عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2014, 11:28 PM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏4‏)‏
‏{‏ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علَّمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب ‏}‏
لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها، إما في بدنه أو في دينه أو فيهما، واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه‏}‏ قال بعدها‏:‏ ‏{‏يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات‏}‏ كما في
سورة
الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل لهم الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث‏.‏ قال ابن أبي حاتم عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين سألا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالا‏:‏ يا رسول اللّه قد حرم اللّه الميتة فماذا يحل لنا منها‏؟‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات‏}‏ قال سعيد‏:‏ يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم، وقال مقاتل‏:‏ الطيبات ما أحل لهم من كل يء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما علمتم من الجوارح مكلبين‏}‏ أي أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم اللّه عليها والطيبات من الرزق وأحل لكم ما صدتموه بالجوارح وهي‏:‏ الكلاب والفهود والصقور وأشباهها ، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة، ممن قال ذلك ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وما علمتم من الجوارح مكلبين‏}‏، وهن الكلاب المعلمة والبازي وكل طير يعلم للصيد، والجوارح يعني الكلاب الضواري والفهد والصقور وأشباهها‏.‏ رواه ابن أبي حاتم، وريى عن الحسن أنه قال‏:‏ البازي والصقر من الجوارح، ثم روي عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله، وقرأ قوله‏:‏ ‏{‏وما علمتم من الجوارح مكلبين‏}‏، ثم قال‏:‏ أخبرنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ أما ما صاد من الطير البازات وغيرها من الطير فما أدركت فهو لك وإلا فلا تطعمه‏.‏ قلت‏:‏ والمحكي عن الجمهور أن الصيد بالطيور كالصيد بالكلاب لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب فلا فرق، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، واختاره ابن جرير‏.‏ واحتج في ذلك بما رواه عن عدي بن حاتم قال‏:‏ سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال‏:‏ ‏(‏ما أمسك عليك فكل‏)‏، وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن جوارح‏:‏ من الجرح وهو الكسب، كما تقول العرب‏:‏ فلان جرح أهله خيراً أي كسبهم خيراً، ويقولون‏.‏ فلان لا جارح له أي لا كاسب له؛ وقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ويعلم ما جرحتم بالنهار‏}‏ أي ما كسبتم من خير وشر، وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، فقلت، فجاء الناس فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها‏؟‏ فسكت، فأنزل الله ‏:‏ ‏{‏يسألونك ماذا أحل لهم قال أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين‏}‏ الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إذا ارسل الرجل كلبه وسمى فأمسك عليه فليأكل ما لم يأكل‏)‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ملكبين‏}‏ يحتمل أن يكون حالاً من الضمير في ‏{‏علمتم‏}‏ فيكون حالاً من الفاعل، ويحتمل أين يكون حالاً من المفعول وهو ‏{‏الجوارح‏}‏ أي وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد، وذلك أن تقتنصه بمخالبها أو أظفاهرا، فيستدل بذلك والحالة هذه على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته وبمخالبه وظفره أنه لا يحل له كما هو أحد قولي الشافعي وطائفة من العلماء، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏تعلمونهن مما علمكم الله‏}‏ وهو أنه إذا ارسله استرسل، وإذا اشلاه استشلى، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا ام الله عليه‏}‏ فمتى كان الجارح معلماً وأمسك على صاحبه، وكان قد ذكر السم اللّه عليه وقت إرساله، حل الصيد وإن قتله بالإجماع‏.‏ وقد وردت السنّة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة، كما ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم قال‏:‏ قلت يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم اللّه، فقال‏:‏ ‏(‏إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم اللّه فكل ما أمسك عليك‏)‏ قلت‏:‏ وإن قتلن‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏وإن قتلن، ما لم يشركها كلب ليس منها، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره‏)‏ قلت‏:‏ قلت له‏:‏ فإني ارمي بالمعراض الصيد فأصيب‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ فلا تأكله‏)‏، وفي لفظ لهما ‏(‏إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم اللّه فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاته‏)‏، وفي رواية لهما‏:‏ ‏(‏فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه‏)‏، فهذا دليل للجمهور وهو الصحيح من مذهب الشافعي، وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقاً ولم يستفصلوا، كما ورد بذلك الحديث، وحكي عن طائفة من السلف أنهم قال لا يحرم مطلقاً‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم اللّه عليه‏}‏ أي عند إرساله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي ابن حاتم‏:‏ ‏(‏إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك‏)‏، وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضاً‏:‏ ‏(‏إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله، وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله‏)‏، ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة، كالإمام أحمد رحمه الله في المشهور عنه التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية وهذا الحديث، وهذا القول هو المشهور عن الجمهور، أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال‏.‏ كما قال السدي وغيره‏.‏ وقال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏واذكروا اسم الله عليه‏}‏ يقول‏:‏ إذا أرسلت جارحك فقل باسم الله وإن نسيت فلا حرج، وقال بعض الناس‏:‏ المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل، كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم علَّم ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال‏:‏ ‏(‏سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك‏)‏ وفي صحيح الباخاري عن عائشة أنهم قالوا‏:‏ يا رسول اللّه إن قوماً يأتوننا حديث عهدهم بكفر بلحمان لا ندري أذكر اسم اللّه عليها أم لا‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏سموا الله أنتم وكلوا‏)‏ حديث آخر ‏:‏ وقال الإمام أحمد عن عائشة‏:‏ أن رسول اللّه كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه، فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أما أنه لو كان ذكر السم اللّه لكفاكم، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم اللّه في أوله فليقل باسم اللّه أوله وآخره‏)‏
حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن حذيفة، قال‏:‏ كنا إذا حضرنا مع النبي على طعام لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول اللّه، فيضع يده، وإنا حضرنا معه طعاماً فجاءت جارية كأنما تدفع، فذهبت تضع يدها في الطعام، فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها، وجاء أعرابي كأنما يدفع فذهب يضع يده في الطعام فأخذ رسول الله بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم اللّه عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها، وجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما‏)‏، يعني الشيطان، وكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏
حديث آخر ‏:‏ روى مسلم وأهل السنن إلا الترمذي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان‏:‏ لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل ولم يذكر اسم اللّه عند دخوله قال الشيطان‏:‏ أدركتم المبيت، فإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه قال‏:‏ أدركتم المبيت والعشاء‏)لفظ أبي داود
حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنا نأكل وما نشبع، قال‏:‏ ‏(‏فلعلكم تأكلون متفرقين، اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه‏)
‏، ورواه أبو داود وابن ماجه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏5‏)‏
‏{‏ اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ‏}‏
لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث وما أحله لهم من الطيبات قال بعده‏:‏ ‏{‏اليوم أحل لكم الطيبات‏}‏، ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى، فقال‏:‏ ‏{‏وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ يعني ذبائحهم، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، إن ذبائحهم حلال للمسلمن لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم اللّه، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس‏.‏ وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل قال‏:‏ أدلي بجراب من شحم يوم خيبر، فحضنته، وقلت‏:‏ لا أعطي اليوم من هذا أحداً والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم، وفي الصحيح أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية وقد سموا ذراعها، وكان يعجبه الذراع، فتناوله فنهش منه نهشة، فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه، وأثر ذلك في ثنايا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وفي أبهره، وأكل معه منها بشر بن البراء بن عرور فمات، فقتل اليهودية التي سمتها، وكان اسمها زينب وقال ابن ابي حاتم، عن مكحول قال‏:‏ أنزل الله‏:‏ ‏{‏ولا تأكلوا مما لم ذكر اسم الله عليه‏}‏ ثم نسخه الرب عزَّ وجلَّ ورحم المسلمين فقال‏:‏ ‏{‏اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتو الكتاب حل لكم‏}‏ فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب، وفي هذا الذي قاله مكحول رحمه الله نظر، فإنه لا يلزم من إباحته طعام أهل الكتاب إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم وهم متعبدون بذلك، ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم لأنهم لم يذكرا اسم الله على ذبائحهم، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة، بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصائبة ومن يتمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء على أحد قولي العلماء، ونصارى العرب كبني تغلب وتنوخ وبهرا وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم، لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور‏.‏

وقال أبو جعفر بن جرير عن محمد بن عبيدة قال، قال علي‏:‏ لا تأكلوا ذبائح بني تغلب لأنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر، وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وطعامكم حل لهم‏}‏ أي ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم، وليس هذا إخباراً عن الحكم عندهم، اللّه إلا أن يكون خبراً عما أمروا به من الأكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه، سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها، والأول أظهر في المعنى أي ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة، كما ألبس النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لعبد الله بن ابي بن سلول حين مات ودفنه فيه، قالوا‏:‏ لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه، فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأما الحديث الذي فيه‏:‏ ‏(‏لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي‏)‏ ‏"‏أخرجه الترمذي وأبو داود عن أبي سعيد‏"‏فمحمول على الندب والاستحباب، والله أعلم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والمحصنات من المؤمنات‏}‏ أي وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، وذكر هذا توطئة لما بعده وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‏}‏ فقيل أراد بالمحصنات الحرائر دون الإماء، حكاه ابن جرير عن مجاهد، وإنما قال مجاهد‏:‏ المحصنات الحرائر، فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة، كما قال في الرواية الأخرى عنه، وهو قول الجمهور ههنا، وهو الأشبه لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل‏:‏ حشفاً وسوء كيله والظاهر من الآية أن المراد من المحصنات‏:‏ العفيفات عن الزنا كما قال تعالى في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان‏}‏؛ وقد كان عبد اللّه بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية، ويقول‏:‏ لا أعلم شركاً أعظم من أن تقول إن ربها عيسى، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن‏}‏ الآية‏.‏ وقال ابن ابي حاتم عن ابن عباس‏:‏ نزلت هذه الآية ‏{‏ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن‏}‏ قال‏:‏ فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها‏:‏ ‏{‏والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‏}‏ فنكح الناس نساء أهل الكتاب، وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأساً أخذاً بهذا الآية الكريمة ‏{‏والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‏}‏ فجعلوا هذه مخصصة للتي في
سورة البقرة ‏{‏ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن‏}‏ إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها وبينها لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إذا آتيتموهن أجورهن‏}‏ أي مهورهن، أي كما هن محصنات عفائف، فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس‏.‏ وقد أفتى جابر بن عبد اللّه وإبراهيم النخعي والحسن البصري‏:‏ بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينهما، وترد عليه ما بذل لها من المهر، رواه ابن جرير عنهم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان‏}‏ فكما شرط الإحصان في النساء، وهي العفة عن الزنا، كذلك شرطها في الرجال، وهو أن يكون الرجل أيضاً محصناً عفيفاً، ولهذا قال غير مسافحين، وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ‏{‏ولا متخذي أخدان‏}‏ أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن، ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب، وما دامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف، وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا لهذا الآية، وللحديث‏:‏ ‏(‏لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله‏)‏، وقال ابن جرير عن الحسن قال، قال عمر بن الخطاب‏:‏ لقد هممت أن لا أدع أحداً أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة، فقال له أبي بن كعب‏:‏ يا أمير المؤمنين الشرك أعظم من ذلك، وقد يقبل منه إذا تاب، وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى عند قوله‏:‏ ‏{‏الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة‏}‏ ولهذا قال تعالى ههنا‏:‏ ‏{‏ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس