فإن الله إذا أراد زيادتها للمؤمنين يضع فيها البركة من عنده
وإذا نزلت البركة فى الغذاء لا ينفذ الغذاء ولو كان قليل مهما كان الآكلون منه
جمعهم كثير
وإذا وضع الله البركة فى الثياب لا تبلى أبداً حتى يمل لابسها من لبسها
ويتصدق بها على الفقراء لأن الله جعل البركة فيها
وإذا أنزل الله البركة فى الصحة والعافية لا يحتاج المرء إلى دواء
ولا إلى الذهاب للأطباء لأن الله يعافيه ويشفيه بركة من الله
وإذا أراد الله إنزال البركة فى الأولاد جعلهم بررة بأبيهم ولا يكلفونه الكثير
يجعلهم فى الدراسة يفهمون ويفقهون ولو بغير دروس ويتفوقون ولو بقليل
من النظر فى الدروس والكتب
كل هذا لماذا؟لأن الله إذا أنزل البركات جعل كل شئ فى زيادة
وهذا ما قال الله فيه لنا أجمعين
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}
والبركة زيادة فى الخيرات على نفس المقادير التى معنا
ولكنها بركات معنوية لا تلحظها العين الحسية يقول فيها خير البرية
{ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الإِثْنَيْنِ وَطَعَامُ الإِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ }
2-أما بالنسبة للأعداء إن كانوا حاقدين أو حاسدين أو محاربين
فإن الله إذا نصر العبد شرعه وقام بأوامر دينه وتابع النبى
فى هديه وسنته يورثه ما أعطاه للحبيب، وقد كان كما يقول فيه الإمام علىّ
{مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ}
3- ورَّثه الله الهيبة فكان كل من رآه ولو من بعيد يهاب أن يقترب منه ويخاف
أن يؤذيه بل يخاف أن يشير إليه حتى أن المؤمنين أنفسهم كانوا يهابونه
هيبة شديدة جاءته امرأة لحاجة وهو فى عرض الطريق فقال لها:
يا أمة الله اجلسى فى أى ناحية من نواحى الطريق أجلس إليك فاهتزت المرأة
من هيبته وارتجت وسقطت على الأرض من هيبته
فقال لها صلى الله عليه وسلم مُهَوِناً
{ هَوِّنْى عَلَيْكَ فَإِنَّما أَنا ابْنُ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ كانَتْ تَأْكُلُ الْقَديدَ في هذِهِ الْبَطْحاءِ }
4- والقديد هو اللحم المجفف وكان لا يأكله إلا الفقراء ولما حضر
عمرو بن العاص الوفاة وهو القائد الفذ المحنك
قال لابنه عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهم:
لقد حدثت أمور أريد أن أحكيها لك آمنت برسول الله بعد حربه
وما كان أحد أحب إلىَّ منه وكنت أتمنى أن يقبضنى الله على ذلك الحال
مع أنى ما استطعت أن أنظر إليه ببصرى قط من شدة هيبته
فعمرو بن العاص القائد الفذ لم يستطع عمره مع رسول الله
أن يثبت بصره فى وجه الشريف من شدة هيبة رسول الله
هذه الهيبة كانت تُلقى الرعب فى قلوب أعداءه
حتى الذين بينه وبينهم مسيرة شهر ولذلك قال
{ نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَةَ شَهرٍ}
5- وكذلك العبد المؤمن الذى يتوكل على مولاه ويعمل مقتفياً أثر حبيب الله
ومصطفاه ويمتلئ قلبه بالخوف والهيبة من حضرة الله فإن الله يُلقى الهيبة منه
على جميع أعداءه فلا يستطيعون أن يكيدوا له أو يدبروا شراً له
ولو حدث ودبَّروا له شراً أو حاكوا له ضراً فيصدر عليهم قرار رب العالمين
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}
فمن أراد أن يتولاه الله بنصرته وأن يجعله مرهوباً الجانب طوال حياته الدنيوية
ويجعله مكللاً بتاج البهاء فى الدار الأخروية
فعليه أن ينصر شرع الله ويعمل به فى حياته لا يعمل أمراً يخالف شرع الله
ولو فى القليل فإن القليل عند الله كثير لا يستصغر أمراً لأنه ربما حقَّر أمراً
فنظر إليه الله وهو يفعل عملاً يُغضبه فيسخط عليه الله سخطاً لا يعقبه بعده رضا أبداً
إلا إذا تاب إلى الله توبة نصوحا، قال النبى:
{ يا غُلامُ إنِّـي أُعَلِّـمُكَ كَلِـمَاتٍ احْفَظِ الله تَـجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَـى الله فِـي الرَّخَاءِ
يَعْرِفْكَ فِـي الشِّدَّةِ وَاعْلَـمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَـمْ يَكُنْ لِـيُصِيبَكَ وَمَا أَصَابَكَ لَـمْ يَكُنْ
لِـيُخْطِئَكَ وَاعْلَـمْ أَنَّ النَّصَرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً}
6-كان أصحاب رسول الله يمشون أجمعين على هذه القاعدة الإيمانية
مراجعة النفس ومحاسبتها فكان الرجل منهم إذا تعقد له أمر فى حياته
أو إذا تعذر له الحصول على أمر يريده أو تعذر له الوصول إلى نصر
يريد تحقيقه أو أبطأ عليه رزق يستعجل وروده يراجع نفسه ويحاسبها
لأنه يعلم أنه إنما أوتى من قِبَلِه فلو كان ماشياً على المنهج القويم
وعلى منهج الرءوف الرحيم فإن عناية الله لا تتخلف عنه طرفة عين
ولا أقل حتى قال رجل منهم
(إنى لأعرف حالى مع الله من خُلق زوجتى ومن تشامس دابتى)
أي إذا رأى زوجته فى يوم من الأيام وقد تغيرت معاملتها معه
وكانت معاملة غير مرضية يعلم أنه قصَّر فى الطاعات مع رب البرية
وهذا مؤشر له ونذير له ليصحح حاله وإذا أراد أن يركب دابته
فلم تقف بهدوء أمامه واستعصت على الركوب يراجع ما بينه وبين الله
هذا فى أمورهم الخاصة وكذا فى أمورهم العامة
حاصر عمرو بن العاص حصن بابليون وهى القاهرة الآن واستمر الحصار
ستة أشهر ولم يستطيعوا دخول الحصن وأصحاب رسول الله
كما عوَّدهم الله كان لا يُبطئ عليهم النصر ما هى إلا كرَّة من صباح أو من مساء
ويأتى نصر الله لهم وعليهم لأنهم مؤيدين بنصر الله جل فى علاه
وكان سلاحهم الأساسى هو الذى أرسل به عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبى وقاص
حيث قال له فى جملة قصيرة موجزة قوية ومعبرة
(يا سعد مُر الجند بطاعة الله وانههم عن معصية الله)
فإن الأعداء أقوى منا عدداً وسلاحاً ومدداً فلو عصى الجند الله تساوو معهم
فى المعصية فكانت الغلبة لهم لأنهم أكثر عدداً وأقوى مدداً وإذا أطعنا الله
دخلنا فى قول الله
{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
فلما أبطأ فتح الحصن على عمرو بن العاص والذين معه جلس مع كبار القادة
يتباحثون وقالوا لبعضهم :
ما الذى تركناه من فرائض الله؟فوجدوا أنهم لم يتركوا شيئاً من الفرائض
فراجعوا أنفسهم
وقالوا:
ما الذى تركناه من سنن رسول الله؟ وأخذوا يتناقشون ويذكر بعضهم بعضاً
حتى تنبهوا
وقالوا:
تركنا السواك الذى قال فيه النبى الكريم
{لأَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِسِوَاكٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ}
7 - وقال فيه
{لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ}
8-فأمروا الجند باستخدام السواك فنظر الأعداء من على سور الحصن
فقالوا لبعضهم:
لقد جاءهم جند يأكلون الخشب أو يجعلون أسنانهم حادة ليأكلوكم
وإذا كنا لا طاقة لنا بحرب هؤلاء فكيف نحارب من يأكلون الخشب؟
يا قوم استسلموا وسلموا لهم فاستسلم أهل الحصن
بمجرد أن رجعوا إلى سُنة رسول الله واستخدموا السواك الذى سَنه لنا رسول الله
فحافظوا على فرائض الله يحفظكم الله
وحافظوا على سنن رسول الله ينصركم الله دائماً وأبداً
ويجعل أمركم مرفوعاً ودعاءكم مجاباً وكل أموركم كما تريدون
لأنه قال فى قرآنه
{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم