ليست الصراحة يوما عيبا ، مع أن غالبية المجتمع تتعامل مع الصريح على أنه إنسان أقرب ما يكون للسذاجة ، وأن الماكر هو ذلك الإنسان الذكي الفطن القوي صاحب الصفات المثالية ، ولو كان على باطل ، ويظل الجميع إما يتحاشونه خوفا من أذاه أو يتقربون منه كسبا لوده ، ومستنصرا لهم عند الحاجة ، إذن من يغير تفكير المجتمع الذي جعله يفكر ذلك التفكير ، وكيف رضي الناس بذلك مع علمهم اليقيني بأنه أمر سيء ؟
إن سكوت الناس وتخاذلهم عن نصرة الصريح أظنه هو سبب رئيس ، بل وأحيانا وللأسف يتندرون به ، ويضحكون الآخرين عليه ، ولا ما نع أن يكون موجودا ، حتى يكون الكلام عليه دليلا .
كما أن الناس يجب أن يهبوا في وجه ذلك الذي يحاول الصعود على اكتاف غيره ، مدعيا طول قامته ، والأمر في حقيقته عجز عن ترائي الناس له ، ولم يستطع إبراز نفسه إلا عن بواسطة طريق لا حق له فيه .
الحياة في ظل وجود الصراحة جميلة ، وما يكدرها هو عكسها ، وعكسها من فعل البشر ، الذين هم بأنفسهم يفسدون تلك الحياة الجميلة بتلك التصرفات ، بكل اتجاهاتها ، الأخلاقية والفكرية والاجتماعية والتنظيمية وغير ذلك ، بل تراهم يحاولون أن يجدوا لها تبريرا ، وادعاء أن القوي يأكل الضعيف ، وأن الحياة عراك مستمر ، وأن أطول الناس لسانا ويدا أكثرهم نجاحا ، وذلك لمن كان في قلبه مرض ، كما أنه مناسب وصحيح لمن يكون مادي المذهب ، ولكننا وللأسف مسلمون مذهبا بمبادئء مادية ، وهذا فيه تنقيص لشخصية الإنسان ، فهو إما أن يكون مسلما صرفا ، يؤمن بكل القيم والأخلاق التي حث عليها الإسلام قولا وفعلا واعتقادا ، أو ماديا صرفا يؤمن بالأمور المادية فقط ، ويعمل كل ما يوافقها ، قولا وفعلا واعتقادا ، إذن فنحن البشر السبب في ذلك كله ، وذلك إفساد في الأرض لم تعمل به الحيوانات ، لنجد من كرمهم الله بالعقل هم الذين يفسدون .
قال تعالى في سورة محمد ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) )