عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-2014, 02:31 AM   رقم المشاركة : 31
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

‏{‏ وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏}‏
قال ابن إسحاق‏:‏ ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها، كل قبيلة تجمع على حدة، ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الركن يعني الحجر الأسود فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً، ثما تعاقدوا هم وبنوا عدي ابن كعب بن لؤي على الموت وأدخلوا إيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة فسموا ‏(‏لَعَقَة الدم‏)‏ فمكثت قريش على ذلك أربع ليال أو خمساً، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا، فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أُمية بن المغيرة - وكان عامئذ أسنَّ قريش كلهم - قال‏:‏ يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد، يقضي بينكم فيه ففعلوا، فكان أول داخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما رأوه قالوا‏:‏ هذا الأمين رضينا ‏.‏‏.‏‏.‏هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏هلمَّ إليَّ بثوب، فأُتي به، فأخذ الركن - يعني الحجر الأسود - فوضعه فيه بيده ثم قال‏:‏ لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً، ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه، وضعه هو بيده صلى اللّه عليه وسلم، ثم بنى عليه، وكانت قريش تسمي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي الأمين‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ وكانت الكعبة على عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم ثماني عشر ذراعاً، وكان تكسي القباطي، ثم كسيت بعدُ البرود، وأول من كساها الديباج الحجّاج بن يوسف قلت‏:‏ ولم تزل على بناء قريش حتى احترقت في أول إمارة عبد اللّه بن الزبير بعد سنة ستين وفي آخر ولاية يزيد بن معاوية لما حاصروا ابن الزبير، فحينئذ نقضها ابن الزبير
إلى الأرض وبناها على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأدخل فيها الحجر وجعل لها باباً شرقياً وباباً غربياً ملصقين بالأرض كما سمع ذلك من خالته عائشة أُم المؤمنين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولم تزل كذلك مدة إمارته حتى قتله الحجّاج، فردّها إلى ما كانت عليه بأمر عبد الملك بن مروان له بذلك، كما قال مسلم عن عطاء‏:‏ ‏(‏لمَّا احترق البيت زمن يزيد بن معاويةحين غزاها أهل الشام فكان من أمره ما كان تركه ابن الزبير، حتى قدم الناس الموسم يريد أن يحزبهم أو يجيروهم على أهل الشام، فلما صدر الناس قال‏:‏ يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهَى منها‏؟‏
قال ابن عباس‏:‏ إنه قد خرق لي رأي فيها أرى أن تصلح ما وهَى منها وتدع بيتاً أسلم الناس عليه، وأحجاراً أسلم الناس عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال ابن الزبير‏:‏ لو كان أحدهم احترق بيته ما رضي حتى يجدِّده فكيف بيت ربكم عزّ وجلّ‏؟‏ إني مستخير ربي ثلاثاً ثم عازم على أمري‏.‏ فلما مضت ثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماها الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء حتى صعده رجل فألقى منه حجارة‏.‏
فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض‏.‏ فجعل ابن الزبير أعمدة يستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤهه‏.‏ وقال ابن الزبير‏:
‏ إني سمعت عائشة رضي اللّه عنها تقول‏:‏ إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لولا أن الناس حديثٌ عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقويني على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت له بابً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه‏)‏، قال‏:‏ فأنا أجد ما أنفق ولست أخاف الناس‏.‏ قال‏:‏ فزاد خمسة أذرع من الحجر حتى أبدى له أساً فنظر الناس إليه فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة ثمانية عشر ذراعاً، فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشرة أذرع وجعل له بابين أحدهما يدخل منه، والأخر يخرج منه‏.‏ فلما قُتِل ابن الزبير كتب الحجّاج إلى عبد الملك يستجيزه بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أسٍّ نظر إليه العدول من أهل المكة‏.‏ فكتب إليه عبد الملك‏:‏ إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاده في طوله فأقره، وأما ما زاد فيه من الحِجْر فردّه إلى بنائه وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بنائه‏)‏
‏"‏رواه مسلم والنسائي عن عطاء، واللفظُ لمسلم‏"‏
وقد كانت السُنَّة إقرار ما فعله عبد اللّه بن الزبير رضي اللّه عنهما لأنه هو الذي ودّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولكن خشي أن تنكره قلوب بعض الناس لحداثة عهدهم بالإسلام وقرب عهدهم من الكفر، ولكن خفيت هذه السنة على عبد الملك بن مروان ولهذا لما تحقق ذلك عن عائشة أنها روت ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ وددنا أنا تركناه وما تولى‏.‏ فدل هذا على صواب ما فعله ابن الزبير، فلو ترك لكان جيداً‏.‏
ولكنْ بعدما رجع الامر إلى هذا الحال فقد كره بعض العلماء أن يغيَّر عن حاله، كما ذكر عن أمير المؤمنين هارون الرشيد أو أبيه المهدي، أنه سأل الإمام مالكاً عن هدم الكعبة وردها إلى ما فعله ابن الزبير، فقال له مالك‏:‏ يا أمير المؤمنين لا تجعل كعبة اللّه ملعبة للملوك لا يشاء أحد أن يهدمها إلا هدمها‏!‏‏!‏ فترك ذلك الرشيد، نقله عياض والنووي‏.‏ ولا تزال - واللّه أعلم - هكذا إلى آخر الزمان إلى أن يخربها ذو السُّويقتين من الحبشة كما ثبت ذلك في الصحيحين
عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة‏)‏‏.‏ وعن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً‏)‏وعن مجاهد عن عبد اللّه بن عمرو ابن العاص رضي اللّه عنهما قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أُصَيْلع، أُفَيْدع، يضرب عليها بمسحاته ومعوله‏)‏"‏رواه أحمد‏.‏ والفَدْع‏:‏ زيغٌ بين القدم وعظم الساق‏"‏
وهذا - واللّه أعلم - إنما يكون بعد خروج يأجوج ومأجوج لما جاء في صحجيح البخاري
عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ليُحجَنَّ البيتُ وليُعتَمرنَّ بعد خروج يأجوج ومأجوج‏)‏‏.‏
وقوله تعالى حكاية لدعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام‏:‏{‏ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك‏}‏ قال ابن جرير‏:‏ يعنيان بذلك واجعلنا مستسلمين لأمرك، خاضعين لطاعتك، لا نشرك معك في الطاعة أحداً سواك، ولا في العبادة غيرك‏.‏ وقال عكرمة‏:‏ ‏{‏ربنا واجعلنا مسلمين لك‏}‏ قال اللّه‏:‏ قد فعلت ‏{‏ومن ذريتنا أمة مسلمة لك‏}‏ قال اللّه‏:‏ قد فعلت‏.‏ وقال السدي‏:‏ ‏{‏ومن ذريتنا أمة مسلمة لك‏}‏ يعنيان العرب‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ والصواب أنه يعم العرب وغيرهم، لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل، وقد قال اللّه تعالى‏:‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏‏
.‏
قلت وهذا الذي قاله ابن جرير لا ينفيه السدي فإن تخصيصهم بذلك لا ينفقي من عداهم، والسياق إنما هو في العرب، ولهذا قال بعده‏:‏
‏{‏ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلِّمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم‏}‏ الآية‏.‏ والمراد بذلك محمد صلى اللّه عليه وسلم، وقد بعث فيهم كما قال تعالى‏:‏{‏هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم‏}‏، ومع هذا لا ينفي رسلاته إلى الأحمر والأسود لقوله تعالى‏:{‏قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا‏} وغير ذلك من الأدلة القاطعة، وهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما أخبرنا اللّه تعالى عن عباده المتقين المؤمنين في قوله‏:‏ ‏{‏والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما‏}‏‏
.‏
وهذا القدر مرغوب فيه شرعاً فإنَّ من تمام محبة عبادة اللّه تعالى أن يحب أن يكون من صلبه من يعبد اللّه وحده لا شريك له‏.‏ ولهذا لما قال اللّه تعالى لإبراهيم عليه السلام‏:
‏{‏إني جاعلك للناس إماما‏} قال‏:{‏ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين‏}‏، وهو قوله‏:‏ ‏{‏واجنبني وبني أن نعبد الاصنام‏}‏ وقد ثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث‏:‏ صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له‏)
‏‏.‏
‏{‏وأرنا ناسكنا‏}‏ قال عطاء‏:‏ أخرجها لنا، علمناها، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏أرنا مناسكنا‏}‏ مذابحنا‏.‏ وقال أبو داود الطيالسي عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏إن أبراهيم لما أُري أوامر المناسك عرض له الشيطان عند المسعى، فسابقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل حتى أتى به منى فقال‏:‏ هذا مناخ الناس، فلما انتهى إلى جمرة العقبة تعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به إلى الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به إلى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، فأتى به جمعاً فقال‏:‏ هذا المشعر، ثم أتى به عرفة فقال‏:‏ هذه عرفة، فقال له جبريل‏:‏ أعرفت‏؟‏‏)‏ ‏"‏أخرجه الطيالسي عن ابن عباس‏"‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس