وانكشف السـّر
قصـة قصيرة :
أسـتغرقت في القراءة قبل أن يحضُر فهـي جريدتي المفضلة كـل يـوم ..
أحســست بيـد تربت على كتفي بشــدة
هـأنـذا .. أحمد , أحضرت لك علبـة ببسي !
أهلا ..
تفضـل .. اجلس
جلس في الكرسي المقابل وراح يحـدثني وأنا مشغول عـنه في القراءة
ولمّا لم يـجد مني إستجابـه .. قال :
مابالك .؟
ـ ولا شيء هـل أحضرت .. اللبيبسي ..
اللبيبسي أمامك على الطاولـه .. مـد يـدك .. ثم ضحك وأردف لم تـكمل حكاية
أخوك محمـد مع مروور المطار .. ؟
نـحيت الجريدة جانبا .. ثم شرعت في استكمال قـُصـة ابتدأتها , قبل العشَـاء عن أخي محمد
كانت بضاعة أخي محمد الـذي أحب النشاط والإستيقاظ المبكر كل يوم متمثلـه في مرحـه
وسرعة بديهته وملاحة طرفته ..وقوة بنيته الجسميـة .
وغير ذلك لا يمـلك شيء من أسباب التجارة ..
فقـد كان يعـطينا ! ويبيع لأولاد الحارة أقلام ودفاتر وحلاويات ومكسرات ومفرقعات ,
وكانت صداقته تملأ الحارة طولا وعرضا ..
لكننا قليلا ما نرى وجهـه خاليا من الكدمات تحت عينيه الواسعتين وزرقـة داكـنه قد
علت وجنتـه . مرّة سنوات .. ودخلنا المدرسة .
فكان من الضروري أن يغيّـر أخي محمد من مصادر تجارته وأن يبحث عن طريقة
جديدة ليصرف علينا , ولئلا تبــور تجارتـه ..
بـدأ .. يـعمل بشـكل أكثر جديّـه مع بقاء روح الدعابة في حياته ..
لـكنه كان لا يطلع أحداً من المحيطين بـه عن طبيعة تجارته الجديدة ..
وما عاد نـرى الـكدمات التي تحت عينيه الواسعتين . فغـدت صفحـة وجهه صافيـه
كالبـدر في التمام ..
بـدأ .. محمد يشارك في مسئولية البيت بشكـل أكثر وغير مباشر دون أن يعلم جدًّي..
وكان يـوفـر لنا حاجاتنا من الغذاء والكساء وما نحتاج إلية من كماليات ..
آه .. نسيت أن أقول لك .. يا أحمـد ..
إن جـديّ كانت سيارته .. وانيت غمارتين .. قـد ورثها عـن أبي .. وهـي سيارته التي
يعتمد عليها مـنذ سنوات .. وكانت تبدو لنا جديدة في كل مرّه نراها . ولا نحس بتغيير ٍ
فيهاا . وما تزيدها الأيام إلاّ جمالاً ولمعاناً أو هـكذا نتصور ونتخيل ..!
تـحسنت أحوال أخي محمد شيئاً فشـيئاً , فكنا نراه يـرتدي ثيابا نظيـفة .. ويأخذنا كل شهر
إلي الخياط ليحيـك لنا ثيابا جديدة , فلم تعـد الكهرباء تنفصـل علينا مثل قبل , ولم نرَ
صاحب المنزل يطرق علينا الباب كعادته طلباً للإيجار ،
فصار يأتينا بحلـوى ومكســرات وأقلام أنيقة ليست مثل التي كان يبيعها لأولاد الجيران
والحارة في أيام زمان .. والحقيقة أنه ما كان يبخل عليّ بشيء , فقـد كان ينقـدني مـن آن لآخر
مبلغاً مجـزياً من المال ...
فكانت تمتلكــني الحيــرة ..؟ وأتساءل .. ؟ مع نفسي .. من أين يأتي أخي محمد بـهذه النقود ؟
ـ لا .. لا .. أستغفر الله .. أخي وأنا أعرفـه .. لا يمـكن أن يسـرق ! هـو مرح حقاً ..لكـنه
لا يفعل ما يغضب الله ..
ولـمّا أعياني التساؤل مع نفسي .. فكرت أن استطلع أخبار أمره من بعض الأصدقاء
بيني وبينهم .. بعد طول استفسار وبحث علمـت أن أخي محمد يـذهب بسيارة جـدّي
إلي المطار كل صباح بعد فلق الصبح .. ويأتي ببعض القادمين مـن المطار يـوصلـهم
إلي المـدينة ببـضع ريالات أوأكثر قليلا ..
ولـكن سؤالاً آخر أخـذ يلـح علـّي ؟... كيف لأخي محمد أن يفلت من رجال مرور المطار
المتواجدون في المطار بـكثرة ؟ دون أن يلقوا القبض عليـه ويـودعونه السـجن ؟
هـنا .. فـكرتُ كثيراً ..فلو كان الأمر بـهذه الســهوله لما أحجم أحد عن طلب الكرّوة
من القادمين إلي المطار . ولفعلوا مثل مافعل أخي محمـد ..!
ولـكن كيف يــخرج بالرًّكاب دون القبض عليـه ؟ أيـكون قـد عاد أخي محمد للعنتريات
من جديد ؟ مثل أيام زمان .. ! لو كان فعل لما صمد أمام رجال مرور المطار مرّة
واحده .. أو مرتين على الأكثر .. إذاً هنـاك ســِـرّ ؟
أخـذت أفـكر أنا والأصـدقاء من جديـد في أمـر أخي محمـد ..
فـتوصلنا إلي أن نطلب منـه أن يصـحبنا معـه إلي المطار التي يجلب منها الركاّب ,
المهـم أن نصل إلي الحقيقـة ..
طلبنا مـنه المرافقـه . فرحب كثيراً على غير توقعنا .. وعنـدما وصلنا المطار طلب منّا النزول
وأن لا نبـرح مكاننـا حـتى يرجع لنا ,
وأخـذنا نـهمس لبعضنا البعض .. أخاف عـمل فينا مقلب .. هـي عادة مستأصله فيـه ..!
ـ رجال مرور المطار يطالعـون بعيــون كلها شــرر .....
نـحن على مقربـه من رجال مرور المطار عيــونهم كلهاا يقــظه ..
ـ هــذا هــو محــمد قــد أقبل ..
ثـم ألقـاء التحيــة على رجال المرور ,, يمشــي بكل ثقـة , كأنه واحـد من العاملين في المطار
أو أحد الموظفين في شــركة تأجير السيارات المـزدحمة والمتراصـه خلف بعضها أمام
المطار , أســرعت لألحق بـه , فـرحْتُ كثيراً لأناقـة مظـهره , ملبســه كرفتـه وقميص وبنطال
رشـقني .. بنظـره جمــدتني مكاني ..
قال :
تظاهر بأنك لا تعرفنــي .. رجال المرور , ينــظرون .......!
تقـدمنا خلـفه بخـطوات .. حتـى دخل صالة القـدوم خرج ومعـه أثنان يتقـدمهم إلي مواقف
السيارات . ألقاء التحية على رجال المرور مرةً أُخـرى .. مرّ كأنه واحد من العاملين في المطار ,
ملبسـه كله أناقة .. كانت أعيننا تتبـعه حتى نــزل مع الـدرج المؤدي إلي مواقف السيارات
.. حثثنا الخطى ولحقنا به , وعـندما وصلنا سمعنا فحـوى كلامهـم , أحد الركاب يقول :
خلاص .. خلاص .. اتفقنا مـائـة ريال حقــك ..!
التفتَ إلينا وقال بلهـجة آمرة .. أنتــم أبقـوا هــنا .. بالكثير ربع ساعـة وأرجع لكم .
توقفنا , أنا وأصدقائـي .. فهـمســنا لبعضنا .. السـّـر .. وعرفناه ..!
أطلنا النظـر في القادمين من المسافرين ووجدناهم خارج صالة القـدوم بكـثرة .. على غير
ماكنّـا نتـوقعّ من قبــــل ..!
أقبـل علينا . أحــدهم .. ممـكن سيارة علـى وجـه الســرعه لإيصالي .. ولو بمائـة ريال ..
التـفتُ .. فإذا أخي محـمد قـد وصـل .. للتو .. قال له أتبعــني ..!
وأنتـم لا تبرحوا مكانـكم كلها ربع ساعه بالكثير وأرجع ..
تـملكتنا الـدهشــه ..! في نصف ساعــه مائتين ريال .. اللهم زد وبارك ..!
ـ وفي أحـدى المـرّات بينـما محـمد خارجاً من صالة القـدوم كعادتـه يســير معـه
أحد الركاب ... أستـوقفـه رجل مرور المطار وقال :
ـ لماذا تأتي إلي هـنا كل يــوم ؟
أتأمل الجمال والطيران .
ـ كل يـوم ؟
ابـداً بين فيـنة وأخرى
ـ لـقد تجاوزت حـدك أكثر من اللازم , وعلـيّ أن أعرف حقيقتك. من أنت ؟
ما ذا حـدث ياسيـدي .
ـ أسـمع أنا لـن اتركك حتـى أعلم حقيقة أمرك .؟
أي حقيـقة .. سيـدي ..
فلـم يســتطع رجل المرور اسـتثارة محمـد للـوصول إلي حقيقـة أمـره ..
وفي النهايـة طلب منـه رجل المرور أن يخبــره بالحقيقه وسيكون ذلك
عـهداً بينهـما أن يتركـه .. لكـنه في المقابل يريـد معرفـة تواجـده كل يوم
في المـطار ..؟
وعـندما أحس محمد بصـدق رجل المرور قال له :
كل يوم اتوجـه إلي هنـا بسيارة جـدّي الوانيت طالباً رزقي أنا وأخواني
ثـم أدخل صالة القـدوم وأقوم بالتفاوض مع المسافرين لإيصالهم إلى وسط
المـدينة أو ضواحيها .. وأمرُ من هنا أمامكـم بـهذا اللباس الأنيق كأنني أحد
موظفين المطار .. !
ـ أنفجـر رجل المرور من الضحـك حـتى اغرورقت عيناه من الدمع ..,
قال محـمد أرجو أن يـكون ذلك سـراً بيننا .. وأن توُفي بوعـدك ..!
قال رجل المرور من بين قهقهاته .. أخـذ راحتـك .. الرازق في السماء والحاسد في الأرض ..
ـ ضـحـكت وضحك أحمــد ,, ثم نهـضت من مكاني لأعـد أبريق من الشاي ونـكمل سهـرتنا .
وـم ـيض البرق ..
أرج ـو نقـد القصـة من حيث استهلالها ... ونهايتها ... هـي بدايـة لـي فأنا يهمني
رايـكم ونقـدكم ..