عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-2014, 03:42 AM   رقم المشاركة : 35
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏137 ‏:‏ 138‏)
{فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ‏.‏ صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فإن آمنوا‏}‏ يعني الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ‏{‏بمثل ما آمنتم به‏}‏ يا أيها المؤمنون من الإيمان بجميع كتب اللّه ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ‏{‏فقد اهتدوا‏}‏ أي فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه‏.‏{‏وإن تولوا‏}أي عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم {‏فإنما هم في شقاق فسيكفيكم الله‏}‏
أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم{‏وهو السميع العليم‏}‏‏.‏
‏{‏صبغة الله‏}‏
قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ دين اللّه وقد ورد
عن ابن عباس أن نبيَّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن بني إسرائيل قالوا يا رسول اللّه هل يصبغ ربك‏؟‏ فقال اتقوا اللّه، فناداه ربه يا موسى سألوك هل يصبغ ربك‏؟‏ فقل نعم‏:‏ أنا أصبغ الألوان الاحمر والأبيض والأسود والألوان كلها من صبغي‏)‏، كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعا وهو في رواية ابن ابي حاتم موقوف وهو أشبه إن صح إسناده، واللّه أعلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رقم الآية ‏(‏139 ‏:‏ 141‏)‏

‏{‏ قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ‏.‏ أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون ‏.‏ تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ‏}‏
يقول اللّه تعالى مرشداً نبيّه صلوات اللّه وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين‏:‏ ‏{‏قل أتحاجوننا في الله‏}‏ أي تناظروننا في توحيد اللّه والإخلاص له، والانقياد، واتباع أوامره، وترك زواجره ‏{‏وهو ربنا وربكم‏}‏ المتصرف فينا وفيكم، المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له ‏{‏ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم‏}‏ أي نحن براء منكم ومما تعبدون وأنتم براء منا كما قال في الآية الخرى‏:‏ ‏{‏فإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون‏}‏، وقال تعالى‏:‏{‏فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني‏}‏ الآية‏.‏ وقال تعالى إخباراً عن إبراهيم‏:‏ ‏{‏وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله‏}‏ الآية‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه‏} الآية‏.‏ وقال في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏ولنا أعمالكنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون‏}‏ أي نحن براء منكم كما أنتم براء منا، ونحن له مخلصون أي في العبادة والتوجه‏.‏ ثم أنكر تعالى عليهم في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والاسباط كانوا على ملتهم، إما اليهودية وإما النصرانية فقال‏:‏ ‏{‏قل أأنتم أعلم أم اللّه‏}‏‏؟‏ يعين بل الّله أعلم، وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى كما كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين‏}‏‏
.
وقوله‏:‏ ‏{‏ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله‏}‏ قال الحسن البصري‏:‏ كانوا يقرأون في كتاب اللّه الذي أتاهم إن الدين الإسلام، وإن محمداً رسول اللّه، وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا براء من اليهودية والنصرانية، فشهدوا للّه بذلك وأقروا على أنفسهم اللّه، فكتموا شهادة اللّه عنهم من ذلك‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وما اللّه بغافل عما تعملون‏}‏ تهديد ووعيد شديد‏:‏ أي أن علمه محيط بعلمكم وسيجزيكم ليه، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏تلك أمة قد خلت‏}‏ أي قد مضت ‏{‏لها ما كسبت ولكم ما كسبتم‏}‏ أي لهم أعمالهم ولكم أعمالكم ‏{‏ولا تسئلون عما كانوا يعلمون‏}‏ وليس بغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا منقادين مثلهم لأوام اللّه، واتباع رسله الذي بعثوا مبشرين ومنذرين، فإنه من كفر بنبي واحد فقد كفر بسائر الرسل، ولا سيما بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين، ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من المكلفين صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء اللّه أجمعين‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رقم الآية ‏(‏142 ‏:‏ 143‏)‏

{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ‏.‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ‏}‏
قيل‏:‏ المراد بالسفهاء ههنا مشركو العرب قاله الزجاج، وقيل‏:‏ أحبار يهود قاله مجاهد، وقيل‏:‏ المنافقون قاله السُّدي، والآية عامة في هؤلاء كلهم، واللّه أعلم‏.‏ عن البراء رضي اللّه عنه‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال‏:‏ أشهد باللّه لقد صليت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم قِبَل مكة، فداروا كما هم قبل البيت وكان الذي قد مات على القبلة قبل أن تحول قِبَل البيت رجالاً قتلوا لم ندر ما نقول في فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ‏}‏‏"‏رواه البخاري وأخرجه مسلم من وجه آخر‏"‏وعن البراء قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس، ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر اللّه، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شرط المسجد الحرام‏}‏ فقال رجال من المسلمين‏:‏ وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نُصْرف إلى القبلة، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس‏؟‏ فأنزل الله‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليضيع إيمانكم‏}‏ وقال السفهاء من الناس - وهم أهل الكتاب - ما ولاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها‏؟‏ فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏سيقول السفهاء من الناس‏}‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏إلى آخر الآية‏.‏ وعن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بضعة عشر شهراً‏.‏ وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء فأنزل اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏فولوا وجوهكم شطره‏}‏ أي نحوه، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا‏:‏ ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها‏؟‏ فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ‏}‏‏"‏رواه ابن أبي حاتم ‏"‏وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة وحاصل الأمر‏:‏ أنه قد كان رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أُمِر باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان بمكة يصلي بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما فأمره اللّه بالتوجه إلى بيت المقدس قاله ابن عباس والجمهور‏.‏
والمقصود أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلى اللّه عليه وسلم المدينة واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهراً، وكان يكثر الدعاء والإبتهال أن يُوَجَّه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم عليه السلام، فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق، فخطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس فأعلمهم بذلك، وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر كما تقدم في الصحيحين‏.‏ وذكر غير واحد من المفسِّرين أن تحويل القبلة نزل على رسول اللّه وقد صلى ركعتين من الظهر وذلك في مسجد بني سلمة‏:‏ فسمي مسجد القبلتين وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني كما جاء في الصحيحين
عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنه قال‏:‏ ‏(‏بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذا جاءهم آت فقال‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد أُنْزِل عليه الليلة قرآن وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان عن ابن عمر‏"‏ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتيابٌ وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك، وقالو‏:‏ ‏{‏ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها‏}‏ أي قالوا‏:‏ ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا‏؟‏ فأنزل الله جوابهم في قوله‏:‏ ‏{‏قل لله المشرق والمغرب‏}‏ أي الحكم والتصرف والأمر كله للّه، ‏{‏فأينما تولوا فثم وجه الله‏}‏ أي الشأن، كله في امتثال أوامر اللّه، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مراتٍ إلى جهات متعددة فنحن عبيده، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد صلوات اللّه وسلامه عليه وأُمته عناية عظيمة، إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة أشرف بيوت اللّه في الأرض، إذ هي بناء إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏}‏‏.‏

عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعني في أهل الكتاب‏:‏ ‏(‏إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا اللّه لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا اللّه لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين"‏رواه الإمام أحمد عن عائشة مرفوعاً‏"‏‏)‏
وقوله تعالى‏:‏
{‏كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‏}‏، يقول تعالى إنما حولناكم على قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأُمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لان الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسطُ ههنا‏:‏ الخيار والأجود، كما يقال‏:‏ قريش أوسط العرب نسباً وداراً أي خيرها، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسطاً في قومه، أي أشرفهم نسباً، ومنه الصلاة الوسطى وهي العصر، ولما جعل اللّه هذه الأمة وسطاً خصَّها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج وأوضح المذاهب كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرَج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس‏}‏‏.‏

عن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلَّغت‏؟‏ فيقول نعم، فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم‏؟‏ فيقولون ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح من يشهد لك‏؟‏ فيقول محمد وأمته، قال فذلك قوله‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلناكم أمة وسطاً‏}‏ قال‏:‏ والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم اشهد عليكم ‏"‏رواه البخاري والترمذي والنسائي‏"‏‏)‏ وعن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏‏(‏يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعي قومه فيقال‏:‏ هل بلَّغكم هذا‏؟‏ فيقولون‏:‏ لا فيقال له‏:‏ هل بلغت قومك‏؟‏ فيقول نعم‏:‏ فيقال من يشهد لك، فيقول محمد وأمته فيدعى محمد وأمته‏:‏ فيقال لهم هل بلغ هذا قومه‏؟‏ فيقولون نعم‏.‏ فيقال وما علمكم‏؟‏ فيقولون جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فذلك قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلناكم أمة وسطا‏}‏ قال عدلاً{‏لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‏}‏ ‏"‏رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً‏"‏‏)‏ عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أنا وأُمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق ما من الناس أحد إلا ودَّ أنه منا، وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه عزّ وجلّ‏)‏"‏رواه ابن مردويه عن جابر بن عبد الله‏"‏‏.‏
وقوله تعالى‏:
‏{‏وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله‏}‏، يقول تعالى إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولاً إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه، أي مرتداً عن دينه {‏وإن كانت لكبيرة‏}‏ أي هذه الفعلة وهي صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي وإن كان هذا الأمر عظيماً في النفوس، إلا على الذين هدى اللّه قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن اللّه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا، كما يحصل للذين آمنوا إيقانٌ وتصديق، كما قال اللّه تعالى‏:‏{‏وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول‏:‏ أيكم زادته هذه إيماناً‏؟‏ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى‏}‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏{‏وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا‏}
‏، ولهذا كان - من ثبت على تصديق الرسول صلى اللّه عليه وسلم واتباعه في ذلك، وتوجه حيث أمره اللّه من غير شك ولا ريب - من سادات الصحابة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا إلى القبلتين‏.‏ عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال‏:‏ قد أنزل على النبي صلى اللّه عليه وسلم قرآن، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة‏)‏ ‏"‏رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر‏"‏وفي رواية أنهم كانوا ركوعاً فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع، وهذا يدل على كمال طاعتهم للّه ولرسوله وانقيادهم لأوامر اللّه عزّ وجلّ رضي اللّه عنهم أجمعين‏.‏
وقوله‏:‏
‏{‏وما كان الله ليضيع إيمانكم‏}‏ أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك، ما كان يضيع ثوابها عند اللّه، وفي الصحيح عن البراء قال‏:‏ مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فقال الناس‏:‏ ما حالهم في ذلك‏؟‏ فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان ليضيع إيمانكم‏}‏ ‏"‏رواه الترمذي عن ابن عباس وصححه‏"‏، وقال ابن إسحاق عن ابن عباس‏:{‏وما كان اللّه ليضيع إيمانكم‏}‏ أي بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأُخرى، أي ليعطيكم أجرهما جميعاً {‏إن اللّه باناس لرؤوف ررحيم‏} وقال الحسن البصري‏:‏ وما كان ليضيع إيمانكم‏:‏ أي مان اللّه ليضيع محمداً صلى اللّه عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف ‏{‏إن الله بالناس لرءوف رحيم‏}‏ وفي الصحيح أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها، فجعلت كلما وجدت صبياً من السبي أخذته فألصقته بصدرها وهي تدور على ولدها، فلما وجدته ضمته إليه وألقمته ثديها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه‏)‏‏؟‏ قالوا‏:‏ لا يا رسول اللّه‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فواللّهِ، للُّه أرحمُ بعباده من هذه بولدها‏)‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس