏ أي كفى به ولياً وناصراً ومعيناً لمن توكل عليه وأناب إليه‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏82 ‏:‏ 83‏)‏
{‏ أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ‏.‏ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ‏}‏
يقول تعالى آمراً لهم بتدبر القرآن ناهياً لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق، ولهذا قال تعالى‏:‏{‏أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها‏}‏، ثم قال‏:‏ ‏{‏ولو كان من عند غير اللّه‏}‏ أي لو كان مفتعلاً مختلقاً، كما يقوله من يقول من جهلة المشركين والنافقين في بواطنهم لوجدوا فيه اختلافاً، أي اضطراباً وتضاداً كثيراً، وهذا سالم من الاختلاف فهو من عند اللّه، كما قال تعالى مخبراً عن الراسخين في العلم حيث قالوا‏:‏ ‏{‏آمنا به كل من عند ربنا‏} أي محكمة ومتشابهه حق، فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا، ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين‏.‏ قال الإمام أحمد عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر فكأنما يُفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال لهم‏:‏ ‏(‏ما لكم تضربون كتاب اللّه بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم‏)،وعن عبد اللّه بن عمرو قال‏:‏ هجّرت إلى رسول اللّه يوماً، فإنّا لجلوس إذا اختلف اثنان في آية فارتفعت أصواتهما فقال‏:‏ ‏(‏إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب‏)
‏"‏رواه مسلم والنسائي‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به‏}‏ إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة، وقد قال مسلم في مقدمة صحيحه
عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع‏)‏ وفي الصحيح‏:‏(‏من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين‏)ولنذكر ههنا حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته حين بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طلق نساءه فجاء من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك فلم يصبر حتى استأذن على النبي صلى اللّه عليه وسلم فاستفهمه، أطلقت نساءك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏لا‏)‏ فقلت‏:‏ اللّه أكبر وذكر الحديث بطوله‏.‏ وعن مسلم فقلت‏:‏ أطلقتهن فقال‏:‏ ‏(‏لا‏)‏، فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي‏:‏ لم يطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه، ونزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم‏}‏، فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، ومعنى يستنبطونه أي يستخرجونه من معادنه، يقال‏:‏ استنبط الرجل العين إذا حفرها واستخرجها من قعورها، وقوله‏:‏ ‏{‏لاتبعتم الشيطان إلا قليلا‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يعني المؤمنين، وقال قتادة ‏{‏لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً‏}‏ يعني‏:‏ كلكم واستشهد من نصر هذا القول بقول الطرماح في مدح يزيد بن المهلب‏:‏
أشم، نديّ، كثير النوادي * قليل المثالب، والقادحة
يعني لا مثالب له ولا قادحة فيه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏84 ‏:‏ 87‏)‏
‏{‏ فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ‏.‏ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا ‏.‏ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ‏.‏ الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ‏}‏
يأمر تعالى عبده ورسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم بأن يباشر القتال بنفسه، ومن نكل عنه فلا عليه منه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لا تكلف إلا نفسك‏} عن أبي إسحاق قال، قلت للبراء‏:‏ الرجل يحمل على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة‏؟‏ قال‏:‏ لا إن اللّه بعث برسوله صلى اللّه عليه وسلم قولا‏:‏ ‏{‏فقاتل في سبيل اللّه لا تكلف إلا نفسك‏}‏ إنما فذلك في النفقة
‏"‏رواه أحمد وابن أبي حاتم‏"‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏حرض المؤمنين‏}‏ أي على القتال ورغبهم فيه وشجعهم عليه، كما قال لهم صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر وهو يسوي الصفوف‏:
‏(‏قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض‏)‏ وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في ذلك، فمن ذلك ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏‏(‏من آمن باللّه ورسوله، وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان، كان حقاً على اللّه أن يدخله الجنة هاجر في سبيل اللّه أو جلس في أرضه التي ولد فيها‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه أفلا نبشر الناس بذلك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إن في الجنة مائة درجة أعدها اللّه للمجاهدين في سبيل اللّه بين كل درجتين كما بين السماء والأرض؛ فإذا سألتم اللّه فاسأوله الفردوس فإنه وسط الجنة، وأعلى الجنة؛ وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏عسى اللّه أن يكف بأس الذين كفروا‏}‏ أي بتحريضك إياهم على القتال تنبعث هممهم على مناجزة الأعداء، ومدافعتهم عن حوزة الإسلام وأهله، ومقاومتهم ومصابرتهم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه أشد بأساً وأشد تنكيلاً‏}‏ أي هو قادر عليهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى‏:‏ ‏
{‏ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض‏} الآية، وقوله ‏{‏من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها‏}‏ أي من يسعى في أمر فيترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك، ‏{‏ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفر منها‏}‏ أي يكون علي وزر من ذلك الأمر الذي ترتب على سعيه ونيته كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏اشفعوا تؤجروا؛ ويقضي اللّه على لسان نبيه ما شاء‏)
وقال مجاهد بن جبر‏:‏ نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض وقول‏:‏ ‏{‏وكان اللّه على كل شيء مقيتاً‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي حفيظاً، وقال مجاهد‏:‏ شهيداً، وفي رواية عنه حسيباً‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ المقيت الرزاق، وعن عبد اللّه بن رواحة‏:‏ وسأله رجل عن قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وكان اللّه على كل شيء مقيتاً‏}‏ قال‏:‏ مقيت لكل إنسان بقدر عمله‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏}‏ أي إذا سلم عليكم المسلم فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة،
قال ابن جرير عن سلمان الفارسي، قال‏:‏ جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ السلام عليك يا رسول اللّه، فقال‏:‏ ‏(‏وعليك السلام ورحمة اللّه ‏)‏ ثم جاء آخر فقال‏:‏ السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه ؛ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته‏)‏، ثم جاء آخر فقال‏:‏السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركات، فقال له‏:‏ ‏(‏وعليك‏)‏ فقال له الرجل‏:‏ يا نبي اللّه بأبي أنت وأمي‏:‏ أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهم أكثر مما رددت علي‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنك لم تدع لنا شيئاً، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏}‏ فرددناها عليك‏)‏
وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، إذا لو شرع أكثر من ذلك لزاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال الإمام أحمد عن عمران بن حصين أن رجلا جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ السلام عليكم يا رسول اللّه فرد عليه ثم جلس، فقال‏:‏ ‏(‏عشر‏)‏ ثم جاء آخر فقال‏:‏ السلام عليكم ورحمة اللّه يا رسول اللّه فرد عليه ثم جلس فقال ‏(‏عشرون‏)‏ ثم جاء آخر فقال‏:‏ السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته فرد عليه، ثم جلس فقال‏:‏ ‏(‏ثلاثون‏)‏ وقال ابن ابي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ من سلّم عليك من خلق اللّه فاردد عليه، وإن كان مجوسياً ذلك بأن اللّه يقول‏:‏ ‏{‏فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏}‏ وقال فأما أهل الذمة فلا يُبدأون بالسلام ولا يزادون بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليكم فقل وعليك‏)وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه‏)‏، وقال الحسن البصري‏:‏ السلام تطوع والرد فريضة، وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة أن الرد واجب على من سلم عليه فيأثم إن لم يفعل، لأنه خالف أمر اللّه في قوله‏:‏ ‏{‏فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏}‏ وقد
جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم‏؟‏ أفشوا السلام بينكم‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اللّه لا إله إلا هو‏}‏ إخبار بتوحيده وتفرده بالإلهية لجميع المخلوقات وتضمن قسماً لقوله‏:‏ ‏{‏ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه‏}‏ هذه الام موطئة للقسم فقوله تالله لا غله إلا هو خير وقسم أنه يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيجازي كل عامل بعمله وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن أصدق من اللّه حديثاً‏}‏ أي لا أحد أصدق منه في حديثه وخبره ووعده ووعيده، فلا إله إلا هو ولا رب سواه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏88 ‏:‏ 91‏)‏
‏{‏ فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ‏.‏ ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ‏.‏ إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ‏.‏ ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ‏}‏
يقول تعالى منكراً على المؤمنين في اختلافهم في المنافقين على قولين، واختلف في سبب ذلك، فقال الإمام أحمدعن زيد بن ثابت‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج إلى أحد فرجع ناس خرجوا معه، فكان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم فرقتين، فرقة تقول‏:‏ نقتلهم، وفرقة تقول‏:‏ لا، هم المؤمنون فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏فما لهم في المنافقين فئتين‏}‏، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد‏)‏
"‏رواه الشيخان‏"‏وقد ذكر محمد بن إسحاق في وقعة أُحد‏:‏ أن عبد اللّه بن ابي بن سلول رجع يومئذ بثلث الجيش، رجع بثلثمائة وبقي النبي صلى اللّه عليه وسلم في سبعمائة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه أركسهم بما كسبوا‏}‏ أي ردهم وأوقعهم في الخطا، قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏أركسهم‏}‏ أي أوقعهم، وقال قتادة‏:‏ أهلكهم، وقال السدي‏:‏ أضلهم، وقوله‏:‏ ‏{‏بما كسبوا‏}‏ أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم الرسول واتباعهم الباطل ‏{‏أتريدون أن تهدوا من أضل اللّه ومن يضلل اللّه فلن تجد له سبيلاً‏}‏ أي لا طريق له إلى الهدى ولا مخلص له إليه، وقوله‏:‏ ‏{‏دوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء‏}‏ أي هم يودون لكم الضلالة لتستووا أنتم وإياهم فيها، وما ذاك إلا لشدة عداوتهم وبغضهم لكم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل اللّه فإن تولوا‏}‏ أي تركوا الهجرة قاله ابن عباس، وقال السدي‏:‏ أظهروا كفرهم ‏{‏فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيرا‏}‏، أي لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على أعداء اللّه ما داموا كذلك ثم استثنى اللّه من هؤلاء فقال‏:‏ ‏{‏إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق‏}‏ أي إلا الذين لجأوا وتحيزوا إلى قوم بينكم وبينهم مهادنة أو عقد ذمة فاجعلوا حكمهم كحكمهم، وهذا قول السدي وابن جرير‏.‏
وقد روى ابن أبي حاتم
عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجي قال‏:‏ لما ظهر النبي صلى اللّه عليه وسلم على أهل بدر وأُحد وأسلم من حولهم، قال سراقة بلغني أنه يريد أن يبعث خالد بن الوليد إلى قومي بني مدلج فأتيته، فقلت‏:‏ أنشدك النعمة، فقالوا صه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏دعوه، ما تريد‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ بلغني أنك تريد أن تبعث إلى قومي وأنا أريد أن توادعهم، فإن أسلم قومك أسلموا ودخلوا في الإسلام، وإن لم يسلموا لم تخشن قلوب قومك عليهم، فأخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيد خالد بن الوليد فقال‏:‏ ‏(‏اذهب معه فافعل ما يريد‏)‏، فصالحهم خالد على أن لا يعينوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وإن أسلمت قريش أسلموا معهم، فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء‏}‏ وقد روي عن ابن عباس أنه قال نسخها قوله‏:‏ {‏فإذا انسلخ الأشهر الحُرُم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏أو جاؤوكم حصرت صدورهم‏}‏ هؤلاء قوم آخرون من المستثنين من الأمر بقتالهم وهم الذين يجيئون إلى المصاف وهم حصرة صدورهم أي ضيقة صدورهم، مبغضين أن يقاتلوكم ولا يهون عليهم أيضاً أن يقاتلوا قومهم معكم بل هم لا لكم ولا عليكم ‏{‏ولو شاء اللّه لسلطهم عليكم فلقاتلوكم‏}‏ أي من لطفه بكم أن كفهم عنكم ‏{‏فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقو إليكم السلم‏}‏ أي المسالمة ‏{‏فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً‏}‏ أي فليس لكم أن تقاتلوهم ما دامت حالهم كذلك، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين فحضروا القتال وهم كارهون كالعباس ونحوه ولهذا نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم يومئذ عن قتل العباس وأمر بأسره‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم‏}‏ الآية، هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء قوم منافقون، يظهرون للنبي صلى اللّه عليه وسلم ولأصحابه الإسلام ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم، ويصانعون الكفار في الباطن فيعبدون معهم ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم وهم في الباطن مع أولئك، كما قال تعالى‏:‏‏{‏وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم‏}‏ الآية، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏كلما رُدّوا إلى الفتنة أركسوا فيها‏}‏ أي انهمكوا فيها، وقال السدي‏:‏ الفتنة ههنا الشرك، وحكى ابن جرير عن مجاهد‏:‏ أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا، فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم‏}‏ المهادنة والصلح ‏{‏ويكفوا أيديهم‏}‏ أي عن القتال ‏{‏فخذوهم‏}‏ أسراء ‏{‏واقتلوهم حيث ثقفتموهم‏}‏ أي أين لقيتموهم ‏{‏وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً‏}‏ أي بيناً واضحاً‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس