عرض مشاركة واحدة
قديم 28-04-2014, 03:53 AM   رقم المشاركة : 24
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقوله تعالى‏:‏ {‏وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله‏} قال سفيان الثوري‏:‏ إلا بقضاء اللّه، وقال الحسن البصري‏:‏ من شاء اللّه سلطهم عليه ومن لم يشأ اللّه لم يسلط، ولا يستطيعون من أحد إلا بإذن اللّه وقوله تعالى‏:‏{‏ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم‏}أي يضرهم في دينهم وليس له نفع يوازي ضرره{‏ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق‏} أي ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول صلى اللّه عليه وسلم لمن فعل فعلهم ذلك، أنه ما له في الآخرة من خلاق، قال ابن عباس من نصيب، {‏ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون‏}يقول تعالى ‏{‏ولبئس‏}‏ البديل ما استبدلوا به من السحر عوضاً عن الإيمان ومتابعة الرسول، لو كان لهم علم بما وعظوا به{‏ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير‏}أي ولو أنهم آمنوا باللّه ورسله واتقوا المحارم، لكان مثوبة اللّه على ذلك خيراً لهم مما استخاروا لأنفسهم ورضوا به كما قال تعالى‏:‏ {‏وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقَّاها إلا الصابرون‏}‏‏.‏
وقد استدل بقوله‏:{‏ولو أنهم آمنوا واتقوا‏} من ذهب إلى تكفير الساحر، كما هو رواية عن الإمام أحمد ابن حنبل وطائفة من السلف، وقيل‏:‏ بل لا يكفر ولكن حده ضرب عنقه، لما رواه الشافعي وأحمد بن حنبل عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة بن عبدة يقول‏:‏ كتب عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال‏:‏ فقتلنا ثلاث سواحر ‏"‏رواه البخاري من صحيحه‏"‏وصح أن حفصة أم المؤمنين سحرتها جارية لها فأمرت بها فقتلت، قال الإمام أحمد ابن حنبل‏:‏ صح عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم في قتل الساحر، وروى الترمذي عن جندب الأزدي أنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏حد الساحر ضربه بالسيف‏)‏"‏رواه الترمذي عن جندب الأزدي مرفوعاً وقال‏:‏ لا نعرفه مرفوعاً ألا من هذا الوجه‏"‏وقد روي من طرق متعددة أن الوليد بن عُقبة كان عنده ساحر يلعب بين يديه، فكان يضرب رأس الرجل ثم يصيح به فيرد إليه رأسه، فقال الناس‏:‏ سبحان اللّه يحيي الموتى‏!‏‏!‏ ورآه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان الغد جاء مشتملاً على سيفه، وذهب يلعب لعبه ذلك فاخترط الرجل سيفه فضرب عنق الساحر، وقال‏:‏ إنْ كان صادقاً فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى‏:‏{‏أفتاتون السحر وأنتم تبصرون‏}
فغضب الوليد إذ لم يستأذنه في ذلك فسجنه ثم أطلقه، واللّه أعلم‏.‏ وحمل الشافعي رحمه اللّه قصة عمر وحفصة على سحر يكون شركاً، واللّه أعلم‏.‏

فصل
حكى الرازي في تفسيره عن المعتزلة أنهم أنكروا وجود السحر، قال‏:‏ وربما كفَّروا من اعتقد وجوده، وأما أهل السنّة فقد جوّزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء، ويقلب الإنسان حماراً والحمار إنساناً، إلا أنهم قالوا‏:‏ إن اللّه يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة، فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافاً للفلاسفة والمنجمين والصابئة، ثم استُدل على وقوع السحر، وأنه بخلق اللّه تعالى بقوله تعالى‏:‏{‏وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله‏}
‏‏.
ومن الأخبار بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سُحِرَ وأن السحر عمل فيه، وبقصة المرأة مع عائشة رضي اللّه عنها، وما ذكرت من إتيانها بابل وتعلمها السحر‏.‏
ثم قد ذكر أبو عبد اللّه الرازي أن

أنواع السحر ثمانية
الأول‏:‏ سحر الكذابين والكشدانيينالذين كانوا يعبدون الكواكب السبعة المتحيرة وهي السيارة وكانوا يعتقدون أنها مدبرة العالم وأنها تأتي بالخير والشر وهم الذين بعث اللّه إليهم ابراهيم الخليل مبطلاً لمقالتهم وراداً لمذهبهم‏.‏
و

النوع الثاني‏:‏ سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، ثم استدل على أن الوهم له تأثير بأن الإنسان يمكنه أن يمشي على الجسر الموضوع على وجه الأرض، ولا يمكنه المشي عليه إذا كان ممدوداً على نهر أو نحوه، وما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام، وقد اتفق العقلاء على أن الإصابة بالعين حق لما ثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين‏)‏‏.‏
و

النوع الثالث من السحر‏:‏ الاستعانة بالأرواح الأرضية وهم الجن خلافاً للفلاسفة والمعتزلة وهم على قسمين‏:‏ مؤمنون، وكفار وهم الشياطين، قال‏:‏ واتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية لما بينهما من المناسبة والقرب، ثم إن أصحاب الصنعة وأرباب التجربة شاهدوا أن الإتصال بهذه الأرواح الأرضيه يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل التسخير‏.‏

النوع الرابع من السحر‏:‏ التخيلات، والأخذ بالعيون، والشعبذة، ومبناه على أن البصر قد يخطىء ويشتغل بالشيء المعين دون غيره، ألا ترى ذا الشعبذة الحاذق يظهر عمل شيء يذهل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه، حتى إذا استفرغهم الشغل بذلك الشيء بالتحديق ونحوه، عمل شيئاً آخر عملاً بسرعة شديدة، وحينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه، فيتعجبون منه جداً، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمله، ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد إخراجه، لفطن الناظرون لكل ما يفعله‏.‏
قلت وقد قال بعض المفسِّرين‏:‏ إن سحر السحرة بين يدي فرعون إنما كان من باب بالشعبذة ولهذا قال تعالى‏:‏
{‏فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤا بسحر عظيم‏} وقال تعالى‏:‏ {‏يخَيَّل إليه من سحرهم أنها تسعى‏}قالوا‏:‏ ولم تكن تسعى في نفس الأمر، واللّه أعلم‏.‏

النوع الخامس من السحر‏:‏ الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب آلات مركبة على النسب الهندسية، كفارس على فرس في يده بوق، كلما مضت ساعة من النهار ضرب بالبوق من غير أن يمسه أحد، ومنها الصور التي تصورها الروم والهند حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الإنسان حتى يصورنها ضاحكة ‏؟‏‏؟‏ إلى أن قال‏:‏ فهذه الوجوه من لطيف أمور التخاييل، قال‏:‏ وكان سحر سحرة فرعون من هذا القبيل، ‏؟‏‏؟‏ ما قاله بعض المفسرين‏:‏ إنهم عمدوا إلى تلك الحبال والعصي فحشوها زئبقاً فصارت تتلوى بسبب ما فيها من ذلك الزئبق فيخيل إلى الرائي أنها تسعى باختيارها، ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار، كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببلد المقدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على الطعام منهم، وأما الخواص فهم معترفون بذلك ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم فيرون ذلك سائغاً لهم‏.‏

النوع السادس من السحر‏:‏ الاستعانة بخواص الأدوية في الأطعمة والدهانات، قال‏:‏ واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص، فإن تأثير المغناطيس مشاهد‏.‏ قلت يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص، مدعياً أنها أحوال له من مخالطة النيران ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحالات‏.‏

النوع السابع من السحر‏:‏ التعليق للقلب، وهو أن يدعي الساحر أنه عرف الإسم الأعظم، وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور، فإذا اتفق أن يكون السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز اعتقد أنه حق وتعلق قلبه بذلك، وحصل في نفسه نوع من الرعب والمخالفة، فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة، فحينئذ يتمكن الساحر أن يفعل ما يشاء‏.‏ قلت‏:‏ هذا النمط يقال له التّنْبلة وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم، وفي عِلْم الفِراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه، فإذا كان النبيل حاذقاً في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره‏.‏

النوع الثامن من السحر‏:‏ السعي بالنميمة من وجوه خفيفة لطيفةوذلك شائع في الناس قلت النميمة على قسمين‏:‏ تارةً تكون على وجه التحريش بين الناس وتفريق قلوب المؤمنين فهذا حرام متفق عليه، فأما إن كانت على وجه الإصلاح بين الناس وائتلاف كلمة المسلمين، أو على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة؛ فهذا أمر مطلوب كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏الحرب خدعة‏)‏ وإنما يحذوا على مثل هذا الذكاء ذو البصيرة النافذة واللّه المستعان‏.‏
ثم قال الرازي فهذه جملة الكلام في أقسام السحر وشرح أنواعه وأصنافه، قلت‏:‏ وإنما أدخل كثيرا من هذه الأنواع المذكورة في فن السحر للطافة مداركها لأن السحر في اللغة عبارة عما لطف وخفي سببه، ولهذا جاء في الحديث‏:
‏ ‏(‏إن من البيان لسحراً‏)‏، وسمي السحور لكونه يقع خفياً آخر الليل، والسَّحْرُ‏:‏ الرئة، وسميت بذلك لخفائها ولطف مجاريها إلى أجزاء البدن كما قال أبو جهل يوم بدر لعتبة‏:‏ انتفخ سَحْره، أي انتفخت رئته من الخوف وقالت عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين سَحْري ونحري‏.‏
وقال القرطبي‏:‏ وعندنا أن السحر حق، وله حقيقة، يخلق اللّه عنده ما يشاء، خلافاً للمعتزلة وأبي إسحاق الإسفرايني من الشافعية حيث قالوا‏:‏ إنه تمويه وتخيل، قال‏:‏ ومن السحر ما يكون بخفة اليد كالشعوذة، ومنه ما يكون كلاماً يحفظ ورقى من أسماء اللّه تعالى، وقد يكون من عهود الشياطين، ويكون أدوية وأدخنة وغير ذلك، قال‏:‏ وقوله عليه السلام‏:
‏ ‏(‏إن من البيان لسحراً‏)‏ يحتمل أن يكون مدحاً كما تقوله طائفة ويحتمل أن يكون ذماً للبلاغة، قال‏:‏ وهذا أصح، قال‏:‏ لأنها تصوّب الباطل حتى توهم السامع أنه حق، كما قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له‏)الحديث‏.‏

فصل
واختلفوا فيمن يتعلم السحر ويستعمله، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد‏:‏ يكفر بذلك، ومن أصحاب أبي حنيفة من قال إن تعلمه ليتقيه أو ليجتنبه ومن تعلمه معتقداً جوازه أو أنه ينفعه كفر، وكذا من اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر، وقال الشافعي رحمه اللّه‏:‏ إذا تعلم السحر قلنا له‏:‏ صف لنا سحرك، فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر‏.‏ فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك أو يقر بذلك في حق شخص معين، وإذا قتل فإنه يقتل حداً عندهم إلا الشافعي فإنه قال‏:‏ يقتل والحالة هذه فصاصاً، قال‏:‏ وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته‏؟‏ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم‏:‏ لا تقبل، وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى تقبل، وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم، وقال مالك وأحمد والشافعي‏:‏ لا يقتل لقصة لبيد بن الأعصم ، واختلفوا في المسلمة الساحرة، فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل ولكن تحبس، وقال الثلاثة حكمها حكم الرجل واللّه أعلم‏.‏

مسْألة
وهل يسأل الساحر حلاً لسحره‏؟‏ فأجازه سعيد بن المسيب فيما نقله عنه البخاري، وقال الشعبي‏:‏ لا بأس بالنشرة، وكره ذلك الحسن البصري، وفي الصحيح عن عائشة أنها قالت‏:‏ يا رسول اللّه هلا تنشرت، فقال‏:‏ ‏(‏أمَّا اللّه فقد شفاني وخشيت أن أفتح على الناس شراً‏)‏ وحكى القرطبي عن وهب‏:‏ أنه قال يؤخذ سبع ورقات من سدر، فتدق بين حجرين ثم تضرب بالماء ويقرأ عليها آية الكرسي ويشرب منها المسحور ثلاث حسوات، ثم يغتسل بباقيه فإنه يذهب ما به، وهو جيد للرجل الذي يؤخذ عن امرأته قلت ‏:‏ أنفع ما يستعمل لإذهاب السحر ما أنزل اللّه على رسوله في إذهاب ذلك وهما المعوذتان، وفي الحديث‏:(‏لم يتعوذ المتعوذ بمثلهما‏) وكذلك قراءة آية الكرسي فإنها مطردة للشيطان‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس