عرض مشاركة واحدة
قديم 06-04-2014, 02:48 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

عباد الله :
وفي كتابِ ربِّنا وصفٌ للداء والدواء، وتوصيفٌ للمُتساقِطين من الضُّعفاء،
وليس لأحدٍ أن يُلقِيَ التَّبِعةَ على غيره،
{ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ }
[ آل عمران: 165 ].
فزيغُ الإنسان سببٌ لأن يُزيغَ الله قلبَه:
{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }
[ الصف: 5 ]
وانصِرافُه عن الخير سببٌ لصرفِ قلبِه:
{ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }
[ التوبة: 127 ]
والكِبرُ والإعراضُ مآلُه:
{ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا
وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا }
[ الأعراف: 146 ].
ومن قسَا قلبُه فما ذاك إلا بذنبِه وكسبِه:
{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ْ}
[ المطففين: 14 ]
واتباع الهوى والتعلُّق بالدنيا سببٌ للضلال، وحِرمان العبد بركة العلم
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)
مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }
[ الأعراف: 175- 178 ].
إنسانٌ يُؤتيه الله آياتِه، ويخلعُ عليه من فضلِه، ويكسُوه من علمِه،
ويُعطِيه الفُرصةَ كاملةً للهُدى والارتِفاع، لكنَّه يُعرِضُ عن هذا كلِّه فينسلِخُ من آيات الله،
ويتجرَّدُ من الغِطاءِ الواقِي، والدِّرع الحامِي، وينحرِفُ عن الهُدى ليتبَع الهوى،
ويهبِطُ من الأُفُق المُشرِق فيلتصِقُ بالطِّين المُعتِم.
فيُصبِحُ غرضًا للشيطان لا يَقِيه منه واقٍ ولا يحمِيه منه حامٍ،
فيتبَعُه ويلزمُه ويستحوِذُ عليه، ثم إذا هو في هيئة الكلبِ يلهَثُ إن طُورِد،
ويلهَثُ إن لم يُطارَد، يلهَثُ في كل أحوالِه.
عباد الله:
لقد كان الأخيارُ والصالِحون أحرصَ ما يكونون على تفقُّد قلوبِهم وإصلاحِها،
ذلك أن البرَّ والتقوى، والأُنسَ بالله، واللذَّةَ بمُناجاته، والإيمان واليقين،
وكل أنواع الخير لا يُمكن أن تُوجَد إلا في القلوبِ الطاهِرة الزكيَّة،
ولا يُمكن أن تسكُنَ قلبًا مُلوَّثًا بالظُّلُمات والآثام.
لذا كان من دُعاء الخليل إبراهيم - عليه السلام -:
{ وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
[ الشعراء: 87- 89 ].
ومن عدلِ الله: ألا يُضلَّ من أقبلَ إليه واتبَعَ هُداه،
ولا ينتكِسُ العبدُ إلا بسببٍ منه وتقصيرٍ
{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ }
[ التوبة: 115 ].
إن الاستِهانةَ بالذنوبِ والمعاصِي سببٌ رئيسٌ للانتِكاسِ والهلاكِ
{ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ }
[ النور: 15 ]
وفي الحديث:
( إياكُم ومُحقَّرات الذنوب؛ فإنهنَّ يجتمعن على الرَّجُل حتى يُهلِكنَه )
أخرجه الإمام أحمد، والطبراني.
ومن أخطر المهالِك المُؤدِّية للانحِراف والنُّكوص:
ذنوبُ الخلَوات يُذكِيها سهولةُ الوصولِ إلى الحرام، وقد كثُرَت طُرقاتُه، وانتشَرت قنواتُه،
وتوافَرت بين أيدي الناسِ من الوسائلِ ما لا يزجُرُ عن إثمِها إلا خوفُ الله وتقواه.
وقد تُسهَّلُ للإنسان ذنوبُ الخلَوات لاختِبار إيمانِه:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ
لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ }
[ المائدة: 94 ].
إن مزالِقَ الشهوات المُحرَّمة قد تبدأُ بنظرةٍ آثِمةٍ، أو فِكرةٍ طائشة،
ثم لا تلبَثُ أن تستحكِمَ في القلب، فيضعُفُ بها الإيمان، وتهُدُمُ بُنيانَ العلم،
وتُذهِبُ الورعَ، وتصُدُّ عن ذكرِ الله ومحبَّته والأُنس به، وتُورِثُ الوحشةَ من الصالِحين،
والزُّهدَ في الطاعات.
وما أشدَّ مرارةَ الانتِكاس!
{ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ
وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }
[ الحديد: 14 ].
أشدُّ ما يكون من الحسرةِ والبلاءِ أن يُفتَحَ للعبدِ طريقُ النجاة والفلاح،
حتى إذا ظنَّ أنه ناجٍ ورأى منازِل السعداء اقتُطِع دونَهم، وضرِبَت عليه الشِّقوة!
إن على المُسلم أن يسعَى في صلاحِ نفسِه، وصِيانة قلبِه، وأن يحذَرَ خُطوات الشيطان،
فالله مُطَّلِعٌ عليه وناظِر، ومُجازٍ ومُحاسِب، وعليه أن يحرُسَ خواطِرَه؛
فإن كل الفساد يجِيءُ من قِبَل الخواطِر، فهي بذْرُ الشيطان في أرض القلبِ،
يتعاهَدُ الشيطانُ البذْرَ بسقيِه مرَّةً بعد أُخرى، ولا يزالُ بها حتى تُثمِرَ الأعمال.
ولا ريبَ أن دفعَ الخواطِر أيسرُ من دفعِ الإرادات والعزائِم،
فيجِدُ العبدُ نفسَه عاجِزًا أو كالعاجِز عن دفعِها بعد أن صارَت إرادةً جازِمةً،
وهو المُفرِّطُ إذ لم يدفَعها وهي خاطِرٌ ضعيفٌ،
كمن تهاوَنَ بشرارةٍ من نارٍ وقعَت في حطبٍ يابِسٍ، فلما تمكَّنَت منه عجِزَ عن إطفائِها.
أيها المسلمون:
كما يجبُ البُعدُ عن مواطِن الشُّبُهات، ومراتِع الشَّهَوات، وتجنُّب أصحاب الضلالات،
وأمراضُ القلوبِ تُعدِي أشدَّ من أمراضِ الأبدان
{ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ
وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }
[ الأنعام: 68 ].
إن المُتطلِّبَ بصدقٍ صلاحَ قلبِه ليسلُكُ لتحصيلِ ذلك مسالِكَه، ويستصلِحُ قلبَه بما يُطهِّرُه،
ويُجنِّبُه ما يُكدِّرُه، وأعلى المراتِبِ لذلك هو مُراقبةُ الله تعالى وتقواه،
وامتلاءُ القلبِ بمحبَّة الله.
روى الحاكمُ في "مستدركه"، والطبرانيُّ :
عن عبد الله بن عمرو بن العاصِ - رضي الله عنهما :
أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
( إن الإيمانَ ليخْلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يخْلَقُ الثوبُ،
فاسألُوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم )
وفي "صحيح مسلم" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول:
( اللهم آتِ نفسِي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها )
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.
بارَك الله لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ،
أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس