عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2006, 05:46 PM   رقم المشاركة : 15
أشرف محمد كمال
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية أشرف محمد كمال
 






أشرف محمد كمال غير متصل

Icon6 الجيوكوندا

الوجــوه الخــاوية
(5)

- ( الجيوكوندا..!!)
صرخ( يوسف) بحماس بالغ عندما شاهد ذلك الوجه الغامض المألوف.. ذو الابتسامة المبهمة على أحد أرصفة (العتبة)..أعنى بوستراً للوحة( دافنشى )الشهيرة (الموناليزا)..بالطبع ليست اللوحة الأصلية فهى بالتأكيد ترقد بأمان تام هناك قى متحف (اللوفر) بباريس وسط حراسة مشدده ..بعد محاولة سرقتها مرتين خلال هذا القرن..؟! و يطلق عليها الفرنسيون ذلك الإسم الأقل شيوعاً (الجيوكوندا..؟!)
نظر له البائع نظرة ذاهلة.. كمن ينظر إلى معتوه فر تواً من مستشفى المجاذيب..!!ربما لم يكن ذاك الجاهل يعرف قيمتها..؟!
فبالرغم من الشهرة الواسعة والمنزلة الرفيعة التى تحتلها (الموناليزا) ..كاشهر تحفة فنية فى العالم إلا أن هناك الكثيرون ممن لا يعرفونها أو يسمعون عنها هنا فى مصر والعالم..؟! والغالبية العظمى من الذين يعرفون لا يدرون سر شهرتها ولايزالون يعتقدون أنه يكمن قى ابتسامتها الغامضة ..!!
وهى لا غموض فيها على الأطلاق ..أنها لم تكن أكثر من صورة ذات سمات خيالية ضبابية.. لسيدة عاديه.. ليست على قدر كبير من الجمال على وجهها مسحة حزن ومن عينيها ينبعث وميض خافت و نظرة تأمل عجيبة للأشياء.. و ترتسم على شفتيها ابتسامة مبهمة باهتة..
أفاق من شروده على صوت البائع وهو يقول له بنفاذ صبر بعد أن طال انتظاره:
- أنت هتشترى حاجة ولا.. لأ.. يا أستاذ..؟!
أجابه (يوسف) على الفور:
- آآآه .. طبعاً.. طبعاً..!!
ثم أردف قائلاً:
- بكام دى ..؟!
ابتسم البائع ابتسامة لذجة سمجه.. وفرك يديه فى حركة لا إراديه..كمن أوقع بفريسة فى شباك عنكبوت ..وما عليه الآن سوى أن يجذب الخيوط ويمتص دمائها..؟؟فلقد أيقن بخبرته مدى اعجابه بالصوره وحاجته إليها .. من نظرات عينيه المتقدتين.. وقال هامساً:
- علشان خاطرك يابيه بس عشره جنيه..!!
ياله من ثمن بخس.. ألا تعلم أيها الساذج أنها تقدر بملايين الدولارات.. بل لا تقدر بثمن..لكنه تمتم قائلاً فى نفسه:
- أيها اللص الأثيم..أن أى بوستر آخر لديك تبيعة بجنيهين أثنين أو ثلاثه على أكثر الأحوال..!!
قطب جبينه واظهر الأمتعاض وقال للبائع:
- لأ.. كتير..؟! هما اتنين جنيه بس..!!
استشاط الرجل غضباً وهتف مستنكراً :
- اتنين جنيه أيه يا بيه..أنت عارف دى صورة مين..؟!
بهت( يوسف) ودهش من سؤال البائع له - وهو الأستاذ فى التاريخ والخبير فى الفنون والآداب- لكن مصدر دهشته الأعظم هو أن يعرف هذا البائع المتجول قيمة هذه الصورة أو يعلم من هى صاحبتها..؟!
سأله يوسف بفضول لاذع :
- أنت تعرف دى مين..؟!
أجابه البائع فى سعاده طفولية.. وابتسم ابتسامه العارف ببواطن الأمور..وهز رأسه فى خيلاء:
- أيوه طبعا ً أمال انت فاكرنى جاهل ولا أيه يابيه دا أنا راجل متعلم..!!
أنتظر يوسف أجابته فى شغف.. وكره ذاك التشويق والتطويل الممل.. الذى يشبه المسلسلات التليفزيونية الرديئة..!!
قال الرجل بحماس الواثق من نفسه:
- المونداليزا..
أستغرق( يوسف) فى الضحك حتى كاد يستلقى على الأرض..أسقط فى يد البائع وقال متلعثماً:
- هو انا قلت حاجة غلط بابيه..؟؟
تنبه( يوسف) إلى سلوكه الشائن ..الخارج عن اللياقه.. ولم يرد أن يجرح مشاعر الرجل وقال له فى جديه.. وهو يخرج نقوده من حافظته:
- لا.. لا.. أبداً.. خلاص ..هما خمسه جنيه أخر كلام عندى..ولو ماوفقتش هامشى وأروح أشتريها من عند واحد غيرك..!
أخذ البائع يقسم ويحلف الأيمان الغلاظ بالطلاق..وبفقد أولاده التسعة.. أنه لم يبعها يوماً بأقل من العشرة جنيهات..إلا أنه لم يلتفت إليه وهم بالأنصراف.. هنالك فقط ناداه البائع واتفقا على الثمن..!!
أمسك بالصورة مطوية بين يديه فأحس لأول وهلة ..بقشعريرة نشوة تسرى فى جسده..إن (الموناليزا) أصبحت ملك يمينه بكل أسرارها وغموضها وسحرها وتاريخها العجيب الذى قرأ عنه كثيراً.. فلقد تضاربت الأقاويل عن تلك اللوحة كما لم يحدث مع مثيلاتها قط .. فبعضهم أدعى أنها كانت لإحدى الأميرات الإيطاليات.. وآخرين افترضوا أنها لسيدة عاديه من عامة الشعب والبعض قال أن( ليوناردو دافنشى) ذاك الفنان الإيطالى المجنون..غريب الأطوار رسم صورته بملامح أنثويه - لما بينهما من تشابه كبير- وأنه كان شاذاً..!!
و المتخصصين والمتحذلقين من مؤرخى الفنون والأديان افترضوا كثيراً من التأويلات الغريبة ..!!
قالوا.. أنها فيها تلميح خفى لمفاهيم الإلهة الأنثى وأنها تحتوى على العناصر المذكرة والمؤنثة..وتعبر عن إلتحام الإثنين معاً.. وأن (ليوناردو دافنشى) كان يؤمن بالتوازن بين إله الخصوبة الذكرية (آمون) وإلة الخصوبة الأنثوية (إيزيس) التى كانت تعرف اختصاراً بـ (ليزا) وأطلق بنفسه عليها ذلك الأسم الأشهر (أمون ليزا )وحرف فيما بعد إلى الـ(موناليزا) وأن الإسم يدل على الإتحاد المقدس بين الذكر والأنثى. .هذا هو سر (دافنشى) وسر ابتسامة الـ(موناليزا).
- لابد ان أصنع لها أطاراً مذهباً يليق بمقامها..
قالها يوسف محدثا نفسه.. وهو يتخيل أين سيضعها فى بيته المتواضع..عندها طفى على ذهنه فجأه.. صورة زوجته(سعاد) ..فجفل فزعاً.. حين تصور حالتها.. حينما ترى اللوحة معه..وتخيل توبيخها له.. لأنه أنفق ..جنيهاته الخمس بلا طائل.. وحديثه لها عن غذاء الروح..وتخيلها تضحك ضحكتها المعهودة وتقول أمثالها الفجه :
- مش لما تبقى تطعم الفم الأول..مش كان أولى بيك تدخل بأيدك فيها اتنين كيلو فاكهة على أولادك..!!
حاول مقاومة شعوره بالذعر وهدأ نفسه قائلاً:
- سأكذب عليها كذبة بيضاء وأدعى ان أحد مندوبى شركات السياحة اعطانيها هدية من قبيل الدعاية..
إلا أنه هز رأسه نافضاً الفكرة من ذهنه :
- سيفضحنى وجهى.. وستعرف كل شئء..!!
ثم عاد وقال :
- لأحاول أخفائها عن عينيها فى الوقت الراهن إلى أن أجد مخرجاً..!!
أطمان لهذا الخاطر.. ودلف إلى شقته خلسه.. دون أن ينبس ببنت شفة ..واسترق النظر.. فوجد زوجته كعادتها بالمطبخ .. فتنفس الصعداء ..ومشى بخطى وئيدة على أطراف أصابعه.. ودخل غرفته.. وأغلق الباب.. و وقف خلفه ساكناً كالصنم.. ريثما يستريح ويسترد انفاسه.. يصيخ السمع ..حتى إطمأن أن زوجته لم تنتبه لوجوده.. وأخذ يفكر فى المكان الذى يستطيع أن يخفيها فيه عن نظرها.. فما وجد..؟! ولم تمهله الأقدار متسعاً من الوقت.. فزوجته- لا يدرى كيف..؟!- تشعر دائماً بوجوده .. وكأنها تشم رائحته..!! فما هى إلا ثوان .. وسمع دوى أقدامها تقترب من باب الغرفة.. وهو لم يتخلص بعد من اللوحة.. فحاول رسم ابتسامة بلهاء مصطنعة على وجهة.. وتسمر فى مكانه دون حراك مخفيا الصورة خلف ظهره.. عندما فتح الباب بقوة.. لكن المفاجأة عقدت لسانه .. فلقد كانت زوجته تضع على وجهها قناعاً ضبابى اللون -من مساحيق التجميل -.. لا يظهر منه سوى العينين..التى بدورهما نظرتا إليه نظرة حاده..وإلتمع ذاك الوميض ..وابتسمت إليه فى غموض...
( الجيوكوندا..!!)






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


white heart