الحلقة السابعة
* * * * * * * *
دوخة
وصلنا بيت ( شوق ) ، أنا و ( سلمى ) حوالي الساعة ثمان ...
طول المشوار ، و أنا قلبي يخفق بسرعة و توتر ، كأني باسوي مقابلة شخصية للالتحاق بالجامعة !
كنت خايفة ... و متوجسة ... من شوفة زوجة عسل ، و اللي ما قط شفتها من قبل
ياما تخيلتها ، و رسمت لها صورة ببالي ...
شكلها ، هندامها ، صوتها ، أطباعها ...
كل شي ... صورة كاملة عن شخصية ما عمري عرفت عنها شي ، غير أنها بنت خالة ( شوق ) ، و أن اسمها
( منال ) ، و أنها التحقت بالجامعة هذه السنة – يعني أصغر مني – و أنها ... تزوجت الرجـّـال اللي أنا أحبه ...
رسمت لها هالصورة ، و كرهتها !
طبعا عندي فضول أني أشوف ، الإنسانة اللي يعيش معها حبيبي ، و تشاركه كل شي ... لكن ، أنا للآن
جرحي ينزف ، و ناري ما خمدت ... ما هو الوقت المناسب إني اتلقى صدمة تهدني من أول و جديد ....
عند المدخل ، وقفت ، و تراجعت خطوة وحدة ، و ناظرتني سلمى مستغربة :
- ها قمر ؟ وش بلاك راجعة لوراء ؟
- سلمى ... أبي أرد البيت !
مسكتني من إيدي و سحبتني معها ... دون ما تقول شي ... ، و دخلنا البيت ....
تغير ، سووا بالحديقة و الممر تعديلات ، عن آخر مرة شفتها قبل كم شهر ...
الأشجار كانت منسقة على جانبي الممر العريض بشكل فني مدهش ...
و الجو عابق بريحة الورود ممزوجة بالرياحين ... مع رطوبة باردة ، تخلفها الأشجار في الليل ، و تحملها الأنسام إلى
صدورنا ، و نحس براحة و انتعاش تلقائيين ... !
عند بوابة البيت ، كانت ( شوق ) واقفة تنتظرنا ...
استقبلتنا بترحيب حار ، و بـ ( شوق ) مماثل لاسمها الجميل ...
ما كأننا قبل كم ساعة بس ، كنا سوى بالجامعة !
حتى من داخل البيت ، التصميم تغير ، و الغرف تبدلت ... بس كان ، تحفة فنية مدهشة ...
آخ لو كان هذا بيتي ... ! يا ليت ...
أخذتنا شوق إلى غرفة جانبية ، أذكر أنها كانت من قبل مكتبة ، و أذكر .. أن الغرفة اللي جنبها على طول ، كانت ...
مكتب سلطان ...
- تغير بيتكم كثير يا شوق !
- صحيح ! من مدة ما زرتينا ، يمكن نص سنة أو أكثر ! بيتنا على ذي الحال من حول خمسة شهور !
صحيح ، معها حق ، صار لي شهور ما جيتهم ...
طبعا الأحداث ارتبطت بمسألة خطوبة سلطان و زواج سلطان ...
اللي خلى سلمى – عشان تسكر أي باب ينفتح لذكر سلطان – تقول مغيرة الموضوع :
- سويتي لي البيتزا و الا لا ؟ قولي بسرعة ترى ( سوّاقي ) ينتظر برى و إذا ما فيه بيتزا أخذت بعضي و مشيت !
ضحكت شوق ، و قالت بين ضحكاتها :
- لا تخافي ! سويت لك صينية كامله عشانك وحدك ! و إذا ما اعجبتك ، خليت ( سوّاقك ) يروح يجيب بيتزاية وحدة
من كل المطاعم اللي بالشرقية !
بعد فترة ، طلعت شوق ....
- وش فيك قمر ؟ شارذة عنا ؟
سالتني سلمى ، و هي لاحظت أني قليل اللي اتكلم ، و ابتسم ...
- تتوقعين ... تجي ؟
- ردينا ؟ وش عليك منها حتى لو جت ؟ وحدة ما تعرفينها ، أنت ِ جاية لبنت خالتها مو لها هي ،
و أظن أن شوق منتبهة للنقطة ذي ، و لا راح تتعمد تجمعكم !
طمـّـني كلام سلمى ، ما فيه أي داعي يخلي شوق تجيب منال تجلس وسطنا ...
و تطمنت أكثر لما رجعت شوق وحدها ، و قالت بدعابة :
- تفضلوا ...
( البيتزا ) جاهزة !
في غرفة المائدة ، جلسنا احنا الثلاث متعاونين على ذيك بيتزا لين قضينا على معظمها !
كانت الجلسة حلوة و السهرة ممتعة ، و انبسطت بشكل أكثر مما توقعت ...
أو بالواقع ... انهرت بشكل أفظع مما توقعت ...
بعد العشاء ، رجعنا للغرفة الأولى ( المجلس ) ، و بطريقنا لمحت باب الغرفة المجاورة – مكتب سلطان – مفتوح شوي ...
دخلنا المجلس ، و جلسنا عند الكنبات اللي عند نفس الجدار ، اللي يفصل بين الغرفتين ، المجلس و مكتب سلطان ،
... و أنا اتخيل أن سلطان موجود بالغرفة الثانية ... و يفصلني عنه ، جدار واحد بس ...
ايش يصير ... لو يتحطم هذا الجدار ....
ايش يصير ، لو تتحطم كل الجدران اللي بالدنيا ـ اللي فصلت بيني و بينك ...
ليت الجدار كان شفاف ، و أشوفك ...
ليته كان زجاج ، و أكسره و أجيك ...
ليت كان فيه بس نافذة ، أطل منها عليك !
او حتى ثقب ، أناظرك منه ...
ليت شوق و سلمى ، يناموا دقايق بس ، باروح أشوفه و أرجع !
يا قربك و يا بعدك ...
مثل المجنونة صرت و قلبي متعلق عند ذاك الجدار ، لمجرد أني تخيلت ، أن سلطان موجود خلفه ...
أجل وشلون لو كان ... صحيح موجود ...؟؟؟
حلقت بخيالي في سماه ، و نسيت حالي ...
شوق و سلمى يسولفوا و أنا بعيدة عنهم ... فكري و بالي نسيتهم عند باب ذيك الغرفة ... لفيت براسي صوت
باب المجلس ، و أنا أتخيل نفسي أقوم ، و اطلع ، و أروح له ... أو أنه هو يجي و يفتح هالباب !
و انفتح الباب ... !
ارتعبت ، و وقف قلبي ... و انحبس آخر نفس أخذته داخل صدري ، و عيني انفتحت أوسعها .... و أنا ارتقب ...
أكيد أنا أتخيل ... الباب ينفتح ببطء ... الحين بيطل منه سلطان ؟؟؟
خيالي رح يتحقق ؟؟؟ سلطان هذا أنت ؟؟؟
و دِخـْـلـَـت ....
كنت أنا أول وحدة انتبهت لها .... و جت عينها على عيني على طول ، كأنها جاية متعمدة تشوفني ، تدوّر علي ....
- السلام عليكم ...
لما جا صوتها ، انتبهت لها شوق و سلمى ، و اللي كانوا مشغولين بالكلام و الضحك ...
إش صار بعد كذا ؟؟؟
خلي سلمى ، تحكي لكم ....
*
* *
*
كنا جالسين نسولف ، و نضحك بمرح ، أنا و شوق و قمر ، في بيت شوق ...
كانت قمر معظم الوقت ساكتة ، و يا دوب تبتسم ...
فجأة ، سمعت صوت غريب :
- السلام عليكم
و التفت جهة الصوت عند الباب ، و شفت ( منال ) ...
أول شي قفز ببالي على طول ، هو قمر
و قبل ما أرد السلام ، التفت عليها ...
قمر ما كانت شافت منال من قبل ، و كانت خايفة تلتقي بها هذه الليلة ، و أنا قلت لها :
( مستحيل شوق تتعمد تجمع بينكم .... )
الحين ، و أنا أطالع بوجه قمر ، و أشوف عينها مفتوحة لأقصى حد ، و وجهها مخطوف اللون ،
و تعابيره كأنها تعابير المحتضر لا شاف ملك الموت ... الحين بس عرفت و قدرت الخوف اللي كانت عايشتنه ...
وقفت شوق ، و علامات الدهشة على وجهها ، و نقلت انظارها بيننا احنا الثلاث ، و قالت ترحب بـمنال :
- و عليكم السلام ! هلا منال ...
كان واضح عليها أنها ما توقعت منال تجي ...
أنظار منال الحين جت علي ، و وقفت من باب الأدب و سلمت عليها و صافحتها
الدور التالي طبعا كان ... على قمر ...
قمر جامدة في مكانها مثل التمثال الخشبي ...
شوق ، حبـّـت تعرّف عن كل وحدة للثانية ، لأنهم أول مرة يلتقون ...
- هذه صديقتي و زميلتي قمر
قالت موجهه كلامها إلى منال ، و بعدها ، طالعت في قمر ، بنفاذ حيلة ، و قالت :
- ... منال ... زوجة أخوي سلطان ....
منال ابتسمت ، و مدت إيدها تبي تصافح قمر ، و لا هي دارية عن شي !
ضربت جزمة قمر بجزمتي ضربة خفيفة ، أبيها تتحرك ، تقول شي ...
ما أدري ، هي حست بالضربة أو لا ؟ بس شفت راسها يطاطىء صوب الأرض ، و يدينها ترتكز على الكنبة ، كأنها
تبي تستند عليهم عشان توقف ، و شوي شوي ، ارتفع جسمها عن الكنبة كم بوصة ، قبل ما تنهار عليه فجأة و تغيب
عن الوعي .....
الأحداث اللي صارت بعد كذا جت بسرعة ، ما لحقت أسجل تفاصيلها الدقيقة بذاكرتي ...
كانت ليلة ما تنسى ، منها كرهت البيتزا – اللي ما لها ذنب – و ما عدت آكلها ...
كل البيتزا ، و كل اللي أكـَـلـَـتـْـه على ذاك العشاء طلع في حالة مهولة من الترجيع ...
أذكر ، أن ضغطها ، لما جابت شوق جهاز الضغط و قاسته بسرعة ، كان سبعين على خمسة و ثلاثين ...
حسيت ليلتها ، أن روحها خلاص بتطلع ... كأنها حالة تسمم حادة ، بس كانت صدمة عصبنفسية مباغتة ..
كان نبضها بالمرة مضطرب ، و أنا أصريت نوديها للمستشفى في الحال
قمر كانت معترضة ، تقول باروح البيت ... ، بس حالتها ما طمنتني
أصلا هي ما قدرت ترفع راسها عن الكنبة ، كانت دايخة بالمرة و عينها اللي كانت مفتوحة حدها قبل شوي ، غمضتها
و ما عاد تقدر تفتحها ... تقول :
(الدنيا تدور)
جيت أبي أقوم أتصل لأحد من أهلي أو أهلها ، يجي يوديها المستشفى ، و سمعت منال تقول :
- نخلي سلطان يودينا ؟
ردّت عليها شوق :
- سلطان موجود ؟
- ايه بالمكتب
و كان صبعها يأشـّـر على الجدار اللي ورانا ، و بنفس اللحظة طلعت بسرعة ، عشان تروح تقوله ...
يا ليت كان عندي سواق ، ينتظرني عند الباب ... يا ليت ...
مسكت التلفون ، بغيت أتصل لأمها ، بس شوق منعتني
- ما فيه داعي يا سلمى ، لا تخوفينها ، شوي و تصير زينة ... دوخة و تروح ...
و يا ليتها كانت ... ( دوخة و تروح .... )
كان بو ثامر – والد قمر – حسب اتفاقنا ، رح يجينا حول الساعة عشر ونص
طالعت الساعة ، كانت عشر إلا ثلث ، قمر ، فتحت عينها و رفعت راسها شوي شوي ،
و حطت إيدها على جبينها ، و تأوهت ...
- ودوني البيت
شفت ، كأن وضعها أفضل و الدوخة بدت تروح ...
- قمر أنت ِ بخير ؟ وش تحسي فيه ؟
سألتها بقلق ، و هزت راسها ، تطمني أنها بخير ...
و بعدها ردت تقول :
- ودوني البيت
و اسندت راسها على مسند الكنبة... و غمضت عينها مرة ثانية ...
شوي ، و جت منال تقول :
- يالله ... السيارة تنتظر ...
صبرنا دقيقتين أو ثلاث ، لين خفت الدوخة عنها ... و قدرت توقف ، و أنا و شوق ساندينها من الجنبين ...
منال سبقتنا للسيارة ، و احنا نمشي شوي شوي ماسكين قمر ، تهيأ لي أنها بـ تطيح أي لحظة ...
ما كانت طبيعية ، سمعتها تقول ، و احنا نعبر ممر بالبيت رايحين للسيارة :
- ريحة الورد حلوة ... !
باكسـّـر الجدار ... !
صحيح كانت ريحة الورد و الرياحين مالية الجو ، بس التعليق جا مو في مكانه ..!
أما ( بـ اكسر الجدار ) فما لقيت لها أي تفسير ؟؟؟
وصلنا السيارة ، كانت منال جالسة قدّام ، و سلطان مو بها
جلسنا على المقاعد الخلفية ، أنا على اليمين ، و شوق على اليسار ، و قمر بيننا
ثواني و وصل سلطان ، و بسرعة ساق ، و وصلنا المستشفى بعد سبع دقايق
طول الوقت ، و قمر راسها مايل على كتفي ، و إيدي بإيدها و كل شوي أسألها :
- كيف تحسي ؟
و يجي جوابها بضغطة خفيفة من إيدها على إيدي ( أنا بخير )
وقف سلطان السيارة عند بوابة الطواريء ، و نزل ... رايح يجيب كرسي عجلات
قمر فتحت عينها و تلفتت من حواليها ، و قالت باعتراض :
- ودوني البيت ! ما رح أنزل هنا أنا بخير ...
- لكن يا قمر ...
قاطعتني :
- سلمى تكفين أبي أرجع البيت ...
ثواني و رجع سلطان بالكرسي ، و لما وصل لعند السيارة فتحت شوق النافذة و قالت:
- خلاص أخوي بنوصلها بيتها ...
و رجعنا بطريقنا ...
*
* *
*
أخوي سلطان صار يسوق بسرعة طبيعية ، و كانت عيني أنا و سلمى على قمر ، مو على الطريق ...
ما انتبهت ، إلا على صوت أخوي ، لما وصل مفترق طرق ، يسأل :
- وين ؟
رفعت عيني عن قمر و طالعت الشارع ، و ناظرت أخوي بالمراية و قلت له :
- يمين ، ... بيت بو ثامر ...
و نظراتي بنظراته على المراية ، شفت – رغم أن الإضاءة خافتة – شفت نظرته فجأة تضطرب ، و جفونه تنفتح
على آخرها ... و حدقت عيونه بعيوني تسألها :
- ( هذه قمر ؟؟؟ )
و هزيت راسي هزة بسيطة : ( .. نعم .. )
وقتها بس ، عرف سلطان أنها كانت ... قمر ...
وصلنا عند آخر لفة ، توصل لبيت بو ثامر ... كانت يد قمر بيد سلمى ... ما أدري وش حست بها فجأة ، لأنا سمعناها
فجأة تنادي بصوت عالي مفزوع :
- قمر ! .... قمر .... تسمعيني ؟؟؟
فزعنا كلنا ، و وقف أخوي سلطان السيارة قريب باب البيت ...
و قمنا أنا و سلمى نهز قمر ، نبيها تجاوب أو تتحرك ، لكنها كانت مثل قطعة القماش
صرخت :
- ارجع المستشفى يا ســلــطــان
و بسرعة ، و بلمح البصر ... ( طار ) بالسيارة طيران للمستشفى ... المشوار ، ما أظن أخذ أكثر من دقيقتين !
وصلنا عند بوابة الطوارىء ، و فتح سلطان الباب بسرعة و قفز من السيارة ...
ها المرة ، ما راح يجيب كرسي العجلات ...
لف على الباب اللي جنبي و فتحه بسرعة ، و صاح :
- انزلي شوق ...
أنا ، ما استوعبت شي ، ما مداني استوعب ... طالعت به و حتى قبل توصله نظراتي المستغربة ، رد صرخ علي :
- بسرعة شوق !
نزلت من السيارة ، و جا هو ... و مد يدينه داخل ، و شال قمر على ذراعيه ... و طار بها لداخل المستشفى ...
ركضنا وراه ، وصلنا و شفنا ه يحطها على السرير ، و تجي الممرضات و يختلط هذا بهذا و تعم الفوضى ...
*
* *
*
من مجرد ( دوخة و تروح ) ، إلى نزيف داخل الدماغ ...
التشخيص اللي وصل له الأطباء بعد الفحوصات المكثفة ...
صديقتي أنا ، أعز و أقرب صديقاتي ، و أحب انسانة لقلبي ، صار عندها نزيف داخل الدماغ ...
بعد ما انفجر شريان صغير ضعيف البنية في راسها ، بسبب اضطراب مفاجيء في الضغط ....
ظلت قمر ساعات غايبة عن الوعي ...
أذكر أنها لثواني فتحت عينها ، قبل ما ياخذوها لقسم الأشعة ، و يتهيأ لي أني سمعتها تهذي ، مرة ثانية ....
- ( بـ اكسر الجدار ... ! )
إش كانت تقصد ؟ الله أعلم ... !
قالتها مرتين أو ثلاث ، و ردت غابت عن الوعي ، و لا أفاقت إلا يوم ثاني ...
إلى الآن ، مرت ثلاثة أسابيع تقريبا ، قمر استردت عافيتها كاملة ، و لأن النزيف كان بسيط ما احتاجت لأي عملية ،
الحمد لله ، بس ظلت كم يوم بالمستشفى تحت الملاحظة ...
حالتها ظلت مستقرة جدا ، و الأطباء أكدوا أن الشريان اللي انفجر كان به نقطة ضعف في أنسجته ، و هذا ما يقتضي
بالضرورة أن بقية الشرايين بها نفس المشكلة أو أن قمر احتمال تجيها نفس الحالة مرة ثانية ...
و أنا بعد ، ما خليت كتاب فيه موضوع عن ( نزيف الدماغ ) إلا و قرأته ، لين تهيأ لي أني بـ صير ( جرّاحة مخ و أعصاب ) !
الأحداث اللي صارت ، كرّهتني بأشياء واجد ...
كرّهتني في نفسي ، لأني ضغطت على قمر أنها تروح معي لشوق ذيك الليلة ...
كرهتني في أهلي ، اللي ما هم مقتنعين يجيبوا لي سواق انتفع به وقت الأزمات !
كرهتني بالبيتزا !
و كرهتني بعد ... أكثر و أكثر .. في سلطان ....
سلطان هو السبب ، و بـ أحمله مسؤولية أي شي يصير لقمر ...
قمر ... ما قدرت تتذكر أي شي صار ، من لحظة شوفتها لـ منال ... الى اللحظة اللي صحت فيها من الغيبوبة ، يوم
ثاني ...
*
* *
*
بالرغم من أني كنت جافة في معاملته ، بسـّـام طول الأسابيع اللي طافت ، كان يعاملني بكل عطف و حنان ... و إذا
باعترف ... و بحب ...
نظرتي له تغيرت ، و بديت أتعاطف معه ، و حسنت موقفي منه كثير ...
لكن ... ما حبيته ...
الشي اللي خلاني ، و بعد تفكير و عوار راس في أحرج مراحل حياتي ، أفكر أني ... أفك ارتباطي به ...
بسّـام يستاهل وحدة أفضل مني ، وحدة مستعدة تستقبل مشاعره الدافية ، و تبادله نفس العطاء ...
هذا القرار بعدني ما أعلنه ، و ما لي إلا سلمى ... اعرض عليها مخاوفي ...
سلمى جاية لي بعد شوي ، حسب اتفاقنا ... و رح أقول لها ، أنا وش أفكر فيه ....
و في موعدها ، وصلت ... و جتني الغرفة ، و ابتسامتها تسبقها ، و المرح دوم على وجهها الدائري حتى في أصعب
الظروف !
- سلمى فيه شي ، ودي تشاركيني فيه ...
- خير قمر ؟ كلـّي لك !
ابتسمت ، و بعدها أظهْرت ملامح الجد ... و قلت ، بدون لف و لا دوران :
- بـ افك خطوبتي من بسـّـام ...
ما تغيرت البسمة و تعابير المرح على وجهها ، و قالت بعد صمت ثواني :
- مزحة ثقيلة قمر ! هاتي غيرها !
جلست فترة طويلة أحاول اقنعها بمبرراتي ...
الرجّـال ما يستاهلني ، يستاهل وحدة أفضل ... أنا ما شفت به عيب و هذا اللي ذابحني ...
حرام أظلمه معي و أنا ... ما احبه ! و الله ما احبه !
- قمر اسمحي لي أقول لك : أنت ِ انسانة مستهترة و ما عندك وفاء !
كانت أقسى كلمات قالتها سلمى لي ، و ظلـّـت تهاوش فيني مدة ، و صرخت بوجهها :
- ليه مو قادرة تفهميني يا سلمى ؟ حرام علي أظلم الرجـّـال معي ،
سلمى أنا ما أحبه ! لا حبيته و لا عمري رح أحبه ! ما أحبه غصب هي ؟
- أكيد ما تحبينه ، دام (سلطانوه ) اللعين بعده عايش ...
الله ياخذ روحه ذي الساعة و يفكنا منه آمين!
ما وعيت لنفسي ... إيدي تحركت لا إراديا ، و صفعت سلمى على خدها بقوّة ...
سلمى جمدت بمكانها ... مذهولة من ردة فعلي ... و أنا نفسي تجمدت ... ما عرفت إش أسوي بعدها ...
راحت سلمى صوب مكتبي ، و مسكت قبضة واحد من الأدراج ، الدرج اللي تعرف إني فيه أحتفظ
بكل شي يخص ذكريات سلطان ... سحبت الدرج بقوة ، و مدت إيدها و طلـّـعت أوراق كثيرة ،
و بعصبية رمتها صوبي و هي تصرخ :
- عشان هذا ناوية تدمري حياتك ؟ عشان هذا مستعدة تضحي بخطيبك ؟ عشان هذا تصفعيني أنا يا قمر ؟؟؟
عشان سلطانوه الزفت ؟ إش استفدت ِ منه و إش جاك من وراه ؟
خذي ...
و هي تطلع في الأغراض و ترميها صوبي شي ورا شي ...
- خذي ...
هاك سلطان ... خذي بعد ... و بعد ... لين تموتي بسببه و تشبعي مـــــــــــــــوت
أنا ، ما سويت أي شي ...
ظليت أراقبها في ذهول و هي ترمي علي الرسايل ... المذكرات ... الكتب ... و السبحة ...
من بين كل الأشياء ، مديت ايدي و التقطت السبحة ... راقبتني سلمى و أنا أمسك بالسبحة كأني أمسك بروحي لا
تطلع ...
غصبا علي ... فاضت عيوني بالدمع ، و أنا أشوف ذكريات سلطان ... تنرمي و تتبعثر حوالي ...
و سلمى تصرخ بوجهي بعصبية و قسوة ما عهدتها عليها من قبل ....
لما شافت دموعي تسيل ، و أنا اطالع فيها ... كأني أرجوها ... لا ... لا تقتلي سلطان ... لا أرجوك ...
هدأت نوبة التهيج اللي اعترتها ... و ابتعدت عن المكتب ... و جت لعندي ...
جلست جنبي ، و مدت يدها تبي تنزع السبحة من بين أصابعي ، و ضغطت بقوة ، بكل قوتي عليها ...
هي تشد ، و أنا أشد ...
( لا يا سلمى لا ... لا ... لا ... )
و انقطعت السلسة ... و تبعثرت الفصوص على الأرض من كل جهة ...
جرت أنظاري تركض ورا الفصوص ... كل واحد استقر بمكان ... و في إيدي ، ظلت السلسة مقطوعة تترنح ....
- سلطان ... انتهى ...
قالتها و هي تشد على صوتها بحدة ، و تشير الى الفصوص المتبعثرة ... كأنها تقارن نهايتها بنهاية سلطان ...
المصير واحد .....
هويت براسي على الكنبة ، و بكيت ...
بكيت بكاء طويل ، و عميق ، و شجي ....
ظليت أبكي و أبكي و أبكي ، و صورة الفصوص و هي تتبعثر على الأرض من حولي ، مطبوعة بأنظاري ...
ما حسيت لسلمى ، و لا دريت عنها و هي تطلع من الغرفة ، دون كلمة زيادة ...
أول ما رفعت راسي بعد مدة طويلة ، تلفت ، و لا شفتها ...
شفت الأوراق متبعثرة عند رجلي ، مديت إيدي و أخذت أقرب ورقة منها ... و قريت :
((( قمره ... الوالدة خطبت لي بنت خالتي البارح ، أنا تدبـّـست ... )))