عرض مشاركة واحدة
قديم 13-04-2014, 03:58 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بعنوان : اليقظة و إستصحاب الحذر‎

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
خُطَبّتى الجمعة من المسجد الحرام
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور / سعود الشريم - حفظه الله
خطبتي الجمعة من المسجد الحرام بمكة المكرمة بعنوان :
اليقظة واستصحاب الحذر
والتي تحدَّث فيها عن الحذر وأهميته في حياة الفرد والمجتمع،
وذكر ما يدلُّ على ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية،
كما حثَّ على ضرورة التوسُّط فيه بين الإفراط والتفريط.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

إن الحمد لله نحمده ونستعينُه، ونستغفِرُه ونتوبُ إليه،
ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،
من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه .
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
[ آل عمران: 102 ].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }
[ النساء: 1 ].
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
[ الأحزاب: 70، 71 ].
أمابعد ....
فيا أيها الناس:
الدنيا مُلهيةٌ غرَّارة، يتقلَّبُ المرءُ فيها بين خيرٍ وشرٍّ،
وفرحٍ وترَحٍ، وغِنًى وفقرٍ، ونصرٍ وهزيمةٍ.
أيامُها دُول، ولياليها حُبلَى بما لا يدري ما الله كاتِبٌ فيها،
إن سرَّ زمنٌ فيها ساءَته أزمانٌ أخرى، يومٌ له، ويومٌ عليه
{ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }
[ آل عمران: 140 ].
فلأجل ذلكم كلِّه - عباد الله - كان لِزامًا على المرء باعتبارِه فردًا من المُجتمع،
وعلى المُجتمع باعتباره جُزءً من الأمة المُسلمة،
وعلى الأمة المُسلمة باعتبارها شامةً بين الأُمم.
نعم، كان لِزامًا على هؤلاء جميعًا أن يُوطِّنوا أنفسَهم على اليقَظَة
واستِصحابِ الحذَر ما دامَت لهم عينٌ تطرِف، وقلبٌ ينبِض.
الحَذَرُ - عباد الله - سِياجٌ آمِن، وحبلٌ مُمتدٌّ، يتمسَّك به الفردُ والمُجتمعُ والأمة؛
ليقوم كلُّ واحدٍ منهم بما أوجبَ الله عليه، تحت ظلٍّ وارِفٍ من أمنِه الشخصيِّ،
والفكريِّ، والصحِّيِّ، والغذائيِّ، دون إفراطٍ ولا تفريط.
الحَذَرُ - عباد الله - احترازٌ وتهيِئة يدُلاَّن على وعيِ المُتَّصِف بهما،
فردًا كان هذا المُتَّصِف أو مُجتمعًا؛ لأنه لونٌ من ألوان الوقاية.
فكما أن المرءَ ينعمُ بالخيرات بلا حُدود، يتفضَّل بها عليه خالِقُه ومولاه،
فإنه كذلك مُعرَّضٌ للنكَبَات وغِيَر الحياة
{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }
[ آل عمران: 185 ]
الحَذَرُ - عباد الله - هو بذلُ الحِيطة، والتأهُّب الدائِم للأمور قبل وقوعِها،
وهو ظاهرةٌ صحيَّةٌ ما دامَت في إطارها المعقول؛ لأنها وقايةٌ تُغنِي عن العلاج،
وهي دفعٌ أبلغُ وأنجعُ من الرفع، ومن كان حذِرًا قلَّ زلَلُه، وصار صوابُه أكثرَ من خطئِه.
وليس بلازمٍ أن يكون الحذَرُ من كل ما هو مُخيف؛
فقد يكون أحيانًا لاتِّقاء نِزاعاتٍ لا تنتهِي إلى صُلح،
ودرءً لمصالِح صُغرى في مُقابل تحصيل ما هو أكبر منها، فقد قال الله - جل شأنُه -:
{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً
فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }
[ التوبة: 122 ].
الحَذَرُ سببٌ مشروعٌ أمرَ الله به في قوله:
{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ }
[ البقرة: 235 ].
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:
( لا يُلدغُ المُؤمنُ من جُحرٍ واحدٍ مرتين )
رواه البخاري ومسلم.
إنه عندما يُربِّي المرءُ نفسَه على الحذَر المشروع،
فإنه سيتَّقِي كثيرًا من الأخطاء والهفَوَات والنَّزَعات، والغدر والخِيانة والكيد،
وسيُدرِك باستِحضار الحذَر أنه ليس كلُّ بيضاء شحمَة، ولا كل سوداء فحمَة،
ولا كلُّ لامِعٍ ذهبًا، وأن الأمورَ تبدُو مع الحذَر لا كما تبدُو مع الغفلة.
الحذَرُ - أيها المرءُ - علامةُ وعيٍ فيك؛ فالناسُ ليسُوا على قلبِ رجُلٍ واحدٍ،
فلربما دلَّك الحذَرُ على أن تتَّقِي عدوَّك مرةً واحدةً وتتَّقِي صديقَك ألف مرَّة؛
لأنه أدرَى بمضرَّتك من عدوِّك.
فإياك والغفلة، فقد تُورِدُك المهالِك، وتُوهِمُك حينما ترَى أنيابَ اللَّيثِ الهِزبر
أنه إنما يبتسِمُ لك، فإن أخطرَ غدرةٍ يتجرَّعُها المرءُ هي غدرةُ المُبتسِم.
إذا كــنــتَ ذا فــهـــمٍ فــكـــن ذا نــبــاهــةٍ
وكُـن حـذِرًا لـدغَ الـضَّـحُــوكِ وحـاسِـمًــا
فـلـم تـبـتـسِـم أفـعَـى عـلـى حـيـن لـدغـةٍ
ولـكــنَّ بـعــضَ الـنــاس يـلــدغُ بـاسِـمًــا
إنه لا غِنى لأحدٍ من أمة الإسلام عن الحذَر حُكَّامًا وعلماء ومُفكِّرين وشعوبًا؛
بل الواجبُ علينا جميعًا ألا نكون مغفَّلين يُقلِّبُنا الخِداعُ حيثُ شاءَ أهلُه،
ابتداءً من نفس الإنسان الأمَّارة بالسوء، وانتهاءً بالأمة في مجموعها؛
إذ على الفرد أن يحذَرَ نفسَه الأمَّارة بالسوء فيُلجِمُها بلِجام تقوى الله
حتى لا تجثُم الذنوبُ على قلبِه فيُصبِحُ أسودَ مربادَّ كالكُوز مُجخِّيًا،
لا يعرفُ معروفًا ولا يُنكرُ مُنكرًا،
كما أخبر بذلكم الصادقُ المصدوقُ - صلوات الله وسلامه عليه
كما أن على المرء أن يحذَر انسياقَ نفسِه مع الاغترار بقوَّتِه،
وإعجابِه بمكرِه وبطشِه الذي يُوهِمُه الشيطانُ بأنَّه فُتوَّةٌ وشدَّةٌ بالصُّرعة،
فيظلِم ويتكبَّر ويطغَى، فلا يرى حُرمةً لأحدٍ، ولا يحفَظُ لسانَه عن عِرضٍ،
ولا يدَه عن بطشٍ، وينسَى أن الله عزيزٌ ذو انتِقام،
وأنه يُملِي للظالِم حتى إذا أخذَه لم يُفلِته، أو أنه يُملِي له ليزدادَ إثمًا.
وذلك - لعمرُ الله - هو الخُسرانُ المُبين.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس