بسم الله الرحمن الرحيم
يصف اليهود الحقوق الفلسطينية بأنها مطالب ، وهم يريدون بهذا تهوين حقوق أهل فلسطين ، فأصبحت بذلك قضية المستوطنات حقاً يهودياً !!، وأصبحت عودة الفلسطينيين إلى وطنهم مطلباً فلسطينيًّا!! ، وأصبحت القدس كعاصمة أبدية حقا يهوديا !!، وحقنا في القدس مطلباً فيه نظر !! وبعد أن كانت عودة اللاجئين إلى أرضهم حقاً لا تنازل عنه، أصبحت مطلباً يمكن استبداله بالتعويض . وهكذا فإن المصطلح الصواب هو الحقوق الفلسطينية ، و المصطلح اليهودي هو المطالب الفلسطينية .
لقد استطاعت الدعاية الصهيونية المنظمة أن ترسخ ثلاثة مفاهيم مغلوطة أصبحت ـ مع تكرار استعمالها وبمرور الوقت ــ كالمسلمات التي تحرك الفكر الاستراتيجي الصهيوني على مختلف مساراته: السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، التربوية، والإعلامية.
وتتمثل تلك المفاهيم / الأكاذيب في:
1 ــ فلسطين هي أرض الميعاد
2 ــ اليهود هم شعب الله المختار.
3 ــ العرق اليهودي أسمى من بقية الأعراق البشرية.
وهذه المفاهيم ليست قديمة قدم الديانة اليهودية، ولكنها ولدت ونمت خلال القرن التاسع عشر على أيدي نفر من الصهاينة الأوائل الذين ابتدعوا مفهوم (الصهيونية) وحوّلوه إلى أيديولوجية تجتمع حولها طوائف اليهود المشتتين ــ آنذاك ــ في أنحاء العالم كافة.
واستمر الترويج لتلك الأكاذيب عالميا بتنظيم واتقان من 1812 حتى 1897 حين انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا. ويحسن بنا قبل أن نفند هذه الأكاذيب الثلاثة أن نوضح فروقاً ضمتها قائمة التعبيرات الصهيونية التي تم ضبطها تبعاً لمعجم (المفردات الصهيونية) لبربارا ويل، وهذه الفروق ــ المتضمنة في قواميسهم ــ توضح لنا تركيز اليهود على التفرقة الدقيقة بين المصطلحات الصهيونية فهناك:
ــ الصهيونية الثقافية
التي تؤمن ــ كما يقول قاموسهم ــ بأن الاستيطان الناجح وإعادة إسكان أرض إسرائيل (فلسطين) يستند إلى الحاجة لإعادة إحياء الثقافة اليهودية، واللغة العبرية. وبالتالي يمكن أن تصبح أرض إسرائيل (فلسطين) مركزا ثقافيا وروحيا مهما لليهود. بمعنى انها تجتذب اليهود الى ما تسميه الصهيونية (أرض الميعاد). وهذه الصهيونية الثقافية قامت أساساً على أفكار الحاخام (آهاد).
ــ الصهيونية الواقعية
وهي من المظاهر المبكرة للحركة الصهيونية الحديثة. وهي تنادي بعودة اليهود الى أرض اسرائيل "فلسطين" والاستيطان بها دون حاجة الى اتفاق سياسي مع أي طرف آخر.
ــ الصهيونية الدينية
وهي تؤمن بأن القومية اليهودية ليست مجرد هدف سياسي، بل هي هدف ديني يجب تحقيقه في شكل "وطن" لليهود في أرض فلسطين، وطن يقوم على الربط ما بين التوراة (الدين) والعمل الواقعي.
ــ الصهيونية التركيبية
مصطلح صاغه تشايم وايزمان وهو ينادي بمزج الأهداف السياسية للوطن اليهودي مع الأهداف الواقعية للاستيطان والعمل والثقافة اليهودية في أرض إسرائيل (فلسطين).
هذه الفروق بين أربعة أنواع من "الصهيونية" ويعترف بها القاموس اليهودي المعاصر، تصب جميعها في خانة واحدة هي: التبشير بأرض اسرائيل المقصود بها فلسطين ــ بوصفها وطناً قومياً يجمع شتات يهود العالم تنفيذاً لما وعدت به التوراة.
ــ أكذوبة أرض الميعاد
يستند اليهود في ترويج هذه الأكذوبة إلى نص في العهد القديم (التوراة) يقول فيه الرب مخاطباً ابراهيم الخليل "لنسلك ــ أي لذريتك ــ أعطي هذه الأرض: أرض كنعان". والمعروف من تراث اليهود أن لهم إلهاً يسمونه (يهوه) غير إله ابراهيم عليه السلام فإله ابراهيم ــ عليه السلام ــ هو الله سبحانه وتعالى خالق السماء والأرض فأي إله يا ترى صاحب هذا الوعد؟ إن كان هذا الوعد من إله ابراهيم فهذا كذب على الله تعالى. فقد صرَّح القرآن الكريم بقطع الصلة بين ابراهيم وبين من جادلوا فيه بعد عصره من اليهود والنصارى، فقال سبحانه وتعالى: ياأهل الكتاب لِمَ تحاجون في ابراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون آل عمران: 65.
ــ أكذوبة "شعب الله المختار"
من الحيل اللاشعورية المعروفة لدى علماء الصحة النفسية مايسمى عندهم بـ"الإسقاط" ومعناه أن يُسقط الإنسان مابداخله من نقائض أو عيوب على غيره ــ في محاولة لا شعورية منه للتكيف الاجتماعي ــ بحيث يمكن بسهولة أن نستدل على حقيقة الإنسان وخفايا نفسيته من خلال مراقبة الاتهامات التي يوجهها للآخرين.
هذا هو ما فعله اليهود تماماً، فهم يعلمون عن أنفسهم أنهم أحط البشر وأنهم أكثر البشر عدواناً على حقوق الله سبحانه وتعالى، فقد كفروا به وقتلوا الأنبياء، وفعلوا ما لم تفعله غيرهم من الأمم من المعاصي والخطايا. وكانوا ــ في جميع العصور ــ مضرب المثل في التهاون بتعاليم الله وأوامره ونواهيه.
وبدلاً من أن يستغفروا ويتوبوا ويلتزموا جادة الطريق، تمادوا في غيهم وزعموا أنهم أقرب الناس الى الله تعالى وأنهم آمنون من غضبه وسخطه. وهكذا زادوا غيَّاً على غيهم. وظلماً على ظلمهم. وبلغت بهم درجة الوقاحة الادعاء بأنهم "أحباب الله "، اختارهم من بين عباده ليكونوا صفوته من خلقه. تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا.
إن هذا الاتهام الباطل والتطاول البشع على ذاته سبحانه ليس الوحيد من بني اسرائيل فقد اتهموه ــ جل شأنه ــ بما هو أبشع مما يعف عنه اللسان والقلم، ولا نجد ضرورة لإثباته هـــنا لما فيه من بذاءة وتطاول. ولأننا هنا معنيون ــ فقط ــ بتناول ما له صلة بدعوى أنهم (شعب الله المختار) التي يروج لها اليهود.
إن الله تعالى عادل، ولا يجوز في حقه ـ سبحانه ـ أن يقال انه منحاز إلى هذا الفريق أو ذاك من عباده. قال تعالى: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يُعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.. المائدة: 18.
لا دليل لديهم:
واليهود في دعواهم هذه بأنهم شعب الله المختار، لا يقدمون دليلاً علمياً أو تاريخياً أو دينياً. وإنما هو محض "وهم" اختلقه ساستهم وسادتهم وصدقوه.
أكذوبة نقاء العِـرْق اليهودي
تتصل هذه الأكذوبة ـ الى حد ما ـ بسابقتها، فاليهود يزعمون أنهم وحدهم ـ دون سائر البشر ـ ينتسبون إلى سام بن نوح. وقد كان أول من نشر مفهوم "السامية" العالم النمساوي "سلوتزر" عام 1781م وكان يقصد بها تلك الشعوب التي تزعم انها من نسل سام بن نوح وتبنى علماء الغرب وكتابه هذه الخرافة التي لا يدل عليها أي دليل علمي تاريخي قاطع. كما تفتقر الى أي أساس لغوي أو لهجي يمكن اعتماده دليلاً على صدقها. بل إن العكس هو الصحيح. فالكنعانيون ـ سكان فلسطين الأوائل ـ هم الساميون العرب الخُلص. فقد ورد اسم (العرب) في الكتابات البابلية والآشورية. كما أطلقه الفرس واليونان على سكان الجزيرة العربية منذ ألف سنة قبل ميلاد المسيح.
معنى العداء للسامية
وقد ابتدع الفكر اليهودي مصطلح "عداوة السامية" ليلصقوه بأعدائهم بوصفه اتهاماً بالعنصرية، يتألفون بذلك قلوب الغرب المرهفة التي تمقت العنصرية وتدّعي انها متحضرة لأنها تتبنى مبادىء الاخاء والمساواة بين البشر.
يزعم الغرب هذا الزعم، وينسى ما يمور به تاريخه من مظالم ضد السود من الأفارقة وضد الهنود الحمر، بل وضد اليهود أنفسهم الذين كانوا ـ في كل زمان ومكان ـ مثار قلاقل واضطرابات لأي دولة تحتضنهم وتحفظ لهم حقوقهم.
وقد استطاعت الدعاية الصهيونية من خلال هذه الأكذوبة أن تروج خرافتين كبيرتين:
الأولى : ان العرب ليسوا "ساميين" وانهم بهذه الصفة أعداء للسامية التي هي حكر على اليهود وحدهم.
الثانية : ان كل عداء للسامية هو بالضرورة "عنصرية" تمثل تهديداً للحضارة الغربية التي جوهرها المساواة بين البشر ومحاربة التمييز العنصري والتمايز العرقي.
والمؤسف، ان بعض الكتّاب العرب انساقوا وراء هذا التصنيف الصهيوني. وحاولوا ـ ربما بحسن نية أحياناً ـ تبرئة العرب من معاداة السامية. دون أن يناقشوا أصل القضية: وهي أن العرب أنفسهم هم الساميون. وانه لا دليل مطلقاً على صحة انفراد الصهاينة بهذا النسب إلى سام بن نوح.
وإن من أهم واجبات الإعلام العربي والإسلامي أن يفتح أبواب المناقشة ــ وبمختلف اللغات الدولية لاسيما الانجليزية ــ في هذه الأكاذيب لفضحها وتفنيدها وبيان تهافتها أمام شعوب الأرض كافة حــتى لا تصبح مسلمات تتقبلها العقول دون مناقشة أو تفكير.
(قص-لصق-تلوين)