عرض مشاركة واحدة
قديم 28-01-2009, 08:03 AM   رقم المشاركة : 99
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

الحلقةالثامنةعشر



أفقت من غفوتي القصيرة ...

كنت أجلس على أريكة بمحاذاة الشاطئ ، تتدلى قدماي في مياه البحر و تعانقان أمواجه الراقصة ...

الهواء كان منعشا جدا و البحر غاية في الجمال ... منظر لم تره عيناي منذ سنين
إنها المرة الأولى منذ تسع سنين ، التي يبتهج فيها صدري و أنا بين أهلي و أحبابي ...


أصوات مجموعة من الأطفال تغلغلت في أعماق أذني و أيقظتني من راحتي النادرة


ما أن فتحت عينيّ الناعستين حتى تلقتا منظرا جعلني أقف منتصبا فورا !


كانت رغد ... صغيرتي الحبيبة ... خطيبة أخي الوحيد ... تجلس على الرمال المبللة تعبث بالماء ... إلى جواري تماما !


نهضت و قد أصابني الروع !

و سرعان ما هبت هي الأخرى واقفة ، تنظر إلي ...

وجّهتُ سهام بصري إلى البحر ... ليبتلع أي شعور يفكر في الاستيقاظ في داخل قلبي ... و خطوت مبتعدا عنها


استوقفتني ، فأخبرتها بأنني ماض للسباحة فقالت بسرعة :

" انتظر ! سأعود لأمي ... "



لم أعرف ما إذا كانت تقصد مني مرافقتها أو مراقبتها تحديدا ، ألا أنها حين سارت مبتعدة بقينا أنا و سامر ـ و الذي خرج من الماء للتو و وقف إلى يساري لا يفصلني عنه غير شبرين ـ نراقبها و هي تبتعد ...




و حين ظهر فتى في طريقها يريد أخذ كرة القدم التي تدحرجت منه نحوها ، اضطربت صغيرتي ... و استدارت نحونا ... و أقبلت مسرعة و أمسكت بذراعي اليمنى و اختبأت خلفها !


أنا طبعا وقفت كالجدار لا أحس بشيء مما حولي و لا أعرف ماذا يحدث و ماذا علي أن أفعل !


أردت أن أسحب ذراعي لكنها غرست أظافرها بي و آلمتني ...


الفتى ذاك كان يحمل الكرة و ينظر بتعجب نحونا


و أمي و دانه أيضا تنظران بتعجب


أما النظرات التي لم أعرف ما طبيعتها هي نظرات أخي سامر ...


" صغيرتي ... صغيرتي ... لا بأس عليك ... اهدئي أرجوك "


رغد الآن تنظر إلى و قد اغرورقت عيناها بالدموع ، و قالت بانفعال و اضطراب :

" لماذا لم تأتِ معي ؟ لماذا تركتني وحدي ؟ هل تريد أن يؤذيني أحد بعد ؟ "



كلمتها هذه جعلت عضلاتي تنقبض جميعها فجأة ، و لا شعوريا مسكت أنا بيديها و شددت عليهما بقوة ...


لحظة جحيم الذكرى ... و أعيينا تحدق ببعضها البعض بحدة ... من عيني يقدح الشرر الحارق ... و من عينها تنسكب الدموع المجروحة ... و في بؤبؤيها أرى عرضا للشريط المشؤوم اللعين ... و صورة لعمّار يبتسم ... و الحزام يتراقص ...


" لكنت قتلته "



نطقت بهذه الجملة لا إراديا و أنا أحدق بها في نظرات ملؤها الشر ... و القهر ...


لقد شعرت بأشياء تتمزق بداخلي ... و أشياء تعتصر ... و أشياء تتوجع و تصرخ ...


كيف لي أن أتحمل موقفا كهذا ؟؟


لو ظل سامر صامتا ، ربما بقيت شهورا واقفا عند نفس النقطة ، ألا أن صوته قطع الحبال المشدودة و أرخى العضلات المنقبضة


" رغد ... "



أطلقنا نظراتنا المقيدة ببعضها البعض و سمحنا لها بالانتقال إلى عيني سامر ...

لا يخفى عليكم الذهول و الحيرة و الدهشة التي كانت تغلف وجه سامر الواقف ينظر إلينا ...


قال :

" رغد ... عزيزتي ... "

و لم ينطق بعدها بجملة واضحة تفسر التعبيرات الغامضة المرسومة على وجهه الحائر ...


رغد الآن بدأت تمسح دموعها و قد هدأت نوعا ما ...


الآن ... تصل أمي و أختي ... و تستدير رغد إليهما ، و تنطق بمرارة :

" قلت لك لا أستطيع ... لا أريد المجيء ... لا أستطيع ... لا تتركوني وحدي "

و انخرطت في مزيد من البكاء المؤلم


أمي أحاطتها بذراعيها و أخذت تتمتم بكلمات لم استطع استيعابها من هول ما أنا فيه ...


ثم رأيتهن هن الثلاث ، رغد و أمي و دانه ، يبتعدن عائدات من حيث أتين ...


سامر ظل واقفا لثوان أخرى ، ثم هم باللحاق بهن ... و حانت منه التفاتة إلي ... فرآني و أنا أنهار على الرمال و أضغط بيدي على معدتي و أتأوه ألما ...


لقد شعرت بأشياء تتمزق و تعصر في أحشائي ... و دوار داهمني دون إنذار مسبق ... و خور و وهن مفاجئ في بدني ... فهويت أرضا ...


كنت أعرف أن قلبي ينزف من الداخل ، كما تنزف أنسجة جسدي كله من شدة الموقف و قسوته ... و شعرت بالدماء تجري بكل الاتجاهات في جسمي ... و أحسست بها تصعد من جوفي ... و تملأ فمي ... ثم تخرج و تنسكب على الرمال ملونة إياها هي و يدي المرتكزة عليها باللون الأحمر ...
الآن ... تستطيع عيناي رؤيتها بوضوح ... تماما كما ترى النور ...

دماء حقيقية خرجت من جوفي ممزوجة بعصارة معدتي المتلوية ألما ...



" وليد ! "


رفعت رأسي ، فإذا بي أرى سامر ينظر إلى موضع الدماء بذعر ...


" ما هذا ؟؟ "


ما هذا ؟ أظن أنها دماء ! و هي المرة الأولى التي تخرج فيها دمائي من جوفي ... و أنا أشعر بألم حاد جدا في معدتي ...

ما هذا ؟

أظن أن هذا عرضٌ لمرض ٍ ما ...







بعد فترة ... كنا نجلس قرب موقد الجمر ، نستنشق الأدخنة المتصاعدة من المشويات ... و نتلذذ برائحتها الشهية ...



كان والدي يقلب الأسياخ و يهف الجمر ... و كلما نضج اللحم في أحد الأسياخ دفعه إلى واحد منا ، فيلتهمه بشهية كبيرة ...


و الآن جاء دوري ...

" تفضل يا وليد "


كنت أود مشاركتهم هذه الوجبة اللذيذة التي لم أذق لها طعما منذ سنين ... لكن الآلام الحادة في معدتي حالت دون إقبالي على الطعام ...


" شكرا أبتاه ... لا أستطيع التهامها فمعدتي مضطربة جدا "


قال سامر :


" لقد تقيأ دما قبل قليل "


الجميع ينظر إلى الآن بقلق ...

ابتسمت و قلت :

" ربما أكلت شيئا لم تتقبله ! لا تكترثوا "


أمي قالت بقلق :

" بني ... عساه خيرا ؟؟ "

" لا تقلقي أماه ... ستهدأ بالصيام لبعض الوقت "



ثم حاولت تغيير مجرى الحديث ...



أبي مد سيخ اللحم المشوي نحو الشخص التالي قائلا :

" نصيبك يا رغد "



رغد كانت تجلس على مؤخرة البساط ، بعيدة عن موقد الجمر الذي نجتمع قربه ...


رغد نهضت ، و أقبلت نحونا و مدت يدها و أخذت السيخ ، ثم همت بالعودة إلى المؤخرة ...



نهضت أنا و قلت :


" تفضلي هنا ... أنا سأتمشى قليلا "


و ابتعدت كي أدع لها المجال لتجلس مكاني ، قرب الجميع ... و تستمتع معهم بوجبة الشواء الشهية ...




ذهبت أولا نحو سيارة أخي ، و استخرجت علبة السجائر التي كنت أضعها في جيب بنطالي الذي استبدلته بملابس السباحة ... ثم انطلقت إلى البحر ... و جلست على الرمال ... أدخن بشرود



صوت أبي الجهور كان يصلني خافتا ضاحكا ... إذن فالجميع يستمتعون بوقتهم
كم أتمنى لو أعود للحياة الدائمة معهم ... ليتني أستطيع ذلك ...


ليتني أستطيع رمي الماضي في قلب البحر ... و نسيانه ...

بعد قرابة النصف ساعة جاءتني دانة


ابتسمت عند رؤيتي لها ، فابتسمت هي الأخرى ألا أنها سرعان ما حملقت بي بتعجب ...


" أنت تدخّن ؟؟ "


مرّغت السيجارة التي كانت في يدي في الرمل المبلل ، إلى جوار أختها ... و ابتسمت ابتسامة واهنة تنم عن الاستسلام و القنوط ...


" عادة سيئة ... لا خلاص منها ! "


دانه جلست إلى جانبي و أخذت تراقب الأمواج المتلاطمة ... ثم قالت :


" لم أكن أعلم بذلك ! لو كان نوّار يدخن لرفضت الارتباط به ! لا أطيق رائحة هذه المحروقة السامة ! "


قلت ببعض الخجل :

" معذرة "


ثم أضافت مداعبة :

" و على فكرة ... فإن جميع الفتيات مثلي أيضا ! و إن استمررتم في التدخين فسوف فستسببون أزمة عزّاب و عوانس ! "


أطلقتُ ضحكة عفوية على تعليقها خرجت من أعماق صدري ممزوجة ببقايا الدخان!
قلتُ بعد ذلك :

" إذن ... هل استعديتما للزفاف ؟؟ "

بشيء من الخجل قالت :

" تقريبا ... إنه يريد أن نتزوج بعد عودة والديّ من الحج مباشرة ! أبي يود تأجيل ذلك شهرين أو ثلاثة ... أما والدتي فتراه موعدا مناسبا جدا ، و تريد أن يتزوج سامر و رغد معنا دفعة واحدة ! "



و هذا خبر ليس فقط يحبس الأنفاس في صدري و يعصر معدتي ، بل و يستل روحي من جسدي ... و لن أعجب إن رأيتها تنسكب على الرمال أمامي كما انسكبت دمائي !


في هذه اللحظة أقبل سامر و رغد ... لينضموا إلينا


قال سامر :

" هل لنا بالانضمام إليكما ؟ تركنا الوالدين يشويان السمك ! "


قالت دانة ضاحكة :

" أوه أمي ! من سيلتهم المزيد ؟ أخبرتها ألا تحضر السمك و لكنها مولعة به كثيرا ! "


و استدارت نحوي :


" وليد كيف معدتك الآن ؟ ألا تحب أن تتناول بعض السمك المشوي ؟؟ "


" كلا ، لا طاقة لي بالطعام هذه الليلة "


و جلس سامر إلى جانبي الآخر ، و رغد إلى جانب دانة ...


قال :


" فيم كنتما تتحدثان ؟؟ "

قالت دانة :

" فيكما أنت و رغد ! كنت أخبر وليد أنكما حتى الآن لم تتخذا قرارا نهائياحاسما بشأن موعد الزفاف ! "


سامر ابتسم و قال :


" أنا جاهر و في انتظار أوامر العروس ! "


العروس هي رغد ! و رغد هي صغيرتي الحبيبة ... التي كنت أحلم بالزواج منها ذات يوم ... ثم فقدتها للأبد ... فهل لكم أن تتخيلوا حالي هذه اللحظة ؟؟



قالت دانة :

" هيا يا رغد ! قولي نعم و دعينا نحتفل سوية ! "

ثم غيرت النبرة و قالت مداعبة :

" و لكن كوني واثقة من أنني سأكون الأجمل بالتأكيد ! "


أذناي طارتا نحوها ، حتى كادتا تلتصقان بشفتيها أو حتى تخترقان أفكارها لأعلم ما ستقوله قبل أن تقوله ... تكلمي رغد ؟؟


رغد ظلت صامتة ... و أنا أذناي تترقبان بصبر نافذ ... هيا يا رغد قولي أي شيء ... ارمني بسهام الموت واحدا بعد الآخر ...

اطعنيني بخناجر الغدر و حطمي قفصي الصدري و مزقي الخافق الذي ما فتئ يحبك مذ ضمك إليه طفلة يتيمة وحيدة ... توهم أنها خلقت من أجله فجاءت قذائفك تدمر قلعة الوهم التي بنيتها و عشت بداخلها 15 عاما ... أو يزيد ...


و أقسم ... أقسم أنك لو تزوجت مع شقيقتي في نفس الليلة ، فإني سأتخلى عنها و أخذلها و أدفن نفسي بعمق آلاف الأميال تحت الأرض ، لئلا أحضر أو أشارك أو أبارك ليلة تزفين فيها إلى غيري ... مهما كان ...




بعد كل هذه المشاعر التي تصارعت في داخلي في ارتقاب كلمتها التالية ... و أذاني تصغيان باهتمام و تركيز شديد أكاد معه أسمع دبيب النمل ...

بعد كل هذا ... جاءني السهم المباغت التالي :


" وليد ... ما رأيك ؟؟ "


أنى لي أن أصف ما أود وصفه و أنا بحال كهذه ؟؟


تسألينني أنا عن رأيي ؟؟ رأيي في ماذا ؟؟

في أن تتزوجي شقيقي اليوم أو غدا أو بعد قرن ؟؟

في أن تذبحيني اليوم أو غدا ... أو بعد قرن ؟؟

أتشهد أيها البحر ؟؟
ألا يا ليتك تبتلعني هذه اللحظة ... فأمواجك العاتية ستكون أكثر لطفا و رحمة بحال رجل تسأله حبيبة قلبه : ما رأيك بموعد زفافي !



تحركت يداي إلى علبة السجائر الموضوعة على الأريكة الجالسة خلفي ، و تناولت واحدة و أشعلتها في محاولة مستميتة للفرار من جملة رغد ، التي كنت قبل ثواني أتوق لسماعها و أرسل أذنيّ نحو لسانها لالتقاط الجملة بسرعة فور خروجها ...


بدت اللحظة التالية كالساعة بل كالقرن في طولها ..

سحبت نفسا عابقا بالدخان المنبعث من السيجارة المضغوطة بين شفتي ...

و أطلقت زفرة قوية ... حسبت معها أن روحي قد انطلقت ، و الدخان قد لوث الكرة الأرضية بكاملها ...


قلت ... بعدما عثر لساني على بضع كلمات مرمية على جانبية :


" الأمر عائد إليكما "


و وقفت ...


و قلت :


" معذرة ... سأدخن في مكان آخر "



و انصرفت عنهم ...


سرت مبتعدا ، و وقفت موليا إياهم ظهري ... انفث السموم من و إلى صدري و أقاوم آلام قلبي و معدتي ... و أحترق .





بعد فترة ، انتهت رحلتنا و آن أوان العودة إلى البيت ...


لم أكن أريد أن أركب سيارة سامر ... فقربه و قربها مني يعني مزيدا من الألم و الاحتراق ، لكنني حين رأيت دانة تركب سيارة والدي ، و رغد تقف عند سيارة سامر ... توجهت تلقائيا و جلست على المقعد الأمامي ، لأمنعها من الجلوس عليه !


مشوار العودة كان طويلا مملا ... فقد التزمنا الصمت ... و رغد نامت !



" وصلنا عزيزتي ! "


قال سامر ذلك و هو يلتفت إلى الوراء ، ليوقظ رغد ...

كنا قد وصلنا قبل الآخرين ...

فتحت أنا الباب و هبطت من السيارة ، و رأيت رغد تستفيق ...

ذهبت إلى مؤخرة السيارة أفرغ حقيبتها من حاجيات الرحلة ، ثم أحملها إلى داخل المنزل ...


و أقبل سامر يساعدني ، و حين وصلت إلى الباب ، جاءت رغد بمفتاح سامر و فتحته لي ... و انطلقت مسرعة نحو الباب الداخلي تفتحه على مصراعيه لأدخل بما تحمل يداي ، و أتجه نحو المطبخ ...

وضعت الأشياء في المطبخ و استدرت راغبا في العودة لجلب البقية ... رغد واقفة عند باب المطبخ تراقبني ...



حين مررت منها ...


" وليد "


وقفت ... و عاودني الشعور بالألم في معدتي فجأة ... يكفي أن أسمعها تنطق باسمي حتى تتهيج كل أوجاعي ...


لم أرد ، و لكنني توقفت عن السير منتظرا سماع ما تود قوله ...

" وليد "

عادت تناديني ... تعصرني ...

" نعم ؟؟ "

قالت :

" ألم يعد يهمك أمري ؟؟ "

فوجئت بسؤالها هذا فالفت إليها مندهشا ...

كانت عيناها حمراوين ربما من أثر النوم ... و لكن القلق باد عليهما ...

" لم تقولين ذلك !؟ "

قالت :

" لم لم تبد رأيك بشأن زواجي ؟؟ "

تصاعدت الدماء المحترقة إلى شرايين وجهي و ربما إلى حلقي لكنني ابتلعتها عنوة


قلت :

" إنه أمر يخصكما وحدكما ... و لا شأن لي به "


رغد هزت رأسها اعتراضا ثم قالت :

" لكن وليد ... أنا ... "


و لم تتم الجملة ، إذ أن أخي سامر أقبل يحمل بعض الأغراض ، فسرت أنا خارجا لجلب المتبقي منها ...