عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-2014, 04:12 AM   رقم المشاركة : 37
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏149 ‏:‏ 150‏)‏
‏{‏ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون ‏.‏ ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون ‏}‏
هذا أمر ثالث من اللّه تعالى باستقبال المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض، وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات، فقيل‏:‏ تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره، وقيل‏:‏ بل هو منزل على أحوال، فالأمر الأول لمن هو مشاهد الكعبة، والثاني لمن هو في مكة غائباً عنها، والثالث لمن هو في بقية البلدان هكذا وجَّهه فخر الدين الرازي‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ الأول لمن هو بمكة، والثاني لمن هو في بقية الأمصار، والثالث لمن خرج في الاسفار، وقيل‏:‏ إنما ذكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق، فقال أولاً‏: ‏{‏قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها‏}
، فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه إليها ويرضاها وقال في الأمر الثاني‏:‏ ‏{‏ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون‏}‏، فذكر أنه الحق من اللّه وارتقاءه المقام الأول حيث كان موافقاً لرضا الرسول صلى اللّه عليه وسلم، فبين أنه الحق أيضاً من اللّه يحبه ويرتضيه، وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كان يتحججون باستقبال الرسول إلى قبلتهم وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم عليه السلام إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى اللّه عليه وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول إليها، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار، وقد بسطها الرازي وغيره، واللّه أعلم‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏لئلا يكون للناس عليكم حجة‏}‏ أي أهل الكتاب فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجّه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين، ولئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس وهذا أظهر، قال أبو العالية‏:‏ ‏{‏لئلا يكون للناس عليكم حجة‏}‏ يعني به أهل الكتاب حين قالوا‏:‏ صرف محمد إلى الكعبة، وقالوا‏:‏ اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه‏.‏ وكان حجتهم على النبي صلى اللّه عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام أن قالوا‏:‏ سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏إلا الذين ظلموا منهم‏}‏ يعني مشركي قريش، ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة أن قالوا‏:‏ إنَّ هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم، فإن كان توجهه إلى بيت المقدس على ملة إبراهيم فلم يرجع عنه‏؟‏ والجواب أن اللّه تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس أولاً، لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى في ذلك، ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة، فامتثل أمر اللّه في ذلك أيضاً فهو صلوات اللّه وسلامه عليه مطيع للّه في جميع أحواله، لا يخرج عن أمر اللّه طرفة عين وأمته تبعٌ له‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏فلا تخشوهم واخشوني‏}‏ أي لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين وأفردوا الخشية لي، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه، وقوله‏:‏ ‏{‏ولأتم نعمتي عليكم‏}‏ عطف على ‏{‏لئلا يكون للناس عليكم حجة‏}‏، أي لأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها، ‏{‏ولعلكم تهتدون‏}‏ إي إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه وخصصناكم به، ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏151 ‏:‏ 152‏)‏
‏{‏ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ‏.‏ فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ‏}‏
يذكِّر تعالى عباده المؤمنين، ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم إليهم، يتلو عليهم آيات اللّه مبينات ‏‏{‏ويزكيهم‏} أي يطهرهم من رذائل الأخلاق، ودنس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويعلمهم الكتاب وهو القرآن، والحكمة وهي السنّة، ويعلِّمهم ما لم يكونوا يعلمون، فكانوا في الجاهلية الجهلاء يُسفِّهون بالقول القُرّاء، فانتقلوا ببركة رسالته، ويمن سفارته، إلى حال الأولياء، وسجايا العلماء، فصاروا أعمق الناس علماً، وأبرهم قلوباً، وأقلهم تكلفاً، وأصدقهم لهجة‏.‏ وقال تعالى‏:‏
{‏قد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم‏}الآية‏.‏ وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة فقال تعالى‏:‏{‏ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة اللّه كفراً وأحلوا قومهم دار البوار‏}
قال ابن عباس‏:‏ يعني بنعمة الله محمداً صلى اللّه عليه وسلم ولهذا ندب اللّه المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ومقابلتها بذكره وشكره‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون‏}‏ قال مجاهد في قوله‏: ‏{‏كما أرسلنا فيكم رسولا منكم‏}‏
يقول‏:‏ كما فعلتُ فاذكروني‏.‏
قال زيد بن أسلم‏:‏ إن موسى عليه السلام قال‏:‏ يا رب كيف أشكرك‏؟‏ قال له ربه‏:‏ ‏(‏تذكرني ولا تنساني فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذ نسيتني فقد كفرتني‏)‏ قال الحسن البصري‏:‏ إن اللّه يذكر من ذكره، ويزيد من شكره، ويعذب من كفره، وقال بعض السلف في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اتقوو اللّه حق تقاته‏}‏ هو ‏(‏ أن يطاع فلا يعصى، ويُذكر فلا يُنْسى، ويُشْكَر فلا يُكْفر‏)‏ وقال الحسن البصري في قوله‏:‏ ‏{‏فاذكروني أذكركم‏}‏ اذكروني فيما افترضت عليكم اذكركم فيا أوجبت لكم على نفسي، عن سعيد بن جبير‏:‏ اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وفي رواية برحمتي‏.‏ وفي الصحيح‏:‏
‏(‏يقول اللّه تعالى مَن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومَن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه‏)‏ وعن أنَس قال‏:‏ قال قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏قال اللّه عزّ وجلّ يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة - أو قال في ملأ خير منه - وإن دنوت مني شبراً دنوتُ منك ذراعاً، وإن دنوت مني ذراعاً دنوت منك باعاً، وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولةً‏)"‏أخرجه البخاري من حديث قتادة، ورواه الإمام أحمد عن أنَس بن مالك‏"‏‏)‏ قال قتادة‏:‏ اللّه أقرب بالرحمة وقوله‏:‏ ‏{‏واشكروا لي ولا تكفرون‏}‏ أم اللّه تعالى بشكره ووعد على شكره بمزيد الخير، فقال‏:‏ ‏{‏وإذ تأذن ربكم لئن شركتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد‏}‏روى أبو رجاء العطاردي قال‏:‏ خرج علينا ‏"‏عمران بن حصين‏"‏وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من أنعم اللّه عليه نعمة فإن اللّه يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه ‏"‏أخرجه الإمام أحمد عن ابي رجاء العطاردي‏"‏‏)‏ وروي‏:‏ على عبده
‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏153 ‏:‏ 154‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ‏.‏ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ‏}‏
لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر، شرع في بينان الصبر والإرشاد والاستعانة بالصبر والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها، أو في نقمة فيصبر عليها، كما جاء في الحديث‏:
‏(‏عجبا للمؤمن لا يقضي اللّه له قضاء إلا كان خيراً له‏:‏ إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له‏)‏‏.‏ وبيَّن تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة كما تقدم في قوله‏:‏{‏واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين‏}‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا حزّ به أمر صلّى‏)‏ والصبر صبران‏:‏ فصبرك على ترك المحارم والمآثم، وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثواباً لأنه المقصود، وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب فذاك أيضا واجب كالاستغفار من المعايب‏.‏ قال زين العابدين‏:‏ إذا جمع اللّه الأولين والآخرين ينادي مناد أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب‏؟‏ قال‏:‏ فيقوم عُنُق ‏"‏جماعة متقدمة، وزين العابدين هو ‏"‏علي بن الحسين‏"‏رضي اللّه عنه‏"‏من الناس فتتلقاهم الملائكة فيقولون‏:‏ إلى أين يا بني آدم‏؟‏ فيقولون‏:‏ إلى الجنة، فيقولون‏:‏ قبل الحساب‏؟‏ قالوا‏:‏ نعم، قالوا‏:‏ مَن أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ نحن الصابرون، قالوا‏:‏ وما كان صبكم‏؟‏ قالوا‏:‏ صبرنا على طاعة اللّه وصبرنا عن معصية اللّه حتى توفانا اللّه، قالو‏:‏ أنتم كما قلتم ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين‏.‏ قلت‏:‏ ويشهد لهذا قوله تعالى‏:‏{‏إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‏}
‏، وقال سعيد بن جبير‏:‏ الصبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه، واحتسابه عند الّله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء‏}‏ يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون كما
جاء في صحيح مسلم‏:‏ ‏(‏ إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال‏:‏ ماذا تبغون‏؟‏ قالوا‏:‏ يا ربنا وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك‏؟‏ ثم عاد عليهم بمثل هذا فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا، قالو‏:‏ نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أُخرى - لما يرون من ثواب الشاهدة - فيقول الرب جلّ جلاله‏:‏ إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون‏)‏ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏نسمة المؤمن طائر تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه اللّه إلى جسده يوم يبعثه‏)‏
ففيه دلالة لعموم المؤمنين أيضاً وإن كان الشهداء قد خصصوا بالذكر في القرآن تشريفاً لهم وتكريماً وتعظيماً‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏155 ‏:‏ 157‏)‏
‏{‏ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ‏.‏الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ‏.‏ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ‏}‏
أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده أي يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى‏:
‏{‏ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم‏}فتارةً بالسرّاء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف‏}‏، فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لباس الجوع والخوف‏}
وقال ههنا‏:‏ ‏{‏بشيء من الخوف والجوع‏}‏ أي بقليل من ذلك،{‏ونقص من الأموال‏} أي ذهاب بعضها ‏{‏والانفس‏}‏ كموت الأصحاب والأقارب والأحباب،{‏والثمرات‏}أي لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها، قال بعض السلف فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحة، وكل هذا وأمثاله مما يختبر اللّه به عباده، فمن صبر أثابه ومن قنط أحل به عقابه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وبشر الصابرين‏}‏
ثمَّ بيَّن تعالى مَنِ الصابرون الذين شكرهم فقال‏:‏ ‏{‏الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون‏}‏ أي تسلوا بقولهم هذا عمّا أصابهم، وعلموا أنهم ملك للّه يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة، ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال‏:‏{‏أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة‏}‏ أي ثناء من اللّه عليهم ‏{‏وأولئك هم المهتدون‏}‏ قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‏:‏ نعم العِدْلان ونعمت العِلاوة{‏أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة‏}‏
هذان العدلان ‏{‏وأولئك هم المهتدون‏}‏ فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضاً‏.‏
وقد
ورد في ثواب الاسترجاع عند المصائب أحاديث كثيرة فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد عن أم سلمة قالت‏:‏ أتاني أبو سلمى يوماً من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ لقد سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قولاً سررت به، قال‏:‏ ‏(‏لا يصيب أحداً من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول‏:‏ اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا فعل ذلك به‏)‏ قالت أم سلمة‏:‏ فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت‏:‏ اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، ثم رجعت إلى نفسي فقلت‏:‏ من أن لي خير من أبي سلمة‏؟‏ فلما انقضت عدتي استأذن ليَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا أدبغ إهاباً لي، فغسلت يدي من القرظ وأذْنت له، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد عليها فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت‏:‏ يا رسول اللّه ما بي أن لا يكون بك الرغبة، ولكني امرأة فيَّ غيرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئاً يعذبني اللّه به، وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال، فقال‏:‏ ‏(‏أمّا ما ذكرتِ من الغيرة فسوف يُذهبها اللّه عزّ وجلّ عنك، وأمّا ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك، وأمّا ما ذكرتِ من العيال فإنما عيالك عيالي‏)‏، قالت‏:‏ فقد سلَّمتُ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتزوجها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالت أم سلمة بعد‏:‏ أبدلني اللّه بأبي سلمة خيراً منه‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ وعن أم سلمة قالت‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول ‏{‏إنا لله وإنا إليه راجعون‏}‏ اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره اللّه في مصيبته وأخلف له خيراً منها‏)‏، قالت‏:‏ فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخلف اللّه لي خيراً منه‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏)‏
وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من مسلم ولا مسلمة يُصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها فيحدث لذلك استرجاعاً إلا جدّد اللّه له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب‏)‏‏"‏رواه أحمد وابن ماجة‏"‏وعن أبي سنان قال‏:‏ دفنت ابناً لي فإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة ‏"‏يعني الخولاني‏"‏فأخرجني وقال لي‏:‏ ألا أبشِّرك‏؟‏ قلت‏:‏ بلى، قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏)‏قال اللّه‏:‏ يا ملك الموت قبضت ولد عبدي‏؟‏ قبضت قرة عينه وثمرة فؤاده‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ فما قال‏؟‏ قال‏:‏ حمدك واسترجع، قال‏:‏ ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد‏)‏"‏رواه أحمد والترمذي‏"‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم‏(‏158‏)‏
‏{‏ إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ‏}‏
روى الإمام أحمد عن عروة عن عائشة قال، قلتُ‏:‏ أرأيتِ قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما‏}‏‏؟‏ فواللّه ما على أحدٍ جناح أن لا يتطوف بهما، فقالت عائشة‏:‏ بئس ما قلتَ يا ابن أختي إنها لو كانت على ما أولتها عليه كانت فلا جُناح عليه أن لا يطَّوف بهما، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلِّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عن المشلل، وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطَّوف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه إنا كنا نتحرج أن نطَّوف بالصفا والمروة في الجاهلية، فأنزل اللّه عزّ وجلّ، ‏{‏إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما‏}‏ قالت عائشة‏:‏ ثم قد سنَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الطواف بهما فليس لأحد أن يدع الطواف بهما
"
‏رواه الشيخان وأحمد‏"‏‏.‏ وقال أنَس‏:‏ كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلام أمسكنا عنهما فأنزل اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏}‏ وقال الشعبي‏:‏ كان إساف على الصفا وكانت نائلة على المروة، وكانوا يستلمونهما فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما فنزلت هذه الآية‏.‏
وفي صحيح مسلم‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت عاد إلى الركن فاستلمه ثم خرج من باب الصفا وهو يقول‏:‏ ‏{‏إن الصفا والمروة من شعائر الله‏}‏، ثم قال‏:‏ ‏(‏أبدأ بما بدأ الله به‏)‏‏"‏رواه مسلم من حديث جابر الطويل‏"‏وعن حبيبة بنت أبي تجراة قالت‏:‏ رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول‏:‏ ‏)‏اسعوا فإن اللّه كتب عليكم السعي‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد‏"‏وقد استدل بهذا الحديث من يرى أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج، كما هو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد وهو المشهور عن مالك، وقيل‏:‏ إنه واجب وليس بركن فإن تركه عمداً أو سهواً جبره بدم وهو رواية عن أحمد‏.‏ وقيل‏:‏ بل مستحب‏.‏ واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن تطوع خيرا‏}‏، والقول الأول أرجح لأنه عليه السلام طاف بينهما وقال‏: ‏(‏خذوا عني مناسككم‏)‏
بيَّن تعالى أن الطواف بين الصفا والمروة ‏{‏من شعائر الله‏}‏ أي مما شرع اللّه تعالى لأبراهيم في مناسك الحج، وقد تقدم في حديث ابن عباس أن أصل ذلك مأخوذ من طواف هاجر، وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها لمّا نفد ماؤهما وزادهما، فلم تزل تتردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة حتى كشف اللّه كربتها، وآنس غربتها، وفرَّج شدتها وأنبع لها زمزم التي ماؤها ‏(‏طعام طعم، وشفاء سقم‏)‏، فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى اللّه في هداية قلبه، وصلاح حاله، وغفران ذنبه، وأن يلتجىء إلى اللّه عزّ وجلّ لتفريج ما هو به‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏فمن تطوع خيرا‏}‏ قيل‏:‏ زاد في طوافه بينهما على قدر الواجب ثامنة وتاسعة ونحو ذلك، وقيل‏:‏ يطوف بينهما في حجة تطوع أو عمرة تطوع، وقيل‏:‏ المراد تطوّع خيراً في سائر العبادات‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فإن الله شاكر عليم‏}‏ أي يثيب على القليل بالكثير ‏{‏عليم‏}‏ بقدر الجزاء فلا يبخس أحداً ثوابه و
‏{‏لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس