عرض مشاركة واحدة
قديم 18-06-2014, 03:44 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏31‏)‏
‏{‏ ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ‏}‏

يقول تعالى مادحاً للقرآن الذي أنزله على محمد صلى اللّه عليه وسلم ومفضلاً له على سائر الكتب المنزلة قبله‏:‏ ‏{‏ولو أن قرآنا سيرت به الجبال‏}‏ أي لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها، أو تقطع به الأرض وتنشق أو تكلم به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره، أو بطريق الأولى أن يكون كذلك، لما فيه من الإعجاز الذي لا يسطتيع الإنسان والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله ولا بسورة من مثله، ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به جاحدون له، ‏{‏بل للّه الأمر جميعا‏}‏ أي مرجع الأمور كلها إلى اللّه عزَّ وجلَّ ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة لأنه مشتق من الجمع، وفي الحديث الصحيح، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدابته أن تسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يديه‏)‏
"‏أخرجه البخاري وأحمد عن أبي هريرة‏"‏، (1)،
وقوله‏:‏ ‏{‏أفلم ييأس الذين آمنوا‏}‏ أي من إيمان جميع الخلق ويعلموا أو يتبينوا ‏{‏أن لو يشاء اللّه لهدى الناس جميعا‏}‏ فإنه ليس ثمّ حجة ولا معجزة، أبلغ ولا أنجع في العقول والنفوس، من هذا القرآن الذي لو أنزله اللّه عزَّ وجلَّ على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية اللّه، وثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه اللّه إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة‏)‏ معناه أن معجزة كل نبي انقرضت بموته وهذا القرآن حجة باقية على الآباد لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء‏.‏

وروى أن المشركين قالوا لمحمد صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه، فأنزل اللّه هذه الآية‏:‏ ‏{‏ولو أن قرآنا سيرت به الجبال‏}‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم، وبه قال ابن عباس والشعبي وقتادة وغير واحد في سبب نزول هذه الآية‏"‏‏.‏ وقال قتادة‏:‏ لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم، وقوله‏:‏ ‏{‏بل لله الأمر جميعا‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي لا يصنع من ذلك إلا ما شاء ولم يكن ليفعل‏.‏ وقال غير واحد من السلف في قوله‏:‏ ‏{‏أفلم ييأس الذين آمنوا‏}‏ أفلم يعلم الذين آمنوا، وقوله‏:‏ ‏{‏ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم‏}‏ أي بسبب تكذيبهم لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون‏}‏، قال الحسن‏:‏ ‏{‏أو تحل قريبا من دارهم‏}‏‏:‏ أي القارعة، وهذا هو الظاهر من السياق، وقال العوفي عن ابن عباس ‏{‏تصيبهم بما صنعوا قارعة‏}‏ قال‏:‏ عذاب من السماء ينزل عليهم، ‏{‏أو تحل قريبا من دارهم‏}‏ يعني نزول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بهم وقتاله إياهم؛ وقال عكرمة في رواية عنه ‏{‏قارعة‏}‏‏:‏ أي نكبة، ‏{‏حتى يأتي وعد الله‏}‏ يعني فتح مكة، وقال الحسن البصري‏:‏ يوم القيامة، وقوله‏:‏ ‏{‏إن اللّه لا يخلف الميعاد‏}‏ أي لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والآخرة‏:‏
‏{‏فلا تحسبن اللّه مخلف وعده رسله إن اللّه عزيز ذو انتقام‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏32‏)‏
‏{‏ ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب ‏}‏

يقول تعالى مسلياً لرسوله صلى اللّه عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه‏:‏ ‏{‏ولقد استهزئ برسل من قبلك‏}‏ أي فلك فيهم أسوة، ‏{‏فأمليت للذين كفروا‏}‏ أي أنظرتهم وأجلتهم، ‏{‏ثم أخذتهم‏}‏ أخذة رابية فكيف بلغك ما صنعت بهم وكيف كان عقابي لهم‏؟‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير‏}‏‏.‏ وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏إن اللّه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته‏)‏، ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏33‏)‏
{‏ أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت‏}‏ أي حفيظ عليم رقيب على كل نفس منفوسة يعلم ما يعمل العاملون من خير وشر ولا يخفى عليه خافية ‏{‏ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وما تسقط من ورقة إلا يعلمها‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏يعلم السر وأخفى‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وهو معكم أين ما كنتم واللّه بما تعلمون بصير‏}‏، أفمن هو كذلك كالأصنام التي يعبدونها لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل ولا تكشف ضراً عنها ولا عن عابديها‏؟‏ وحذف هذا الجواب اكتفاء بدلالة السياق عليه، وهو قوله‏:‏ ‏{‏وجعلوا للّه شركاء‏}‏ أي عبدوها معه من أصنام وأنداد وأوثان، ‏{‏قل سموهم‏}‏ أي أعلمونا بهم واكشفوا عنهم حتى يعرفوا فإنهم لا حقيقة لهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض‏}‏ أي لا وجود له، لأنه لو كان لها وجود في الأرض لعلمها، لأنه لا تخفى عليه خافية ‏{‏أم بظاهر من القول‏}‏، قال مجاهد‏:‏ بظنٍّ من القول، وقال الضحاك وقتادة‏:‏ بباطل من القول، أي إنما عبدتم هذه الأصنام بظن منكم أنها تنفع وتضر وسميتموها آلهة، ‏{‏إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان‏}‏، ‏{‏بل زين للذين كفروا مكرهم‏}‏ قال مجاهد‏:‏ قولهم أي ما هم عليه من الضلال والدعوة إليه آناء الليل وأطراف النهار، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم‏}‏ الآية، ‏{‏وصدوا عن السبيل‏}‏ أي بما زين لهم من صحة ما هم عليه صدوا به عن سبيل اللّه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ومن يضلل اللّه فما له من هاد‏}‏، كما قال‏:‏ ‏{‏ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئا‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏إن تحرص على هداهم فإن اللّه لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏34 ‏:‏ 35‏)‏
‏{‏ لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق ‏.‏ مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ‏}‏

ذكر تعالى عقاب الكفار وثواب الأبرار، فقال بعد إخباره عن حال المشركين وما هم عليه من الكفر والشرك‏:‏ ‏{‏لهم عذاب في الحياة الدنيا‏}‏ أي بأيدي المؤمنين قتلاً وأسراً، ‏{‏ولعذاب الآخرة‏}‏ أي المدخر مع هذا الخزي في الدنيا ‏{‏أشق‏}‏ أي من هذا بكثير كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للمتلاعنين‏:‏ ‏(‏إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة‏)‏، وهو كما قال صلوات اللّه وسلامه عليه‏:‏ فإن عذاب الدنيا له انقضاء، وذاك دائم أبداً في نار هي بالنسبة إلى هذه سبعون ضعفاً، ووثاق لا يتصور كثافته وشدته، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا * إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا‏}‏ ولهذا قرن هذا بقوله‏:‏ ‏{‏مثل الجنة التي وعد المتقون‏}‏ أي صفتها ونعتها ‏{‏تجري من تحتها الأنهار‏}‏ أي سارحة في أرجائها وجوانبها، وحيث شاء أهلها يفجرونها تفجيراً، أي يصرفونها كيف شاءوا وأين شاءوا، كقوله‏:‏ ‏{‏مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏أكلها دائم وظلها‏}‏ أي فيها الفواكه والمطاعم والمشارب لا انقطاع ولا فناء‏.‏ وفي الصحيحين من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف، وفيه قالوا‏:‏ يا رسول اللّه رأيناك تناولت شيئاً في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت، فقال‏:‏ ‏(‏إني رأيت الجنة - أو أريت الجنة - فتناولت منها عنقوداً، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا‏)‏ وقال الحافظ أبو يعلى، عن جابر قال‏:‏ بينما نحن في صلاة الظهر، إذ تقدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتقدمنا، ثم تناول شيئاً ليأخذه ثم تأخر، فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب‏:‏ يا رسول اللّه صنعت اليوم في الصلاة شيئاً ما رأيناك كنت تصنعه، فقال‏:‏ ‏(‏إني
عرضت عليّ الجنة وما فيها من زهرة والنضرة، فتناولت منها قطفاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه، ولو أتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه‏)‏

وروى الإمام أحمد والنسائي عن زيد بن أرقم قال‏:‏ جاء رجل من أهل الكتاب فقال‏:‏ يا أبا القاسم، تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، والذي نفس محمد بيده إن الرجل منهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة‏)‏، قال‏:‏ إن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة الأذى، قال‏:‏ ‏(‏تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم كريح المسك فيضمر بطنه‏)‏، وعن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال، قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فيخر بين يديك مشوياً‏)‏، وجاء في بعض الأحاديث أنه إذا فرغ منه عاد طائراً كما كان بإذن اللّه تعالى، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا‏}‏، وكذلك ظلها لا يزول ولا يقلص كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا‏}‏‏.‏ وقد تقدم في الصحيحين من غير وجه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن في الجنة شجرة يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها‏)‏ ثم قرأ‏:‏ ‏{‏وظل ممدود‏}‏ وكثيراً ما يقرن اللّه تعالى بين صفة الجنة وصفة النار ليرغب في الجنة ويحذر من النار؛ ولهذا لما ذكر صفة الجنة بما ذكر قال بعده‏:‏ ‏{‏تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار‏}‏، كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، أصحاب الجنة هم الفائزون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏36 ‏:‏ 37‏)‏
‏{‏ والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب ‏.‏ وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏والذين آتيناهم الكتاب‏}‏ وهم قائمون بمقتضاه ‏{‏يفرحون بما أنزل إليك‏}‏ أي من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل آمنوا به أو لا تؤمنوا - إلى قوله - إن كان وعد ربنا لمفعولا‏}‏ أي إن كان ما وعدنا اللّه به في كتبنا من إرسال محمد صلى اللّه عليه وسلم لحقاً وصدقاً مفعولاً لا محالة وكائناً وقوله‏:‏ ‏{‏ومن الأحزاب من ينكر بعضه‏}‏ أي ومن الطوائف من يكذب بعض ما أنزل إليك، وقال مجاهد ‏{‏ومن الأحزاب‏}‏‏:‏ أي اليهود والنصارى ‏{‏من ينكر بعضه‏}‏ أي بعض ما جاءك من الحق، وهذا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه‏}‏ الآية، ‏{‏قل إنما أمرت أن أعبد اللّه ولا أشرك به‏}‏، أي إنما بعثت بعبادة اللّه وحده لا شريك له، كما أرسل الأنبياء من قبلي، ‏{‏إليه أدعو‏}‏ أي إلى سبيله أدعو الناس، ‏{‏وإليه مآب‏}‏ أي مرجعي ومصيري، وقوله‏:‏ ‏{‏وكذلك أنزلناه حكما عربيا‏}‏ أي وكما أرسلنا قبلك المرسلين وأنزلنا عليهم الكتب من السماء، كذلك أنزلنا عليك القرآن محكماً معرباً شرفناك به وفضلناك على من سواك بهذا الكتاب المبين الواضح الجلي، الذي ‏{‏لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولئن اتبعت أهواءهم‏}‏ أي آراءهم ‏{‏بعد ما جاءك من العلم‏}‏ أي من اللّه سبحانه، ‏{‏ما لك من اللّه من ولي ولا واق‏}‏، وهذا وعيد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة بعد ما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية، والمحجة المحمدية على من جاء بها أفضل الصلاة والسلام‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم (38 : 39)
{ ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب . يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب }
يقول تعالى: وكما أرسلناك يا محمد رسولاً بشرياً، كذلك قد بعثنا المرسلين من قبلك بشراً يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويأتون الزوجات، ويولد لهم، وجعلنا لهم أزواجاً وذرية، وقد قال تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي}، وفي الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أما أنا فأصوم وأفطر وأقوم وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) وقوله: {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} أي لم يكن يأتي قومه بخارق، إلا إذا أذن له فيه، ليس ذلك إليه بل إلى اللّه عزّ وجلّ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، {لكل أجل كتاب} أي لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها وكل شيء عنده بمقدار، {ألم تعلم أن اللّه يعلم ما في السموات والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على اللّه يسير}. وكان الضحاك يقول: {لكل أجل كتاب}: أي لكل كتاب أجل، يعني لكل كتاب أنزل من السماء مدة مضروبة عند اللّه ومقدار معين، فلهذا {يمحو اللّه ما يشاء} منها {ويثبت} يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله اللّه على رسوله صلوات اللّه وسلامه عليه، وقوله: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت} اختلف المفسرون في ذلك: فقال الثوري، عن ابن عباس: يدبر أمر السنة، فيمحو اللّه ما يشاء، إلا الشقاء والسعادة والحياة والموت. وفي رواية {يمحو اللّه ويثبت} قال: كل شيء إلا الموت والحياة، والشقاء والسعادة، فإنه قد فرغ منهما وهذا قول مجاهد أيضاً حيث قال: إلا الحياة والموت والشقاوة والسعادة فإنهما لا يتغيران}، وقال منصور: سألت مجاهداً فقلت: أرأيت دعاء أحدنا، يقول: اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم، واجعله في السعداء، فقال: حسن؛ ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر فسألته عن ذلك، فقال: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} الآيتين، قال: يقضى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو معصية، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير، وقال الأعمش عن أبي وائل: إنه كان كثيراً يدعو بهذا الدعاء: اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه، واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب "أخرجه ابن جرير"، وقال ابن جرير، عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت عليَّ شقوة أو ذنباً فامحه، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة. ومعنى هذه الأقوال أن الأقدار ينسخ اللّه ما يشاء منها ويثبت منها ما يشاء، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد، عن ثوبان قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر) "رواه أحمد والنسائي وابن ماجه"وثبت في الصحيح أن صلة الرحم يزيد في العمر، وفي حديث آخر: (إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض) وقال الكلبي: يمحو الرزق ويزيد فيه، ويمحو من الأجل ويزيد فيه، وقال العوفي عن ابن عباس: هو الرجل يعمل بطاعة اللّه، ثم يعود لمعصية اللّه فيموت على ضلالة، فهو الذي يمحو؛ والذي يثبت الرجل يعمل بمعصية وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة اللّه وهو الذي يثبت. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت} يقول: يبدل ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله {وعنده أم الكتاب}، وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ وما يبدل وما يثبت كل ذلك في كتاب، وقال مجاهد: قالت كفار قريش لما نزلت {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله}: ما نرى محمداً يملك شيئاً وقد فرغ من الأمر، فأنزلت هذه الآية تخويفاً ووعيداً لهم: إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا، ونحدث في كل رمضان، فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومصائبهم وما يعطيهم وما يقسم لهم. وقال الحسن البصري {يمحو اللّه ما يشاء ويثبت} قال: من جاء أجله يذهب ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله، وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير رحمه اللّه، وقوله: {وعنده أم الكتاب} قال: الحلال والحرام، وقال قتادة: أي جملة الكتاب وأصله، وقال ابن جريج عن ابن عباس: {وعنده أم الكتاب} قال: الذكر.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس