السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول أحد السعداء وهو إبراهيم بن أدهم : ( لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجادلونا عليه بالسيوف ). وقال بعض العارفين السعداء: (إنه ليمر بالقلب أوقات أقول ، إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب). وإليك أيها القاري الكريم عشرة أسباب أخرى للسعادة:
1 - ذكر الله تعـالى: فذكر الله تعالى من أعظم أسباب السعادة وانشراح الصدر, وهو أسهلها وأيسرها على النفس والبدن. قال تعالى: ﴿ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت ) رواه البخاري ومسلم. وقال مالك بن دينار: ( ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله تعالى). فذكر الله في كل وقت وحين هو حياة القلب وراحة النفس.
2- القرب من الله تعـالى: فبقدر قربك من الله تزداد سعادتك وتطمئن نفسك، فالذي يقبل على الله، ويؤثر مرضاة الله على كل شيء، تنزل عليه نفحات الله، ويتمتع بروح الله، ويستمع بجناب الله وقربه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) . رواه البخاري
3- ومن أسباب السعادة العلــم : فبقدر علمك بالله تزداد خشيتك, فيزداد إيمانك, فتزداد سعادتك وراحة بالك, ولذلك فإن العلماء هم أسعد الناس لأنهم ورثوا ميراث النبوة ألا وهو العلم, فالأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.
فالذي يطلب العلم الشرعي ويتعلم دينه هو من أسعد الناس، لأنه يعيش مع كتاب الله ومع وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾. وقال تعالى: ﴿ قل هو يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ﴾. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة, وغشيتهم الرحمة, وحفتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده) رواه أبو داود.
4- ومن أسباب السعادة الأمن والاستقرار: فبالأمن تستقر الأوضاع، وتسكن النفوس وتطمئن القلوب، ويسعد الإنسان في هذه الحياة، أما مع اختلال الأمن وفساد الأوضاع، ينتشر الخوف والاضطراب, فبالتالي يعيش الناس في تعاسة وشقاء. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ). رواه الترمذي. ولذلك أوجب الإسلام السمع والطاعة لحكام المسلمين، وحرم الخروج عليهم بالسيف أو التشهير بهم في المجالس والمنابر، لما في ذلك من المفاسد العظيمة على الفرد والمجتمع، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: ( أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان) رواه البخاري ومسلم. ولما سئل النبي عليه السلام عن أئمة الجور والظلم أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال ( لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة ). رواه مسلم.
5- تنظيم الأوقات واستغلالها: يعتبر الوقت رأس مال الإنسان، فهو فترة بقائه في هذه الدنيا، لذلك اعتنى الإسلام بالوقت وجعل المؤمن مسئولا عن وقته وسوف يسأل عنه يوم القيامة، لذلك ينبغي عليه أن يستثمر وقته ويعمره بالخير والعمل الصالح. قال الله تعالى: ﴿ يا أيها الذين أمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون . وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ﴾. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ).
6- التوكل على الله وحده: فبقدر توكلك تزداد سعادتك، قال تعالى: ﴿ ومن يتوكل على الله فهو حسبه ﴾. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لو توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا). رواه أحمد والترمذي.
7- مصاحبة الأخيار، ومجانبة الأشرار: فمن السعادة أن يوفقك الله لرفقة صالحة تعينك على الخير وترشدك إلى البر وتمنعك عن الشر، ولقد أصبحت هذه الصداقات وللأسف الشديد كالعملة النادرة في هذا الزمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، وقال عليه الصلاة والسلام: ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة ). رواه البخاري ومسلم.
8- القناعة والرضا بما قسم الله، والتعفف عما في أيدي الخلق: فالقناعة الاكتفاء بما تحتاجه، وحقيقتها ترك التشوف إلى المفقود والاستغناء بالموجود. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ) رواه البخاري ومسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: ( ازهد في الدنيا يحبك الله و ازهد فيما عند الناس يحبك الناس). رواه ابن ماجه.
9- ومن أسباب السعادة أمور إذا وجدت تسبب راحة القلب وسروره وزوال همومه وغمومه. وقد وردت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أربع من السعادة: المرأة الصالحة والسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء الجار السوء والمرأة السوء والمركب السوء والمسكن الضيق). رواه ابن حبان.
10- وأخيرا أقول إن السعادة الحقيقية والراحة السرمدية هي في دخول الجنة والبعد عن النار: قال تعالى: ﴿ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز﴾. فالجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فدخولها هو السعادة الأبدية. قال تعالى: ﴿ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السماوات والأرض﴾. وتكتمل السعادة عندما تسمع النداء من الله : ( يا عبادي هل رضيتم ؟ فيقولون : وكيف لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك ، فيكشف الحجاب عن وجهه ، فما أُعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى الله تعالى). رواه البخاري ومسلم.
فأعظم السعادة وأعلاها، التمتع بالنظر إلى وجه الله جل وعلا, قال تعالى: ﴿ وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ﴾. فمن دخل الجنة فسوف يرى الله ربه الذي جلت عظمته، وتعالت قدرته، ربنا الذين عبدناه في هذه الدنيا ولم نره، سنراه بأم أعيننا في الجنة بإذن الله ورحمته.
فنسأل الله أن يرزقنا السعادة والجنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ً .
اختكمـ
السعـــادة الحقيقية
العرض العادي
