المشهد: حجرة صغيرة..طاولة طعام في الوسط..صورة معلقة على الحائط..غبارٌ قد ملأ الأرجاء..طفلة صامتة تنظر إلى الصورة كالجماد..امرأةٌ كبيرة عند طرف الموقد تطبخ بعض الطعام..أصوات رياحٍ تأتي عبر نافذةٍ صغيرة قد تركت مفتوحةً بإهمال.
حديثٌ دار في عقل المرأة الكبيرة:
لقد مضى عامٌ كامل منذ وفاة زوجي..وابنتي لا تكاد عينيها تفارق صورته ليل نهار..ماذا عساي إن أفعل بها..إنني قلقة بشأنها..يا إلهي ساعدني..
الأم بصوتٍ مرتفع نسبياً: أمل..لقد جهز الطعام هيا تعالي لقد أعددت الأكلة المفضلة لديكي..
ومددت الأم يديها في حنان
أمل تلتفت ببطء..تمشي بخطواتٍ صغيرة متثاقلة نحو الصورة..تحاول جاهدةً أن تصل إليها..تمد يدها..أخيراً وصلت، انتزعت الصورة من مكانها ثم نظرت إليها وتفجرت كل المعاني خلف نظراتها
أخذت الصورة وذهبت إلى الطاولة ثم وضعت الصورة في مكان جلوس والدها المرحوم وجلست بجانبها كما اعتادت أن تجلس مع والدها..
الأم تنظر إلى ابنتها وأخذت تحاول أن تكتم عبراتها ولكن سالت دمعة صامتة قد تمردت على هذا الإصرار فأخذت تنحدر بصدق
أمل تنظر إلى أمها نظرةً طويلة..ثم تحرك يدها الصغيرة نحو وجه أمها وتمسح تلك الدمعة المنحدرة
الأم تنظر نظرات استغرابٍ وتعجب..تمسك بيد ابنتها بيدٍ مرتجفة وهي تقول:حبيبتي قلبي ابتسمي من أجلي
أرجوكِ لقد مات أبوكِ والكل يشهد له بالخير فعلى ماذا الحزن..نحن مؤمنون يا صغيرتي ..والله قد أختاره من بيننا..أنحزن على أمرٍ قد قضاه الله!!..
الأم تبتسم في وجه ابنتها وهي تداعب شعرها البنيّ بحنان..وأخذت تقول لها:
هيا..هيا ابتسمي يا جميلتي
أمل تنكس رأسها في حزن تسقط دمعة حارة بين قدميها الصغيرتين
تلتفت إلى الصورة ببطء تنظر إليها ملياً
ومن ثم قالت وهي تنظر إلى الصورة بعينٍ دامعة
و بصوتٍ منخفض لا يكاد يُسمع
ولكن
لماذا لم تقل لي وداعاً؟؟؟؟
ويلف الصمت ذلك المكان وتلك الحجرة
إلا من صوت تلك الريح عبر تلك النافذة المليئة بالغبار
لو علمنا بالمنايا لكن من السهل علينا وداع الأحبه
فـ..رحيل قبل الوداع
يدمي الجراح ويزيد الأوجاع
لقد طاب لي البقاء هنا حتى أنني عشت الوداع قبل المنية متى تأتي ؟؟