العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-03-2012, 02:03 PM   رقم المشاركة : 21
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

أوصاف المحبوبين
لم حبّب الله عزَّ وجلَّ المؤمنين في مجالسة بعضهم؟ بل وبين الدرجات العالية والمقامات الراقية التي أعدها لهم حتى قال عزَّ شأنه وهو الغني ونحن الفقراء إليه في حديثه القدسي المشهور( وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتباذلين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ) الله عزَّ وجلَّ الذي لا يُسأل عما يفعل والذي يهيمن ولا يهيمن على قراره ولا على فعله ولا تصرفه أحد لأنه وحده هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له في فعله ولا معاون له في تصريف أمره ولا راد لحكمه لأنه حكم عدل قيوم قوي لطيف خبير يوجب على نفسه أن يحب قوماً ما أوصافهم؟ وما سماتهم ؟ وما علاماتهم ؟ قد أجملها الله عزَّ وجلَّ في هذا الحديث القدسي العظيم(المتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ والمتحابين فيّ)أربعة أوصاف وأربعة علامات وضعها الله ومن يتجمل بها فإن الله لا بد وأن يحبه ومن يحبه الله ما الذي له عند مولاه؟يكفيه تيهاً وشرفاً وفخراً قول حبيبه ومصطفاه { إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب}[1] فإن الله يقول في شأنه [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ] يتقبل الله منهم أطيب الأعمال وأفضل الأقوال ويتجاوز عما سوى ذلك لأنه وعد بذلك وهو عزَّ وجلَّ لا يخلف الميعاد {إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب} من هم هؤلاء القوم؟ إن أول أوصافهم وأهم علاماتهم أنهم يتحابون في الله لا لعلة ولا لغرض ولا لمصلحة عاجلة أو آجلة وإنما محبتهم لبعضهم في الله ولله "وجبت محبتي للمتحابين فيّ" أي المتحابين في الله ولله يا بشراهم بقول حبيب الله ومصطفاه صلوات ربي وتسليماته عليه إذ يقول ( إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء لمكانتهم وقربهم من الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة) فقال أصحابه رضوان الله عليهم : يا رسول الله أناس ماهم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء صفهم لنا وفي رواية جلّهم أي وضحهم لنا فقال حبيبي وقرة عيني صلَّى الله عليه وسلَّم ( هم أناس من أمتي من قبائل شتى وبلدان شتى توادوا بروح الله على غير أرحام بينهم) _ فلا نسب بينهم ولا عائلة – ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم فلا تجارة ولا مصلحة ولا منفعة -( تواودوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم)[2] وأقسم حضرة النبي وهو الذي يقسم ويقول ( فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور قدام عرش الرحمن يوم القيامة يفزع الناس وهم الآمنون ويخاف الناس ولا يخافون) ثم تلى قول الله[أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] فيا بشرى لمن يتحابون في الله فإن لهم هذه المنزلة العظيمة يكونون على منابر من نور قدام عرش الرحمن ومعهم لواء الأمان لأنهم تحابوا في الله على غير أرحام ولا نسب ولا منافع ولا أي أمر من أمور الدنيا وإنما محبتهم في الله ولله هذه المحبة بين الأحبة حتى تتوثق رابطتها ويقوى شأنها ويجمع الله الأحوال الطيبة التي كانت في أصحاب الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم لأهلها يلزم عليهم أن ينفذوا بقية الحديث : للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ أي لا بد أن أن يتجالسوا ليتعاونوا على البر والتقوى وليعين بعضهم بعضاً على طاعة الله وتقوى الله في ظلمات هذه الحياة فإن المؤمن وخاصة في هذه الظلمات الحالكة التي قال فيها الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم {ألا إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم}[3]يحتاج لمن يقوي عزيمته ويحتاج لمن يشد أزره ويحتاج لمن يقوي شكيمته في الحق ويحتاج لمن يحبب له طريق الصدق ويحتاج لمن يحبب إليه الفضائل والمكرمات التي كان عليها سيد السادات.فلا بد له من مجالسة الإخوة الصالحين الذين يعضدونه ويشدون أزره حتى يتغلب على متاعب هذه الحياة وإلا هوى في واد سحيق فإن الدنيا مليئة بالحظوظ والأهواء والمنافقين والكاذبين وغيرهم من الذين يزينون الباطل ويبخسون الحق ويجعلون أهل الحق إذا لم يجالسون بعضهم ويقوي بعضهم بعضاً يرتج عليهم حالهم والواحد منهم يتزلزل في نفسه وربما من شدة زلزلته يحتجب في بيته يظن أنه على الباطل وغيره على الحق لأنه يرى الباطل لجلج فالباطل هو الظاهر وهو القوي فلا بد أن يتجالسوا ليشدوا أزرهم

[1] حلة الأولياء وشعب الإيمان للبيهقي عن عاصم عن الشعبي
[2] مسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داود والترمذي الجامع الصحيح عن عمر بن الخطاب وأبي مالك الأشعري
[3] المعجم الكبير للطبراني ومسند أبو يعلى الموصلي عن جندب بن سفيان







قديم 19-03-2012, 08:37 PM   رقم المشاركة : 22
weda
( مشرفة الضحك والفرفشة)
 
الصورة الرمزية weda

موزوع قمةة الرووعه والفائدة

جزااااك الله كوول خير وجعله في موازين حسسناتكك ..،'







التوقيع :
استغفرالله العظيم .

قديم 20-03-2012, 07:41 PM   رقم المشاركة : 23
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

شكرا أختى الكريمة مضيعه قلبها وبارك الله فيك وجزاك الجنة







قديم 20-03-2012, 07:42 PM   رقم المشاركة : 24
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

منهاج الأخوة في الله
وضع الحبيب المنهاج لهذه الأخوة فقال في شأنها صلوات ربي وتسليماته عليه{أخوك من إذا نسيت ذكرك وإذا ذكرت أعانك }[1]وهو بذلك يشرح كتاب الله فإن الله عندما بين للأمة كلها من بدء البدء إلى نهاية النهايات سبب خطيئة آدم التي بها أُخرج من الجنة فإنه أُخرج من الجنة بذنب واحد فكيف يطمع غيره ونطمع نحن أن ندخلها على الرغم من أننا نرتكب قناطير من الذنوب في كل يوم والذنب الذي ارتكبه تاب عليه الله وقبل منه توبته ونحن ربما نسهو عن الذنوب ولا نتوب منها بل ربما بعضنا أن ذنوبه حسنات ويفتخر بها ويتباهى بفعلها بين خلق الله فذكر الله خطيئة آدم وذكر سببها وبين علة فعلها حتى لا نقع فيها فقال عزَّ شأنه عن آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام [وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً] ما هو سبب الذنب؟ النسيان وفتور العزيمة، فجاء الحبيب وهو الطبيب الأعظم والمعلم الأكرم بالروشتة التي تعالج هذه الأدواء فقال{ خوك من إذا نسيت - وهذا علاج النسيان [فنسي..]- من إذا نسيت ذكرك – وعلاج وخور العزيمة وضعف العزيمة – وإذا ذكرت أعانك }إذاً فعلاج هذه الأدواء هو الأخ الصالح الناصح الذي يقول فيه الإمام عمر بن عبد العزيز "عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم عدتك عند البلاء وعونك عند الرخاء" عند البلاء تجدهم معك يشدون عضدك وأزرك حتى لا تقع في سخط الله بل تتجمل بما يحبه الله ويرضاه وعند الرخاء يطلبون منك ألا تقف عند النعمة وتنسى المنعم فـ(إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى) بل يطلبون منك كلما توافرت النعم أن تزيد من شكر المنعم حتى تدخل في قول الله [لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] إذاً لا بد من المجالسة والمجالسة يقول فيها الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم ما معناه{يسأل المرء عن صحبة ساعة}يعني بذلك أنك لو صحبت رجلاً في الله ولله لمدة ساعة فإنك تسأل عن هذه الصحبة يوم القيامة إذا مرض ولم تعده وإذا غاب عنك ولم تزره ولم تتفقده وإذا احتاج ولم تعنه وإذا كان مسرورا ولم تشاركه وإذا كان مهموماً مغموماً ولم تخفف عنه كل هذه مسئوليات أوجبها عليك الله وحقوق سنّها لنا حبيب الله ومصطفاه لأنها حقوق الإخوان والإخوة في الله جل في علاه فلا بد من المجالسة والمجالسة تحتاج إلى التزاور -- والمتزاورون فيّ – لا بد أن نزر بعضنا بعضاً والزيارة وما أدراك ما الزيارة قل فاعلها في هذا الزمان وظن الناس أنهم استغنوا بمالهم وبمناصبهم وبجيوبهم وبأولادهم عن الإخوان في الله وهذا لا يكون أبداً يكفي لمن يزور في الله قول حبيب الله ومصطفاه فى الحديث المشهور الذى معناه وقد ورد بطرق عديدة و روايات متعددة { زر في الله فإن من زار أخاً في الله شيعّه سبعون ألف ملك يقولون له طبت وطاب ممشاك وطابت لك الجنة } سبعون ألف ملك يحفون بالعبد إن ذهب لزيارة أخ له في الله من مثلهم؟ لا يوجد حتى في زعماء الوجود من يمشي في ركابه سبعون ألف من هؤلاء الجنود الذين عينهم الواحد المعبود وطاقاتهم وقدراتهم بغير حدود فإن واحداً منهم حمل على ريشة واحدة من جناحه وله سبعون ألف جناح مدائن لوط كلها وهي سبع مدائن بما عليها من رجالها ونسائها وبيوتها وحيواناتها إلى السماء السابعة وقلبها في الأرض وصارت بحراً ميتاً إلى يومنا هذا وهو جندي واحد من هؤلاء الجنود {زر في الله فإن من زار أخاً في الله شيعه سبعون ألف ملك يقولون له طبت وطاب ممشاك وطابت لك الجنة}ألا تريد أن تقال لك هذه الكلمات في كل يوم أو في كل اسبوع على الأقل مرة ولا يجب أن يترك المؤمن هذا العمل لأن معه هذا الأمل يريد أن يسمع دعوات ملائكة الله الذين استجاب لهم الله ويستجيب لهم عندما يدعون للرحماء من خلق الله بل إن الله يقيض لمن يذهب لزيارة أخ له في الله ملائكة يعترضون سبيله وإن كنا لا نراهم بأعيننا لكن أهل الحقائق يرونهم بأبصارهم ويسمعون عذب كلماتهم ويقول في شأنهم الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم فمعنى الحديث{ زار أخ أخاً له في الله فاعترضته ملائكة الله وقالوا له أين تذهب؟ فقال: لزيارة أخى في الله فلان فقالوا له: هل لك عليك من نعمة تربها يعني تطلبها؟ قال: لا قالوا له:أبشر فإن الله يخبرك أنه يحبك كما أحببته في الله} يبشرونه بأن الله يحبه لأنه يعمل العمل الذي يحبه الله وهو التآخي في الله وتنفيذ قول الله [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] هذه هي الإخوة التي حببها وعضدها كتاب الله وعززها وفعلها وعمل بها ومدح صانعيها وأهلها سيدنا رسول الله وثواب الإخوة في الله لا يستطيع واحد من الأولين والآخرين أن يبين مداه لأنه في الله ولله وأجره على الله يكفيهم أنهم يوم الدين يجمعهم الله على رؤوس الخلائق أجمعين ويناديهم كما قال في قرآنه العزيز وكلامه العذب الوجيز [يا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ] لا تخافون على شيء ولا من شيء وإذا أمر بهم إلى دار النعيم فإن من كمال التكريم من الرب الرؤوف الرحيم أن يدخلهم معاً يذهبون فوجاً واحداً {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً } والتفت إلى معنى الآية فإنهم لا يحشرون إلى الموقف ولا لأرض الحساب ولا للميزان ولا للصراط وإنما يحشرون للرحمن هم وفود الرحمن عزَّ وجلَّ الذين يجلسون على منابر من نور قدام عرش الرحمن لا شأن لهم بالحساب ولا بالميزان ولا بالصراط ولا ما سوى ذلك لأن الله شملهم برعايته وجعلهم في الدنيا من أهل عنايته وفي الآخرة من أهل سعادته وفي الجنة من أهل النظر إلى جمال طلعته فإذا أكرموا بنظرة منه وأمر بهم على تمام التكريم في دار النعيم المقيم (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) كذلك يمشون مع بعضهم حتى ورد أن الحبيب صلوات ربي وتسليماته عليه قال في بعضهم وكانوا متآخين في الدنيا ويتجالسون ويتزاورون فيما بينهم ادخل الجنة، فيقول يا رب أين أخي فلان؟ فيقول الله تعالى: إنه لم يعمل مثل عملك فيقول: يا رب إني كنت أعمل لي وله "يعني إقسم عملي بيننا نحن الإثنين" فيقول الله تعالى: خذ بيد أخيك وادخلا معاً الجنة وهذا ما جعل الصالحين قديماً وحديثاً يقولون الناجي منا يأخذ بيد أخيه فإن هذه الجلسات هي التي يقول فيها الله لملائكته من فوق السبع طباق "هم القوم لا يشقى جليسهم" فمن يجلس معهم لا يشقى أبداً يعطيهم الله ما يطلبون ويؤمنهم مما يخافون فيقولون: يا ربنا إن فيهم فلاناً ليس منهم وإنما جاء لحاجة فيقول الله تعالى { هم القوم لا يشقى جليسهم }[2]فمن يجلس معهم يسعد بسعادتهم ولذلك كان القوم يقولون اللهم لا تجعل في حضرتنا شقياً ولا محروماً لأن الخير الذي ينزل من الله والعطاء الذي يتنزل من فضل حبيب الله ومصطفاه يعم الجميع لأن الكريم كرمه واسع لا يحد.

[1] الأخوان لإبن أبى الدنيا عن الحسن .
[2] صحيح مسلم عن أبى هريرة ,







قديم 21-03-2012, 10:12 AM   رقم المشاركة : 25
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

البذل فى الله
"والمتباذلين فيّ" فقد ورد عنهم أنهم كانوا إذا اجتمعوا لم يتفرقوا إلا على ذواق أي شيء يذوقونه قد يكون تمراً وقد تكون فاكهة وقد يكون طعاماً المهم أنهم يجتمعون على شيء يتذوقونه فيما بينهم لأن الرحمة تتنزل عليهم وهم يتناولون أقوات الله لأنهم يشكرون الله على عطاياه وفيهم يقول حبيب الله ومصطفاه من أكل مع قوم مغفور لهم غفر الله له وكان هدفهم نوال مغفرة الله وليس من اجل الأكل والشرب وهؤلاء القوم من أجل ما بيّن الله تآخوا في الله لكي يحوزوا هذه المكرمات وينالوا هذه الدرجات العظيمات ويكونون من المعنيين بقول الله( الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) ومن أجل أن تتحقق الإخوة يجب كما قلنا أن تكون المحبة في الله ولله وأن يكون هناك تجالس في الله وتزاور في الله وأن يكون هناك عمل بقول حبيب الله ومصطفاه {تهادوا تحابوا}[1] وفى الرواية الأخرى( توادوا تحابوا ) يجب أن يكون هناك مودة لكي تنتشر المحبة بين الأحبة توادوا تحابوا وكذلك يلزم البذل لأن أهل المدينة فازوا وجازوا ببذلهم وإيثارهم ووقايتهم لشح أنفسهم وقد قال الله في شأنهم (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) ما صفاتهم؟ (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)ثم حكم الله لهم بالفلاح فقال في شأنهم (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) لماذا حبب الله عزَّ وجلَّ ورغب رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في مجالسة المؤمنين لبعضهم ؟ إذا كان نبي الله وكليم الله سيدنا موسى عليه السلام عندما توجه إلى مولاه وناجاه وفتح الله له باب الإجابة وأمره أن يعرض طلباته ويتحقق أنها مستجابة ماذا طلب من الله ؟ لم يطلب داراً ولاعقاراً ولا مالاً ولا شيئا من طغام الدنيا وحطامها الفاني لأنه يعلم أن هذه الأمور انتهى منها الله قبل خلق الكائنات فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم { إن الله خلق الدنيا وقدر فيها أقواتها قبل خلق آدم بألفي عام }[2] وكل واحد له رزقه المقسوم والمعلوم الذي خصصه له الحي القيوم ماذا طلب؟اسمعوا إلى أعز طلب طلبه من الله [قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي] كل طلب مما سبق كلمة واحدة لكن انظروا إلى الطلب القادم [وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي] من الوزير؟ فصله[ هَارُونَ أَخِي] وأخذ يذكر المبررات لكن الطلبات السابقة كان يطلب الطلب وحسب مثل اشرح لي صدري ويسر لي أمري وحسب لكنه هنا جاء بالمبررات هارون أخي لماذا ؟[اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراًوَنَذْكُرَكَ كَثِيراً]إذاً سر الأخوة التي طلبها سيدنا موسى وفقط من أنبياء الله ثلاثة : شد أزر الإنسان ويشارك الإنسان في أمره ويشاوره في آرائه وفي أحواله فيستبين وجه الصواب[وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] وكذلك يساعد الإنسان على ذكر الله والتسبيح لله أيحتاج كليم الله إلى أخ يعينه على ذكر الله ؟ نعم إذاً ماذا نحتاج نحن ونحن الضعفاء؟[وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى] لأنه قد فتح له باب الإجابة ولذلك سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نور الوجود وباب السعود لكل موجود وكنز الحق المشهود والرحمة العظمى التي هي أغلى لنا وعندنا من الآباء والجدود والذي أعطاه الله كنوز العطاء وأمره أن يتصرف فيها بغير حدود ومع ذلك جاء بإخوانه وأمرهم أن يتآخوا على أن يكون لكل واحد أخ على الأقل في الله وهو بينهم وذلك عندما هاجر إلى المدينة ألم يأمر أن يكون لكل واحد أخ ؟ ماذا يفعل الأخ؟ قال: يشاركه يحضر واحد منهم المجلس مع رسول الله ويكون الآخر في عمله أو في راحته ثم بعد ذلك يذهب هذا لعمله ويحضر الآخر لكي لا يفوت الاثنين شيء ويخبر الشاهد الغائب في أثناء غيابه بما شاهد وما سمع من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ويعينون بعضا ويشدون أزر بعض وقد قام بمؤاخاتهم إلى أن بقى سيدنا الإمام علي ولم يتبق له أخ فقال لسيدنا علي: "يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة " فحتى سيدنا رسول الله جعل لنفسه أخا وهو سيدنا علي{أنت أخي في الدنيا والآخرة أنت مني بمنزلة هارون من موسى }[3] إذا كان من رفعه الله ورفع شأنه وقدره وقال له في صريح القرآن[وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ]جعل لنفسه أخاً يؤاخيه في الله فكيف بالواحد منا يعيش في هذا العصر عصر الظلمات والحظوظ والأهواء من غير أخ إذاً سيسقط في أقل فخ من التي ينصبها الشيطان ومن التي تعينه فيها النفس التي وصفها الرحمن بأنها أمارة بالسوء من الذي سينبه الإنسان؟ إنه الأخ المذكر وهو من إذا نسيت ذكرك وإذا ذكرت أعانك سيدنا عمر ذهب الأخ الذي آخاه في الله إلى بلاد الشام فسأل عنه فجاء من يخبره بأنه يتعاطى الخمر فقال عمر: أعطوني ورقة وقلماً وكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم [حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ] وتحت الآية كتب إذا بلغك كتابي هذا فانزع عما أنت فيه وتب على ربك عز وجل، لماذا؟ كانوا جميعاً يقولون سيدنا أنس وسيدنا أبو هريرة وسيدنا أبو الدرداء كانوا يقولون: "أخذ علينا العهد من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن ننصح لكل مؤمن" لماذا نتآخى إذاً؟ لكي ننصح بعض هل ننصح بعض بالدنيا؟إن الدنيا لا تحتاج من أحد أن ينصح الآخر فيها فلو ترك الإنسان أمر الدنيا لنفسه فإن نفسه تعرف حيل الدنيا وخدعها جيداً ، لكن يجب أن تكون النصيحة في التعريف بالدنيا حتى لا تضحك علينا وتشغلنا عمن يقول للشيء كن فيكون ونقول كما قال الله في شأن قوم [لعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] أو يقول الإنسان عند خروجه من الدنيا[أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ] فالمهم أن تعرف منزلتك عند خروجك من الدنيا؟ فإذا كان معك خمسين دكتوراه من الدنيا فإنها كلها زائلة وباطلة لكنك عند خروجك من هنا وعند باب جمارك البرزخ تجد مكتوباً [هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ]ما درجة هذا القادم لكي يستقبلوه ؟يا ترى هل يأتي الجماعة المخبرين لكي يقبضوا عليه؟وهذا واردأو يا ترى هل سيأتي جماعة من ملائكة الرحمة ليستقبلوه؟أو يا ترى هل سيأتي زعماء الملائكة لكي يعظموه؟أو يا ترى هل سيأتي الصالحين والنبيين لكي يبشروه ؟ أو يا ترى سيأتي الأمين جبريل والحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لكي يهنئوه؟وكل واحد على حسب درجته ومنزلته [هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ] فدرجتك هي ما قدمت يداك وما قدمته لمولاك [وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ] فقد أخذوا العهد على بعضهم أن ينصحوا بعضهم البعض لكن من يقول لا شأن لي فهذه ليست إخوة في الله ولله ولكنها أحوال البطالين وقريباً والعياذ بالله من أحوال المنافقين ولكن أحوال المؤمنين هي "الدين النصيحة" ومن لا يقبل النصيحة فليس منهم [وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ]فإن هذا والعياذ بالله ليس من صفوف المؤمنين لأن المؤمن يقبل النصيحة من أخيه حتى ولو كان أقل منه وكان سيدنا عمر يقول"رحم الله امرءا أهدى إليّ عيوب نفسي"ولذلك عندما ذهبت النصيحة لمن يتعاطى الخمر قال: جزى الله عمر عني خيراً تبت إلى الله ورجعت إلى الله وأنبت إلى الله وعاهد الله ألا يعود لهذا الذنب مرة أخرى أبداً وهذه كانت أحوال أصحاب رسول الله ولهم في هذا المجال أمثلة لا تعد ولا تحد يضيق عن ذكرها المقال ولكنها موجودة في صحف السيرة العطرة وطبقات الصحابة

[1] عن أيى هريرة ، سنن البيهقى الكبرى .
[2] المستدرك على الصحيحين للحاكم عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما
[3] المستدرك على الصحيحين للحاكم ، عن ابن عباس







قديم 22-03-2012, 09:52 AM   رقم المشاركة : 26
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

منافع مجالس الإخوان
ولما جاء السلف الصالح أداموا هذا الأمر وقالوا نمشي على العهد عملاً بقول الله جل في علاه [أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ]ماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يجلسون مع بعضهم وهذه المجالس كانت تخلو من الغيبة والنميمة ولا تجد فيها قيل ولا قال ولا ذكر الدنيا ولا الأمور الفانية إنما تذكير بالآخرة والأعمال الصالحة والأخلاق الراقية ليعينوا بعضهم البعض على السير إلى الله لكي يخرج الواحد منهم من الدنيا ومعه شهادة تقدير من العلي القدير ماذا كان يفعل أصحاب رسول الله ؟ تروى لنا كتب السيرة أن رسول الله كان يدخل المسجد فيجد مجالس متعددة فمنهم مجلس أهله يقرءون القرآن ومجلس أهله يذكرون الله فكان يقول كلاهما على خير وكان سيدنا عبد الله بن رواحة يهتم بمن يدخلون حديثاً في دين الله من الأغراب ويجمعهم في المسجد ويقول تعالوا نؤمن بـالله ساعة يشرح لهم قواعد الإيمان وأركان الإيمان الصحيح الذي يؤدي إلى مقام المراقبة لحضرة الرحمن عزَّ شأنه لأن الإيمان لن يصح إلا إذا وصل الإنسان لمقام المراقبة لحضرة الرقيب أما إذا كان الإيمان في الكتب وانعدمت المراقبة في القلب يكون الإيمان هش وضعيف أما الإيمان القوي فهو [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ] كإيمان أصحاب رسول الله وكذلك الصالحون لوا على أنفسهم أن يسيروا على هذا المنهج فماذا يفعلون؟ قالوا نحب بعضنا في الله ومن يحبون بعضهم في الله لا بد أن يجلسوا مع بعضهم مجلس خير وبركة قد يكون مرة في الأسبوع أو مرتين في الأسبوع ونجعلها مواعيد ثابتة لكي نعين بعضنا على طلب الآخرة ماذا نفعل في هذه المجالس؟ إما أن نتلوا آيات من كتاب الله أو نستغفر الله أو نصلي على حبيب الله ومصطفاه أو نذكر الله أو نسمع العلم من عبد فتح عليه مولاه أو نروح النفوس ببعض الحكم الدينية التي أقرها الصالحون وكانت في عصر رسول الله وسمع مثلها حبيب الله ومصطفاه وهذه هي المجالس التي وظفوها وجعلوها لكي يدخل الإنسان في قول الله (وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ) ولذلك سموها مجلس كما قال الله (للمتجالسين فيّ) وسيدنا رسول الله قالوا عنه وجد مجلساً للعلم إذاً فهي مجالس العلم أو مجالس القرآن وإذا كانت هذه المجالس تشمل كل ما سبق وهذا ما جعل الصالحين يحافظون على هذه المجالس لماذا؟ لأنه لا بد للإنسان من جلسات يقوى فيها قلبه وينقي فيها نفسه ويصفي فيها صدره لكي يستطيع أن يواجه أعباء هذه الحياة لكن لو أن الإنسان كرس حياته من العمل إلى المشاكل للمتاعب للأحاديث التي تعكر البال وتكدر صفو القلب ما الذي سيحدث؟ ستنتابه الأمراض وتتوالى عليه الأعراض كما نرى خلق الله الآن والذين ابتعدوا عن نهج المصطفى عليه الصلاة والسلام ولكن آباءنا رحمة الله عزَّ وجلَّ عليهم أجمعين والذين كانوا يسيرون على هذا النهج من منهم كان يذهب للدكتور؟لا أحد لأنه كان يفرغ هذه الشحنات مرتين في الأسبوع يذهب إلى المجلس فيفرغ شحنات الدنيا والمشاكل والمشاغل إلى حضرة الله والله عزَّ وجلَّ كان يتولى ببركة هذه المجالس تفريج الكروب واستجابة الدعاء وتحقيق الرجاء لكن الناس في هذا الزمان ولأنهم تعلموا العلوم الدنيوية هُيئ لكل واحد منهم أنه يستطيع أن يعمل بنفسه لنفسه كأن يستطيع أن يسعد نفسه أو يبني نفسه ويستطيع أن يؤمن أولاده فكان ما نحن فيه الآن فقد تجتهد إلى أن تجعل ابنك مهندساً أو طبيباً أو غيره وبعد ذلك أين يعمل وكيف ومن أين يتزوج؟وأين يسكن؟وذلك لأنك حملت نفسك الهم أما آباؤنا فقد تركوا الأمر على الله ولذلك لم يتعب منهم أحد أبداً وقد كنا ماشين بـالله وراضين عما يفعلوه معنا ولم يكن منا من يستطيع أن يتبرم أو يتضايق أو يطلب كذا أو كذا كما يفعل أبناؤنا الآن معنا وكانوا في راحة البال وعندما ينتهي إبنه من الدراسة يقول له تحمّل نفسك وأعطينا من دخلك ما يساعدنا على تربية إخوتك والله كان يعين الجميع لأنهم رموا الحمول على الله فتولى الأمور حضرة الله لكننا الآن أصبحنا شُطار [إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي] فيقول أحدهم أنا شاطر وماهر وأعرف السوق وأعرف كذا وكذا وهذا موجود الآن إذاً اجتهد يا شاطر ماذا تفعل يا شاطر ؟لكن لو توكلنا على الله ومشينا على النهج الذي وضعه لنا سيدنا رسول الله سندخل جميعاً في قول الله [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ] وحسبه يعني كافيه ويكفيه الله عزَّ وجلَّ كانت هذه أحوالهم وكانت البركات تعم البلاد لأن رب العباد وخالق البلاد قال [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ] البركة ستنزل من فوق وتخرج من تحت لكن ستأتي الخيرات بدون بركات ماذا تفعل؟ فلن تسد ولن تمد لذلك كان آباؤنا الأولين الماشين على نهج الصالحين مسرورين وكانت أحوالهم دائماً في رضى وفي تقى وفي عزة بسر اعتمادهم وتوكلهم على رب العالمين عز وجل وكما قال الإمام علي وهذه روشتته "من أراد غنىً بغير مال وعزاً بغير عشيرة وعلم بغير تعلم فعليه بتقوى الله عز وجل"وهذا هو السلاح الأقوى الذي نستطيع به أن نواجه ظلمات هذه الحياة وكيف تأتي التقوى؟ من مجالسة الأتقياء ومن مجالسة العلماء ومن مجالسة الحكماء ومن مجالسة الأصفياء وهذه المجالسات تنزع من النفس فطرها وعواهنها وتجعل المرء مؤهلاً لأن يسير مع الله ومن سار مع الله عزَّ وجلَّ كفاه الله سبحانه وتعالى كل مؤنة وكانت أحوال البلاد في تحسن وكانت الأخلاق فيها محبة ومودة وألفة لكن عندما قلت هذه المجالس رأينا الأضغان والأحقاد والأحساد وانتشرت الشرور بغير حد في كل ربوع البلاد حتى أن الإنسان الكريم الحليم ذو الخلق العظيم يحتار في قضاء مصالحه لأنه لن يجد من يقدر هذا الخلق ويقدر هذه المكارم لأن الناس الآن كأنهم في غابة وقد يكون لسكان الغابة بروتوكولات بينهم لكننا ليس مثلهم فسلطان الغابة وهو الأسد علمه الله بسجيته وفطرته مكارم الأخلاق فإنه لا يأكل من صيد غيره فلا يأكل إلا من صيد نفسه وإذا وجد شيئاً صاده غيره تأبى عليه عزته أن يأكل منه ولا يأكل مما صاده إلا مرة واحدة ويترك باقي ما صاده للعجزة من الحيوانات التي حوله لكي يقتاتوا أين هذه الأخلاق حتى بين عظام البشر الآن؟ فحتى أخلاق أهل الغابة لم نصل إليها إلى الآن من أين يأتي مثل ذلك ؟فإن يوم الجمعة التى تكون فيه الموعظة لا يدخل أحد الجامع إلا عند إقامة الصلاة لكي لا يسمعوا الخطبة وإذا جاء حديث ديني في التليفزيون لا يسمعه أحد لأنهم يريدون المسلسل أو الفيلم ولا وقت عندهم للأحاديث الدينية مع إن الحديث دقائق معدودة ولكن لا يجد من لديه الوقت ليسمعه وإذا اشترى الصحف يكون كل همه في الكرة والتليفزيون والكلام الذي لا ينفع ولكنه قد يضر أين إذاً من يقرأ كتابه لكي يسير إلى الله ويحسن أخلاقه وأحواله مع عباد الله ؟ ولم يعد الصغير يحترم الكبير ويسمع منه النصيحة ولا الكبير يستطيع أن يقدم النصيحة لأنه ربما يواجه بشتيمة وفضيحة فأصبحت الأمور لا مرد لها إلا بالرجوع إلى أحوال السلف الصالح وأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه الكرام العظام فلا بد أن تنتشر مجالس الهدى من جديد مجالس الخير مجالس النصيحة مجالس البر مجالس الذكر الذي يرقق القلب والفؤاد مجالس الرحمة مجالس المودة وهذا هو السر في أن الله عزَّ وجلَّ أمنا ووجه الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم النصائح والأحاديث المتتالية إلينا للمداومة على هذه المجالس والمداومة على سماع هذه النصائح لكي نجدد أحوالنا ونستغرق أوقاتنا في طاعة الله وننتشل أنفسنا من ظلمات ومشاكل ومتاعب وعناء هذه الحياة فنكمل المسيرة إلى الله فإذا خرجنا من الدنيا فرحنا وقلنا كما قال كتاب الله [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ]







قديم 23-03-2012, 06:28 PM   رقم المشاركة : 27
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

الابتلاء للعطاء
هل الله عزَّ وجلَّ يبتلي أعز أحبابه وأفضل مخلوقاته وهم أنبياء الله ورسله؟ نعم ولو رجعنا لكتاب الله وإلى أحاديث حبيب الله ومصطفاه نجدهما يفيضان بالأحاديث الجمة عما تعرض له أنبياء الله ورسل الله من أنواع البلاء التي صبها عليهم الله جل في علاه ومنها ما أشار إليه الرحمن عن سيدنا إبراهيم عليه السلام إذ يقول عز وجل [وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ] فليس بلاءا واحداً لأنه عبر بكلمات وكلمات يعني أنواع من البلاء وما النتيجة؟ فأتمهن أي أتمهن كما يحب مولاه وكما يرضى الله فكانت النتيجة [قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً] أي أن الله اختاره للإمامة والإمامة في هذا المقام هي النبوة والرسالة فكأنه لا عطاء إلا بعد بلاء وكما قال أحد الحكماء : "لا منحة إلا بعد محنة ولا عطية إلا بعد بلية"ومن أراد العطاء بغير بلاء فقد رام المحال لأن الله لم يرضى ذلك لأنبيائه ورسله وهم أعز الخلق عنده بل إن الحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أشار إلى القاعدة الإلهية الشاملة لجميع البرية في هذا المقام وهي التي يدور حديثنا عنها فقال صلوات ربي وتسليماته عليه {إذا أحب الله عبداً ابتلاه – لماذا؟ - فإذا رضي اصطفاه وإذا صبر اجتباه}[1] مقامان لا ثالث لهما في تقبل بلاء الله فمن يتقبل هذا البلاء بالرضا عن الله تكون النتيجة أن الله يصطفيه ويجعله من المصطفين الأخيار ويدخل في قول الله عزَّ شأنه [اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ] والرضا يعني أن يرى هذا الفعل من ربه فيسلم لأمر ربه ولا تنازع نفسه فيما قضى به ربه فلا يتقبل البلاء على مضض ولا حرج ولا ضيق ولا زهق بما قضى الله وليس معنى ذلك أن يترك البلاء بدون مدافعة لكن يدفع البلاء قدر طاقته وإذا وجد في النهاية أنه عاجز عن دفعه بكل طاقته يعلم أنها إرادة الله فيرضى بما قضى الله ويسلم الأمر لله ويعمل بقول الله لحبيبه ومصطفاه فيمن أراد الله أن يحبوهم بمقام الاصطفاء [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً] فيسلم بما قضى به الله فإن في ذلك الخير كل الخير لأن الله يجتبيه ويصطفيه كما أنبأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وإذا لم يستطع أن يكسب نفسه مقام الرضا عليه أن يصبر والصبر أن يتقبل الأمر على مضض لكنه لا يجزع ولا يهلع ولا يقول ولا يفعل شيئاً يغضب الله وهذا مقام الصبر الجميل "وإذا صبر اجتباه" وهناك فارق كبير بين المصطفين الأخيار وبين المجتبين الأطهار لأن هؤلاء أهل مقام وهؤلاء بعدهم بآلاف الدرجات في الرفعة والمقام عند رفيع الدرجات ذو العرش المجيد عز وجل إن الله يا أخذ العهد على جميع الخلق وهم أرواح نورانية أو نفوس ظلمانية ظهرت في صورة روحانية فكان منهم الأرواح النورانية وهي أرواح المؤمنين والمسلمين والمحسنين والمتقين والموقنين وهناك نفوس ظلمانية وهي نفوس الكافرين والجاحدين والمشركين والبعيدين عن رب العالمين جمع الله أرواح ونفوس الجميع حيث لا حيث ولا أين ولا تسأل أين لأن الأين للمكان وهم كانوا في حضرة قبل خلق المكان وقبل خلق الزمان في حضرة الربوبية للواحد الديان والكافر يا إخواني ليس له روح ولا قلب وإنما له نفس لكن الأرواح والقلوب للمؤمنين والمتقين والبيان في قول الله وفي كلامه سبحانه يقول [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ] أي لمن له قلب إذاً ليس كل إنسان له قلب ونقصد بالقلب القلب الذي يعقل عن الله وليس القلب الموجود في هذا الجسم أي قطعة اللحم الصنوبرية لكن القلب المقصود هو الحقيقة الغيبية النورانية التي تعقل عن الله وتتلقى كلام الله وتفقه حديث حبيب الله ومصطفاه هذا القلب عناية من الله لأهل التقى والإيمان في كل زمان ومكان أما الكافرين فهم أهل نفوس والروح مقام خاص يقول فيه الفتاح [رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ] لا تقل إن فلان روحه تفارقنا ولكن قل إن نفسه تفارقنا لا بد أن تكون دقيقاً في الإجابة وإجابتك توافق بيان الله وحديث رسول الله من الذي يمت في كتاب الله؟ [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا] الأنفس [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا] وهذا للكافرين [وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ] حتى المؤمنين هل يقول فيهم الله : يا أيتها الروح المطمئنة؟ لا ولكن يقول [ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ] لأن الروح لا تموت لأنها صفة الحي الذي لا يموت فهي من أمر الله فأخذت صفة الدوام من الله فلا تموت ولا تفوت فالجسم يفنى والنفس تفنى أو تذوق الموت ولكن الروح لا تموت أبد الآبدين لأنها من الله عز وجل [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ]فتأخذ صفة الدوام لأنها من الدائم عزَّ وجلَّ وهذه لا يحصل عليها كافر ولا مشرك ولا سافل وإنما يخص الله بها عباده المقربين والمحسنين والمتقين الذين يخصهم بهذه الروح العالية التي هي من الله رب العالمين عزَّ وجلَّ وإلا بالله عليك قس هذه القضية المنطقية العقلية من فيه روح من الله أيجوز أن يعذبه الله وهو فيه روح من مولاه؟لايجوز إذ كيف يعذبه الله وهو فيه روح من الله هذه الروح وهي سر الفتوح تحفظه من عذاب الخزي ومن عذاب البعد ومن عذاب الصدود والهجران وتجعله دائماً وأبداً في حضرة الرحمن كما قال صريح القرآن [إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ] أردت أن أوضح بعض اللبس الذي ينشأ عند بعضنا في الجامعة الحقية التي جمعنا فيها الله في يوم الميثاق وإن أردت شبيهاً لها تقريباً لوصفها ففي آيات الله ذلك فعندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أمرهم بالسجود وكان من جملتهم لأنه شاركهم في عبادتهم وإن كان ليس من نورانيتهم وشفافيتهم إبليس عليه لعنة الله وقد صدر له الأمر لأنه وسطهم وبينهم ولكن الله بين سر إبائه فقال في كتابه [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ] أصله كان من الجن لكنه عندما عاش بينهم وشاركهم في العبادة أخذ أوصافهم وإنطبق عليه حالهم فالنعيم الذي كانوا فيه كان يشاركهم فيه والأمر الذي صدر لهم صدر له معهم لأن الله يريد أن يعليهم ويرقيهم بالسجود لآدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام وهي نفس الحقيقة فهؤلاء المؤمنون أرواح نورانية وهؤلاء الكافرون نفوس ظلمانية تجلى الله لهؤلاء بجماله ولرسله وأنبيائه بكماله وللضالين وللمشركين والجاحدين والكافرين بقهره وانتقامه وكلها أسماء الله فإن الله له أسماء كمال تجلى بها لأهل الكمال وله أسماء جمال تجلى بها لأهل الجمال وأهل الوصال وله أسماء جلال أسماء قهر وانتقام تجلى بها على الجاحدين والكافرين ليقهرهم على النطق بكلمة التوحيد ليكون له عليهم الحجة يوم لقائه عزَّ وجلَّ يوم الدين حتى يكون الأمر كما قال الله [وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ] فتكون الحجة من الله لجميع خلق الله وكما تعلمون فهناك فرق بين صنفين من ولدك بين من يطيعك راضياً ويريد المزيد وبين من يطيعك رغماً عنه لأن يرى شدتك وبأسك وصولتك فيتقي شرك ويطيعك ولو وجد فرصة لعصى وامتنع عن الطاعة فكان الأمر هناك في حضرة الله لا مناص من الطاعة والكل رأى وواجه رأى ما يليق به من جمال الله أو كمال الله أو جلال الله وليست الرؤية واحدة والكل نطق وعبر عما يشعر به نحو مولاه ومن عظيم كلام الله أنه ساق هذا الخطاب كله في كلمة جامعة واحدة لا يستطيع أحد أن يلمح ما فيها من هذه التباينات إلا عباد الله العارفون الذين أشرقت أرواحهم على هذا الوادي المبين فرأوا بفضل الله أسرار بدء التكوين فقال [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا] قالوا بلى بمحبة وهم خيار الأحبة والآخرون قالوا بلى مقهورين ومرغمين ويودون أن يفروا من هذا الموقف العظيم لأن نفوسهم لا تميل إلا للدناءات والمعاصي والمخالفات فتريد أن تفر من هذا الموقف بأي كيفية من الكيفيات فقالوا بلى فسجل عليهم الحق قوله [أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ] وهنا ثبتت الحجة لرب العالمين على الخلق أجمعين.

[1] شعب الإيمان للبيهقى عن ابن مسعود .







قديم 24-03-2012, 04:13 PM   رقم المشاركة : 28
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

حكمة الخلق الجديد
أراد الله عزَّ وجلَّ وهو الفعال لما يريد أن يضع أقدار ومقادير ورتب العبيد فجعل لهم خلقا جديد ينزلون به إلى هذه الحياة الدنيا ليختبر صدقهم في ترديد كلمة التوحيد ولذلك قال ربي عزَّ شأنه مبيناً سبب ما نحن جميعاً فيه {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} ما سبب اللبس ؟الخلق الجديد وهو ما نحن فيه الآن وهو هذا الهيكل المصنوع من عناصر الأرض من الطين ومن التراب ومن الماء المهين لأنه يميل إلى هذه العناصر ويميل إلى ما منه قد صنع وما منه أوجد فيميل إليها بالكلية ولولا حفظ ربي عزَّ وجلَّ للعطية ما استطاع واحد منا أن يحفظ هذه العطية الإلهية [فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] فكانت حكمة الله في توارد الخلق إلى هذه الدنيا بينّها وقال عزَّ شأنه [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً] كما قال ربي عزَّ شأنه في الحقائق النورانية التي لا ترى بالعين الجسمانية [بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ] والملكوت هو عالم الأنوار والأسرار الذي ليس فيه أغيار وليس فيه فجار وإنما أهله هم أهل الصفاء والطهر من الملائكة المقربين وأهل عالين وعليين وأهل العبادة والطاعة الدائمة لرب العالمين عز وجل [بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ] أي خلقه بيد وقال في هذا الملك الذي نحن فيه [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ] كل ما على الأرض من زينة ومن خلق ومن كائنات من حيوانات من طيور من حشرات من نباتات من بحار وأنهار كلها خلقها الله بيده وقال فيك أيها الإنسان معاتباً من رفض السجود فيك لأبيك {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أي أنك يا أيها الإنسان قد جمعت الإثنين ففيك الملك والملكوت وأنت الوحيد الذي فيك الملك والملكوت فإن الملائكة فيها الملكوت فقط وكل ما على الدنيا فيه الملك فقط وأنت الوحيد الذي فيك الملك والملكوت فيك عالم الغيب الروح والقلب والفؤاد والعقل والعوالم النورانية التي فيك وفيك عالم الشهادة والشهادة هي ما تراه العين فيك كل شيء أوجده الله في الدنيا كل عناصر الخلق فيك وكل ذرات الأنوار فيك فأنت الفرد الجامع لخالقك وباريك عزَّ وجلَّ لأن فيك جمع الله عزَّ وجلَّ الحقائق كلها ولذلك يقول إمامنا علىَّ رضى الله عنه وكرم الله وجهه:
أتزعم أنك جرم صغير وفيك إنطوى العالم الأكبر
دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك ولا تشعر

ويقول أحد الصالحين فى ذلك :
يا صورة الرحمن والنور العلي يا سدرة الأوصاف والغيب الجلي
فيك العوالم كلها طويت فهل أدركت سراً فيك من معنى الولي

فالعوالم كلها فيك كل العوالم العالية والدانية فالسماء هي مافيك من عالم الطهر والنقاء والصفاء والأرض هي هذا الجسم وما يحويه من عناصر هذه الأرض والقلب هو النور الذي ينزل فيه النور الذي يقول فيه [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] والسر هو باب البر الذي يفتح على سر الأسرار وترياق الأغيار وروح الأخيار ويأتيك منه المدد من كنوز المواهب من عند العزيز الغفار عزَّ وجلَّ والذي فيه سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإن شئت رأيت فيك كل الحقائق العالية والعناصر الدانية فالعالية اسمها حقائق والدانية اسمها عناصركل الحقائق العالية وكل العناصر الدانية فيك وفيها يقول أحد الحكماء : "تبصرك فيما فيك يكفيك " كل شيء فيك .. فيك جبال وفيك أنهار وفيك وديان وفيك سهول فيك كل شيء في الوجود من عناصر وكل شيء من عالم الطهر من حقائق ولكن هذا يحتاج إلى أن تدير عدسات التليفزيون النورانية الإلهية التي أودعها فيك خالقك وباريك فترى فيك مالا يستطيع أحد أن ينعته من الأولين والآخرين وإليه الإشارة بقول الله عزَّ شأنه [سنريهم] – وهذا في المستقبل- {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فأنت مختصر الأكوان والأكوان هي السر الجامع الذي في الإنسان بأجلى توضيح وأرقى بيان فأنت كون صغير والكون كله إنسان كبير لأن كل ما في الكون فيك فأنت ريموت كنترول رباني كل كنوز الكون العالية والدانية معك مفاتيحها وإن شئت حركتها وإن شئت دخلتها لكن كل شيء معك وليس خارجك فالإنسان فيه كل ما في الأكوان وهذا أمر لا أريد شرحه بالتفصيل لأن الإنسان يحب أن يمشي فيه ويجول فيه بفكره بعد نقاء سره وجلاء فؤاده فيرى بنور الله ما جعله فيه مولاه لكن لا يرى بنور الحظوظ ولا بظلمات الأهواء ولا بالدنيا الدنية إذا كانت مسيطرة على أرجاء القلب فإن كل هذه تجعل الرؤية دنية فلا بد من طهارة القلب بالكلية وصفاء السر لرب البرية حتى يرى الإنسان بعين اليقين ويكون كما قال رب العالمين [كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ] ثم بعد ذلك [ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ] أي سنرى النعيم كيف؟ كما قال أحد الصالحين :
بعين الروح لا عين العقول شهدت الغيب في حال الوصول







قديم 27-03-2012, 12:56 AM   رقم المشاركة : 29
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

برهان صدق الإيمان
أنزل الله بني الإنسان إلى هذه الأكوان على أدوار بعد أن صنع هذا الهيكل من أطوار ليرى صدق إيمانهم ومدى صفاء ردودهم فيعطي لكل منهم درجاته التي إدخرها له عنده عزَّ وجلَّ ولذلك أشار إلى هذه الحقيقة وقال عزَّ شأنه {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} وهذا لا يكون لماذا يا رب؟{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} - ما الحكمة؟ وما السر يا إلهي {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } إذ كيف سيعرف هذا من ذاك؟ فعند البلاء تظهر حقيقة الأنباء التي رددها الإنسان في عالم الطهر والصفاء وهذا سر تقدير البلاء على الناس أجمعين في هذه الدنيا أما اجتباء وابتلاء المرسلين والنبيين والمؤمنين فهو لرفع درجاتهم ولتعظيم مقاماتهم لأن الله لا يختبرهم وإياكم أن يقول أحد من إخواننا العلماء أن الله يختبر بالبلاء الأنبياء وهل الله عزَّ وجلَّ يختبر أنبياءه ورسله؟ وهل يختبر عباده المؤمنين الذين ارتضاهم لهذا الدين؟ لا لكن يختبر الكافرين والجاحدين والمشركين ولكن سر البلاء للنبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين هو لرفعة المقدار وزيادة المقام وأقلهم شأناً لزيادة الأجر والثواب وأضعفهم حالاً تطهيره من الذنوب التي تستوجب العقاب فإذا كان ضعيفاً ولا يستطيع منع نفسه من الذنوب فإن الله يبتليه ليطهره من هذه الذنوب إذا فهو ليس إختبار وذلك لكي تعرفوا الفارق بين الاثنين ولا تعمموا كلام حضرة الله وإذا كان ضعيف في العبادة لله عزَّ وجلَّ فإن الله يبتليه ليزيد له الأجر والثواب وإذا كانت عنده مطامح للدرجات العالية والمقامات الراقية وليس له همة تواتيه وتوافقه على بلوغ هذه المقامات والدرجات فإن الله يبتليه ليرفعه بها إلى هذه الدرجات وهذه المقامات ولذلك يبين الله عزَّ وجلَّ لخليله سر ابتلاءه له (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) ما هذه الكلمات؟ إن فيها أقاويل كثيرة لأئمة التفسير وللعلماء العاملين وللأولياء والصالحين لكنها وفي جملتها بلاء في نفسه وبلاء في قلبه وبلاء في أهله وبلاء في ولده وبلاء في ماله وقد حددها الله وبينها، فيم ستبلونا يا رب ؟ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) قال له: وبشر الصابرين وذلك لأنهم ليس معك في المنزلة.. وما حال الراضين؟ إنهم معك ولا يحتاجون للبشارة لأنهم بلغوا المراد ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم) فهل من يركبون الطائرة معاً عند عودتهم من الحج يهنئون بعضهم بسلامة الوصول وقبول الحج ؟ لا لكن من يستقبلونهم هم الذين يهنئون (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً) نسأل الله هذه الرفقة الطيبة المباركة فقال له ربه: يا إبراهيم أتدرى لم سميتك خليلاً؟ أي لماذا أخذت هذه الرتبة؟ ( وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) قال: لا يا رب؟ قال: "لأنك جعلت بدنك للنيران ومالك للضيفان وقلبك للرحمن وولدك للقربان" فمن يريد الخلة عليه أن يكون جاهزاً لمثل لهذه الأمور لكي يصبح خليلاً لله ولذلك فإن ربنا ينصحنا ويقول(وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) أين مقام إبراهيم؟ هل هو ذلك الحجر الذي هناك؟ إنه موضع أقدام الخليل ولكن مقامه هو مقام الخلة واتخذوه مصلى أي عليكم أن تحاولوا الوصول إليه ورتبوا أنفسكم وجهزوا أرواحكم أن تعملوا وتفعلوا لتنالوا مقام الخلة لأنه هو المقام العظيم عند العظيم عزَّ وجلَّ ومقام الخلة علاماته وبشاراته (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) إذا فهو ليس وحده في الفصل لأنه كما أشارت الآية فإن الموقنين كثير فأول واحد في الكشف هو سيدنا إبراهيم لكن الكشف يحوي كثير غيره وهم الموقنون وأهل اليقين الذين اعدوا للبلاء الرضا عن الله عزَّ وجلَّ في كل وقت وحين وجهزوا لحضرته الرضا من أنفسهم فلا يتغير حالهم ولا يتوتر شأنهم ولا ترهق نفوسهم ولا يتعكر مزاجهم ولا يروح ويجئ فكرهم لأنهم على يقين أن محبوبهم إذا ابتلاهم فإنما ليجتبيهم ويصطفيهم ويبلغهم مقام عظيم عنده ولا شيء غير ذلك لأننا خرجنا من دائرة الإختبار بفضل الله ولأننا من الأطهار والأخيار وبذلك قد وضحنا البلاء وبيناه بالنسبة لأنبياء الله ورسل الله والصالحين من عباد الله أجمعين في هذه الدنيا وقد يقول واحد منا لماذا لا يعطينا الله عزَّ وجلَّ هذه المقامات العالية وهي مقامات الإجتباء والاصطفاء بدون بلاء؟ لأن الله عزَّ وجلَّ آل على نفسه العدل وحرم على نفسه الظلم (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) وحتى يكشف الله لجميع أهل الموقف أن هؤلاء ما أخذوا إلا ما يستحقونه ودس الله عزَّ وجلَّ في خفية عن العيون مدد لطفه ومعونته وتوفيقه للأتقياء الأنقياء فقبل أن ينزل لهم أو عليهم البلاء ينزل عليهم مدد اللطف والمعونة من السماء حتى إذا نزل البلاء كانوا جاهزين لتحمل الأمر والرضا عن الله فسبحان من انزل البلاء وأعان عليه ثم يثيب ويرفع الذكر والأجر عليه وهذا توفيق من الله وبالله وإليه لعباد الله عزَّ وجلَّ المؤمنين لكن الله لو انزل علينا ذرة واحدة من البلاء بدون لطف ومعونة من السماء هل يستطيع الواحد منا أن يتحمل شكة إبرة؟ لا والله يا إخواني لكنه ينزل جند لطفه ومعونته وتوفيقه ثم ينزل البلاء ليزيد الأجر والثواب أو يخفف الذنوب ويستر العيوب أو يرفع المقام ويجعل هذا الإنسان من عباد الله الصالحين الذين استحقوا الدرجة العظيمة عند رب العالمين عز وجل ولذلك فإن الله يضرب لنا المثل تلو المثل بأنبيائه ورسله وقد نوع عليهم ألوان البلاء حتى لا تظن أنك وحدك الذي أفردت بالبلاء فلك مثل وأسوة وقدوة في كل بلاء بعباد الله المرسلين والنبيين وليس الأتقياء فقط فإذا أدخلت السجن ظلماً فإن يوسف دخل السجن ظلماً وإذا حرمت من الأب والأم صغيراً بغير جريرة ولا سبب فإن رسول الله وكذلك يوسف قد حرما من الأب والأم بلا ذنب ولا جريرة وإذا تعرضت لجبارين فإن كل أنبياء الله تعرضوا لأعتى الجبابرة إبراهيم للنمروذ وموسى لفرعون ورسول الله لأبي جهل وقد قال فيه: فرعوني أشد علىَّ من فرعون أخي موسى عليه وإذا كنت قد حرمت من نعمة الولد فإن إبراهيم لم يحصل على الولد إلا عند الثمانين عاماً وبعد أن أعطاه الله مناه أمره أن يأخذه وأمه ويجعلهم في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا أنيس ولا ماء وبعد أن بلغ ريعان الشباب وأصبح يسر الناظرين أمره أن يذبحه حتى لا تبقى في قلبه شعبة لغير رب العالمين لكي لا ينشغل إلا بالله جل في علاه وهنا سر آخر من أسرار البلاء أن الله يريد من العبد ألا ينشغل إلا بمولاه فإذا مال القلب لأي ناحية من الأنحاء سلط الله عليه البلاء ليرجع إلى الله ويقول : يا رب ادفع عني هذا أو سهل لي هذا فيرجع إلى الله فلا يرد العبد إلى مولاه إلا البلاء الذي يتعرض له في هذه الحياة لكن لو غطى بالنعيم(كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) وإذا كنت لم ترزق إلا بالبنات فإن نبي الله لوط لم يرزق إلا بالبنات وحبيبنا صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعش له من جملة أولاده إلا البنات وإن كنت تقول الدنيا ومشاغلها تشغلني عن طاعة الله فما عذرك الذي تقدمه إلى الله إن أقام عليك الحجة وقال لك : أيهما كان أشغل أنت أم النبي الملك سليمان على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام الذي سخر الله له الريح وسخر الله له الجن وأتاه ملكا لم يأته أحد من الأولين والآخرين ومع ذلك لم ينشغل عن الله طرفة عين وإن كانت تحدثك نفسك أنك مشغول بالعبادة فلا يجب أن تسعى لتحصيل القوت وعلى الخلق أن يعينوك ويكفونك القوت فقل لها وهل بلغت في العبادة مبلغ داود عليه السلام وقد قال في شأنه نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم السلام {ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده } وإن زعمت أنك تيأس من رحمة الله لأنك لا تجد من يعينك في بلدتك على طاعة الله ولا تجد إخواناً فقد قال الله في شأن لوط (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ) ومع ذلك لم ينشغل عن عبادة الله لحظة أو أقل وهكذا أقام الله الحجة على عباده أجمعين بالنبيين والمرسلين ثم أقام الحجة في كل عصر بالأولياء والصالحين فإن الله نوع عليهم البلاء وأقامهم في أصناف الابتلاء ليكونوا حجة على الخلق في زمانهم حتى يكون لله الحجة البالغة ستقول كيف أصل إلى الله وأنا مشغول بالسعي على الأرزاق يقول لك الكريم الخلاق: اعلم علم اليقين أن أكمل الأولياء في زمانك وفي عصرك لا تشغلهم المشاغل الكونية رغم شدتها وزحامها عن الصلة بالله وعن دعوة الخلق إلى الله وعن القيام بمهام الرسالة التي كلفهم بها سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما عذرك أيها المتواني وما قولك أيها القاعد والمتقاعد والمتكاسل؟ وإن قلت إن ما معي من المال لا يكفي لدعوة الله والعيال يقول لك المولى عزَّ شأنه :أتشك في الرزاق وأنت ترى مدى إغداقه وإكرامه الذي يملأ به الصالحين في زمانك وفي غير زمانك حتى أن الناس تحسبهم وجهاء وبعض الناس الجهلاء يحسبهم أغنياء من شدة تعززهم بالله وولاية الله التي شملتهم في هذه الحياة عليك أن تقبل على الله وانظر ماذا سيصنع معك الله وهل رأيت مقبلا على الله تركه مولاه وتخلى عنه لسواه؟ لا يكون ذلك أبداً وهو الذي يقول ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) إذاً حجة الله على الخلق هم الأنبياء والمرسلين السابقين والأولياء والأفراد المعاصرين في كل زمان ومكان هكذا حكم الله ولذلك طلب منا الحبيب أن نقرأ قصص الأنبياء وقال في شأنهم ربي عز وجل (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) وكان الحبيب يقص عنهم ويخبر عنهم وكذلك الصالحون أمرونا أن نقرأ قصص الصالحين لنمشي على نهجهم ونسير على هديهم وقد قال أحد الصالحين في شأنهم "حكايات
الصالحين جند من جند الله تقوى قلوب المريدين على السير إلى حضرة الله جل في علاه"







قديم 31-03-2012, 03:32 PM   رقم المشاركة : 30
الفتى المرموز
Band
 





الفتى المرموز غير متصل

غرس الإيمان
الشيء الوحيد الذي يحفظ العبد من الافتتان ويوفقه للرضا عن الله في كل وقت وآن هو غرس الإيمان في صدره وتثبيت جذوره في قلبه ولذلك فإننا نتسائل لماذا أمرنا الله عزَّ وجلَّ أن نحتفي كل عام بالأعمال التي قام بها إبراهيم وزوجاته وإسماعيل؟ و يجيب الله على ذلك فيقول في كتابه {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}
دروس عظيمة ومن جملة هذه الدروس درس سار عليه خليل الله وكل أنبياء الله ورسله هذا الدرس جعلهم في حياتهم الدنيا يعيشون حياة هانئة زوجات قانتات مطيعات وأبناء بررة كرام لا يحدث بينهم وبين زوجاتهم مشكلات ولا بينهم وبين أبنائهم معضلات ولا خلافات ولا منازعات ناهيك عن فضل الله العظيم وثوابه الكريم في الدنيا ويوم الدين ما هذا الدرس الذي نريد أن نتعلمه أجمعين؟ هذا الدرس يشير إليه الخليل إبراهيم ومن بعده اسحق ويعقوب ومن وليهم وتبعهم من النبيين فيحكي عنهم الله قولهم {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } الدرس الأول الذى يلقنونه لأبنائهم وزوجاتهم هو الإيمان بـالله عز وجل الثقة في الله وتفويض الأمور كلها لحضرة الله والإعتماد في قضاء كل مصلحة وكل ملمة وكل أمر على حضرة الله والاستعانة بتوفيق الله ومعونة وقوة الله على إنجاز أي أمر أو أي مهمة وإذا جاءت مشكلة أو كارثة أو نكبة رفعوا الأمر إلى الله وفوضوه لحضرة الله فيدفع الله عنهم ببأسه وقوته كل كرب وكل شدة ذلكم هو ملخص قصة إبراهيم وزوجاته وأبنائه أجمعين أول درس يلقنه له قبل تعلم اللغات وقبل دراسة الرياضيات وقبل الجلوس أمام الكمبيوترات وقبل مشاهدة الشاشات والفضائيات أن نحصن قلوبهم بتقوى الله وأن نملأ صدورهم بمراقبة الله ونعلمهم علم اليقين قول الله جل في علاه{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} وبعد ذلك {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وإذا استوعبوا هذا الدرس نم قرير العين فإن زوجك لن تعصى لك أمراً وإن ابنك لن يخالفك في طرفة عين أو أقل لأنهم معك في تقوى الله وطاعة الله حتى ولو أحاط بهم ألد الأعداء ووجهوا بأعتى الطغاة فإن الله يجعل لهم مخرجاً ببركة تقوى الله جل في علاه تلكم هذه القصة : هذه هي الزوجه الجميلة التى كانت أجمل نساء حواء بعد حواء السيدة سارة ساقها الجنود الأشداء إلى فرعون مصر وكان رجلاً شهوانياً لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيل ماذا تصنع بعد أن اختلى بها والجنود يحيطون بالمكان من كل الجهات؟ رفعت القلب والأكف إلى من بيده الخلق والأمر كله وهي تعلم علم اليقين قول رب العالمين {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ماذا كانت النتيجة؟مد يده إليها فشلت يده فاستغاث بها وقال لها: إدعي ربك أن يحل عن يدي ما هي فيه وأعاهدك ألا أمدها إليك مرة ثانية فدعت الله فاستجاب لها الله ففكت يده بأمر الله لكن الشيطان دار برأسه ونفسه لعبت بجسمه وحسه فنكث وعده وهم بأن يمد يده إليها مرة أخرى ماذا كانت النتيجة ؟تخشب جسمه كله إلا لسانه وأصبح وكأنه قطعة من الثلج فأسرع إلى الإستغاثة بها وصاح وبأعلى صوته يدعوا جنده ويقول لهم أخرجوا هذه الشيطانة من عندى ويعاهدها على أنها إن دعت الله فرجع إلى حالته فلن يمسها بسوء ويغنيها من خير الله وفضل الله جل في علاه العجب في هذه القصة ليس من تخشيب يده أو جسمه ولكن أنها إذا دعت الله يستجيب لها ويفك يده ويفك جسمه فكأنها معنية بقول الله {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } وكانت في ذاك الوقت لا تخشى من فرعون ولكنها كانت تخاف من شدة غيرة إبراهيم فأسرعت إليه وهي ترتجف من شدة الخوف خوفاً من الظنون التي ربما يظنها فيها والوساوس التى هى على يقين أن الله يحفظه منها ولكن النفس البشرية لها تداعيات إنسانية فلما وقفت أمامه وأرادت أن تحدثه قال لها : لا تخافي لقد كشف الله القناع عن بصري فرأيت كل شيء يحدث لك وأنا في مكاني {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } فأعطاها فرعون جارية تخدمها وأعطاها من خيرات الله التي عنده ما تغنى به وزوجها أبد الدهر ولما كانت لا تنجب قالت برضاء خاطر:يا إبراهيم تزوج بهاجر لعل الله يرزقك بولد منها يكون قرة عين لي ولك فرزقه الله عزَّ وجلَّ منها الولد وإياك أن تصدق قول اليهود ومن عاونهم أنها غارت من هاجر وابنها فقالت له إرميهما في الصحراء لأنها لو كانت قد غارت من هاجر وابنها وطلبت منه أن يبعدهما عنها وإبراهيم رجل عاقل حكيم لكان أبعدهما في بيت آخر في نفس البلدة أو أسكنهما في بلدة قريبة فيها أناس يأتنسون بهم وفيها طعام وشراب وما يحتاجون إليه لكن لماذا أخذهما إلى الصحراء التى ليس فيها زرع ولا ماء ولا أنيس ولا شيء؟ ليعطينا الله عزَّ وجلَّ الدرس الأمثل في تعليم أنبياء الله فإن إبراهيم بمجرد أن تزوج هاجر كان أحرص ما يحرص عليه أن يلقنها درس الإيمان والثقة بالله جل في علاه قبل أن يقضي شهوته وقبل أن يقضي حاجته كانت مهمته الأولى مع زوجته أن يحصنها بتقوى الله وصدق الإيمان في الله جل في علاه ولذلك عندما تركها وابنها في هذا المكان ومشى دار هذا الحوار قالت له: يا إبراهيم لمن تتركنا هاهنا؟ فلم يجبها فكررت السؤال مرتين ولم يجبها فقالت في الثالثة: أالله أمرك بهذا؟ قال : نعم قالت: إذن لا يضيعنا فلم تنازعه ولم تحاكمه ولم تشاتمه ولم تقل له لائمة وهو حقها لم تتركنا في هذا المكان الذي لا زرع فيه ولا ماء فيه ولا أنيس فيه؟لكنه علمها أن الله لا يضيع أهل الإيمان بالله جل في علاه ولذلك عندما نفذ زادها ونفذ ماؤها وجاع صبيها واحتارت في رضاعه أخذت تمشي مهرولة بين الصفا والمروة وهي مسرعة تبحث له عن ماء وأخيراً وجدت الطيور فوقه فخشيت عليه فأسرعت إليه فوجدت الماء قد نبع من تحت قدميه وجبريل أمين وحي السماء يقف بجواره يحرسه من طغيان الماء لأن الماء فار ولو ترك الوليد لغرق في هذا الماء الذي خرج من هذه الأرض فأخذت تزمه وتقول زمى زمى وقال لها الأمين جبريل: يا أمة الله لا تخشي الضيعة فإن الله عزَّ وجلَّ قيض لهذا الوليد وأبيه أن يبنيا بيتاً لله في هذا المكان فاطمأنت إلى صنع الله وعلمت أن الله عزَّ وجلَّ لا يضيع من اعتمد عليه في أي شأن وفي أي أمر مهما انقطعت الأسباب لكن باب مسبب الأسباب يحل كل المشاكل في الوقت والحين لأنه يرزق من يشاء بغير حساب ثم إن الغلام كان أول درس لقنه له أبوه هو الإيمان هل يوافق ولد على أن يقوم أبوه بذبحه ويستسلم له ولا ينازعه؟ وهل يجرأ والد أن يشاور ولده في ذبحه؟بل إنه إذا أراد ذبحه يأخذه على غرة وفجأة ولا يشاوره لأنه يعلم مسبقاً أنه لن يرضى بهذا الصنيع لكن الأستاذ العظيم في الإيمان في الله يعلم أن تلميذه النجيب في درس الإيمان بالله سيستسلم معه لأمر الله فقال له كما قال كتاب الله {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} لو قال له إن الله أمرني بذبحك لكان هذا سهلاً على الغلام أن يصدق به ويستسلم له ولو قال إن وحي السماء وأمير الوحي نزل بكتاب من الله يأمرني بذبحك لكان عليه أن يصدق ويستسلم لأمر الله لكن البلاء شديد قال {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} ماذا قال الغلام الذي تعلم درس الإيمان؟{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} من الذي عرف الغلام أن ذلك أمر وأن رؤيا الأنبياء وحي وأنها أمر من الله عز وجل؟ ثم انقلب الولد وإذ به هو الذي يسدي النصيحة لأبيه ويخاف على أبيه من أن يتقاعس في تنفيذ أمر الله الولد الذي سيذبح هو الذي يقول لأبيه يا أبت اشحذ المدية يعني حمي السكين جيداً واربطني جيداً بالحبال وكبني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ وانزع القميص عنى حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن الولد الذي سيذبح هو الذي ينصح الأب؟ نعم لا عجب لأنه الإيمان بالله جل في علاه الدرس الأول الذي علمه له أباه هو درس الإيمان بالله وفي الله جل في علاه ولما أوثقه وكتفه بالحبال قال: يا أبت ماذا تقول عني الملائكة أتقول أنى خائف من تنفيذ أمر الله عز وجل؟فك الحبال عني ولن يتحرك مني عضو ولن يضطرب مني عضو لأني سأستسلم لأمر الله جل في علاه فقد رأى أن الربط بالحبال يناقض التسليم الذي قال فيه المولى الكريم {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} فوضع إبراهيم السكين على رقبته ولم تقطع حتى أن الله عزَّ وجلَّ أمره أن يحدثها فقال لها: مالك يا سكين لا تقطعي عنق إسماعيل؟ فأنطقها الله وقالت له: وما للنار لم تحرق جسدك يا إبراهيم؟ وهنا نزلت العناية الإلهية وفداه الله بذبح عظيم كبش نزل من الجنة وهل الجنة فيها مراعي ترعى فيها الكباش؟إن الجنة يقول فيها الحبيب {فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر}[1] والكبش تراه العين لكنه هو الكبش الذي قدمه هابيل عندما حدث خلاف بينه وبين أخيه قابيل وكان هابيل يرعى الأغنام فقدم كبشاً ثميناً وكان قابيل يشتغل بالزراعة فقدم زرعاً رديئاً فنزلت سحابة من السماء أخذت الكبش وصعدت به إلى السماء وأودعته في الجنة وظل في الجنة حتى نزل فداءاً لإسماعيل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام كان هذا المنهج النبوي هو الذي عليه الحبيب وصحبه الكرام فكانت زوجاتهم وبناتهم وأبناؤهم كلهم على تقوى من الله عزَّ وجلَّ فكانت البنت إذا خرج أبيها في الصباح لطلب الأرزاق هى التي تقول له: يا أبتاه تحرى لنا رزقاً حلالاً فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار وكان الرجل يمشي في الأرض ليس عليه شاهد إلا خالق السموات والأرض ويستحي من الله أن يراه الله عزَّ وجلَّ واقعاً في معصية تغضب الله جل في علاه فكانت المدينة المنورة في حياة آمنة مطمئنة هانئة لا يوجد فيها مشاكل ولا منازعات ولا خلافات بين الأفراد ولا بين الأسر ولا بين العائلات لأن قلوبهم كانت عامرة بالإيمان بالله ذهب سيدنا أنس بن مالك في جولة تفقدية إلى البصرة ليرى فيها أحوال المسلمين فوجد الغش في الأسواق والفساد في المعاملات ومثل هذه الأشياء وقد امتلأ بها هذا المجتمع فذهب إلى المساجد فوجدها عامرة بالمصلين ونظر إلى الكتاتيب فوجدها مليئة بالصبيان الذين يحفظون كتاب الله عن ظهر قلب فاختبرهم فوجدهم مع شدة حفظهم لكتاب الله يكذبون وينافقون ولا يتورعون فقال "كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن وأنتم تتعلمون القرآن قبل الإيمان" كانوا يتعلمون الإيمان أولاً فإذا تعلموا القرآن راقبوا حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ ونحن والحمد لله القرآن في كل ربوع بلادنا يتلى وما أكثر حفاظه وما أكثر التالين له والقارئين له والمساجد عامرة لكننا نحتاج لكي نرتاح في بيوتنا ونطمئن على أولادنا ولا يحدث ما يفسد العلاقات التي بيننا وبين زوجاتنا أو بيننا وبين إخواننا إلى أن نوثق الصلة التى في قلوبنا بالله جل في علاه فهذا هو العلاج الوحيد لما تفشى في مجتمعنا من أمراض أخلاقية وأحوال نفاقية وأمور استعصت على الحل بالقرارات الوزارية والقوانين الدستورية فإنه لا يصلحها إلا تعلق القلوب بعلام الغيوب عز وجل.

[1] مسند بن حنبل و المستدرك عن ابن سعد







موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:08 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية