عرض مشاركة واحدة
قديم 27-04-2014, 04:41 AM   رقم المشاركة : 21
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏88‏)‏
وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ‏}‏
‏{‏وقالوا قلوبنا غلف‏}‏ أي في أكنة‏:‏ وقال ابن عباس‏:‏ أي لا تفقه، وهي القلوب المطبوع عليها، وقال مجاهد‏:‏ عليها غشاوة، وقال السدي‏:‏ عليها غلاف وهو الغطاء فلا تعي ولا تفقه‏.‏‏{‏بل لعنهم اللّه بكفرهم‏}‏ أي طردهم اللّه وأبعدهم من كل خير ‏{‏فقليلاً ما يؤمنون‏}‏ معناه‏:‏ لا يؤمن منهم إلا القليل، وقال عبد الرحمن بن زيد في قوله‏:‏ ‏{‏غلف‏}‏ تقول قلبي في غلاف فلا يخلص إليه مما تقول شيء، وقرأ‏:‏ ‏{‏وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه‏}‏ وهذا الذي رجحه ابن جرير واستشهد بما روي عن حذيفة قال‏:‏ ‏(‏القلوب أربعة‏)‏ فذكر منها‏:‏ ‏(‏وقلبُ أغلف مغضوب عليه وذاك قلب الكافر‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن جرير عن أبي البختري عن حذيفة بن اليمان‏"‏‏)‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون‏}‏ أي ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وقولهم قلوبنا غلف بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً‏}‏وقد اختلفوا في معنى قوله ‏{‏فقليلاً ما يؤمنون‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فلا يؤمنون إلا قليلاً‏}‏ فقال بعضهم‏:‏ فقليل من يؤمن منهم، وقيل‏:‏ فقليل إيمانهم بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب ولكنه إيمان لا ينفعهم لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد صلى اللّه عليه وسلم وقال بعضهم‏:‏ إنما كانوا غير مؤمنين بشيء وإنما قال‏:‏ ‏{‏فقليلاً ما يؤمنون‏}
وهم بالجميع كافرون كما تقول العرب‏:‏ قلَّما رأيت مثل هذا قط نريد ما رأيت مثل هذا قط، واللّه أعلم‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏89‏)‏
ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولما جاءهم‏}
‏ يعني اليهود ‏{‏كتاب من عند الله‏}‏ وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏مصدق لما معهم‏}‏ يعني التوراة، وقوله‏:‏ ‏{‏وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا‏}‏ أي وقد كانوا من قبل مجيء هذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث اللّه رسوله من قريش كفروا به‏.‏ قال الضحاك عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا‏}‏ قال يستنصرون‏:‏ يقولون نحن نعين محمداً عليهم وليسوا كذلك بل يكذبون‏.‏ وقال محمد بن إسحاق عن ابن عباس‏:‏ إن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه اللّه من العرب كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه‏.‏ فقال لهم معاذ بن جبل‏:‏ يا معشر يهود اتقوا اللّه وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنا مبعوث وتصفونه بصفته، فقال سلاّم بن مشكم أخو بني النضير‏:‏ ما جاءنا بشيء نعرفه وما هو بالذي كنا نذكر لكم، فأنزل اللّه في ذلك من قولهم‏:‏ ‏{‏ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم‏}‏ الآية‏.‏ وقال العوفي عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا‏}‏ يقول‏:‏ يستنصرون بخروج محمد صلى اللّه عليه وسلم على مشركي العرب، يعني بذلك أهل الكتاب، فلما بُعث محمد صلى اللّه عليه وسلم - ورأوه من غيرهم - كفروا به وحسدوه‏.‏ قال مجاهد‏:‏ ‏{‏فلعنة اللّه على الكافرين‏}
هم اليهود‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏90‏)‏
بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين ‏}‏
قال السدي‏:‏ ‏{‏بئسما اشتروا به أنفسهم‏}‏ باعوا به أنفسهم، يقول‏:‏ بئسما اتعاضوا لأنفسهم فرضوا به وعدلوا إليه من الكفر بما أنزل اللّه على محمد صلى اللّه عليه وسلم عن تصديقه ومؤازرته ونصرته، وإنما حملهم على ذلك البغيُ والحسدُ والكراهية ل ‏{‏أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده‏}
ولا حسد أعظم من هذا‏.‏ ومعنى باؤا استوجبوا واستحقوا واستقروا بغضب على غضب‏.‏ قال أبو العالية‏:‏ غضب اللّه عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى، ثم غضب اللّه عليهم بكفرهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبالقرآن‏.‏ قال السدي‏:‏ أما الغضب الأول فهو حين غضب عليهم في العجل، وأما الغضب الثاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، وعن ابن عباس مثله‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللكافرين عذاب مهين‏}‏ لما كان كفرهم سببه البغي والحسد ومنشأ ذلك التكبر قوبلوا بالإهانة والصغار في الدنيا والآخرة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين‏}‏ أي صاغرين حقيرين ذليلين‏.‏ وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجناً في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار‏)‏
‏"‏رواه الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً‏"‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏91 ‏:‏ 92‏)‏
وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ‏.‏ ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ‏}‏
يقول تعالى ‏{‏وإذا قيل لهم‏}‏ أي لليهود وأمثالهم من أهل الكتاب ‏{‏آمنوا بما أنزل الله‏}‏ على محمد صلى اللّه عليه وسلم وصدقوه واتبعوه، ‏{‏قالوا نؤمن بما أنزل علينا‏}‏ أي يكفينا الإيمان بما أنزل علينا من التوراة والإنجيل ولا نقر إلا بذلك ‏{‏ويكفرون بما وراءه‏}‏ يعني بما بعده، ‏{‏وهو الحق مصدقا لما معهم‏}‏ أي وهم يعلمون أن ما أنزل على محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏الحق مصدقاً لما معهم‏}‏ من التوراة والإنجيل، فالحجة قائمة عليهم بذلك كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم‏}‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين‏}‏‏؟‏ أي إن كنتم صادقين في دعواكم الإيمان بما أنزل إليكم، فلم قتلتم الأنبياء الذين جاءوكم بتصديق التوراة التي بأيديكم، والحكم بها وعدم نسخها وأنتم تعلمون صدقهم‏؟‏ قتلتموهم بغياً وعناداً واستكباراً على رسل اللّه فلستم تتبعون إلا مجرد الأهواء والآراء والتشهي، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وقريقا تقتلون‏}‏‏.‏ ‏{‏وقال ابن جرير‏:‏ قال يا محمد ليهود بني إسرائيل إذا قلت لهم‏:‏ آمنوا بما أنزل اللّه قالوا نؤمن بما أنزل علينا، لم تقتلون - إن كنتم مؤمنين بما أنزل اللّه - أنبياء اللّه يا معشر اليهود، وقد حرم اللّه في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم، بل أمركم باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم، وذلك من اللّه تكذيب لهم في قولهم‏{‏نؤمن بما أنزل علينا‏}‏ وتعيير لهم‏.‏ ‏{‏ولقد جاءكم موسى بالبينات‏}‏ أي بالآيات الواضحات والدلائل القاطعات على أنه رسول اللّه وأنه لا إله إلا اللّه، والآيات والبينات هي‏:‏ الطوفان، والجراد، والقُمّل، والضفادع، والدم، والعصا، واليد، وفرق البحر، وتظليلهم بالغمام، والمن، والسلوى، والحجر وغير ذلك من الآيات التي شاهدوها ‏{‏ثم اتخذتم العجل‏}‏ أي معبوداً من دون اللّه في زمان موسى وأيامه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏من بعده‏}‏ أي من بعد ما ذهب عنكم إلى الطور لمناجاة اللّه عز وجلّ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار‏}‏، ‏{‏وأنتم ظالمون‏}‏ أي وأنتم ظالمون في هذا الصنيع الذي صنعتموه من عبادتكم العجل، وأنتم تعلمون أنه لا إله إلا اللّه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولما سقط في ايديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين‏}
‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏93‏)‏
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ‏}

يعدد سبحانه وتعالى عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق، وعتوهم وإعراضهم عنه حتى رفع الطور عليهم حتى قبلوه ثم خالفوه‏:‏ ‏{‏ولهذا قالوا سمعنا وعصينا‏}‏ وقد تقدم تفسير ذلك انظر ص 73‏{‏وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم‏}‏ عن قتادة قال‏:‏ أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم‏.‏ وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏حبك الشيْ يعمي ويصم‏)
‏"‏رواه الإمام أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه‏"‏وعن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ عمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد فبرده بها وهو على شاطىء نهر، فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفرّ وجهه مثل الذهب ‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن عليّ كرّم اللّه وجهه‏"‏
وقوله‏:‏ ‏{‏قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين‏}
أي بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه من كفركم بآيات اللّه، ومخالفتكم الأنبياء، ثم كفركم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وهذا أكبر ذنوبكم وأشد الأمرو عليكم، إذ كفرتم بخاتم الرسل وسيد الأنبياء والمرسلين المبعوث إلى الناس أجمعين، فكيف تدّعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة من نقضكم المواثيق، وكفركم بآيات اللّه، وعبادتكم العجل من دون اللّه‏.‏‏؟‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
رقم الآية ‏(‏94 ‏:‏ 96‏)‏
قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ‏.‏ ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ‏.‏ لتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ‏}‏
يقول اللّه تعالى لنبيّه محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين‏}‏ أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمني‏}‏ أي يعلمهم بما عندهم من العلم بل والكفر بذلك ولو تمنوه يوم قال لهم ذلك ما بقي على الأرض يهودي إلا مات‏.‏ وقال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏فتمنوا الموت‏}‏ فسلوا الموت قال ابن عباس‏:‏ ‏(‏لو تمنى يهود الموت لماتوا ولو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم وعبد الرزاق عن عكرمة عن ابن عباس‏"‏وقال ابن جرر‏:‏ وبلغنا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً‏)‏ ونظير هذه الآية قوله تعالى في سورة الجمعة‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين‏}‏ فهم - عليهم لعائن اللّه تعالى - لمّا زعموا أنهم أبناء اللّه وأحباؤه وقالوا‏:‏ ‏{‏لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى‏}‏ دعوا إلى المباهلة والدعاء على أكذب الطائفتين منهم أو من المسلمين، فلما نكلوا عن ذلك علم كل أحد أنهم ظالمون، لانهم لو كانوا جازمين بما هم فيه لكانوا أقدموا على ذلك، فلما تأخروا علم كذبهم‏.‏ وهذا كما دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفد نجران من النصارى بعد قيام الحجة عليهم في المناظرة، وعتوهم وعنادهم إلى المباهلة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا ثم نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين‏}
فلما رأوا ذلك قال بعض القوم لبعض‏:‏ واللّه لئن باهلتم هذا النبي لا يبقى منكم عين تطرف، فعند ذلك جنحوا للسلم وبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون‏.‏
والمعنى إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء اللّه من دون الناس وأنكم أبناء اللّه وأحباؤه، وأنكم من أهل الجنة ومن عداكم من أهل النار، فباهلوا على ذلك وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم، واعلموا أن المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة، فلما تيقنوا ذلك وعرفوا صدقه نكلوا عن المباهلة، لما يعلمون من كذبهم وافترائهم، وكتمانهم الحق من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعته، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويتحققونه، فعلم كل أحد باطلهم وخزيهم وضلالهم وعنادهم، عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة‏.‏ وسميت هذه المباهلة تمنياً لأن كل محق يود لو أهلك اللّه المبطل المناظر له، ولا سيما إذا كان في ذلك حجة له في بيان حقه وظهوره، وكانت المباهلة بالموت لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين * ولتجدنهم أحرص الناس على حياة‏}‏ أي على طول العمر لما يعلمون من مآلهم السيء وعاقبتهم عند اللّه الخاسرة، لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فهم يودون لو تأخروا عن مقام الآخرة بكل ما أمكنهم وما يحاذرون منه واقع بهم لا محالة، حتى وهم أحرص من المشركين الذين لا كتاب لهم، وهذا من باب عطف الخاص على العام، وقال الحسن البصري‏:‏ ‏{‏ولتجدنهم أحرص الناس على حياة‏}‏ المنافق أحرص الناس، وأحرص من المشرك على حياة ‏{‏يود أحدهم‏}‏ أي يود أحد اليهود لو يعمر ألف سنة ‏{‏وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر‏}‏ أي وما هو بمنجيه من العذاب، وذلك أن المشرك لا يرجو بعثاً بعد الموت، فهو يحب طول الحياة، وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه منه ‏{‏والله بصير بما يعملون‏}‏ أي خبير بصير بما يعمل عباده من خير وشر وسيجازي كل عامل بعمله‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس