سلام عليك .. سأستغفر لك ربي
يلازم الرفق الداعية إلى الله في مختلف أحواله , في الغضب والرضا ,
في السعادة والحزن وحتى في وقت الآلام والمضار متمثلا
حال الحبيب صلى الله عليه وسلم ..
فيوم تشتد به الخطوب ويدميه قومه يدعو لهم :
( اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون )
ويوم يطلب منه البعض أن يدعو على من آذاه فإذا به يقول :
( إني لم أبعث لعانا )
أخرجه مسلم , فغلبت رحمته غضبه , وغلب رفقه شدته .
أدرك أن اللفظ القاسي ورد الفعل القاسي , وصاحب القلب القاسي
إنما هو سبب نفور الناس وتحاشيهم القرب منه والتفاعل معه .
والمتأمل في القرآن يجد أنه قد رفع مقام الرفق وعظم فضله وأمر به ،
بل قد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
{ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ }
كما حثَّ على اعتبار الرفق سلوكا قيميا في عمل الداعية وتصرفاته مع الناس ,
واعتبره مبدأ رفيعا من مبادىء الدعوة الإسلامية ,
وركناً وأساساً مهماً يقوم عليه العمل الرسالي للفكر والعقيدة الإسلامية ,
فقد قالت الآيات الكريمة :
{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
أي ألِن لهم جانبك وارفق بهم ، تواضع للمؤمنين لكي يتبعك الناس في دينك
وهي دعوة إلى لطف الرعاية وحسن المعاملة ورقّة الجانب في صورة محسوسة .
تقول الآيات أيضا
{ واصبِر على مَا يقُولُونَ واهجُرهُم هَجراً جَمِيلاً }
والهجر الجميل : أن لا تتعرّض لخصمك بشيء ، وإن تعرّض لك تجاهلت ,
فقد أمره بالصبر على ما يسمعه من الأقوال البذيئة من خصومه ،
صبراً لا عتاب فيه على أحد ، ولا تكبر ، أو دفاع عن الذات ،
بل تركهم إلى الله مع الهجر الجميل الذي لا يترك في نفوسهم أذى يحول بينهم وبينه مستقبلاً
فلا يُقبلوا عليه ولا يسمعوا هديه ، بل كان هجراً جميلاً لم يقطع خيوط المودة
ولم يهدم جسور التواصل .
ويقول الله تعالى :
{ وَلا تَستَوي الحَسنَةُ وَلا السّيّئةُ ادفَعْ بالَّتي هِي أحسَنُ
فإذا الذِي بَينَكَ وَبينَهُ عَداوةٌ كأنَّهُ وَليٌ حَمِيمٌ }
فالآيات تأمر باعتماد منهجية الرفق مع الأعداء إلى الحد الذي يجعل الفرد الواحد
أمام اعداء دعوته ( كَأنهُ وَليٌّ حَميمٌ ) فيستقطب مجامع قلوبهم إليه
حتى تصير أذان مصغية لهديه وإرشاده فيستنقذها مما هي فيه .
كما بينت الآيات أن الرفق هو سمت الأنبياء ،
فإن الله تعالى لما أرسل موسى محمد إلى فرعون الطاغية قال
{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }
[طه:43-44
وتصل الآيات الكريمات إلى منتهى الرفق واللين في حال إبراهيم عليه السلام ،
حين دعا أباه إلى الإسلام فقال :
{ يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا }
فردّ إبراهيم عليه السلام بكل رفق و لين قائلاً :
{ قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) }