عرض مشاركة واحدة
قديم 13-04-2014, 04:05 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

كان أبو مسعودٍ البدريُّ - رضي الله عنه - يضربُ غلامًا له من شدَّة الغضَب،
فرآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال له:
( اعلم أبا مسعود أن الله أقدَرُ عليك منك على هذا الغلام
قال: فقلتُ: لا أضرِبُ مملوكًا بعدَه أبدًا،
فقال - صلى الله عليه وسلم -: أما لو لم تفعل للفَحَتك النار )
رواه مسلم.
ألا إنه من حذِر فقد اتَّقى، ومن اتَّقى فقد نجَا،
ومن غيَّب الحذَرَ عن فِكره لم يُبصِر مواضِع خُطَى قدَمَيه فوقعَ من حيث لا يُبصِر.
احـذَر وُقـيـتَ فـتـحـت رجـلِـك هُـوَّةٌ
كـم قـد هـوَى فـيـهـا مـن الإنـســانِ
بالحذَر لا يندَمُ المرءُ؛ لأنه أخذ بالأسباب، وبالغفلة يندمُ، ولاتَ ساعة مندَم،
فلا ينفعُ حينئذٍ "ليت"، ولا "لو"، والعاقلُ من لم يسترسِل مع هوَى نفسِه،
ولم يستهوِن شيئًا لحقارتِه؛ فالحذَرُ مطلوبٌ في صِغار الأمور وكِبارِها.
ولقد أحسنَ من قال:
لا تـحـقِـرنَّ صـغـيـرًا فـي مُـخـاصَـمـةٍ
إن الـبـعـوضَـة تُـدمِـي مُـقـلــةَ الأســدِ
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا
وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }
[ آل عمران: 30 ]
باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم،
قد قلتُ ما قلتُ، إن صوابًا فمن الله، وإن خطأً فمن نفسِي والشيطان،
وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين والمُسلمات من كل ذنبٍ وخطيئةٍ،
فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إنه ربي كان غفَّارًا.
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الحمد لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانه.
أمابعد ....
فاتقوا الله - عباد الله -، واعلموا أن شريعتَنا الغرَّاء شريعةٌ مُتكامِلةٌ تدلُّ على كل خيرٍ،
وتُحذِّرُ من كل شرٍّ، وإن من الخير الذي يُتَّقَى به الشر:
الحَذَر والحِيطة اللذَين علَّمنا نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - كيفيَّة الأخذ بهما،
حتى في حياتنا الاعتِيادية، باعتبارهما عملاً وقائيًّا تُدفعُ به الشُّرور والآفات
فهو القائلُ - صلى الله عليه وسلم -:
( اعقِلها وتوكَّل )
وهو الذي أمرَنا بإطفاءِ السُّرج عند النوم، وربط الأسقِيَة حِفاظًا عليها،
ونفضِ الفُرُش قبل النوم عليها، وغير ذلكم كثير.
ومن أعظم الحذَر - عباد الله -: الحذَرُ من مكرِ الله - سبحانه -؛
لأن من أمِنَ مكرَ الله هلَك وخسِر
{ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ }
[ الأعراف: 99 ]
لأن تراكُم النِّعَم مظِنَّةُ الغفلة، وإذا غفلَ الناسُ وقعوا في الخطأ فاستمرؤُوه،
ثم يلَغُون في غيره، حتى تُصيبَهم قارِعةٌ أو تحُلَّ قريبًا من دارِهم
{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ
ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ }
[ هود: 102، 103 ].
ولقائلٍ أن يقول: ما قيمةُ الحذَر ما دامَ أنه لا يُغنِي حذَرٌ من قدَر؟!
فيُقال: إن الحذَر جُزءٌ من القدَر؛ فإن الله إذا نهَى عن شيءٍ ورتَّب عليه عقوبةً،
فإنه يأمُرُ بضدِّه اتِّقاءً لهذه العقوبة، فحينئذٍ يكونُ فِرارًا من قدَر الله إلى قدَر الله،
ولهذا قال الله:
{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }
[ الليل: 5- 10 ].
حتى الموتُ - عباد الله - فإنه يُحذرُ إذا كان بالمواطِن التي تُودِي بالمرء إلى التهلُكة؛
لأن الله يقول:
{ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا }
[ النساء: 29 ]
لا أن يهرُب المرءُ من واجِباته خشيةَ الموت.
ولهذا قال عليٌّ - رضي الله تعالى عنه - في هذا البابِ:
أيُّ يــومــيَّ مـــن الــمـــوتِ أفِــــرُّ
يــــوم لا يُــقـــدَر أو يـــــوم قُـــــدِر
يـــــــوم لا يُــــقــــدَر لا أحــــــــذرُه
ومـن الـمـقـدورِ لا يـنـجُـو الـحــــذِر
ومع هذا كلِّه - عباد الله - فإنه ينبَغي الاعتِدالُ في الحذَر، وألا يُعمَل في غير ما وُضِع له،
لئلا يجُرَّ صاحِبَه إلى تغليبِ سُوء الظنِّ مع أهلِه وصحبِه وبنِي مُجتمعه،
فيشُكُّ في كل شيءٍ حتى لا يطمئِنَّ إلى أحدٍ ولا يثِقُ في أحدٍ البتَّة.
يفرَقُ من الهمس، ويجزَعُ من اللَّمس، فيرَى كلَّ من أمامَه خُصومًا له،
وهذا - عباد الله - داءُ من لم يُفرِّق بين الحذَر والوسوسة؛ فإن الحذَر سبيلُ الأمنِ،
لكنَّه إذا خرج عن مسارِه فإنه يُؤتَى صاحبُه من مأمنِه.
إن الـتــوسُّــط فـــي الأمـــور ســلامـــةٌ
كـي لا ضِــرارَ يـنــالُ مـنــك ولا ضــرَر
قـــد يُـهــلِــكُ الإنــســانَ أمـــنٌ مُــفــرِطٌ
أو يـعـتـرِيـه الـسـوءُ مـن فَـرط الـحـــذَر
هذا، وصلُّوا - رحمكم الله - على خير البريَّة، وأزكى البشريَّة:
محمد بن عبد الله صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه،
وثنَّى بملائكَته المُسبِّحةِ بقُدسِه، وأيَّه بكم - أيها المُؤمنون –
فقال - جل وعلا -:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56].






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس