عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-2014, 05:06 AM   رقم المشاركة : 39
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الآية رقم ‏(‏172 ‏:‏ 173‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون ‏.‏ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ‏}‏
يأمر تعالى عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم تعالى، وأن يشكروه تعالى على ذلك إن كانوا عُبَّاده، والأكل من الحلال سبب لتقبّل الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة، كما جاء في الحديث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أيها الناس إن اللّه طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن اللّه أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال‏:‏ {‏يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم‏}‏ ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعَمُه حرامٌ، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك‏؟‏‏)‏ ‏"‏رواه أحمد ومسلم والترمذي‏"‏ولما امتن تعالى عليهم برزقه وأرشدهم إلى الأكل من طيِّبه، ذكر أنه لم يحرم عليهم من ذلك إلا الميتة، وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية، وسواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة أو عدا عليها السبع، وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى‏:‏{‏أحل لكم صيد البحر وطعامه‏}وقوله عليه السلام في البحر‏:‏ ‏(‏هو الطهور ماؤه الحل ميتته‏)
‏"‏رواه مالك وأصحاب السنن‏"‏وسيأتي تقرير ذلك إن شاء اللّه في سورة المائدة‏.‏
ثم أباح تعالى تناول ذلك عند الضرورة والإحتياج إليها عند فقد غيرها من الأطعمة فقال‏:‏ ‏{‏فمن اضطر غير باغ ولا عاد‏}‏ أي من غير بغي ولا عدوان وهو مجاوزة الحد ‏{‏فلا إثم عليه‏}‏ أي في أكل ذلك‏.‏ ‏{‏إن الله غفور رحيم‏}‏ قال مجاهد‏:‏ ‏{‏غير باغ ولا عاد‏}‏ من خرج باغيا أو عادياً أو في معصية اللّه فلا رخصة له وإن اضطر إليه، وقال مقاتل بن حيان‏:‏ ‏{‏غير باغ‏}‏ يعني غير مستحله، وقال السُّدي‏:‏ ‏{‏غير باغ‏}‏ يبتغي فيه شهواته، وعن ابن عباس‏:‏ لا يشبع منها وعنه‏:‏ ‏{‏غير باغ ولا عاد‏}‏ قال‏:‏ ‏{‏غير باغ‏}‏ في الميتة، ولا عادٍ في أكله، وقال قتادة‏:‏ ‏{‏فمن اضطر غير باغ ولا عاد‏}‏ قال‏:‏ غير باغ في الميتة أي في أكله أن يتعدى حلالاً إلى حرام هو يجد عنه مندوحة، وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏فمن اضطر‏}‏ أي أكره على ذلك بغير اختياره‏.‏


مسألة
إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير، بحيث لا قطع فيه ولا أذى، فإنه لا يحل له أكل الميتة، بل يأكل طعام الغير بغير خلاف لحديث عباد بن شرحيل العنزي قال‏:‏ أصابتنا عاماً مخمصةٌ فأتيت المدينة، فأتيت حائطاً، فأخذت سنبلاً ففركته وأكلته وجعلت منه في كسائي، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته، فقال للرجل‏:‏ ‏(‏ما أطعمته إذ كان جائعاً ولا ساعياً، ولا علَّمته إذ كان جاهلاً‏)‏ فأمره فرد إليه ثوبه، وأمر له بوسق طعام أو نصف وسق
‏"‏رواه ابن ماجة وإسناده قوي جدا‏"‏وقال مقاتل بن حيان‏:‏ في قوله ‏{‏فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم‏}‏ فيما أكل من اضطرار، وبلغنا - والله أعلم - أنه لا يزاد على ثلاث لقم، وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏{‏غفور‏}‏ لما أكل من الحرام ‏{‏رحيم‏}‏ إذ أحل له الحرام في اضطرار، وقال مسروق‏:‏ من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ثم مات دخل النار، وهذا يقتضي أنّ أكل الميتة للمضطر عزيمة لا رخصة، وهذا هو الصحيح كالإفطار للمريض‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏174 ‏:‏ 176‏)‏
‏{‏ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ‏.‏ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ‏.‏ ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ‏}‏
يقول تعالى‏:‏{‏إن الذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب‏} يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم، في كتبهم التي بأيديهم مما تشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك لئلا تذهب رياستهم، وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم آباءهم، فخشوا - لعنهم اللّه - إن أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاء على ما كان يحصل لهم من ذلك وهو نزر يسير، فباعوا أنفسهم بذلك، واعتاضوا عن الهدى بذلك النزر اليسر، فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإن اللّه أظهر لعباده صدق رسوله، بما نصبه وجعله معه من الآيات الظاهرات والدلائل القاطعات، فصدقه الذين كانوا يخافون أن يتبعوه، وصاروا عونا له على قتالهم، وباءوا بغضب على غضب، وذمّهم اللّه في كتابه في غير موضع، فمن ذلك هذه الآية الكريمة‏:‏{‏إن الذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا‏}‏ وهو عرض الحياة الدنيا{‏أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار‏}أي إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق ناراً تأجج في بطونهم يوم القيامة، كما قال تعالى‏:
{‏إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا‏}
‏ وفي الحديث الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم‏)‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب إليهم‏}‏، وذلك لأنه تعالى غضبان عليهم، لأنهم كتموا وقد علموا فاستحقوا الغضب، فلا ينظر إليهم ‏{‏ولا يزكيهم‏}‏ أي يثني عليهم ويمدحهم بل يعذبهم عذاباً أليماً عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم اللّه ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم‏:‏ شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر‏)
‏"‏رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه‏"‏ثم قال تعالى مخبراً عنهم‏:‏ ‏{‏أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى‏}‏ أي اعتاضوا عن الهدى - وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرسول وذكر مبعثه والبشارة به من كتب الأنبياء واتباعه وتصديقه - استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه الضلالة، وهو تكذيبه والكفر به وكتمان صفاته في كتبهم ‏{‏والعذاب بالمغفرة‏}‏ أي اعتاضوا عن المغفرة بالعذاب وهو ما تعاطوه من أسبابه المذكورة‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فما أصبرهم على النار‏}‏ يخبر تعالى أنهم في عذاب شديد عظيم هائل، يتعجب من رآهم فيها من صبرهم على ذلك مع شدة ما هم فيه من العذاب والنكال والأغلال عياذاً باللّه من ذلك وقيل‏:‏ معنى قوله‏:‏ ‏{‏فما أصبرهم على النار‏}‏ أي فما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النار‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق‏}‏ أي إنما استحقوا هذا العذاب الشديد، لأن اللّه تعالى أنزل على رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم، وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وإبطال الباطل، وهؤلاء اتخذوا آيات اللّه هزواً، فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره فخالفوه وكذبوه، وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى اللّه تعالى، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهم يكذبونه ويخالفونه، ويجحدونه ويكتمون صفته، فاستهزأوا بآيات اللّه المنزلة على رسله، فلهذا استحقوا العذاب والنكال، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الآية رقم ‏(‏177‏)‏
‏{‏ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ‏}‏
اشتملت هذه الآية الكريمة على جمل عظيمة، وقواعد عميقة وعقيدة مستقيمة، فإن اللّه تعالى لما أمر المؤمنين أولاً بالتوجُّه إلى بيت المقدس، ثم حوّلهم إلى الكعبة، شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فانزل اللّه تعالى بيان حكمته في ذلك، وهو أن المراد إنما هو طاعة اللّه عزّ وجلّ، وامتثال أوامره، والتوجه حيثما وجَّه، واتباع ما شرع، فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم التوجه إلى جهة المشرق أو المغرب برٌّ ولا طاعة، إن لم يكن عن أمر اللّه وشرعه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر‏}‏، كما قال في الأضاحي والهدايا‏:
{‏لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‏}وقال ابن عباس في هذه الآية‏:‏ ليس البر أن تصلُّوا ولا تعلموا، فامر اللّه بالفرائض والعمل بها، وقال أبو العالية‏:‏ كانت اليهود تُقْبل قبل المغرب، وكانت النصارى تُقبل قبل المشرق، فقال اللّه تعالى ‏{‏ليس البر أن تولو وجوهكم قبل المشرق والمغرب‏}‏ يقول‏:‏ هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل، وقال مجاهد‏:‏ ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة اللّه عزّ وجلّ، ‏{‏والكتاب‏}‏ وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السامء على الأنبياء، حتى ختمت بأشرفها وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ به كل ما سواه من الكتب قبله وآمن بأنبياء اللّه كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتى المال على حبه‏}‏ أي أخرجه وهو محبٌ له راغب فيه، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً‏:‏ ‏(‏أفضل الصدقة أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر‏)، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏‏{‏وآتى المال على حبه‏}‏ أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر‏)
‏"‏رواه الحاكم عن ابن مسعود مرفوعاً وقال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين‏"‏
وقال تعالى‏:
‏ ‏
{‏ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا‏} وقال تعالى‏:‏ {‏لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون‏}‏، وقوله‏:‏{‏ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة‏}
نمط آخر أرفع من هذا وهو أنهم آثروا بما هم مضطرون إليه، وهؤلاء أعطوا وأطعموا ما هم محبون له‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏
{‏ذوي القربى‏}‏ وهم قرابات الرجل، وهم أولى من أعطى من الصدقة كما ثبت في الحديث‏:‏ والصدقة على المساكين صدقة وعلى ذوي الرحم ثنتان‏:‏ صدقة وصلة، فهم أولى الناس بك وبِبرَّك وإعطائك‏)‏ وقد أمر اللّه تعالى بالإحسان إليهم في غير موضع من كتابه العزيز ‏{‏واليتامى‏}‏ هم الذين لا كاسب لهم وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ، والقدرة على التكسب، وقد
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا يتم بعد حلم‏)‏، ‏{‏والمساكين‏}‏ وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم سكناهم، فيُعْطون ما تسد به حاجتهم وخلتهم، وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليس المسكين بهذ الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه‏)، ‏{‏وابن السبيل‏}‏ وهو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته ما يوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفراً في طاعة فيعطي ما يكفيه في ذهابه وغيابه، ويدخل في ذلك الضيف كما قال ابن عباس ‏{‏ابن السبيل‏}‏‏:‏ هو الضيف الذي ينزل، ‏{‏والسائلين‏}‏ وهم الذين يتعرضون للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏للسائل حق وإن جاء على فرس‏)‏‏"‏رواه أحمد وأبو داود‏"‏‏{‏وفي الرقاب‏}‏ وهم المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم، عن فاطمة بنت قيس قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏في المال حق سوى الزكاة‏)‏، ثم قرأ‏:‏‏{‏ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب - إلى قوله - وفي الرقاب‏}‏"‏رواه ابن ماجة والترمذي‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أقام الصلاة‏}‏ أي وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها وسجودها وطمأنينتها وخشوعها، على الوجه الشرعي المرضي، وقوله‏:‏ ‏{‏وآتى الزكاة‏}‏ كقوله‏:‏
{‏وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة‏}
والمراد زكاة المال كما قاله سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان، ويكون المذكور من إعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين، إنما هو التطوع والبر والصلة، ولهذا تقدم في الحديث عن فاطمة بنت قيس أن في المال حقاً سوى الزكاة، واللّه أعلم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والموفون بعهدهم إذا عاهدوا‏}‏ كقوله‏:‏
{‏الذين يوفون بعهد اللّه ولا ينقضون الميثاق‏}‏ وعكس هذه الصفة النفاق كما صح في الحديث‏:‏ ‏(‏آية حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان‏)‏"‏رواه الشيخان‏"‏وفي الحديث الآخر‏:‏ ‏(‏وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس‏}‏ أي في حال الفقر وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام وهو الضراء، ‏{‏وحين البأس‏}‏ أي في حال القتال والتقاء الأعداء قاله ابن مسعود وابن عباس‏.‏ وإنما نصب ‏{‏الصابرين‏}‏ على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال لشدته وصعوبته، واللّه أعلم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أولئك الذين صدقوا‏}‏ أي هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم، لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا ‏{‏وأولئك هم المتقون‏}‏ لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الآية رقم ‏(‏178 ‏:‏ 179‏)‏
{‏ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ‏.‏ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ كتب عليكم العدل في القصاص - أيها المؤمنون - حركم بحركم، وعبدكم بعبدكم، وأنثاكم بأنثاكم، ولا تتجاوزوا وتعتدوا كما اعتدى من قبلكم وغيّروا حكم اللّه فيهم، وسبب ذلك قريظة والنضير فكان إذا قتل النضري القرظي لا يقتل به بل يُفادى بمائة وسق من التمر، وإذا قتل القرظي النضري قتل، وإن فادوه فدوه بمائتي وسق من التمر، ضعف دية القرظي، فأمر اللّه تعالى بالعدل في القصاص، ولا يتبع سبيل المفسدين المحرفين، المخالفين لأحكام اللّه فيهم كفراً وبغياً فقال تعالى‏:‏ ‏{‏الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى‏}‏ وذكر عن سعيد ابن جبير في قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى‏}‏ يعني إذا كان عمداً الحر بالحر، وذلك أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات، حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، والمرأة منا الرجل منهم، فنزل فيهم‏:‏ ‏{‏الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى‏}‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير‏"‏وعن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏والأنثى بالأنثى‏}‏ أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة، ولكن يقتلون الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فأنزل اللّه النفس بالنفس والعين بالعين، فجعل الأحرار في القصاص سواء فيما بينهم من العمد رجالهم ونساؤهم في النفس وفيما دون النفس، وجعل العبيد مستويين فيما بينهم من العمد في النفس وفيما دون النفس رجالهم ونساؤهم وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله ‏{‏النفس بالنفس‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس