عرض مشاركة واحدة
قديم 26-11-2006, 10:16 AM   رقم المشاركة : 13
أشرف محمد كمال
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية أشرف محمد كمال
 






أشرف محمد كمال غير متصل

الوجــوه الخــاوية
(4)

... لكم تمنى لو كان يستطيع قراءة الوجوه.. وسبر مايجول فى العقول من أفكار..إن النفس البشرية حاذقة فى أخفاء باطنها عن العيان.. ترتدى الكثير من الأقنعة .. لتخفى حقيقتها الآثمة.
... كان يعتقد أن الوجوه هى نقطة ضعفها الوحيدة ..لأنها كصفحة المياة.. تختلج عند أى انفعال..فتفضح سرها ..لكننا البشر تعلمنا كيف نتخفى خلف آلاف الأقنعة المزيفة.. والوجوه المطلية بالألوان المبهرجة.. لنخفى حقيقتنا الشائهة.
... أشد ما كان يؤلمه ..أن يصعب عليه ذلك الأمر أو أن تلتبس عليه الحقيقة ..فعليه ألا يترك هناك مجال للعاطفة.. أو أن يأخذ بالظواهر.. أنه بحكم طبيعة عملة تعرض عليه العشرات والعشرات من تلك الوجوه.. التى تتباين فيها ملامح الأثم والبراءة ..وعليه أن يفرز من بينها من هو مجرم عتيد فى الإجرام.. ومن هو برئ براءة الذئب من دم بن يعقوب.. كان يجتهد فى تطبيق نظريات علماء النفس التى درسها فى كلية الحقوق.. عن وصف هيئة المجرم.. و وصف ملامح وجهة.. على اولائك المجرمين ..لكنها كانت تخطئ فى الكثير من الأحيان..!!
.. كثيراً ما كان يواجه قضايا عدة.. يكون واثقاً فيها من إدانة المتهمين ..لكن المجرم ينجو بفعلته.. نتيجة خطأ فى إجراءات الضبط ..أو لعدم كفاية الأدلة .. أو بسبب مهارة محاميه الشهير فى الخطابة ..وحذقة فى قلب الحقائق ..والطعن فى شهادة الشهود ..لقاء مبلغ كبير من المال..!!
... وعلى النقيض .. كثيراً ما كان يأرق ليلة ..يؤنبه ضميره - الذى لا يغفل لحظة من ليل أو ساعة من نهار- خوفاً من أن يكون قد ظلم أحد ما..؟! و ألقى ببريء فى غياهب السجن ظلماً وعدواناً ..أو أن يتسبب فى إزهاق روح مسكينه .. دون ذنب جنته..اللهم إلا أن أوقعها حظها العاثر فى مسرح جريمة ما..!! من صنع مجرم محترف..أو حتى فى نطاق ضابط منحرف.. أراد أن يغلق ملف القضية سريعاً ..!! وأن ينال استحسان رؤسائه ويحصل على ترقية .. فبحث عن برئ متهم.. واجتهد فى تلفيق الأدلة.. بدلاً من أن يجتهد فى حل طلاسم القضية..!!
... ظل هناك دائماً ذاك الكابوس المبهم يؤرقه كل ليله ..فيفزع من نومه هلعاً صارخاً:
- وماذا علىّ أن أفعل ..؟! إن كل الأدلة ضده..!!
إلى أن جاء ذلك اليوم الذى لم ينساه أبداً..وغير مجرى حياته ..حين كان يحقق فى قضية ذاك الرجل الطاعن فى السن الذى كان متهماً بقتل إبنته ..ورآه أول مرة يبكى فى حرقة ومسكنه..و يدعى البراءة..!! يتوسل إليه قائلاً:
- والله ياأبنى ماقتلتها ..حد يقتل ضناه وحته منه..؟!
... بالطبع لم يبدى معه فى بادئ الأمر أى تعاطف.. بحكم خبرته فى هذا المجال وطول تجاربه .. لم تخدعة تلك الدموع الكاذبة.. وتلك التمثيلية المصطنعة.. فكل الأدلة تدل على أنه هو من قتل ابنته.. لشكه فى سلوكها..وبصمات أصابعه وجدت على السكين.. التى قامت بطعنها مرات عده .. وشهادة الشهود الذين رأوه .. ممسكاً بالسكين فى يده .. بجوار الجثة التى كانت مسجاة على الأرض مدرجة فى دمائها ..؟!
سأله فى حنق:
-أمال مين يعنى إلى قتلها عفريت دخل البيت من الشباك و قتلها وهرب..!!
.. نظر إليه الرجل فى ذهول تام.. كمن انتابته مشاعر متضاربة.. فنهره قائلاً:
-أعترف أحسن لك كل الأدله ضدك.. وكمان جيرانك شفوك وأنت ماسك السكينه فى أيدك ومافيش حد دخل ولا خرج من الشقه غيرك..؟!
.. انهار على الأرض فى حركة تمثيلية رائعة..ونظر إليه نظرة ذاهلة ..زائغة البصر..وتفجر نهر من الدموع الكاذبة من عينيه ..وقال فى انكسار:
-أنا دخلت لقيتها مرميه على الأرض.. والسكينه مرشوقه فى صدرها ..ماستحملتش وحاولت أنقذها وشديت السكينه ..وحاولت أفوقها.. لكنها مردتش عليا ..قمت صرخت جم الجيران على صوتى ..وبعدين مدرتش بالدنيا إلا وأنا مرمى هنا فى الحبس.. أنا عاوز أعرف مين اللى قتل بنتى ..لازم تقبضوا عليه لازم تشنقوه..!!
... نظر إليه طويلاً يتفرس ملامح وجهه.. يحاول سبر أغوار الحقيقة..لا يجب أن يعتمد على أحساسه.. بل على الأدلة والقرائن التى لديه..لن يستطيع أن يخدعه بتلك التمثيلية المتهرئة .. وتلك الدموع الباردة.. كالتى تزرفها التماسيح بعدما تأكل ضحاياها..برغم أن ذلك الشيخ لا تبدو عليه إمارات الشر ولا مظاهر اللؤم وعلامات الخبث..!! لكنه نفض الفكرة عن رأسه.. وأخذ يحدث نفسه ناهراً :
-لا يجب عليك أن تأخذ بالظاهر يا عبد الظاهر ..لا يجب أن تخدعك المظاهر
.. سأله فى ضيق وهو يكاد يخترق رأسه بنظره الحاد..أو أن يفتحها ليقرأ ما فيها:
-أمال الجيران بيقولو ليه أنك اتخانقت مع بنتك من يومين.. وضربتها.. وهددتها انك هتقطم رقبتها.. لو خرجت تانى من البيت..!!
... نظر الرجل إليه نظرة أسى.. وارتج الجسد بنشيج من الحزن والألم - يستحق لأجل ذلك جائزة أوسكار كأحسن ممثل- وهتف قائلاً:
- أنا كنت خايف ..عليها زى أى أب مابيخاف على بنته..!!ومن حقى أنى أربيها.. وأحافظ عليها..!! وأمنعـــ ...
.. فقاطعه فجأة ..يريد ان يضغط على أعصابه.. وينتزع منه أعترافاً.. ينهى به القضية.. ويزيح عبأ ثقيلاً عن كاهله:
-تقوم تقتلها..؟!
.. صرخ فيه الرجل منهاراً :
- أنا مقتلتهاش مقتلتهاش ..والله العظيم ماقتلتها..ً!!
.. وسقط فى اعياء تام .. مغشيا عليه ..ونقل على إثرها إلى المستشفى
... ثم حان موعد المحاكمه .. فترافع حينها مرافعة لا مثيل لها.. واحكم زمام القضية.. لما فيها من قرائن دامغة.. وحقيقة واضحه.. وتلبث مرئى للعيان.. وطالب له بأقصى درجات العقوبه.. لأنه سولت له نفسه أن يقتل ابنته.. فلذة كبده .. دون أن تأخذه بها شفقة ..ولا رحمة.
و..صدر الحكم عليه .. بالأعدام .. هنالك نظر الرجل له نظرة.. لم تنمحى أبداً من ذاكرته.. وقال فى استسلام تام..وهدوء أعصاب يحسد عليه:
-حسبى الله ونعم الوكيل..فوضت أمري إلى الله..!!
... لا يدرى لما أحس ساعتها بأنه مظلوم ..وأنه برئ بحق..!!
...نظر طويلا.. إلى تمثال العدالة المنقوش.. على واجهة المحكمة – وكأنها المرة الأولى التى يراه فيها – لإمرأة معصوبة العينين.. تمسك فى يدها اليمنى ميزاناً .. فلاحظ عندها.. أن عين العدالة عمياء.. وميزانها معوّج.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


white heart