السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من حقوق الإنسان في دولة الاسلام (1)
لقد كفل الإسلام للإنسان حقوقا عدة وأوجب على ولاة الأمر السعي إلى تحقيقها والمحافظة عليها ولم يكفل دين أو دستور أو قانون آخر ما كفله الإسلام للإنسان من حقوق وواجبات على نحو يحقق العدل دون تمييز بين لون أو جنس أو لغة وسأستعرض في هذا المقال حقين من الحقوق هما : الحرية والمساواة .
الحق الأول - الحرية :
أعطى الإسلام للإنسان حرية الاختيار في أعظم الأمور وأخطرها في حياته وهو اختيار الدين واعتناقه فقال جل وعلا " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "( الكهف : 29 ) وقال تعالى "لا إكراه في الدين "( البقرة : 256 ) فهذه الآيات ونحوها تؤصل لحرية العقيدة وحرمة الإكراه على اعتناق الدين وفي ذلك تقول أختي الفاضلة الأستاذة الدكتور عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) رحمها الله تعالى : فالحق أن الإسلام في إقراره لحرية التدين يفرضها على المؤمنين به تكليفا ويلزمهم بها تجاه غيرهم دينا وعقيدة وسلوكا لا لمجرد التسامح أو المجاملة والمسالة .
وهو يبدأ أول ما يبدأ فيأخذ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بهذا المبدأ اتقاء لما قد يدفعه الإيمان من أخذ الناس قسرا بالدين الحق وهو ما يأباه الإسلام نصا وروحا إلزاما للإنسان بحمل الأمانة ولأن العقيدة لا تكون عقيدة حتى تصدر عن اعتقاد والإيمان لا يكون إيمانا حتى ينبع من القلب والضمير عن رضى خالص وطمأنينة صادقة .
ولا خير في كلمة ينطق بها اللسان زورا ويكفر بها القلب فذلك هو النفاق الذي يعده الإسلام شرا من الكفر الصريح .
وإذا كان الإسلام أقر حرية الاعتقاد فإنه قد أقر ما دونها من باب أولى ومن ذلك حرية التعبير عن الرأي الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم عليه وأخذ به العهد والميثاق ففي حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ " بايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ " .( متفق عليه )
وقد فتح الإسلام باب التعبير عن الرأي من خلال طرق عديدة منها : الاعتراض على الحاكم ومناقشته ومنها المشورة ومنها الاجتهاد في الأحكام الشرعية ونحوها ولم يترك الإسلام حرية التعبير عن الرأي مطلقة - حتى لا يؤذي الإنسان غيره أو ينشر الفساد في الأرض بحجة أنه يمارس حقه المشروع – وإنما قيدها بألا تخالف نصا أو إجماعا وألا تلحق أذى أو ضررا بأحد .
الحق الثاني - المساواة :
لقد أتى الإسلام ليقضي على مظاهر التفرقة بين الناس والتمييز العنصري بشتى أشكاله وصوره في نداء موجه إلى البشرية جمعاء من رب العباد في قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " (الحجرات : 13 ) وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الناس في الإسلام سواسية لا تمييز بينهم إلا بالتقوى فقال صلى الله عليه وسلم :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى "(أخرجه البيهقي والطبراني )
كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عواقب عدم تحقيق المساواة بين افراد المجتمع فعن عائشة رضي الله عنها : " أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ( متفق عليه)
وعن النّعمان بن بشير- رضي الله عنهما- «أنّ أمّه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة، ثمّ بدا له، فقالت: لا أرضى حتّى تشهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما وهبت لابني فأخذ أبي بيدي. وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله إنّ أمّ هذا، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الّذي وهبت لابنها. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا بشير ألك ولد سوى هذا؟» قال: نعم. فقال: «أكلّهم وهبت له مثل هذا؟ «قال: لا. قال «فلا تشهدني إذا، فإنّي لا أشهد على جور» ( مسلم)
والمساواة في الاسلام تشمل المسلم وغير المسلم يقول صلى الله عليه وسلم :«من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ( ابوداود والبيهقي)
عن أنس رضي الله عنه (أن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم. قال: عذتَ معَاذاً. قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عمرو - رضي الله عنهما- يأمره بالقدوم ويقدم بابنه معه. فقدم فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط واضربه. فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب والله لقد ضربه ونحن نحب ضربه؛ فلما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال للمصري: ضَعْ على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إِنّما ابنه الذي ضربني وقد استَقَدْت منه. فقال عمر لعمرو؛ مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني)
المصدر : صيد الفوائد