العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > المنتدى الثقافي
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-04-2013, 03:29 AM   رقم المشاركة : 191
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


إحياء عبودية الخوف من آيات الله
وقد كان
هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا من الآيات الكونية، قال أنس: ( كَانَتْ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ). رواه البخاري (1034)
فيقع منه هذا الخوف بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وهو من غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكيف بحالنا نحن المذنبين المقصرين!! .
وقال تعالى :

{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا}
ولا شك أن هذا السيل من آيات الله التي يخوف بها عباده

التأمل في كثرة نعم الله علينا
من الدروس المستفادة لمن رزقه الله تأملا وفهما إذا نظر إلى ما أصاب الناس أن ينطق بقلبه قبل لسانه : الحمد لله الذي عافاني ويستحضر تفضيل الله له.
فإذا نظر فيمن ذهبت أسرته استحضر نعمة الله عليه بحفظ أهله له .
وإذا شاهد صور تلف الأموال والممتلكات انتقل من هذه الصورة إلى معاينة نعمة الله عليه بحفظها له .
وإذا نظر إلى مصائب الآخرين الكثيرة هانت عليه مصائبه الصغيرة، فامتلأ قلبه بحمد الله، ولهج لسانه بشكره سبحانه، واستحيت جوارحه من أن تعصي هذا المنعم الكريم، أو أن تقصر في شيء من حقوقه سبحانه
.

المؤمن يتألم لألم إخوانه

ينبغي لمن نظر في هذه المشاهد على أرض الواقع أو في الصور ومقاطع الفيديو أن يتحرك قلبه تجاه المصابين والمنكوبين ، وتدمع عينه ، ويلهج لسانه بالدعاء بالرحمة لمن مات ، والتثبيت والعوض لمن ابتلي، ويسعى لإعانة من يحتاج إلى العون ، ويسأل الله تعالى له ولإخوانه السلامة والعافية .
ابتلاءٌ للمؤمن وعقوبة للعاصي وتخويف للناس وتمحيص للناظرين والمتكلمين
إن الابتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون دارًا للامتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات

{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }
[الأنبياء:35].

فما حدث ابتلاء ابتلى الله به عباده المؤمنين ليرفع درجاتهم ويقوي إيمانهم
{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}.
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.

وفيما حدث تذكير لأهل المعاصي والذنوب بالتوبة والإنابة إلى الله

{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}.

قال بعض السلف : " لا ينزل بلاء إلا بذنب ، ولا يكشف إلا بتوبة ".
فالواجب في مثل هذه الحال التوبة وكثرة الاستغفار وأخذ العظة والعبرة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " وإن من علامات قسوة القلوب وطمسها والعياذ بالله، أن يسمع الناس قوارع الأحداث، وزواجر العبر والعظات التي تخشع لها الجبال لو عقلت، ثم يستمرون على طغيانهم ومعاصيهم مغترين بإمهال الله لهم، عاكفين على اتباع شهواتهم، غير عابئين بوعيد، ولا منصاعين لتهديد ". فتاوى ابن باز (9/160)
فالواجب على جميع المسلمين أن يأخذوا العظة والعبرة مما حصل، وأن يتوبوا إلى الله وينيبوا إليه ويحذروا من أسباب غضبه ونقمته،

والله جل وعلا يقول:
{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }.

فالمصائب منها تكفير ، ومنها تذكير ، ومنها عقوبة .
وقد تجتمع هذه الثلاث في مصيبة واحدة فتكون لبعض الناس تكفيرا لذنوبهم ورفعة لدرجاتهم وتكون لآخرين غافلين تنبيها وتذكيرا، ولنوع ثالث عقوبة على معصية مستعلنة أو خفية وقعوا فيها وتكون تمحيصا وكشفا لحال من يتكلم في هذه الأحداث

سؤال الله حسن الخاتمة .

فقد نقلت الأخبار قصصا لأناس قبض الله أرواحهم في مساجد أو بعد خروجهم منها وقد جاء السيل وقت صلاة الظهر وبعضهم صائمون لله تعالى، يتقربون إليه في أيام العشر الفاضلة، فجمع الله لهم من المبشرات: الغرق الذي هو شهادة ، والموت على عبادة، وبعد أداء فريضة، فما أعظم ما حصّلوه، اللهم فارزقنا حسن الخاتمة .

الناس معادن
إن من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام قوله: (النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ…). رواه البخاري (3494) ومسلم (2638) واللفظ له.
فالمعادن تشتمل على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس،

وكذلك الناس مختلفون في الشرف وكرم النفس والسلوك.
فمن الناس من معدنه نفيس كالذهب، ومن الناس من معدنه خسيس كالحديد.
وقد كشفت هذه المحنة حقائقَ كثيرٍ من الناس ومعادنِهم وأخلاقهم ، فمن الناس من لا يُعرف معدنه إلا في المِحَن.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: " الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم ". شعب الإيمان (7 /219)
فظهر المؤمنون الذين يهبون لنجدة إخوانهم ومساعدتهم

متمثلين قوله صلى الله عليه وسلم:
(مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى )..

وقد سمعنا وقرأنا الكثير من قصص الشجاعة والبطولة والتضحية .

فهذا شاب لا يعرف السباحة ولكنه أمام مشهد غرق رجل وزوجته وطفله لم يتوان عن نجدتهم، فقفز إلى الوادي وأنقذ الطفل ثم المرأة والرجل.. فقَبَّلَ الغريقُ قدمَه قائلاً: " أنا مدين لك طوال العمر".
وشكّل بعض الشباب والرجال فرقاً لإنقاذ العالقين داخل سيارتهم وسط السيول خصوصا الأطفال والنساء. وظهرت آثار الشباب الصالحين وشهامة أهل النجدات بجلاء.
قال أحدهم: تلقيت اتصالا أن والدي وبعض المسنين وعددهم (40) شخصا يصلون في المسجد وغمرته المياه، فتوجهنا سباحة إلى المسجد ومعنا حوالي (10) من شباب الحي منهم إمام المسجد وأنقذنا المسنين المحتجزين في المسجد.
واستجمع عشرات المتطوعين كل قواهم، ليلا ونهارا، للإسهام في واجب البحث عن المفقودين بلا كلل أو تعب وسط الحطام والمياه الراكدة.
وهب الكرماء وأصحاب العطاء لاستقبال إخوانهم المنكوبين ففتحوا بيوتهم وبسطوا موائدهم وقدموا معوناتهم .
وأما المنافقون فقاموا ينسبون الحدث إلى الطبيعة ولا يذكرون الله إلا قليلا وينكرون القاعدة الشرعية
(وما أصابك من سيئة فمن نفسك) ويلمزون أهل الإيمان .

الاستغلال البشع

وفي مقابل أهل النجدة والشهامة ظهر أصحاب النفوس المريضة والجشعة الذين استغلوا الحدث ورأوه فرصة للكسب السريع ، ومن صور ذلك :
* الاستيلاء على الممتلكات ، وسرقة ونهب ما تمكنوا من نهبه داخل المركبات المجروفة مستغلين انشغال أصحاب تلك الممتلكات بأنفسهم وغيابهم عنها ، بل بلغت البشاعة أن تسرق أموال الموتى داخل سياراتهم وسرقة بيوت المصابين والجرحى وهم لا يستطيعون دفع هؤلاء المعتدين ، ثم تباع هذه المسروقات بثمن بخس .
* رفع أسعار السلع والخدمات : مغاسل السيارات .. سيارات شفط المياه .. الرافعات وسيارات السحب.. الشقق المفروشة !. وبعض شركات النظافة رفعت أسعارها أضعافا .
ذكرت إحدى الناجيات أنها استنجدت هي وأهلها بصاحب سيارة كبيرة فاشترط عليهم دفع مبلغ 500 ريال مقابل إنقاذهم إلى موقع آخر لا تتعدى مسافته عشرات الأمتار.
* وبعض الناس مشغول بتصوير المنكوبين بكاميرا جواله وهم يستغيثون ، ومن المتفرجين من ترك الإنقاذ وهو يقدر عليه وأما من لا يقدر فغفر الله له.
كانت طفلة تبكي بأعلى صوتها، وتنادي أمها وأباها، وأمواج السيل تلاطمها يمنة ويسرة ، وفي كل مرة تحاول الإمساك بجثة تمر بجانبها لعلها تتشبث بأمل ينقذ حياتها.. والناس ينظرون إليها لا يحركون ساكنا !! ولا زال صراخها في آذانهم إلى أن اختفى صوتها فجأة .

يارب أم وطفل حيل بينهما … كما تفرق أرواح وأبدان






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 10-04-2013, 03:34 AM   رقم المشاركة : 192
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


بين قدر الله والإهمال البشري.
لاشك أن الكارثة الكبرى التي حصلت إنما هي بقضاء الله وقدره، ولكن هذا لا ينفي أن إهمال بعض البشر وتفريطهم وجشعهم وإساءتهم سبب من أسباب الكارثة يلام فيه من أساء ويعاقب فيه من ظلم ، ومن ذلك ترخيص المخططات السكنية في مجاري السيول والسكن في بطون الأودية واستخراج أذونات لبيع الأراضي في تلك المناطق بالرشوة والواسطة وسوء التخطيط والتأخر في إنجاز مشاريع تصريف المياه، والغش في بناء المساكن وعدم تأمينها بما يحصنها من السيول ونحو ذلك .
فالتسليم لقضاء الله لا ينافي معاقبة المسيئين والمتسببين في هذه الكارثة.

ينزل الله المعونة على قدر المؤونة
أحدهم لما حاصر السيل منزله شمر ثوبه فكان يدخل إلى بيته ويحمل اثنين من أولاده على ظهره ويصعد بهم السطح ثم ينزل ليحمل آخرين حتى صعد بهم سطح منزله.
ويقول: كان بداخلي رجل قوي لم أكن اعرف من هو، ولم يظهر إلا بعد أن لامست خط الخوف من فقد أولادي وزوجتي المسكينة.
وفي الحديث:
(إنَّ الْمَعُونَةَ تَأْتِي مِنْ اللَّهِ لِلْعَبدِ عَلَى قَدْرِ الْمَؤونَةِ ،
وَإِنَّ الصَّبْرَ يَأْتِي مِنْ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ الْبَلَاءِ)
رواه البيهقي في شعب الإيمان (7 / 191)
وحسنه الألباني في الصحيحة (4/225).

تمحيص وتذكير
في المحن والكوارث تمحيص للقلوب وتنبيهٌ لها من غفلتها ، فلولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يبتليه بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظا لصحة عبوديته ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتلي بنعمائه .
وكما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "مصيبة تقبل بها على الله ، خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله".
وقال الحسن البصري رحمه الله : "لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك ". أي : هلاكك.
وقال الفضل بن سهل: "إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، فهي تمحيص للذنوب، وتعرّض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة ، وتذكير بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة، وحضّ على الصدقة".
التوبة والاستغفار والبعد عن المعاصي ، فقد تجر المعصية من الشخص الواحد مصائب عامة لا تختص به وحده .
الحرص على عدم إيذاء المصابين : فلا يتسبب الإنسان بجمع مصيبتين على هؤلاء، كمن يلوم المصابين ويوبخهم بأنهم أخطأوا فسكنوا في هذا المكان، أو يجزم بأن هذه المصيبة أصابتهم بسبب ذنوبهم وقد يكون فيهم من الصالحين وغير المكلفين . إن نفوس الناس تحتاج إلى مراعاة ، وليت شعري ما ذا يجول في نفوس أولئك الأقارب الذين يجتمعون يوميا عند الحفر الكبيرة والمستنقعات العميقة يرقبون جثة تخرج لعزيز يبحثون عنه.
تخيل نفسك داخل الحدث.
العاقل من يأخذ العظة والعبرة مما يقع على غيره فينظر في المصائب ويتخيل نفسه فيها فيحمد ربه على السلامة ويحصل له ما يعينه على حسن الاستعداد والتهيؤ النفسي والمادي، فإذا وقعت عليه مصيبة مشابهة أمكنه الاستفادة مما تهيأ وكان له خبرة في التعامل معها ، .

ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا

ولا شك أن أجر إنقاذ المسلم من الغرق عظيم ، فهو إحياء للنفس البشرية من الهلاك كما قال تعالى :
{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}.
(ومن أحياها) أي اهتم باستنقاذها والذب عنها من الهلاك فكأنما أحيى الناس جميعا.

إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ :

رجل من باكستان يبلغ من العمر 27 عاما أنقذ 14 نفسا واحدا تلو الآخر حتى أصيب بعمود في ساقه، فأدركه الغرق جراء هذه الإصابة .

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ ).
قِيلَ : وَمَا عَسَلُهُ ؟
قَالَ : ( يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ) أحمد (17330) صححه الألباني.
فشبه ما رزقه الله من العمل الصالح قبل الموت بالعسل الذي هو الطعام الصالح الذي يحلو به كل شيء.
وبعض العمال الذين كانوا مصدرا للسخرية والاحتقار والتندر عند بعض الناس -هداهم الله- كانوا سببا في إنقاذ عدد من النفوس، لاسيما بعض العمال الذين تكثر في بلادهم السيول والفيضانات

الكارثة تكشف.

* الكارثة كشفت قلة أمانة بعض المقاولين ، وضعف خبرة بعض المهندسين .
*
والرخص المزيفة لسلامة المباني وسلامة تجهيزاتها المستخرجة بالمعارف والواسطة السيئة ….
*
وعورات الأنظمة البشرية ، وضعف الإمكانات المادية وأن قوة البشر مهما بلغت فلا تقف أمام قوة الله

تقديم ما يمكن من صور المواساة والتعزية والتصبير .

وهذا أمر متيسر عبر وسائل الاتصال والتقنية الحديثة من هواتف وشبكة معلوماتية، ومن هذه الإعانات عن بعد :

* فتح منتديات مخصصة للمشاركة بالأفكار والمقترحات والتجارب لتجاوز هذه الأزمة .
*
مشاركة أصحاب الخبرة لاسيما أصحاب التخصصات العلمية ذات الصلة فيما هو موجود من منتديات أو مجموعات على المواقع الشعبية كالفيس بوك وغيره .
*
نقل بعض التجارب الناجحة في كيفية التعامل مع أخطار السيول، وترجمة بعض ما هو موجود بلغات أجنبية من هذه التوجيهات .
*
إعداد برامج تأهيل نفسية للمصابين تجمع بين التوجيهات الشرعية والتجارب الإنسانية في هذا المجال، وابتكار أفكار للمواساة، وتتميم بعض الأفكار وتسديدها.

وعلى طلبة العلم مساهمات وأدوار.


فمن ذلك :

* جمع أدلة الوحي التي فيها التثبيت والعزاء لأهل المصائب ونشرها بينهم عبر الشبكة المعلوماتية .
*
تحرير بعض المقالات والرسائل البليغة التي يكون فيها تخفيف من المصيبة .
*
نشر الأحكام الشرعية المتعلقة بالكوارث كأحكام اللقطة والضمان والعقود بين المحتاجين لمعرفتها.
*
جمع الاستفتاءات عن نوازل الكوارث المعاصرة وعرضها على المشايخ وطلبة العلم لبيان حكمها ثم السعي لنشرها.
*
فتح مواضيع وتكوين ورش علمية في المنتديات الشرعية المتميزة من أجل طرح وتباحث المسائل الفقهية المتعلقة بالكوارث .
*
استثمار الأزمة بتذكير الناس بالله وتوجيههم للاستغفار والدعاء والتضرع ، والبعد عما يسخط الله .
* بحث ما يتعلق بالكارثة من المسائل :






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 10-04-2013, 03:40 AM   رقم المشاركة : 193
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور



أحكام شرعية متعلقة بالكارثة:
1-
إنقاذ الغريق من الواجبات:
فإغاثة الغريق والعمل على إنجائه من الغرق واجب على كل مسلم متى استطاع ذلك، بل يجب قطع الصلاة ولو كانت فريضة لإغاثة الغريق إذا قدر على ذلك.

2- تسقط في مثل هذه الكوارث عدد من المحرمات، كلمس المرأة الأجنبية للضرورة وإنقاذ حياتها مع مراعاة الحرمات وستر العورات، في الأحياء والأموات من النساء وغيرهم.

3- الغريق يغسل إن أمكن تغسيله ، ويكفن ، ويصلى عليه ، كأي ميت آخر .

4- المفقود: هو من انقطع خبره، ولم تُعلم حياته من مماته ، يُتربص به مدة بحيث يغلب على الظن رجوعه لو كان حياً ثم يحكم بموته بعد انتهائها إذا لم يظهر له أثر، وإذا تمت مدة التربص تبتدئ الأحكام المترتبة على الوفاة من ابتداء عدة الوفاة وأحكام الميراث .

5- كل ما فقد من جراء هذه السيول من الممتلكات فإنه يجري عليه شرعا حكم اللقطة سواء كان من الممتلكات التي ضاعت عن أصحابها: جوالات ، ساعات…أو أشياء تركوها عمدا لعدم قدرتهم على الجمع بين حملها والنجاة بأنفسهم ، أو سيارات ومعدات ثقيلة جرفها السيل أو حيوانات وبهائم ..
فهذه تأخذ حكم اللقطة ، فالشيء اليسير الذي لا تتبعه همة أوساط الناس، كالقلم الرخيص، والمبلغ اليسير ، فهذا يملكه من وجده ولا يحتاج إلى تعريف.
وما عدا ذلك من الأموال مما تتبعه همة أوساط الناس فيجب على من وجدها أن يحفظها ويقوم بتعريفها في الأسواق ومجامع الناس والجرائد سنة كاملة ، فإن لم يأت صاحبها فهي ملك له بشرط أن يضمنها لصاحبها متى جاء .
ويمكن مع كثرة هذه المفقودات أن تنشأ عنها فكرة إنشاء مستودعات عامة تستقبل هذه المفقودات لتقوم بإعادتها إلى أصحابها وفق الرؤية الشرعية .

6- طين الشوارع إذا لم يظهر به أثر النجاسة فهو طاهر وإن تيقن أن النجاسة فيه فهذا يعفى عن يسيره.
7- الوحل
مع وجود المشقة عذر يبيح الجمع بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء.

8- باقي مبلغ الأجرة السنوية المدفوعة مقدما للبيوت التي هدمها السيل ، اتفق الفقهاء على أنه إن تلفت العين المستأجرة انفسخت الإجارة ، وعلى المستأجر أجرة ما سبق من المدة فقط، ويعاد له ما زاد عن ذلك .

9- الكذب والخداع لأخذ التعويضات من أكل المال بالباطل
، فمن لم يصبه ضرر من هذه الأمطار، فلا حق له في الإعانة ، ودعواه الضرر مع عدم حصوله كذب محرم، وعلامة من علامات النفاق ، وأكل للمال بالباطل.

10- يجوز تعجيل زكاة العام القادم وحسابها بالتقدير والاجتهاد من أجل حاجة الناس في هذه الكارثة

من المهام والواجبات في كارثة السيول :

* الإعانة في البحث عن المفقودين.
* استخراج الجثث لتغسيلها وتكفينها والصلاة عليها ودفنها.
* إطعام المحتاجين.
* المواساة والتعزية والتصبير.
* حماية الممتلكات.
* نقل المصابين.
* كسوة المحتاجين
* تهنئة الناجين.
* تعريف الملتقطات وحفظها.
* معالجة القلق وتسكين الفزع.
* التوبة والاستغفار.
* الأذكار والأدعية المناسبة كدعاء المصيبة، ودعاء الاستصحاء وهو:
" اللهم حوالينا ولا علينا".
* رعاية الأولاد الذين فقدوا أهاليهم .
* جمع الإثباتات والأوراق الرسمية وتسليمها للجهات المختصة .
* تقديم الأهم فالمهم عند الإنقاذ فلا ينقذ المال قبل العيال.
· من حقوق الجيران حفظ ممتلكات الناس بعضهم لبعض.
* اتخذ الاحتياطات من غير مبالغة.
* مراجعة الحسابات الشرعية والدنيوية.
* تعلم الإسعافات الأولية ومعرفة كيفية الحماية والإنقاذ.
* لجان من الأقارب لتفقد أحوال من أصابتهم الكارثة من الأسرة.
* لجان في الحي لتفقد أحوال الجيران وإحياء دور مراكز الأحياء.
* غرس معاني الإعانة في نفوس الشباب.
* الاستفادة من الحدث بالتخطيط المستقبلي والتنظيم وحسن الإدارة .
* تحديد ما هي الاحتياجات، مع تسليمها للجهات التي تحسن توزيعها : بطانيات ، أطعمة ، ملابس ، لحف ، سجاد ، ثلاجات ، مخدات ، فرش، حليب أطفال ، حفائظ أطفال، ثياب رجالية ونسائية، أدوية …
* حصر الأوبئة التي يمكن أن تنتج وحسن الاستعداد لها : إذ إن ما خلفته مياه الأمطار من برك راكدة حول التجمعات السكانية بدون تصريف ستصبح موطناً خصباً لتكاثر البعوض، وانتشار الأوبئة والأمراض الوبائية، كالملاريا، والإسهالات، وحمى الضنك ، والعياذ بالله .
* من أعمال المحسنين وهي كثيرة تدل على أن الأمة فيها خير كثير :
- تقديم شقق مفروشة مجانا ..
- تقديم سيارات دفع رباعي للوصول إلى المناطق المنكوبة …
- ذبائح للإطعام ومطابخ لتقديم الوجبات ..
- تجار قدموا أدوية وملابس مجانا
- أحدهم يُسخِّر نفسه لجمع المصاحف والكتب الدينية من أنقاض المساجد والبيوت.
دور للمجتمع:
* على كل مسلم أن ينهض بواجبه الشرعي تجاه إخوانه المتضررين ولا سيما الميسورون وأصحاب التخصصات فهؤلاء عليهم أن يزكوا علمهم ويبذلوا النصيحة لإخوانهم.
*فالخطباء والدعاة بتخفيف المصاب وإرشاد الناس إلى الأسباب الشرعية لتلك الكوارث وكيفية تجاوز الأزمة
*والتجار بالتبرع بأموالهم.
* وأصحاب المعدات بالمساعدة في انتشال السيارات ورفع الأنقاض وتنظيف الممرات ..
* والمهندسون والمقاولون ببذل النصح فيما يتعلق بالأبنية وصلاحيتها وموضع البناء..
* والخبراء في تقييم الوضع ، هل يحتمل الأمر رجوع الناس إلى بيوتهم أو أن الوضع ما يزال خطيرا..
* التفاعل الالكتروني.. من خلال التجمعات السلمية الواعية للتعاون مع الضحايا وحفظ حقوقهم ونقل أخبارهم والإعلان عن مفقوديهم .
اللهم اغفر لموتى المسلمين وتقبلهم شهداء عندك يارب العالمين ، واجبر مصاب المكلومين واشف المرضى والمصابين وسكّن فزع الخائفين وعوّض من أصيب في ماله يا خير الرازقين إنك خير حافظا وأنت أرحم الراحمين






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 10-04-2013, 03:54 AM   رقم المشاركة : 194
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور



فتنة المال

لفضيلة الشيخ/ محمد ين صالح المنجد
عناصر الموضوع:
1. ما الفقر أخشى عليكم.
2. الصحابة وحالهم مع الغنى.
3. حال الأمة اليوم مع الأموال والثراء.
4. وقفة مع المسافرين.

ما الفقر أخشى عليكم:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
[102]}
[سورة آل عمران].
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[1]}
[النساء].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن فتنة المال من الفتن العظيمة التي وقع فيها المسلمون، وفتنة الجاه من الفتن الكبيرة التي أودت بكثير من أخلاق المسلمين، هذه الفتنة التي عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنها فقال:

((إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ))
[رواه الترمذي]، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يخشى على أصحابه الفقر،
((لا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ))
[رواه البخاري ومسلم] .
أيها المسلمون: ما لنا نرى اليوم كثيراً من الناس إذا أصابتهم نعمة من الله كفروا، وإذا وسع الله عليهم شيئاً من معيشتهم نسوه سبحانه وتعالى، وإذا أعطاهم الله وظيفة أو جاهاً تكبروا على عباد الله. ما هو السبب الذي يجعل كثيراً من النفوس تصاب بهذه المصيبة الكبيرة؟
الصحابة وحالهم مع الفقر:
إن الصحابة رضوان الله عليهم كثيراً منهم قد أدرك الحالين: حال الفقر وحال الغنى، فكيف كان حالهم في وقت الفقر وكيف صار حالهم في وقت الغنى، هل تغيرت نفوسهم؟ هل اضطربت أحوالهم؟ هل رجعوا وارتدوا على أعقابهم؟
كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل الفتوحات حالاً شديداً، قال صلى الله عليه وسلم:

((لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ))
[رواه أبو داود وابن ماجه]، وقالت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلَاثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ) [رواه البخاري ومسلم].
ولما أراد الصحابي أن يتزوج لم يجد مهراً ولا خاتماً من حديد، ليس له إلا إزاره يواري به عورته، لو أعطاه للمرأة لم يغنِ عنها شيئاً وبقي هو بغير ثياب.
وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ:

((مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ))
. [رواه البخاري].
كان الصحابة يقدم عليهم إخوانهم من سائر النواحي فقراء مطاردين مشردين، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِنَّ مِنْ إِخْوَانِكُمْ قَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ وَلَا عَشِيرَةٌ فَلْيَضُمَّ أَحَدُكُمْ إِلَيْهِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلاثَةِ))
[رواه أبو داود].
هذا شيء يسير جداً من حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ما شبعوا من التمر إلا بعد معركة خيبر، أما غير ذلك فلم يكونوا يرون الطعام إلا يسيراً، وكانت خفافهم مشققة وثيابهم مرقعة رضوان الله عليهم، يجاهدون في سبيل الله ولو لم يجدوا في طريق الجهاد إلا ورق الشجر.
الصحابة وحالهم مع الغنى:
وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ومحاربة أهل الردة بدأت الفتوحات فانهالت الأموال على الصحابة لما فتحوا المدائن أخذوا تاج كسرى وهو مرصع بالجواهر، وبساطه منسوج بالذهب واللآلئ ومصورة فيه جميع ممالك كسرى، ووجدوا دوراً مليئة بأواني الذهب والفضة.
ولما قسم سعد الغنائم حصل الفارس على اثنتي عشر ألفاً ، وبعث سعد أربعة أخماس البساط إلى عمر، فلما نظر إليه عمر قال: إن قوماً أدوا هذا لأمناء، فقال علي : إنك عففت فعفت رعيتك، ولو رتعت لرتعوا ثم قسم عمر البساط على المسلمين، فأصاب علياً قطعة من البساط فباعها بعشرين ألفاً.
توالت الأموال على الصحابة، غنائم جهاد، وأعطيات، وعمر يعدل ويقسم على المسلمين، فكيف صار حال الصحابة بعد الفتوحات والغنائم ؟ كان خليفتهم ـ عمر ـ في إزاره اثنتا عشرة رقعة، وفي ردائه أربع رقع كل رقعة مختلفة عن الأخرى, كان يأكل زيتاً وكان يأكل خبزاً وملحاً، ويرفض أن يأكل من الطعام الهنيء، ورفض أن يجلس على الفراش الوثير، ونام في المسجد، حتى دخل مرسول من الكفرة فرآه في المسجد قال: عدلت فأمنت فنمت يا عمر.
خباب يحكي حال الصحابة:
روى البخاري رحمه الله عن خباب: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا [يقطفها].
روى البخاري بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهُوَ خَيْرٌمِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنْ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَوْ قَالَ: أُعْطِينَا مِنْ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.
فوالله ما تغيرت نفوسهم، ولا تبدلت، ولا بطروا، ولا أشروا، وإنما تواضعوا لله، كانوا يذكرون على الطعام إخوانهم القتلى قبل الفتوحات.
فضالة بن عبيد وحاله أثناء الإمارة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ ـ فضالة بن عبيد هذا صحابي جليل، وقد صار أميراً على مكان ـ وَهُوَ بِمِصْرَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ آتِكَ زَائِرًا وَلَكِنِّي سَمِعْتُ أَنَا وَأَنْتَ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَمَا لِي أَرَاكَ شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الْأَرْضِ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ قَالَ فَمَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكَ حِذَاءً قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا.[رواه أبو داود].
لم تتغير أحوالهم بل بقوا على إيمانهم، إنهم تربية محمد صلى الله عليه وسلم، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حتى لما جاءتهم الدنيا ما تغيروا.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 10-04-2013, 03:57 AM   رقم المشاركة : 195
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


أبو هريرة بعد تولي الإمارة:
عن محمد قال: كنا عند أبي هريرة فتمخط فمسح في ردائه، وقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان] هذا بعد الفتوحات، وصار أبو هريرة أميراً وقال:الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منـزل عائشة والمنبر مغشياً علي من الجوع، فيمر الرجل فيجلس على صدري فأرفع رأسي فأقول: ليس الذي ترى إنما هو الجوع] أي: يظنه مصروعاً فيه جني، فيجلس على صدره ليرقيه ويقرأ عليه فيقول أبو هريرة : ليس هناك جنون ولا جن ما هو إلا الجوع ـ قال أبو هريرة: والله إني كنت لأعتمد بكتفي على الأرض من الجوع، وكنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، لقد رأيتني وإني لأخر ما بين المنبر والحجرة من الجوع مغشياً علي فيأتي الآتي فيضع رجله على عنقي، يرى أن بي الجنون وما بي إلا الجوع.
ماذا صار حال أبي هريرة بعدما صار أميراً؟ عن ثعلبة بن أبي مالك القرضي قال: أقبل أبو هريرة في السوق صار أميراً على البلد في عصر الفتوحات- يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لـمروان، فقال: أوسعوا الطريق للأمير، أو في رواية يقول: طريق للأمير، طريق للأمير، طريق للأمير، والأمير يحمل حزمة من الحطب على ظهره.
فهل تغيرت أحوالهم بعد الأموال والمناصب؟ ما تغيرت أحوالهم، فكيف حال المسلمين اليوم؟ تأتيه وظيفة أو يصبح موظفاً بعد أن كان طالباً، أو ينجح في شيء من التجارة، انظر إليهم في فسقهم وماذا يفعلون؟ انظر إلى حالهم لتعلم فتنة المال.
الصحابة ينفقون أموالهم في سبيل الله:
كان عند أنس خباز يخبز له، وربما صنع له لونين من الطعام، وخبزاً حوارياًـ يعني: نقياً منخولاً- يجيء إليه الضيوف يكرم الضيوف يأتي بالخباز يصنع ويطبخ لهم، هذا في عصر الفتوحات، قال قتادة : [كنا نأتي أنس وخبازه قائم و... يقول: كلوا أنتم كلوا فما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزاً مرققاً ولا شاة مسموطةـ وهي الذبيحة الصغيرة الطرية التي تشوى- حتى لقي الله عز وجل.
وقال عروة: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم فقسمتها ولم تترك منها شيئاً، فقالت بريرة خادمة عائشة : أنت صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم واحد من المائة ألف من أجل طعام الإفطار، فقالت عائشة : لو ذكرتيني لفعلت, وتصدقت بسبعين ألف درهم وإنها لترقع جاني درعها رضي الله عنها.
وزار أبو هريرة قوماً فأتوه برقاق فبكى قال: ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه.
ومن أعظم الأحوال خطبة عتبة بن غزوان ، وهو أمير البصرة قال في خطبته للناس: (وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا فَالْتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ فَاتَّزَرْتُ بِنِصْفِهَا وَاتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِهَا فَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا أَصْبَحَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا وَعِنْدَ اللَّهِ صَغِيرًا) [رواه مسلم].
أعلم القوم بأول حاله وآخره إظهاراً للتواضع وتحدثاً بنعمة الله وتحذيراً من الاغترار بالدنيا.
أيها المسلمون: هل يكون في هذا الحال وفي هذا الوصف عظة للمتعظ، وعبرة للمعتبر، ومانعاً لنا من الكبر إن أصابنا شيء من الدنيا، أو نعمة المال أو التجارة، أو المناصب والوظائف؟!
هذا حال الصحابة ربما أتاهم من المال أكثر مما أتانا، لكن ما تغيروا رضي الله عنهم، بل بقوا على حفظ العهد الذي عاهدوا به محمداً صلى الله عليه وسلم.
حال الأمة اليوم مع الأموال والثراء:
أيها المسلم: إذا رأيت الغني يصف حاله أيام فقره، ويذكر نعمة ربه، فهذا فيه خير كثير. قال غني لأولاده: كنا أيام الفقر في الحر ينـزع أحدنا ثوبه ينقيه وينفضه من القمل، وإذا رأيت الغني يقول: ورثت هذا كابراً عن كابر، فاعلم أن الخير من نفسه منـزوع، وأن نصيبه من الرحمة والتواضع مفقود.
وتلك قصة الثلاثة الذين أنعم الله عليهم؛ هذا بقطيع من الإبل، وهذا بقطيع من البقر، وهذا بقطيع من الغنم، وزال من كل واحد عيبه؛ زال الصلع، وزال العمى، وزال البرص، فماذا قال الأول والثاني: ورثته كابراً عن كابر، والأعمى قال: خذ ما شئت، هذا مال الله أعطاني إياه، خذ منه ما شئت، ما أمنعك من شيء منه أبداً. [من حديث رواه البخاري ومسلم].
عدم المبالاة من أي باب جمع المال:
أيها المسلمون: إن من أشراط الساعة أن يفيض المال، ففي بعض بلدان المسلمين فاض المال، فهل شكروا نعمة الله أم ماذا فعلوا بالمال؟ فجروا وطغوا وبغوا وكفروا بنعمة الله، ولذلك يستحقون ما أصابهم من خوف، ويستحق المسلمون ما يصيبهم من جوع وفقر وسلب نعمة وتحول عافية وزوال، وسيسيرون في الطريق حتماً إن استمروا على ذلك، ثم إن الناس لم يعودوا يبالون أكلوا من الحلال أو من الحرام، قال صلى الله عليه وسلم:((لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ))

[رواه البخاري]. وهؤلاء الناس اليوم لا يبالون بما أخذوا من حلال أو من حرام، غصب أموال، أخذ حقوق أيتام، وهكذا، صدق نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصار الجشع والشره في الناس عظيماً، يتنافسون على الدنيا ويتقاتلون, وقد يشتكي الابن أباه في المحكمة، قال صلى الله عليه وسلم: ((اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابْنُ آدَمَ الْمَوْتُ وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقَلُّ لِلْحِسَابِ))
[رواه أحمد]
ولذلك الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، لأن أصحاب الجد محبوسون يحاسبون على الأموال، فلا تجزع أيها الفقير إذا فاتك شيء من الدنيا.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 10-04-2013, 04:09 AM   رقم المشاركة : 196
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


نماذج مؤمنة ونماذج كافرة
في ثنايا التوجيهات والتشريعات القرآنية- ذلك المنهج الرباني الكامل للحياة البشرية- يجد الناظر في هذه التوجيهات منهجًا للتربية، قائمًا على الخبرة المطلقة بالنفس الإنسانية ومساربها الظاهرة والخفية; يأخذ هذه النفس من جميع أقطارها، كما يتضمن رسم نماذج من نفوس البشر واضحة الخصائص، جاهرة السمات حتى ليخيل للإنسان وهو يتصفح هذه الخصائص والسمات أنه يرى ذوات بعينها تدب في الأرض وتتحرك بين الناس، ويكاد يضع يده عليها وهو يصيح هذه هي بعينها التي عناها القرآن.

وفي هذا الدرس نجد الملامح الواضحة لنموذجين من نماذج البشر :

الأول: نموذج المرائي الشرير، الذلق اللسان الذي يجعل شخصه محور الحياة كلها: والذي يعجبك مظهره ويسوؤك مخبره، فإذا دعي إلى الصلاح وتقوى الله؛ لم يرجع إلى الحق، ولم يحاول إصلاح نفسه، بل أخذته العزة بالإثم، واستنكف أن يوجه إلى الحق والخير، ومضى في طريقه يهلك الحرث والنسل.

والثاني: نموذج المؤمن الصادق الذي يبذل نفسه كلها لمرضاة الله، لا يستبقي منها بقية، ولا يحسب لذاته حسابًا في سعيه وعمله.

وعقب عرض هذين النموذجين؛ نسمع هتافًا بالذين آمنوا ليستسلموا بكليتهم لله دون ما تردد، ودون ما تجربة لله بطلب الخوارق والمعجزات كالذي فعلته بنو إسرائيل حين بدلت نعمة الله عليها وكفرتها. ويسمى هذا الاستسلام: دخولًا في السلم، فيفتح بهذه الكلمة بابا للتصور الحقيقي الكامل لحقيقة الإيمان بدين الله، والسير على منهجه في الحياة كما سنفصل .

وفي مواجهة نعمة الإيمان الكبرى وحقيقة السلام التي تنشر ظلالها على الذين آمنوا
يعرض سوء تصور الكفار لحقيقة الأمر، وسخريتهم من الذين آمنوا بسبب ذلك التصور الضال، ويقرر إلى جانب ذلك حقيقة القيم في ميزان الله :{…وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ…[212]}[سورة البقرة].

يلي هذا تلخيص لقصة اختلاف الناس، وبيان للميزان الذي يجب أن يفيئوا إليه ليحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، وتقرير لوظيفة الكتاب الذي أنزله الله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويتطرق من هذا إلى ما ينتظر القائمين على هذا الميزان من مشاق الطريق; ويخاطب الجماعة المسلمة فيكشف لها عما ينتظرها في طريقها الشائك من البأساء والضراء والجهد الذي لقيته كل جماعة نيطت بها هذه الأمانة من قبل؛ كي تعد نفسها لتكاليف الأمانة التي لا مفر منها، وكي تقبل عليها راضية النفس مستقرة الضمير; تتوقع نصر الله كلما غام الأفق وبدا أن الفجر بعيد.

الدرس الأول: نموذج المنافق الكاذب، والمؤمن الصالح:
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ[204]وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ[205]وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ[206]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ[207]}[سورة البقرة].

هذا المخلوق الذي يتحدث، فيصور لك نفسه خلاصة من الخير، ومن الإخلاص، ومن الترفع، ومن الرغبة في إفاضة السعادة والطهارة على الناس..هذا الذي يعجبك حديثه، تعجبك ذلاقة لسانه، وتعجبك نبرة صوته، ويعجبك حديثه عن الصلاح {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ}. زيادة في التأثير والإيحاء، وتوكيدًا للتجرد والإخلاص، وإظهارًا للتقوى وخشية الله {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}تزدحم نفسه باللدد والخصومة، فلا ظل فيها للود والسماحة، ولا موضع فيها للحب والخير، ولا مكان فيها للتجمل والإيثار.. هذا الذي يتناقض ظاهره وباطنه، ويتنافر مظهره ومخبره.. هذا الذي يتقن الكذب والتمويه والدهان.

حتى إذا جاء دور العمل ظهر المستور، وفضح بما فيه من حقيقة الشر والبغي والحقد والفساد

{ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}
وإذا انصرف إلى العمل كانت وجهته الشر والفساد في قسوة وجفوة ولدد تتمثل في: إهلاك كل حي من الحرث الذي هو موضع الزرع والإنبات، ومن النسل الذي هو امتداد الحياة بالإنسال. {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} ولا يحب المفسدين الذين ينشئون في الأرض الفساد ولا تخفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس .

ويمضي السياق يوضح معالم الصورة ببعض اللمسات:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}. إذا تولى فقصد إلى الإفساد في الأرض، وأهلك الحرث والنسل، ونشر الخراب والدمار، وأخرج ما يعتمل في صدره من الحقد والضغن والشر والفساد.. إذا فعل هذا كله، ثم قيل له: اتق الله تذكيرًا له بخشية الله والحياء منه، والتحرج من غضبه؛ أنكر أن يقال له هذا القول، واستكبر أن يوجه إلى التقوى، وتعاظم أن يؤخذ عليه خطأ وأن يوجه إلى صواب، وأخذته العزة لا بالحق ولكن بالإثم، فاستعز بالإجرام والذنب والخطيئة، ورفع رأسه في وجه الحق الذي يذكر به وأمام الله بلا حياء منه، وهو الذي كان يشهد الله على ما في قلبه! ويتظاهر بالخير والإخلاص والاستحياء.

إنها لمسة تكمل ملامح الصورة وتزيد في قسماتها وتمييزها بذاتها، وتدع هذا النموذج حيًا يتحرك، تقول في غير تردد: هذا هو هذا هو الذي عناه القرآن وأنت تراه أمامك ماثلًا في الأرض الآن، وفي كل آن.

وفي مواجهة هذا الاعتزاز بالإثم، واللدد في الخصومة، والقسوة في الفساد، والفجور في الإفساد.. في مواجهة هذا كله يجبهه السياق باللطمة اللائقة بهذه الجبلة النكدة {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}. حسبه ففيها الكفاية.. جهنم التي وقودها الناس والحجارة.. جهنم التي يكبكب فيها الغاوون وجنود إبليس أجمعون.. جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة.. جهنم التي لا تبقي ولا تذر.. جهنم التي تكاد تميز من الغيظ.. حسبه جهنم ولبئس المهاد. ويا للسخرية القاصمة في ذكر المهاد هنا، ويا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز والنفخة والكبرياء.

ذلك نموذج من الناس.. يقابله نموذج آخر على الطرف الآخر من القياس:{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} ويشري هنا معناها يبيع، فهو يبيع نفسه كلها لله، ويسلمها كلها لا يستبقي منها بقية، ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غاية إلا مرضاة الله.. ليس له فيها شيء، وليس له من ورائها شيء.. بيعة كاملة لا تردد فيها، ولا تلفت، ولا تحصيل ثمن، ولا استبقاء بقية لغير الله.

يشتري نفسه بكل أعراض الحياة الدنيا ليعتقها ويقدمها خالصة لله، فهو يضحي بكل أعراض الحياة الدنيا، ويخلص بنفسه مجردة لله، وقد ذكرت الروايات سببًا لنزول هذه الآية، قال ابن كثير في التفسير:’ قال ابن عباس، وأنس، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعكرمة، وجماعة: نزلت في صهيب بن سنان الرومي، وذلك أنه لما أسلم بمكة، وأراد الهجرة منعه الناس أن يهاجر بماله، وإن أحب أن يتجرد منه ويهاجر فعل، فتخلص منهم وأعطاهم ماله; فأنزل الله فيه هذه الآية ; فتلقاه عمر بن الخطاب وجماعة إلى طرف الحرة، فقالوا له: ربح البيع، فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم، وما ذاك، فأخبروه أن الله أنزل فيه هذه الآية ويروى أن رسول الله ص قال له: [رَبِحَ الْبَيْعُ صُهَيْبَ]‘ .اهـ

وسواء كانت الآية نزلت في هذا الحادث، أو أنها كانت تنطبق عليه؛ فهي أبعد مدى من مجرد حادث ومن مجرد فرد: وهي ترسم صورة نفس، وتحدد ملامح نموذج من الناس، ترى نظائره في البشرية هنا وهناك.

والصورة الأولى: تنطبق على كل منافق مراء، ذلق اللسان، فظ القلب، شرير الطبع، شديد الخصومة مفسود الفطرة.

والصورة الثانية: تنطبق على كل مؤمن خالص الإيمان، متجرد لله، مرخص لأعراض الحياة.
وهذا وذلك نموذجان معهودان في الناس; يتأمل الناس فيهما معجزة القرآن ومعجزة خلق الإنسان بهذا التفاوت بين النفاق والإيمان، ويتعلم منهما الناس ألا ينخدعوا بمعسول القول، وطلاوة الدهان، وأن يبحثوا عن الحقيقة وراء الكلمة المزوقة والنبرة المتصنعة، والنفاق والرياء، والزواق، كما يتعلمون منهما كيف تكون القيم في ميزان الإيمان.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 10-04-2013, 04:15 AM   رقم المشاركة : 197
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


الدرس الثاني: دعوة لصدق الإلتزام بالإسلام وتحذير من الشيطان:
وفي ظلال نموذج النفاق الفاجر ونموذج الإيمان الخالص يهتف بالجماعة المسلمة باسم الإيمان الذي تعرف به للدخول في السلم كافة، والحذر من اتباع خطوات الشيطان، مع التحذير من الزلل بعد البيان:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[208]فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[209]}

[سورة البقرة].
إنها دعوة للمؤمنين باسم الإيمان، هذا الوصف المحبب إليهم، والذي يميزهم ويفردهم، ويصلهم بالله الذي يدعوهم دعوة للذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة، وأول مفاهيم هذه الدعوة: أن يستسلم المؤمنون بكلياتهم لله في ذوات أنفسهم، وفي الصغير والكبير من أمرهم.. أن يستسلموا الاستسلام الذي لا تبقى بعده بقية ناشزة من تصور، أو شعور، ومن نية، أو عمل، ومن رغبة، أو رهبة لا تخضع لله، ولا ترضى بحكمه وقضاه.. استسلام الطاعة الواثقة المطمئنة الراضية، الاستسلام لليد التي تقود خطاهم، وهم واثقون أنها تريد بهم الخير والنصح والرشاد، وهم مطمئنون إلى الطريق والمصير في الدنيا والآخرة سواء.

وتوجيه هذه الدعوة إلى الذين آمنوا إذ ذاك تشي بأنه كانت هنالك نفوس ما تزال يثور فيها بعض التردد في الطاعة المطلقة في السر والعلن، وهو أمر طبيعي أن يوجد في الجماعة إلى جانب النفوس المطمئنة الواثقة الراضية، وهي دعوة توجه في كل حين للذين آمنوا; ليخلصوا ويتجردوا، وتتوافق خطرات نفوسهم واتجاهات مشاعرهم مع ما يريد الله بهم، وما يقودهم إليه نبيهم ودينهم في غير ما تلجلج، ولا تردد، ولا تلفت.

والمسلم حين يستجيب هذه الاستجابة يدخل في عالم كله سلام، كله ثقة واطمئنان، وكله رضى واستقرار، لا حيرة ولا قلق، ولا شرود ولا ضلال: سلام مع النفس والضمير، سلام مع العقل والمنطق، سلام مع الناس والأحياء، سلام مع الوجود كله. وأول ما يفيض هذا السلام على القلب يفيض من صحة تصوره لله ربه ونصاعة هذا التصور وبساطته إنه إله واحد يتجه إليه المسلم وجهة واحدة يستقر عليها قلبه; فلا تتفرق به السبل، ولا تتعدد به القبل، ولا يطارده إله من هنا وإله من هناك- كما كان في الوثنية والجاهلية-، إنما هو إله واحد يتجه إليه في ثقة وفي طمأنينة، وهو إله قوي قادر عزيز قاهر فإذا اتجه إليه المسلم؛ فقد اتجه إلى القوة الحقة الوحيدة في هذا الوجود، وقد أمن كل قوة زائفة واطمأن واستراح، ولم يعد يخاف أحدًا، أو يخاف شيئا، وهو يعبد الله القوي القادر العزيز القاهر، ولم يعد يخشى فوت شيء، ولا يطمع في غير من يقدر على الحرمان والعطاء، وهو إله عادل حكيم، فقوته وقدرته ضمان من الظلم وضمان من الهوى وضمان من البخس.

ومن ثم يأوي المسلم من إلهه إلى ركن شديد، ينال فيه العدل والرعاية والأمان، وهو رب رحيم ودود منعم وهاب، غافر الذنب، وقابل التوب، يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، فالمسلم في كنفه آمن، آنس، سالم غانم مرحوم، إذا ضعف مغفور له متى تاب، وهكذا يمضي المسلم مع صفات ربه التي يعرفه بها الإسلام ; فيجد في كل صفة ما يؤنس قلبه، وما يطمئن روحه، وما يضمن معه الحماية والوقاية والعطف والرحمة والعزة والمنعة والاستقرار والسلام كذلك يفيض السلام على قلب المسلم من صحة تصور العلاقة بين العبد والرب وبين الخالق والكون وبين الكون والإنسان.

ومعرفة المؤمن بأن غاية الوجود الإنساني هي العبادة، وأنه مخلوق ليعبد الله من شأنها أن ترفع ترفع شعوره وضميره، وترفع نشاطه وعمله، وتنظف وسائله وأدواته، فهو يريد العبادة بنشاطه وعمله; وهو يريد العبادة بكسبه وإنفاقه; وهو يريد العبادة بالخلافة في الأرض، وتحقيق منهج الله فيها، فأولى به ألا يغدر ولا يفجر; وأولى به ألا يغش ولا يخدع; وأولى به ألا يطغى ولا يتجبر; وأولى به ألا يستخدم أداة مدنسة، ولا وسيلة خسيسة، وأولى به كذلك ألا يستعجل المراحل، وألا يعتسف الطريق، وألا يركب الصعب من الأمور، فهو بالغ هدفه من العبادة بالنية الخالصة، والعمل الدائب في حدود الطاقة.

ومن شأن هذا كله ألا تثور في نفسه المخاوف والمطامع، وألا يستبد به القلق في أية مرحلة من مراحل الطريق، فهو يعبد في كل خطوة; وهو يحقق غاية وجوده في كل خطرة، وهو يرتقي صعدًا إلى الله في كل نشاط، وفي كل مجال. وشعور المؤمن بأنه يمضي مع قدر الله في طاعة الله؛ لتحقيق إرادة الله، وما يسكبه هذا الشعور في روحه من الطمأنينة، والسلام، والاستقرار، والمضي في الطريق بلا حيرة ولا قلق ولا سخط على العقبات والمشاق، وبلا قنوط من عون الله ومدده، وبلا خوف من ضلال القصد، أو ضياع الجزاء، ومن ثم يحس بالسلام في روحه حتى، وهو يقاتل أعداء الله وأعدائه، فهو إنما يقاتل لله وفي سبيل الله ولإعلاء كلمة الله، ولا يقاتل لجاه، أو مغنم، أو نزوة، أو عرض ما من أعراض هذه الحياة.

كذلك شعوره بأنه يمضي على سنة الله مع هذا الكون كله قانونه قانونه، ووجهته وجهته، فلا صدام ولا خصام، ولا تبديد للجهد، ولا بعثرة للطاقة، وقوى الكون كله تتجمع إلى قوته وتهتدي بالنور الذي يهتدي به، وتتجه إلى الله، وهو معها يتجه إلى الله، والتكاليف التي يفرضها الإسلام على المسلم كلها من الفطرة، ولتصحيح الفطرة لا تتجاوز الطاقة، ولا تتجاهل طبيعة الإنسان وتركيبه، ولا تهمل طاقة واحدة من طاقاته لا تطلقها للعمل والبناء والنماء، ولا تنسى حاجة واحدة من حاجات تكوينه الجثماني والروحي لا تلبيها في يسر وفي سماحة، ومن ثم لا يحار ولا يقلق في مواجهة تكاليفه، يحمل منها ما يطيق حمله، ويمضي في الطريق إلى الله في طمأنينة وروح وسلام.

ولا يدرك معنى هذا السلم حق إدراكه من لا يعلم كيف تنطلق الحيرة، وكيف يعربد القلق في النفوس التي لا تطمئن بالإيمان في المجتمعات التي لا تعرف الإسلام، أو التي عرفته ثم تنكرت له تحت عنوان من شتى العنوانات في جميع الأزمان، هذه المجتمعات الشقية الحائرة على الرغم من كل ما قد يتوافر لها من الرخاء المادي، والتقدم الحضاري، وسائر مقومات الرقي في عرف الجاهلية الضالة، التصورات المختلة الموازين.. إنها الشقوة النكدة المكتوبة على كل قلب يخلو من بشاشة الإيمان، وطمأنينة العقيدة، فلا يذوق طعم السلم الذي يدعى المؤمنون ليدخلوا فيه كافة، ولينعموا فيه بالأمن والظل والراحة والقرار..

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
[208]فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
[209]}[سورة البقرة].
ولما دعا الله الذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة، حذرهم أن يتبعوا خطوات الشيطان، فإنه ليس هناك إلا اتجاهان اثنان:

إما الدخول في السلم كافة.. وإما اتباع خطوات الشيطان، إما هدى، وإما ضلال.. إما إسلام، وإما جاهلية، إما طريق الله، وإما طريق الشيطان، وإما هدى الله، وإما غواية الشيطان.

وبمثل هذا الحسم ينبغي أن يدرك المسلم موقفه فلا يتردد، ولا يتحير بين شتى السبل، وشتى الاتجاهات.. إنه ليست هنالك مناهج متعددة للمؤمن أن يختار واحدًا منها، أو يخلط واحدًا منها بواحد كلا.. إنه من لا يدخل في السلم بكليته، ومن لا يسلم نفسه خالصة لقيادة الله وشريعته، ومن لا يتجرد من كل تصور آخر، ومن كل منهج آخر، ومن كل شرع آخر.. إن هذا في سبيل الشيطان، سائر على خطوات الشيطان.. ليس هنالك حل وسط، ولا منهج بَيْنَ بَيْنَ، ولا خطة نصفها من هنا ونصفها من هناك، إنما هناك حق وباطل، هدى وضلال، إسلام وجاهلية، منهج الله أو غواية الشيطان، والله يدعو المؤمنين في الأولى إلى الدخول في السلم كافة، ويحذرهم في الثانية من اتباع خطوات الشيطان ويستجيش ضمائرهم ومشاعرهم، ويستثير مخاوفهم بتذكيرهم بعداوة الشيطان لهم، تلك العداوة الواضحة البينة التي لا ينساها إلا غافل، والغفلة لا تكون مع الإيمان، ثم يخوفهم عاقبة الزلل بعد البيان

{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

وتذكيرهم بأن الله عزيز يحمل التلويح بالقوة والقدرة والغلبة، وأنهم يتعرضون لقوة الله حين يخالفون عن توجيهه، وتذكيرهم بأنه حكيم فيه إيحاء بأن ما اختاره لهم هو الخير، وما نهاهم عنه هو الشر، وأنهم يتعرضون للخسارة حين لا يتبعون أمره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه، فالتعقيب بشطريه يحمل معنى التهديد والتحذير في هذا المقام .

الدرس الثالث: ميزان المؤمنين، وميزان الكفار في وزن القيم والأشخاص:
وفي ظل هذا التحذير من التلكؤ في الاستجابة، والتبديل بعد النعمة يذكر حال الذين كفروا، وحال الذين آمنوا، ويكشف عن الفرق بين ميزان الذين كفروا، وميزان الذين آمنوا للقيم والأحوال والأشخاص:
{ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}

[212]}[سورة البقرة].

لقد زينت للذين كفروا هذه الحياة الدنيا بأعراضها الزهيدة، واهتماماتها الصغيرة، زينت لهم فوقفوا عندها لا يتجاوزونها، ولا يمدون بأبصارهم إلى شيء وراءها، ولا يعرفون قيمًا أخرى غير قيمها. والذي يقف عند حدود هذه الحياة الدنيا لا يمكن أن يسمو تصوره إلى تلك الاهتمامات الرفيعة التي يحفل بها المؤمن ويمد إليها بصره في آفاقها البعيدة، إن المؤمن قد يحتقر أعراض الحياة كلها، لا لأنه أصغر منها همّة، أو أضعف منها طاقة، ولا لأنه سلبي لا ينمي الحياة ولا يرقيها، ولكن لأنه ينظر إليها من عَلٍ مع قيامه بالخلافة فيها، وإنشائه للعمران والحضارة وعنايته بالنماء والإكثار، فينشد من حياته ما هو أكبر من هذه الأعراض وأغلى، ينشد منها أن يقر في الأرض منهجًا، وأن يقود البشرية إلى ما هو أرفع وأكمل، وأن يركز راية الله فوق هامات الأرض والناس؛ ليتطلع إليها البشر في مكانها الرفيع، وليمدوا بأبصارهم وراء الواقع الزهيد المحدود، الذي يحيا له من لم يهبه الإيمان رفعة الهدف، وضخامة الاهتمام، وشمول النظرة.

وينظر الصغار الغارقون في وحل الأرض المُسْتَعْبَدُونَ لأهداف الأرض، ينظرون للذين آمنوا فيرونهم يتركون لهم وحلهم وسفسافهم ومتاعهم الزهيد، ليحاولوا آمالًا كبارًا لا تخصهم وحدهم ولكن تخص البشرية كلها، ولا تتعلق بأشخاصهم إنما تتعلق بعقيدتهم، ويرونهم يعانون فيها المشقات، ويقاسون فيها المتاعب، ويحرمون أنفسهم اللذائذ التي يعدها الصغار خلاصة الحياة، وأعلى أهدافها المرموقة.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 10-04-2013, 04:21 AM   رقم المشاركة : 198
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


لقد زينت للذين كفروا هذه الحياة الدنيا بأعراضها الزهيدة، واهتماماتها الصغيرة، زينت لهم فوقفوا عندها لا يتجاوزونها، ولا يمدون بأبصارهم إلى شيء وراءها، ولا يعرفون قيمًا أخرى غير قيمها. والذي يقف عند حدود هذه الحياة الدنيا لا يمكن أن يسمو تصوره إلى تلك الاهتمامات الرفيعة التي يحفل بها المؤمن ويمد إليها بصره في آفاقها البعيدة، إن المؤمن قد يحتقر أعراض الحياة كلها، لا لأنه أصغر منها همّة، أو أضعف منها طاقة، ولا لأنه سلبي لا ينمي الحياة ولا يرقيها، ولكن لأنه ينظر إليها من عَلٍ مع قيامه بالخلافة فيها، وإنشائه للعمران والحضارة وعنايته بالنماء والإكثار، فينشد من حياته ما هو أكبر من هذه الأعراض وأغلى، ينشد منها أن يقر في الأرض منهجًا، وأن يقود البشرية إلى ما هو أرفع وأكمل، وأن يركز راية الله فوق هامات الأرض والناس؛ ليتطلع إليها البشر في مكانها الرفيع، وليمدوا بأبصارهم وراء الواقع الزهيد المحدود، الذي يحيا له من لم يهبه الإيمان رفعة الهدف، وضخامة الاهتمام، وشمول النظرة.


وينظر الصغار الغارقون في وحل الأرض المُسْتَعْبَدُونَ لأهداف الأرض، ينظرون للذين آمنوا فيرونهم يتركون لهم وحلهم وسفسافهم ومتاعهم الزهيد، ليحاولوا آمالًا كبارًا لا تخصهم وحدهم ولكن تخص البشرية كلها، ولا تتعلق بأشخاصهم إنما تتعلق بعقيدتهم، ويرونهم يعانون فيها المشقات، ويقاسون فيها المتاعب، ويحرمون أنفسهم اللذائذ التي يعدها الصغار خلاصة الحياة، وأعلى أهدافها المرموقة.


ينظر الصغار المطموسون إلى الذين آمنوا في هذه الحال، فلا يدركون سر اهتماماتهم العليا؛ عندئذ يسخرون منهم يسخرون من حالهم، ويسخرون من تصوراتهم ويسخرون من طريقهم الذي يسيرون فيه:{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}. ولكن هذا الميزان الذي يزن الكافرون به القيم ليس هو الميزان.. إنه ميزان الأرض، ميزان الكفر، ميزان الجاهلية، أما الميزان الحق فهو في يد الله سبحانه، والله يبلغ الذين آمنوا حقيقة وزنهم في ميزانه:
{وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} .

هذا هو ميزان الحق في يد الله، فليعلم الذين آمنوا قيمتهم الحقيقية في هذا الميزان، وليمضوا في طريقهم لا يحفلون سفاهة السفهاء، وسخرية الساخرين، وقيم الكافرين.. إنهم فوقهم يوم القيامة، فوقهم عند الحساب الختامي الأخير، فوقهم في حقيقة الأمر بشهادة الله أحكم الحاكمين، والله يدخر لهم ما هو خير وما هو أوسع من الرزق، يهبهم إياه حيث يختار، في الدنيا، أو في الآخرة، أو في الدارين، وفق ما يرى أنه لهم خير،{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وهو قد يعطي الكافرين زينة الحياة الدنيا؛ لحكمة منه، وليس لهم فيما أعطوا فضل، وهو يعطي المختارين من عباده ما يشاء في الدنيا، أو في الآخرة، فالعطاء كله من عنده، واختياره للأخيار هو الأبقى والأعلى .


وستظل الحياة أبدا تعرف هذين النموذجين من الناس:

تعرف المؤمنين الذين يتلقون قيمهم وموازينهم وتصوراتهم من يد الله; فيرفعهم هذا التلقي عن سفساف الحياة، وأعراض الأرض، واهتمامات الصغار، وبذلك يحققون إنسانيتهم، ويصبحون سادة للحياة لا عبيدًا للحياة.


كما تعرف الحياة ذلك الصنف الآخر الذين زينت لهم الحياة الدنيا، واستعبدتهم أعراضها وقيمها، وشدتهم ضروراتهم وأوهاقهم إلى الطين فلصقوا به لا يرتفعون.

وسيظل المؤمنون ينظرون من عَلٍ إلى أولئك الهابطين، مهما أوتوا من المتاع والأعراض على حين يعتقد الهابطون أنهم هم الموهوبون، وأن المؤمنين هم المحرومون، فيشفقون عليهم تارة، ويسخرون منهم تارة، وهم أحق بالرثاء والإشفاق.


الدرس الرابع: الإبتلاء والمحن سنة الدعوات:
هذه التوجيهات التي تستهدف إنشاء تصور إيماني كامل ناصع في قلوب الجماعة المسلمة تنتهي بالتوجه إلى المؤمنين، الذين كانوا يعانون في واقعهم مشقة الاختلاف بينهم وبين أعدائهم من المشركين وأهل الكتاب، وما كان يجره هذا الخلاف من حروب ومتاعب وويلات، يتوجه إليهم بأن هذه هي سنة الله القديمة في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة، وليكونوا لها أهلا:

أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم، وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر، وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة، حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم؛ لم تزعزعهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة، استحقوا نصر الله؛ لأنهم يومئذ أمناء على دين الله، مأمونون على ما ائتمنوا عليه، صالحون لصيانته والذود عنه، واستحقوا الجنة؛ لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف، وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة، أو على الدعة والرخاء، فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وأرفع ما تكون عن عالم الطين {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
[214]}[سورة البقرة].

هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى، وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها، وإلى سنته سبحانه في تربية عباده المختارين، الذين يكل إليهم رايته، وينوط بهم أمانته في الأرض ومنهجه وشريعته، وهو خطاب مطرد لكل من يختار لهذا الدور العظيم، وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة إن هذا السؤال من الرسول والذين آمنوا معه، من الرسول الموصول بالله والمؤمنين الذين آمنوا بالله ،إن سؤالهم متى نصر الله ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة، ولن تكون إلا محنة فوق الوصف تلقي ظلالها على مثل هاتيك القلوب، فتبعث منها ذلك السؤال المكروب: متى نصر الله؟


وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة عندئذ تتم كلمة الله، ويجيء النصر من الله:{أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}. إنه مدخر لمن يستحقونه، ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية، الذين يثبتون على البأساء والضراء، الذين يصمدون للزلزلة، الذين لا يحنون رؤوسهم للعاصفة، الذين يستيقنون أن لا نصر إلا نصر الله وعندما يشاء الله .


وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها، فهم يتطلعون فحسب إلى نصر الله، لا إلى أي حل آخر، ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله، ولا نصر إلا من عند الله، بهذا يدخل المؤمنون الجنة، مستحقين لها، جديرين بها بعد الجهاد والامتحان والصبر والثبات، والتجرد لله وحده والشعور به وحده، وإغفال كل ما سواه، وكل من سواه.. إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة ويرفعها على ذواتها ويطهرها في بوتقة الألم، فيصفو عنصرها ويضيء، ويهب العقيدة عمقا وقوة وحيوية فتتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها، وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجًا كما وقع وكما يقع في كل قضية حق يلقي أصحابها ما يلقون في أول الطريق حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم وناصرهم أشد المناوئين وأكبر المعاندين.


على أنه حتى إذا لم يقع هذا يقع ما هو أعظم منه في حقيقته.. يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض وشرورها وفتنتها وأن تنطلق من إسار الحرص على الدعة والراحة والحرص على الحياة نفسها في النهاية، وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها، وكسب للأرواح التي تصل إليه عن طريق الاستعلاء، كسب يرجح جميع الآلام، وجميع البأساء والضراء التي يعانيها المؤمنون والمؤتمنون على راية الله وأمانته ودينه وشريعته، وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف، وهذا هو الطريق.. هذا هو الطريق كما يصفه الله للجماعة المسلمة الأولى، وللجماعة المسلمة في كل جيل.. هذا هو الطريق: إيمان وجهاد، ومحنة وابتلاء، وصبر وثبات، وتوجه إلى الله وحده، ثم يجيء النصر.. ثم يجيء النعيم.


من كتاب:’في ظلال القرآن’ للأستاذ/ سيد قطب رحمه الله






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 10-04-2013, 08:14 PM   رقم المشاركة : 199
ملكة الرومنس
( مشرفة العام والمكتبه الادبيه )
 
الصورة الرمزية ملكة الرومنس

يعطيك ربي ألف عافيه
طرح رآئع وتواجد مميز ننتظر مزيد من العطاء
ودي وتقديري






رد مع اقتباس
قديم 16-04-2013, 12:31 AM   رقم المشاركة : 200
شمس القوايل
المشرفة العامة
 
الصورة الرمزية شمس القوايل

يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح والمجهود

ننتظر جديدج القادم







التوقيع :


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:24 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية