السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ...
لقد كان في قصصهم عبرة
جالسوا أهل البدع فكانت النتيجة أن وقعوا في الزيع والعياذ بالله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . و بعد ،،،
قال الشيخ خالد الظفيري وفقه الله
في كتابه ( إجماع العلماء على الهجر والتحذير من أهل الأهواء(
" (5) قول الإمام أحمد بن حنبل.( ت: 241 هـ(
قال ابن بطة – رحمه الله تعالى -: " حدثني أبو صالح محمد بن أحمد،
قال: حدثنا أبو الحسن على بن عيسى بن الوليد العكبري،
قال: حدثني أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل،
قال: كتب رجل إلى أبي عبد الله – رحمه الله – كتاباً
يستأذن فيه أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع،
وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ويحتج عليهم،
فكتب إليه أبو عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحـذور، الذي كنا نسمع،
وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم، أنهم يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ،
وإنما الأمور بالتسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله
لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم،
فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون.
فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم.
فليتق الله امرؤ، وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من عمل صالح يقدمـه لنفسه،
ولا يكن ممن يحدث أمراً، فإذا هو خرج منه أراد الحجة، فيحمل نفسه على المحال فيه،
وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل، ليزين به بدعته وما أحدث،
وأشد مـن ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه فهو يريد أن يزين بالحق والباطل،
وإن وضح له الحق في غيره. ونسأل الله التوفيق لنا ولك والسلام عليك "
[ مسائل الإمام أحمد لابنه صالح (2/166-167)،
والإبانة لابن بطة (2/472. ]
وقال الإمام أحمد -أيضاً-
( عليكم بالسنَّة والحديث وما ينفعكم الله به وإياكم والخوض والجدال والمراء؛
فإنّه لا يفلح من أحب الكلام
وكل من أحدث كلاماً لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة؛ لأن الكلام لا يدعو إلى خير،
ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال،
وعليكم بالسنن والآثار والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء،
أدركنا الناس ولا يعرفون هذا ويجانبون أهل الكلام،
وعاقبة الكلام لا تؤول إلى خير أعاذنا الله وإياكم من الفتن وسلمنا وإياكم من كل هلكة ))
[ الإبانة (2/539[(.
وقال -رحمه الله-
( تجنبوا أصحاب الجدال والكلام، عليكم بالسنن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم؛ فإنّهم كانوا يكرهون الكلام والخوض في أهل البدع والجلوس معهم، وإنما السلامة في ترك هذا، لم نؤمر بالجدال والخصومات مع أهل الضلالة؛ فإنَّه سلامة له منه ))
[ الإبانة (2/539[(
وقال ابن أبي يعلى -رحمه الله-:
((لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة))
[ كتاب التمام (2/259[( .
قلت: فبـين – رحمه الله – أن مذهـب أهل العلم ممن سمع عنهم أو أدركهم: هو هجران أهل البدع،
وبين ما تؤدي إليه مخالطة أهل البدع من نتائج وخيمة، ولو كانت مخالطتهم للرد عليهم،
فإنّ المرء لا يَأمَن على نفسه الفتنة.
ومخالطتهم هلاك بيّن وسمّ قاتل،
قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان أقسام الناس من حيث المخالطة [بدائع الفوائد ( 2 / 275
" القسم الرابع:
من مخالطته الهلاك كله، ومخالطته بمنـزلة أكل السّم، فإن اتفق لآكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء،
وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثّرهم الله: وهم أهل البدع والضلالة
الصّادون عن سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
الداعون إلى خلافها الذين يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً،
فيجعلون السنّة بدعة والبدعة سنّة، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً …
فالحزم كل الحزم التماس مرضات الله تعالى ورسوله بإغضابهم
وأن لا تشتغل بأعتابهم ولا باستعتابهم ولا تبالي بذمهم ولا بغضهم فإنّه عين كمالك ".
وفي قول الإمام أحمد – رحمه الله - أبلغ ردّ على من خالط أهل البدع بحجة إصلاحهم والإنكار عليهم،
ويوضح ذلك - أيضاً – الإمام ابن بطة
حيث قال بعد أن نقل بسنده
حديـث النبي – صلى الله عليه وسلم -:
( من سمع منكم بخروج الدجال فلينأ عنه ما استطاع؛
فإن الرجل يأتيه وهـو يحسب أنه مؤمن
فما يـزال به حتى يتبعه لما يرى من الشبهات ).
قال – رحمه الله -:
" هذا قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق،
فالله، الله معشر المسلمين لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه،
على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء،
فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه،
فإنهم أشد فتنة من الدجال وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب.
ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم،
فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة،
وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم. "
[ الإبانة لابن بطة ( 2/470 )] اهـ نقل المراد .
قلت - أبو عمران - : تأمل فيما حكاه الإمام ابن بطة رحمه الله عن الذين كانوا على الجادة
كيف أنهم فُتنوا وانتكسوا - والعياذ بالله - بسبب مخالطتهم لأهل البدع للإنكار والرد عليهم ،
حتى تُدرك خطر مجالستهم ومناظرتهم .
فالمخالط لأهل البدع لا يأمن من الوقوع في بدعتهم ،
لذلك تكاثرت أقوال السلف في التحذير من هذا الأمر الخطير :
فَعَن أبي قلابة قال:
( لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛
فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون ) .
[ سنن الدارمي (1/120)،شرح السنة للالكائي (1/134)،
والسنة لعبدالله بن أحمد (1/137)،والإبانة لابن بطة( 2/435[(
وعـن عمرو بن قيس الملائي قال:
( لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك ).
[الإبانة 2/436
وقال إسماعيل بن عبيد الله:
( لا تجالس ذا بدعة فيمرض قلبك، ولا تجالس مفتوناً فإنه ملقّن حجته ) .
[ الإبانة 2/443
وقال رجلاً لابن سيرين: إن فلاناً يريد أن يأتيك ولا يتكلم بشيء.
قال: ( قل لفلان: لا، ما يأتي، فإن قلب ابن آدم ضعيف،
وإني أخاف أن أسمع من كلمة فلا يرجع قلبي إلى ما كان ).
[ الإبانة 2/446
) وإذا كان كبار السلف من أمثال أيوب السختياني ، وابن سيرين، ومجاهد، وغيرهم،
لا يطيقون أن يسمعوا كلمة أو نصف كلمة من أهل الباطل، ولا يسمحون لك أن تناظر أهل البدع؛
لأن المناظرة تجرك إلى الوقوع في الفتنة، فهم أهل خبرة، وأهل ذكاء، وأهل نصح ... ) اهـ
[ الموقف الصحيح من أهل البدع[ .
يا أخي عليك بحفظ رأس المال ، وإياك والغرور والثقة بالنفس ، واعْتَبر بقصص من سبق ،
و لا تكن درساً لغيرك ، فالسعيد من وُعِظ بغيره .
اسمع لقول الإمام الآجري رحمه الله :
" ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا، وهو كتـاب الشريعة،
أن يهجـر جميع أهل الأهواء من الخوارج، والقدرية، والمرجئة، والجهمية،
وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب،
وكل من نسبه أئمـة المسلمين أنه مبتـدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك،
فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس، ولا يصلى خلفه، ولا يزوج،
ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه، ولا يعامله، ولا يناظره، ولا يجادله،
بل يُذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك.
فإن قال: فلم لا أناظره، وأجادله، وأرد عليه قوله؟
قيل له: لا يُؤمَن عليك أن تناظره، وتسمع منه كلاماً يفسد عليك قلبك،
ويخدعك بباطله الذي زيّن له الشيطان فتهلك أنت، إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته،
وإثبات الحجة عليه، بحضرة سلطان أو ما أشبهه، لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا.
وهذا الذي ذكرته لك، فقول من تقدم من أئمة المسلمين،
وموافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم "
[ الشريعة 3/574
و ها هو الإمام المبجل أحمد ابن حنبل يحكي كيف أنَّ أٌناساً وقعوا في التجهم
بسبب مجالستهم للمحاسبي ، فهل من مُدكَّر ؟