عرض مشاركة واحدة
قديم 08-01-2013, 02:57 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


فقال
( كل بن آدم خطاء وأن خير الخطائين التوابون )
وليس على وجه الأرض بشر معصوم من الخطأ ، ولكننا جميعا نخطئ ونصيب ،
وأن خير البشر من يعترف بخطئه ويقر به ويعتذر عنه ويعمل على إصلاحه ما أمكنه ذلك ،
والمسلم الحق والإنسان السوي يرجع إلى الحق إذا تبين له سبيله واتضح له طريقه ..
إن من يظن في نفسه أو في غيره من البشر العصمة من الخطأ فإنما يضفى على نفسه
أو غيره قدسية لا تستقيم مع خصائص البشرية التي عرفنا عليها منهج الإسلام.
ولذلك نزل قوله تعالى ( عبس وتولى أن جاءه الأعمى ..... )
وكان عتاب من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لأنه أعرض عن عبد الله بن أم مكتوم
فقد كان مشغولا في دعوة سادات قريش فعاتبه الله : فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك
إذا رأى بن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول : مرحبا بمن عاتبني فيه ربي ، هل من حاجة ؟
واستخلفه على المدينة في غزوتين غزاهما ... إنه اعتذار دائم متجدد ومتكرر عن خطأ
كان له ما يبرره من حيث المهام والمسؤوليات الدعوية ،
لكن قيم الإسلام أرفع من كل مصلحة ولن ينقص من منزلتك أن تعترف بخطئك ..
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما كان يظن أنه لا ضرورة لتأبير النخل أشار بعدم تأبيرها.
ثم قال بعد ذلك:

( إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًا، فلا تؤاخذوني بالظن )
[رواه مسلم] ..
وهكذا تربى الصحابة على ثقافة الإعتذار حتى ما يكون من تقصيرهم أمام الله وأمام دينهم ولذلك لما كان يوم أحد
انكشف المسلمون وتفرقوا عن رسولهم فقام أنس بن النضر رضي الله عنه فقال : اللهم أعتذر إليك مما صنع
هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ ،
فقال : يا سعد بن معاذ الجنة ورب الكعبة ، إني أجد ريحها من دون أحد . قال سعد :
فما استطعت يا رسول الله ما صنع ! قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف ،
أو طعنة برمح ، أو رمية بسهم ، ووجدناه قد قتل ومثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه.
الاعتذار أدب وخلق اجتماعي وهو من أقوى الصفات التي تدل على تواضعك وتسامحك وهو أسلوب يحسن
صورتك ويبعد عنك سو ء الظن حين يصدر منك الخطاء لذا علينا بالاعتذار عند الخطاء
كما علينا قبول العذر والعفو وتلمس الأسباب لمن قد أخطاء في حقنا
خذ من أخيك العفو واغفر ذنبه ... ولاتك في كل الأمور تعاتبه
فأنك لن تلقى أخاك مهذباً ... وأي امرئ ينجو من العيب صاحبه
يقول ابن القيم الجوزية في كتاب تهذيب مدارج السالكين : من أساء إليك ثم جاء يعتذر عن إساءته
فان التواضع يوجب عليك قبول معذرته , وعلامة الكرم والتواضع أنك اذا رأيت الخلل في عذره
لا توقفه عليه و لاتحاجه .
أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل مرة ويميل
ولعل أيام البقاء قليلة ... فعلااااام يكثر عتبنا ويطول؟؟؟
ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو وقبول العذر لظنه أنه يورثه الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع
يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب عزته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله )
(رواه مسلم).

و يوم أن وقعت بين أبي ذر رضي الله عنه وبلال رضي الله عنه- خصومة،
فيغضب أبو ذر وتفلت لسانه بكلمة يقول فيها لبلال: يا ابن السوداء فيتأثر بلال،
يوم أكرمه الله بالإسلام، ثم يعير بالعصبيات والعنصريات والألوان،
ويذهب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشكو أبا ذر،
ويستدعي النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا ذر،
فيقول -كما في الحديث المتفق علي صحته-
يقول النبي صلى الله عليه وسلم-:

( أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية )
فيتأثر أبو ذر ويتحسَّر ويندم، ويقول: وددت –والله- لو ضرب عنقي بالسيف،
وما سمعت ذلك من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويضع أبو ذر خده على التراب معتذرا
ويقول: يا بلال؛ ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه،
فتذرف عينا بلال -رضي الله عنه- الدموع،
ويقول: يغفر الله لك يا أبا ذر، يغفر الله لك يا أبا ذر،
والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين،
ويتعانقان ويبكيان وقد ذهب ما في القلوب من حنق وبغضاء ..
هذه هي حياتهم يوم تعاملوا بالإسلام كمنهج للحياة رضي الله عنهم أجمعين.

إن الاعتراف بالخطأ و الاعتذار حين وقوعه منك قد يزيد من احترام الناس لك وتسلم من الفتن
وتأمن الجانب وتصلح ما بينك وبين الآخرين من سوء فهم أو سوء علاقة ..

يقول الأستاذ جاسم المطوع أنه أثناء تقديمه لدورة مهارات التعامل مع الأبناء وكيفية استيعابهم
أنه رأى رجلاً في الدورة أثناء الحوار والنقاش قد تغير لونه وانحدرت دمعة من عينه على خده
وخلال فترة الراحة جاءني هذا الرجل وحدثني علي انفراد
قائلاً: هل تعلم لماذا تأثرت بموضوع الدورة ودمعت عيناي؟
قلت له : لا والله ! فقال: إن لي ابناً عمره سبعة عشر سنة وقد هجرته منذ خمس سنوات
لأنه لا يسمع كلامي،ويخرج مع صحبة سيئة، ويدخن السجائر،
وأخلاقه سيئة مع أمه وفي البيت،
فقاطعته ومنعت عنه المصروف وبنيت له غرفة خاصة على السطح،
ولكنه لم يرتدع، ولا أعرف ماذا أعمل،ولكن كلامك عن الحوار وأنه حل سحري لعلاج المشاكل أثر بي،
فماذا تنصحني؟
هل أستمر بالمقاطعة أم أعيد العلاقة ؟ وإذا قلت لي ارجع إليه فكيف السبيل ؟
قلت له: عليك أن تعيد العلاقة اليوم قبل الغد،
وإن ما عمله ابنك خطأ، ولكن مقاطعتك له خمس سنوات خطأ أيضاً، أخبره بأن مقاطعتك له
كانت خطأ وعليه أن يكون ابناً باراً بوالديه، ومستقيما ًفي سلوكه،
فرد علي الرجل قائلاً : أنا أبوه أعتذر منه؟ ..
نحن لم نتربى على أن يعتذر الأب من ابنه!
قلت: يا أخي الخطأ لا يعرف كبيراً ولا صغيراً وإنما على المخطئ أن يعتذر،
فلم يعجبه كلامي، وتابعنا الدورة وانتهي اليوم الأول،
وفي اليوم الثاني للدورة جاءني الرجل مبتسماً فرحاً ففرحت لفرحه، وقلت له: ما الخبر؟
قال: طرقت على ابني الباب في العاشرة ليلاً وعندما فتح الباب قلت له:
يا ابني إني أعتذر من مقاطعتك لمدة خمس سنوات، فلم يصدق ابني ما قلت و أرتمى برأسه علي صدري،
وظل يبكي فبكيت معه.. ثم قال: يا أبي أخبرني ماذا تريدني أن أفعل،فإني لن أعصيك أبداً .






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة