عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-2014, 02:19 AM   رقم المشاركة : 19
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏191 ‏:‏ 198‏)‏
‏{‏ أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ‏.‏ ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون ‏.‏ وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ‏.‏ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ‏.‏ ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ‏.‏ إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ‏.‏ والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ‏.‏ وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ‏}‏

هذا إنكار من اللّه على المشركين الذين عبدوا مع اللّه غيره من الأنداد والأصنام والأوثان، وهي مخلوقة للّه مربوبة مصنوعة، لا تملك شيئاً من الأمر، ولا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر عابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون‏}‏ أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه ضعف الطالب والمطلوب‏}‏ أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة، بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت لما استطاعوا إنقاذه منها، فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر‏؟‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يخلقون شيئا وهم يخلقون‏}‏ أي بل هم مخلقون مصنوعون كما قال الخليل‏:‏ ‏{‏أتعبدون ما تنحتون‏}‏ الآية، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يستطيعون لهم نصرا‏}‏ أي لعابديهم ‏{‏ولا أنفسهم ينصرون‏}‏ يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء، كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فراغ عليهم ضربا باليمين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فجعلهم جذادا إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون‏}‏، وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن جبل رضي اللّه عنهما، وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل، ليعتبر قومهما بذلك، ليرتأوا لأنفسهمن فكان لعمرو بن الجموح، وكان سيداً في قومه، صنم يعبده ويطيبه، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه، ويلطخانه بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به، فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له‏:‏ انتصر، ثم يعودان لمثل ذلك ويعود إلى صنيعه أيضاً، حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت، ودلياه في حبل في بئر هناك، فلما جاء عمرو بن الجموح، ورأى ذلك نظر، فعلم ان ما كان عليه من الدين باطل وقال‏:‏

تاللّه لو كنت إلهاً مستدن * لم تك والكلب جميعاً في قرن

ثم اسلم فحسن إسلامه، وقتل يوم أحد شهيداً رضي اللّه عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم‏}‏ الآية، يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء لديها من دعاها ومن دحاها كما قال إبراهيم‏:‏ ‏{‏يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً‏}‏، ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم، بل الأناس أكمل منها، لأنها تسمع وتبصر وتبطش، وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل ادعوا شركاءكم‏}‏ الآية، أي استنصروا بها عليَّ فلا تؤخروني طرفة عين واجهدوا جهدكم، ‏{‏إن وليي اللّه الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين‏}‏ أي اللّه حسبي وكافيني وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة وهو ولي كل صالح بعدي، وهذا كما قال هود عليه السلام‏:‏ ‏{‏إني توكلت على اللّه ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم‏}‏، وكقول الخليل‏:‏ ‏{‏أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين‏}‏ الآيات، وكقوله لأبيه وقومه‏:‏ ‏{‏إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏والذين تدعون من دونه‏}‏ إلى آخر الآية؛ مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذاك بصيغة الغيبة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون‏}‏، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون‏}‏، إنما قال‏:‏ ‏{‏ينظرون إليك‏}‏ أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد، ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صور مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك، فعبر عنها بضمير من يعقل، وقال السدي‏:‏ المراد بهذا المشركون، والأول أولى، وهو اختيار ابن جرير‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏199 ‏:‏ 200‏)‏
‏{‏ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ‏.‏ وإما ينزغنك
من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ‏}‏

قال ابن عباس ‏{‏خذ العفو‏}‏ يعني خذ ما عفا لك من أموالهم وما أتوك به من شيء فخذه، وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت إليه الصدقات، وقال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ أنفق الفضل، وقال عبد الرحمن بن أسلم‏:‏ أمره اللّه بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين، ثم أمره بالغلظة عليهم، واختار هذا القول ابن جرير، وقال غير واحد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏خذ العفو‏}‏ قال‏:‏ من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس، وفي صحيح البخاري عن عبد اللّه بن الزبير قال‏:‏ إنما أنزل ‏{‏خذ العفو‏}‏ من أخلاق الناس‏.‏ وفي رواية عن أبي الزبير‏:‏ ‏{‏خذ العفو‏}‏ قال‏:‏ من أخلاق الناس واللّه لآخذنه منهم ما صحبتهم، وهذا أشهر الأقوال، ويشهد له ما روي عن أبيّ قال‏:‏ لما أنزل اللّه عزَّ وجلَّ على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما هذا يا جبريل‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ إن اللّه أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك ‏"‏رواه ابن جرير وابن أبي حاتم‏"‏‏.‏ وقال الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال‏:‏ لقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه أخبرني بفواضل الأعمال، فقال‏:‏ ‏(‏يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك‏)‏

وقال البخاري قوله‏:‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ العرف‏:‏ المعروف ‏"‏قول البخاري العرف‏:‏ المعروف نص عليه عروة السدي وقتادة وابن جرير‏"‏‏.‏ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاوراته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه‏:‏ يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال‏:‏ سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس‏:‏ فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال‏:‏ هي يا ابن الخطاب‏!‏ فواللّه ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحر‏:‏ يا أمير المؤمنين إن اللّه تعالى قال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ وإن هذا من الجاهلين، واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافاً عند كتاب اللّه عزَّ وجلَّ ‏"‏أخرجه البخاري في صحيحه‏"‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن نافع‏:‏
أن سالم بن عبد اللّه بن عمر مرّ على عير لأهل الشام وفيها جرس فقال‏:‏ إن هذا منهي عنه، فقالوا‏:‏ نحن أعلم بهذا منك، إنما يكره الجلجل الكبير، فأما مثل هذا فلا بأس به، فسكت سالم وقال‏:‏ ‏{‏وأعرض عن الجاهلين‏}‏، وقال ابن جرير‏:‏ امر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، وبالإعراض عن الجاهلين، وذلك وإن كان أمراً لنبيه صلى اللّه عليه وسلم فإنه تأديب لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم، لا بالإعراض عمن جهل الحق الواجب من حق اللّه ولا بالصفح عمن كفر باللّه وجهل وحدانيته، وهو للمسلمين حرب‏.‏ وقال قتادة في الآية‏:‏ هذه أخلاق أمر اللّه بها نبيه صلى اللّه عليه وسلم ودله عليها‏.‏ وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى؛ فسكبه في بيتين فيهما جناس فقال‏:‏

خذ العفو وأمر بعرف كما * أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولنْ في الكلام لكل الأنام * فمستحسن من ذوي الجاه لين

وقال بعض العلماء‏:‏ الناس رجلان‏:‏ فرجل محسن فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه، وإما مسيء فمره بالمعروف فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه فلعل ذلك أن يرد كيده،

كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ادفع بالتي هي أحسن نحن أعلم بما يصفون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم‏}‏، وقال في هذه السورة الكريمة أيضاً‏:‏ ‏{‏وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم‏}‏، فهذه الآيات الثلاث في الأعراف والمؤمنون وحم السجدة لا رابع لهن، فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف بالتي هي أحسن، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم‏}‏، ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجان، فإنه لا يكفه عنك الإحسان، وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية، فإنه عدو مبين لك ولأبيك من قبلك‏.‏ قال ابن جرير في تفسير قوله‏:‏ ‏{‏وإما ينزغنك من الشيطان نزغ‏}‏ وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهل ويحملك على مجازاته ‏{‏فاستعذ بالله‏}‏ يقول‏:‏ فاستجر باللّه من نزغه، ‏{‏إنه سميع عليم‏}‏ سميع لجهل الجاهل عليك والاستعاذة به من نزغه ولغير ذلك من كلام خلقه لا يخفى عليه منه شيء، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خلقه‏.‏ وقد تقدم في أول الاستعاذة حديث الرجلين اللذين تسابا بحضرة النبي صلى اللّه عليه وسلم، فغضب أحدهما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد‏:‏ أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم‏)‏ الحديث‏.‏ وأصل النزغ‏:‏ الفساد إما بالغضب أو غيره، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم‏}‏، والعياذ‏:‏ الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشر، وأما الملاذ ففي طلب الخير، كما قال الحسن بن هانئ‏:‏

يا من ألوذ به فيما أؤمله * ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره * ولا يهيضون عظماً أنت جابره

وقد قدمنا أحاديث في الاستعاذة في أول التفسير بما أغنى عن إعادته ها هنا‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏201 ‏:‏ 202‏)‏
‏{‏ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ‏
.‏ وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ‏}‏

يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، أنهم ‏{‏إذا مسهم‏}‏ أي أصابهم ‏{‏طائف‏}‏، منهم من فسره بالغضب، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه، ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب، وقوله‏:‏ ‏{‏تذكروا‏}‏ أي عقاب اللّه وجزيل ثوابه ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا واستعاذوا باللّه ورجعوا إليه من قريب، ‏{‏فإذا هم مبصرون‏}‏ أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ جاءت امرأة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وبها طيف، فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إني أصرع، وأتكشف، فادع اللّه أن يشفيني، فقال‏:‏ ‏(‏إن شئت دعوت لك أن يشفيك، وإن شئت صبرت ولك الجنة‏)‏،

فقالت‏:‏ بل أصبر ولي الجنة، ولكن ادع اللّه لي أن لا أتكشف، فدعا لها فكانت لا تتكشف
‏"‏رواه ابن مردويه وغير واحد من أهل السنن وأخرجه الحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم‏"‏‏.‏

وروي أن شاباً كان يتعبد في المسجد فهويته امرأة فدعته إلى نفسها، فما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الآية‏:‏ ‏{‏إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون‏}‏ فخر مغشياً عليه، ثم أفاق، فأعادها، فمات، فجاء عمر فعزى فيه أباه، وكان قد دفن ليلاً فذهب فصلى على قبره بمن معه، ثم ناداه عمر فقال‏:‏ يا فتى ‏{‏ولمن خاف مقام ربه جنتان‏}‏، فأجابه الفتى من داخل القبر‏:‏ يا عمر قد أعطانيهما ‏"‏أخرجه الحافظ ابن عساكر في ترجمة عمرو بن جامع من تاريخه‏"‏ربي عزَّ وجلَّ في الجنة مرتين‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإخوانهم يمدونهم‏}‏ أي وإخوان الشياطين من الإنس، كقوله‏:‏ ‏{‏إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين‏}‏ وهم أتباعهم والمستمعون لهم، القابلون لأوامرهم ‏{‏يمدونهم في الغي‏}‏ أي تساعدهم الشياطين على المعاصي وتسهلها عليهم وتحسنها لهم، المد‏:‏ الزيادة، يعني يزيدونهم في الغي يعني الجهل والسفه، ‏{‏ثم لا يقصرون‏}‏ قيل معناه أن الشياطين تمد الإنس لا تقصر في أعمالهم بذلك، كما قال ابن عباس‏:‏ لا الإنس يقصرون عما يعملون ولا الشياطين تمسك عنهم، وقيل‏:‏ معناه كما رواه العرفي عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون‏}‏، قال‏:‏ هم الجن يوحون إلى أوليائهم من الإنس ثم لا يقصرون، يقول لا يسأمون، وكذا قال السدي وغيرهن يعني أنّ الشياطين يمدون أولياءهم من الإنس، ولا تسأم من إمدادهم في الشر، لأن ذلك طبيعة وسجية، ‏{‏لا يقصرون‏}‏ لا تفتر فيه ولا تبطل عنه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا‏}‏
قال ابن عباس وغيره‏:‏ تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏203‏)‏
‏{‏ وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ‏}‏

قال ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قالوا لولا اجتبيتها‏}‏ يقول‏:‏ لولا تلقيتها وقال مرة أخرى لولا أحدثتها فأنشأتها، وقال‏:‏ لولا اقتضيتها، قالوا‏:‏ تخرجها عن نفسك وهو قول قتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير‏.‏ وقال العوفي عن ابن عباس ‏{‏لولا اجتبيتها‏}‏ يقول‏:‏ تلقيتها من اللّه تعالى‏:‏ وقال الضحاك ‏{‏لولا اجتبيتها‏}‏ يقول‏:‏ لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء، ومعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا لم تأتهم بآية‏}‏ أي معجزة وخارق، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين‏}‏، يقولون للرسول صلى اللّه عليه وسلم ألا تجهد نفسك في طلب الآيات من اللّه حتى نراها ونؤمن بها، قال اللّه تعالى له‏:‏ ‏{‏قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي‏}‏ أي أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء، وإنما أتبع ما أمرني به فأمتثل ما يوحيه إلي، فإن بعثت آية قلتها، وإن منعها لم أسأله ابتداء إياها، إلا أن يأذن لي في ذلك فإنه حكيم عليم، ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات وأصدق الحجج والبينات، فقال‏:‏ ‏{‏هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس