عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-2009, 04:50 AM   رقم المشاركة : 196
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

وليد دفع بكتفي نحو المسند فجأة وابتعد سائرا نحو الباب..
أنا أخفيت وجهي خلف يدي المصابة وأخذت أذرف شحنة الدموع المخزنة في عيني..
وتأوهت من قسوة وليد.. قسوة لم أعهدها ولم أكن أنتظرها منه.. بعد كل ذلك
العطف والحنان اللذين غمرني بهما طوال سنين... وبعد كل الفراق والجفاء
والمقاطعة التي فرضها علي منذ أسابيع...
عندما أفرغت كل دموعي أزحت يدي عن عيني... وشاهدته يدور حول نفسه تارة ويسير
يمينا وشمالا تارة أخرى... وهالة من اللهيب الأحمر تحيط به...
وحين رآني أنظر إليه صرخ فجأة:
"ألم أحذرك من مغبة فتح هذا الموضوع يا رغد؟؟ ألم أفعل؟؟"
ولم يمنحني فرصة للرد بل تابع مزلزلا:
"لكنكم تستخفون بي.. وترونني مجرما حقيرا خريج سجون... لست أهلا لتولي
الوصاية على فتاة يتيمة.. ولا أؤتمن عليها..."
أردت أن أنطق (كلا) لكن وليد لم يعطني المجال وواصل:
"سأريكم.. ما الذي يستطيع المجرمون فعله.. سترون أن كلمتي أنا.. هي النافذة..
وأنه ما من قوة في الأرض سترغمني على الموافقة على هذا الزواج مهما كانت.."
واقترب مني مجددا... ورمقني بنظرات التهديد الشديدة.. وقال:
"ستحققين أمنيتك بالزواج منه فقط بعدما أموت يا رغد.. هل تفهمين؟؟"
وعندما لم ير مني أي ردة فعل تصور أنني لم أفهمه أو لم أعر كلامه اهتماما...
فأطبق على كتفي كالصقر المنقض على فريسته... بمنتهى الخشونة وراح يصرخ:
"أكلمك يا رغد... أصغي إلي جيدا.. واحفظي كلامي بالحرف الواحد... أنا المسئول
عنك هنا.. وأنا من يقرر كل شيء يتعلق بك... صغيرا كان أم كبيرا... شئت أم
أبيت... تركك أبي تحت عهدتي أنا.. وليس تحت عهدة خالتك وعائلتها.. وإن أبقيتك
هناك كل هذا الوقت فهذا لأنني أنا أريد إبقائك.. وليس لتتصرفي كما يحلو لك..
أنت وابن خالتك المراهق الأبله... ومتى ما شئت أنا...سآتي وآخذك.. وخالتك..
وزوجها.. وأبناؤها.. كلهم لا يملكون الحق في تسير أمورك.. وحسام بالذات..
وبالذات حسام.. واسمعيني جيدا.. هذا الفتى بالذات.. سيكون آخر آخر آخر شخص
على وجه الأرض.. سأسمح له بالاقتراب منك.. ولن يكون ذلك إلا بعد موتي.. أفهمت
ذلك يا رغد؟؟ أفهمت ذلك؟؟"
كل هذا الصواريخ في وجهي.. والضغط العنيف على كتفي.. والأعاصير النارية
المنطلقة من عينيك وتريد مني ألا أفهم؟
صحت بخوف وأنا أحاول استعطافه والنجاة من بطش يديه:
"نعم... فهمت.."
فضغط على كتفي بخشونة أشد وقال:
"فهمت جيدا؟؟ أنا لن أعيد كلامي في المرة المقبلة إن تكرر الأمر.. ولن أكتفي
بلكم وجهه.. بل سأهشم عظامه كلها.. وأطحن رأسه... أوعيت هذا؟؟"
قلت:
"فهممت.. فهمت.. أرجوك... يكفي".
وواصل عصر كتفي بقبضتيه وهو يجبرني على النظر في عينيه ويخترقني بنظرته
الثاقبة النهددة ويقول:
"لا تضطريني لتصرف لا تحمد عقباه يا رغد... أحذرك... أحذرك... ما أنا فيه
يكفيني... التزمي بكلامي وإلا.."
أطلقت إجابتي مع زفرة ألم:
"حاضر... فهمت... سأفعل ما تأمرني به... هذا موجع... أرجوك أتركني..."
وانخرطت في البكاء من الألم... فأطلق سراح كتفي وابتعد...
جعلت أمسد كتفي الأيمن بيدي اليسرى لأخفف الألم... ولم أرفع رأسي مجددا... حل
سكون مخيف بضع دقائق.. ثم سمعت صوت باب الشقة ينفتح فرفعت رأسي ونظرت إلى
وليد فشاهدته يغادر...
وقفت بسرعة وسألت:
"إلى أين تذهب؟؟"
لكنه أغلق الباب ولم يجبني... أسرعت أسير بعكازي إلى الباب وأردت فتحه فإذا
بي أسمع صوت قفله يدار..
ضربت الباب وهتفت بفزع:
"وليد إلى أين تذهب؟ افتح الباب".
فسمعته يقول من خلف الباب:
"سأرسل إليك سامر".
فقلت:
"لا تتركني وحدي.. أرجوك افتح".
ولكنه لم يفتح ولم أعد أسمع صوته...
بقيت واقفة عند الباب في انتظار عودة وليد أو سامر.. ومرت بضع دقائق ولم يظهر
أي منهما..
انتابني الذعر.. وعدت إلى المقعد واستخرجت هاتفي من حقيبتي واتصلت بوليد فلم
يجبني.. واتصلت بسامر فوجدت الخط مشغولا..
انتظرت دقيقة ثم أعدت الاتصال بسامر فرد علي وأخبرني بأنه في صالون الحلاقة
أسفل المبنى وسيصعد بعد عشر دقائق...
"لكنني وحدي في الشقة... ذهب وليد وتركني أرجوك تعال الآن".
قال سامر:
"لم يذهب. أخبرته أن يبقى وينتظرني. سيأتيك الآن".
وأنهيت المكالمة ونظرت نحو الباب في انتظار عودة وليد... ولكنه لم يعد. أخذ
القلق والخوف يتفاقمان في صدري... وإن هي إلا دقائق حتى عاودت الاتصال بسامر
وأخبرته بأن وليد لم يعد ورجوته أن يوافيني في الحال.
فقال إنه قادم... وأقبلت نحو الباب في انتظاره... وعندما اقتربت نمه خيل إلي
أنني سمعت صوتا من خلفه ففزعت... أصغيت بسكون... فتكرر الصوت وأجفل قلبي...
"سامر؟؟"
ناديت بحنجرة مخنوقة... ولم أسمع ردا... لكنني أحسست بحركة ما... وكأن أحدهم
يقف خلف الباب مباشرة أو يستند إليه... سألت:
"وليد؟"
فسمعت صوته يرد:
"نعم هنا".
لقد كان وليد قلبي يقف خلف الباب... مستندا إليه...
عندما سمعت صوته حلت الطمأنينة في قلبي... فألقيت بثقل جسمي على الباب...
وخيل إلي... أنني أحسست بالحرارة تتخلله منبعثة من جسم وليد...
يفصل بيني وبينه باب خشبي... وعشرات المشاكل ومئات الشحنات... والمشاعر
المتضاربة والمواقف الملاطمة... والكلمات القاسية... والمعاملة الجافة...
التي أثخن قلبي وجسدي بخدوشها قبل قليل...
تلمست كتفي... فألفيت الألم قد انقشع... وتلمست الباب فوجدته دافئا وحنونا...
وألصقت أذني به... فتوهمت أنني أسمع نبضات قلب وليد... تناديني...
أفقت من أوهامي على صوت خشن زاجر... أصدره وليد...
"أقول لك انتظرني ها هنا فتذهب إلى الحلاق؟؟"
ثم أتى رد بصوت سامر:
"لم أتوقع أن تنهيا الحوار بهذه السرعة كما وأنني لم أشأ الوقوف هكذا
كالبواب".
فقال وليد متضايقا:
"قلت لك إنني لن أطيل الكلام وكما ترى فالوقت ليل ولا يزال أمامك مشوار
إعادتها... تعرف أن التجول محظور آخر الليل هناك.."
ثم سمعت صوت المفتاح يدخل في ثقبه فابتعدت بسرعة...
كان سامر هو من فتح الباب فدخل ولم أر أحدا من خلفه... استدار للوراء ثم
التفت إلي وأغلق الباب من بعده وسألني:
"هل أنت بخير؟؟"
أجبته:
"نعم".
فاقترب وهو يحملق في عيني ويرى أثر الدموع ثم سأل:
"ماذا قال لك؟؟"
فطأطأت برأسي ولم أجبه. فألح علي بالسؤال غير أنني اعتذرت عن الإجابة....
قال:
"إذن الموضوع سري بينكما؟"
ألقيت نظرت سريعة عليه ثم نظرت إلى الأرض لأبعد عيني عن عينيه... خشية أن
يكتشف شيئا...
سأل برجاء:
"ألن تخبريني؟"
فلم أرد...
كيف أخبرك وبم؟؟! سيضرب هذا على وترك الحساس المؤلم... أأقول إن حسام عرض على
وليد الزواج مني...؟؟
احترم سامر موقفي وقال متراجعا:
"كما تشائين. إنما أردت المؤلزرة. فإذا ما أساء إليك أخي بأي شكل فأخبريني
حتى أوقفه عند حده".
فشددت على قبضتي ولم أتفوه بشيء...
بعد ذلك... أعادني سامر إلى منزل خالتي... ولأن المسافة بين المدينتين
التجارية والصناعية طويلة نسبيا, فقد وصلنا في ساعة متأخرة من الليل...
أما وليد فكان قد اختفى فور ظهور سامر عند باب الشقة... ولا أعرف إن كان قد
عاد إلى مزرعة الشقراء أم أنه بات في شقة أخيه تلك الليلة...
وجدت خالتي ونهلة في انتظاري وعيونهما ملأى بالتساؤلات... أخبرتهما بأنه لا
شيء يستحق القلق وذهبت إلى غرفتي فتبعتنب نهلة... والتي سهرت في انتظار عودتي
على نار هادئة لتعرف ما حصل...
"لا شيء".
تعجبت من قولي وسألت:
"لا شيء؟؟ كل هذا الوقت وتقولين لا شيء؟؟"
أجبت:
"تعرفين... الوقت ضاع في قطع المسافة من هنا إلى شقة سامر... ذهابا وإيابا".
سألتني بصبر نافذ:
"المهم ماذا حدث وفيم تكلمتما؟ وهل تصالح معك..؟؟"
أجبت بإعياء:
"أسكتي يا نهلة أنا متعبة ولا طاقة لي بالحديث".
وألقيت بثقل جسمي على السرير... ومددت أطرافي... لكن نهلة لم تعتقني:
"أرجوك يا رغد أخبريني بما حصل الفضول يخنقني؟؟"
قلت أخيرا وأنا أنظر إلى السقف وأتنفس الصعداء باسترخاء بعد كل ذلك
التوتر...:
"تشاجر معي.. فجر صواريخ فتاكة في وجهي.. وهددني بأن.."
قالت نهلة بلهفة:
"بأن ماذا...؟ أكملي!؟"
فوجهت بصري نحوها وقلت:
"بأن يهشم عظام حسام إن عاود طرح موضوع الزواج ثانية..."
حملقت بي نهلة بدهشة... ثم قالت مستنتجة:
"هكذا إذن.."
ثم أضافت:
"تهديد صريح آخر..."
حينها قلت بجدية وصراحة:
"إنه ينوي شرا.. أخبري حسام بأن يبتعد عني وأن يلغي الفكرة نهائيا من رأسه
لينجو بنفسه..."
غضبت نهلة من كلامي الصريح الجارح.. وقالت وهي تستدير مغادرة:
"أخبريه أنت بذلك.. أنا لن أجرح أخي بهذه القسوة.. أنت عديمة الإحساس".




رفض كل من أخي ورغد إطلاعي على موضوع الحوار الذي دار بينهما... لكني لم أسكت
على الدموع التي رأيت آثارها في وجه رغد ليلتها...
"حسنا... أنا لن أطلب منك إخباري بتفاصيل الموضوع وسأنسى أنني من جلبها
وأعادها في قلب الليل وأن الحديث دار في شقتي أنا... لكنني لن أتغلضى عن جرحك
لها وجعلها تبكي يا وليد".
نفثت كلامي بانفعال أمام أخي, الجالس بصمت يشرب الماء البارد... ويبتلع قطع
الجليد الصغيرة السابحة في الكأس.
تجاهل أخي كلامي فغضبت وقلت:
"أكلمك يا وليد ألا تسمع؟"
نظر أخي إلي من خلال زجاج الكأس الشفاف الذي يحمله في يده وأجاب:
"اسمع".
فقلت:
"إذن أخبرني.. لماذا جعلتها تبكي؟ لماذا تعاملها بخشونة؟"
أجاب أخي:
"ليس من شأنك يا سامر وأرجوك... أنا متعب كفاية... دعني أسترخي".
فقلت مستنكرا:
"ليس شأني؟؟ كيف تقول هذا؟ إنها ليست ابنة عمك وحدك..."
وكأن الجملة أثارت أخي فقال بحدة:
"الأمر لا يعنيك يا سامر فرجاء لا تتدخل".
فقلت غاضبا:
"بل يعنيني... أنا لا أتحمل رؤية رغد تبكي أو تتألم... ولا أسمح لك بأن تسبب
لها هذا".
وقف أخي فجأة... وألقى بالكأس بعنف نحو الأرض فتكسر...
ثم صرخ غاضبا:
"أما زلت تفكر بها؟؟...سامر ... أيها الأحمق... إنها لا تكترث بك".
جفلت ولم أستطع التعقيب.
اقترب أخي مني حتى صار أمام وجهي مباشرة وإذا به يسألني:
"ألا زلت تحبها؟؟"
ففارت الدماء في وجهي... لم أكن أتوقع منه هذا السؤال وهكذا مباشرة... أخي
أمسك بذراعي بقوة وقال:
"لقد رأيت ما تخفيه في خزانتك... يا لك من بائس... تخلص منها تماما... إنها
لا تفكر بك.. ولن تعود إليك... لا تتعب نفسك... انسها نهائيا".
وطعن كلام أخي على جرح قلبي مباشرة... فأبعدت يده عني فعاد وأمسك بي وأعاقني
عن الحركة وقال:
"أخرجها من رأسك نهائيا يا سامر... ولا تدافع عنها فهي خائنة وتستحق العقاب".
عند هذا لم أتمالك نفسي ودفعت بأخي بقوة حتى ارتطم بالجدلر.
وأوليته ظهري قاصدا الخروج من المكان غير أنه أمسك بي فجأة وجذبني في اتجاهه
ولوى ذراعي...
وهو يقول:
"أجب على سؤالي أولا".
حاولت الفكاك منه ولكنه كان يطبق علي ويعيق حركتي كلما أردت التملص.
هتفت:
"اتركني وليد".
رفست بطنه بركبتي حتى أبعده عني. وبصراحة رفستي لم تكن قوية... لكن أخي أطلق
صرخة ألم واندفع مبتعدا عني... وأمسك ببطنه وراح يتلوى. ثم إذا به يجثو على
الأرض بالضبط فوق شظايا الكأس المكسور دون أن ينتبه لها... ويحني رأسه إلى
الأرض ويتقيأ الماء الذي شربه قبل قليل... ممزوجا بالدم...
هلعت لمنظر أخي... وأقبلت إليه قلقا ومددت يدي نحوه, غير أنه أبعدها بفظاظة
وأخذ يتلوى... وأخيرا نهض وسار نحو الباب.
"إلى أين؟؟"
فالوقت كان قد تجاوز الواحدة ليلا... ويفترض به المبيت عندي... ووضعه لا يسمح
بالمغادرة...
تبعته وحاولت استيقافه إلا أنه صدني وغادر الشقة...
وقبل غروب الشمس التالية اتصل بي وأخبرني بأنه في طريقه إلى المطار...
مسافرا إلى الجنوب.
سافر أخي إلى المدينة الساحلية... وغاب عنا بضعة أسابيع...
جاء سفره مفاجئا ودون سابق تخطيط وتهيئة... وتوقعت أن أواجه موقفا صعبا مع
رغد لدى إبلاغها عن هذا... فكتمت النبأ عمدا في البداية...
وفي الآونة الأخيرة لاحظت أن رغد لحد ما قد هدأت... أعني أنها لم تعد تثور
وتغضب بسرعة... بل بدت مستسلمة لما نقوله لها بدون جدال... صحيح أن حالتها
هذه لم ترضني لكنها على الأقل أفضل من التهيج الشديد الذي سبقها, وكذلك أبدت
تجاوبا جيدا مع برنامج العلاج في المستشفى وحضرت المواعيد التالية بلا
اعتراض...
والأهم...أنها توقفت عن الاتصال بهاتف وليد وعن السؤال عنه... اعتقدت أن
مادرا بينهما تلك الليلة قد أراحها بشكل ما... وأن اعتقادها أن وليد في
الجوار هدأ نفسيتها...
وخشيت إن أنا كشفت لها حقيقة سفره الآن أن تتقلب بها الأحوال, فواصلت كتم
النبأ إلى أن حل هذا اليوم... والذي قرر فيه الطبيب أخيرا نزع جبيرة يدها...
بعد أن نزعت الجبيرة... وحركت رغد يدها... رأيت ابتسامة تشع على وجهها ولأول
مرة مذ قدمت إلى المدينة الصناعية.. وبمجرد أن غادرنا عيادة الطبيب قالت لي:
"سأتصل بوليد وأخبره بأنني أستطيع تحريك يدي كالسابق, لا بد وأنه سيفرح
للخبر!"
واستخرجت هاتفها واتصلت به ولم يرد, فحمدت الله في داخلي... لكنها سرعان ما
فكرت بالاتصال بالمزرعة والسؤال عنه... حينها لم أجد مناصا من إطلاعها على
الحقيقة...
ساعتها تجهم وجه رغد واختفت تماما آثار الابتسامة التي عبرت على وجهها قبل
قليل... أحسست بالندم على تسببي بقتل بهجتها القصيرة... ولكي أشجعها ادعيت أن
وليد قد أعرب لي عن عزمه اصطحابنا معه في المرة المقبلة... ولم يكن هناك جدوى
من ادعائي.
ومضت الأيام والأسابيع وهي على حالها من الكآبة وفقدان الاهتمام بأي شيء..
حتى أنها نحلت أكثر مما هي نحيلة وانطوت على نفسها أكثر مما هي منطوية وما
عدت أطيق رؤيتها بهذه الحال...
الشيء الوحيد على الأقل.. الذي صرفت إليه بعض الاهتمام... كان الرسم, ولكي
أشجعها على الانشغال به وطرح الأحزان جانبا جلبت لها عدة الرسم كاملة,
ووعدتها كذلك بشراء حاسوب محمول مع ملحقاته وكتبه... عما قريب...
أما وليد فكما فاجأني بسفره فاجأني بعودته ذلك اليوم...
صدمت للوهلة الأولى عندما دخلت شقتي ورأيته جالسا يشاهد التلفاز... وقد كان
وجهه شاحبا هزيلا ملتحيا, وقد خسر جسمه عدة أرطال.
ولا لم يبد أنه قد حلق شعره أو ذقنه منذ لقائي الأخير به قبل أربع أسابيع...
وقف ليحييني ويصافحني, فحييته وسألته:
"ماذا حل بجسدك؟؟!"
فابتسم ورد:
"القرحة حرمتنا من الطعام..."
فسألت:
"هل تراجع طبيبا؟"
فأجاب:
"لا وقت لذلك, العمل مضغوطا جدا وبالكاد نتنفس".
وتبادلنا حديثا قصيرا عرفت فيه أنه عائد من أجل شؤون عمل تتطلب توقيع زوجته
شخصيا على بعض الوثائق الهامة...
"ولكن.. ألست موكلا للتصرف بكل شيء... توكيلا شاملا ورسميا".
فأجاب:
"بلى, لكن هناك بعض الاستثناءات الضرورية".
أطرقت برأسي برهة, وراودني سؤال طارىء لم يسبق لي أن طرحته على أخي:
"متى ستتزوجان؟"
ألقى علي أخي نظرة لا مبالاة, ثم أدار وجهه بعيدا عني... واستخرج من أحد
جيوبه قرصا دوائيا ووضعه في فمه. ثم جذب نفسا عميقا ثم قال:
"إنني أريد على الأقل.. أن تسير أمور المصنع كما يجب. أروى لا تفكر في حجم
الخسائر التي ستلم بثروتها إن هي بقيت عالقة في الشمال وأملاكها مزروعة في
الجنوب.
لولا السيد أسامة المنذر بعد الله لفاتها الكثير.. ليس جميع موظفي المصنع
والشركة بأمانة المنذر... يجب أن يبقي صاحب الأملاك عينه مفتوحة على
ثرواته... يجب أن تعود إلى الجنوب".
فهمت حرص أخي على أموال زوجته, وتفانيه في العمل لأجلها, وقلت:
"البركة فيك يا أخي".
فنظر إلي وأوشك أن يقول شيئا لكنه تراجع والتزم بالصمت.
ثم عاد وقال:
"أنا لا أريد العيش وحيدا هناك... أريد عائلتي من حولي... المنزل كبير
وكئيب..."
فانتهزت الفرصة وسألت:
"ماذا عن عودتنا أنا ورغد؟"
وكأن السؤال أوجعه أو صب خل الليمون الحامض على معدته فإذا بي أرى وجهه يتألم
ويده ترتفع إلى موضع معدته وفمه يطلق آهة مريرة...
قلت قلقا:
"أأنت بخير؟"
وما كان من وليد إلا أن وقف واستدار باتجاه الباب... قال أخيرا وهو ينصرف:
"ليس بعد... دعهم ينزعون جبيرة رجلها أولا... أراك لاحقا".
عندما وصل إلى الباب توقف واستدار إلي وقال:
"لا تخبرها عن حضوري".







..