العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > المنتدى الثقافي
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-01-2013, 01:34 AM   رقم المشاركة : 111
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

حسن الظن بالاخرين
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحسان الظن بالآخرين وعدم التشكيك في ضمائر الناس، والحكم عليهم بما نراه ونسمعه بأنفسنا، فالذي يعلم البواطن والسرائر هو الله وحده، وليس من حق أي إنسان أن يردد شائعات كاذبة حول إنسان آخر.

حسن الظن بالناس خلق إسلامي أصيل أرشدنا إليه القرآن الكريم وتعلمناه من رسولنا صلى الله عليه وسلم، وشيوع هذا الخلق بين الناس يحمي المجتمع من مصائب كثيرة فالأمة السعيدة الرشيدة هي التي يكثر فيها الأفراد الذين يبنون علاقاتهم مع غيرهم على حسن الظن، وعلى عواطف المحبة المشتركة، والمودة الخالصة والتعاون المتبادل، والثقة الوثيقة والابتعاد عن سوء الظن دون أن تكون هناك ضرورة تدعو إليه، إذ من دعاء المؤمنين الصادقين: (رَبنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً للذِينَ آمَنُوا رَبنَا إِنكَ رَؤُوفٌ رحِيمٌ) (الحشر: 10).

خلق إسلامي

والذي يتدبر القرآن الكريم وتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أن حسن الظن في مواطنه خلق من أفضل الأخلاق التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم، وفضيلة من الفضائل التي يجب أن تسود المجتمع الإسلامي المستقيم على أمر الله، وأن سوء الظن دون مقتضى ليس من أخلاق المؤمنين الصادقين، فقد قال الله سبحانه عندما أشاع المنافقون حديث الإفك عن السيدة عائشة رضي الله عنها: "لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مبِينٌ" (النور: 12).



ولقد ضرب المؤمنون والمؤمنات أروع الأمثال في حسن الظن بغيرهم، فها هو أبو أيوب الأنصاري عندما أشاع مرضى النفوس حديث الإفك عن السيدة عائشة يقول لامرأته: يا أم أيوب، أسمعت ما يقوله بعض الناس عن عائشة؟ قالت سمعت وهذا هو الكذب. ثم قالت له: هل لو كنت مكان صفوان (وهو الشخص الذي اتهم مع عائشة) أكنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءاً؟ قال: لا فقالت، له: ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعائشة خير مني، وصفوان خير منك، وهكذا كان الأخيار الأطهار يبنون أمورهم على حسن الظن بالناس.

أنواع الظن

إن المسلم مطالب تنفيذا لأوامر الله وتوجيهات الرسول الكريم بأن يتجنب الظنون السيئة التي لا مبرر لها، وأن يقيم حياته على الظنون الحسنة التي تنبذ الشائعات الكاذبة التي ينشرها الأشرار عن الأخيار فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة الحجرات:" يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً منَ الظن إِن بَعْضَ الظن إِثْمٌ"، والظن المنهي عنه في الآية الكريمة هو الظن السيئ بأهل الخير دون دليل أو برهان.


قال بعض العلماء: الظن أنواع منه ما هو واجب، ومنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح.


فالمحرم كسوء الظن بالمسلم المستور الحال، الظاهر العدالة، ففي الحديث الصحيح: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وفي حديث آخر إن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به.


والظن الواجب يكون فيما تعبدنا الله تعالى بعلمه، ولم ينصب عليه دليلا قاطعا، فهنا يجب الظن للوصول إلى المعرفة الصحيحة، كقبول شهادة العدل، وتحري القبلة عند الصلاة.


والظن المباح: مثلوا له بالشك في الصلاة حين استواء الطرفين.


وهكذا يتضح لنا وفقا لما ترشدنا إليه الآية السابقة وما علمنا إياه رسولنا الكريم ووجهنا إليه من خلال الحديثين السابقين أن واجب المسلم أن يبتعد ابتعادا تاما عن الظنون السيئة بأهل الخير، لأن هذه الظنون السيئة التي لا تستند إلى دليل أو قرينة صحيحة إنما هي مجرد تهم، تؤدي إلى تولد الشكوك والمفاسد بين الناس.


قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لقول الحق سبحانه: "يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً منَ الظن إِن بَعْضَ الظن إِثْمٌ" ينهى الله عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثيرا منه احتياطا، ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لازمات لأمتي: الطيرة (أي التشاؤم) والحسد، وسوء الظن فقال رجل: يا رسول الله ما الذي يذهب من هن فيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إذا حسدت فاستغفر الله، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض.

تغليب حسن الظن

إن من واجب المسلم العاقل أن يتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد علمنا كيف نحسن الظن بالآخرين، ودعانا إلى تغليب حسن الظن على سوء الظن، ونهانا عن تتبع الزلات والعورات فقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قبله لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه طلب الله عورته حتى يفضحه في مقر بيته.


بل نهى صلى الله عليه وسلم كل مسؤول أن يجعل سوء الظن أساس المعاملة لمن هو مسؤول عنهم فقال: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم أي لا يصح لمن هو في وظيفة أن يعامل مرؤوسيه معاملة تحملهم على سوء الظن فيما بينهم، لأنه لو فعل ذلك أفسدهم، وجعلهم لا يثق أحدهم بالآخر، فيترتب على ذلك ضياع مصالح الأمة.


وفي الحديث الصحيح: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث أي احذروا سوء الظن دون مقتضى لذلك، فإن سوء الظن دون ضرورة تدعو إليه يعد من الرذائل المنهي عنها.

تجنب الشبهات

والرسول صلى الله عليه وسلم الذي علمنا إحسان الظن بالآخرين والكف عن ترديد الأقاويل والتهم العشوائية لهم دون دليل أو برهان، علمنا أيضا أن نتجنب كل ما فيه شبهة، فمن أراد أن يحسن الناس الظن به فعليه أن يتجنب الشبهات ومواطن التهم وألا يقول قولا أو يفعل فعلا يحمل غيره على سوء الظن به، ولقد ضرب لنا سيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم أروع الأمثال في اتقاء الشبهات، فقد روت أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معتكفا في المسجد، فذهبت إليه وتحدثت معه، فلما أرادت الانصراف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي معها، فمر بهما رجلان من الأنصار فسلما وانصرفا مسرعين فناداهما الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهما: إنها زوجتي صفية فقالا يا رسول الله ما نظن بك إلا خيرا فقال صلى الله عليه وسلم: أنا أعلم ذلك منكما ولكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف فيكما شيئا.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 01:40 AM   رقم المشاركة : 112
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


كم مِن معبِّـريْ رؤيا الملِك في زماننا ؟!



حين قصَّ الله علينا حكاية يوسِف عليه السلام قال في أوّل السورة {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}
فكأنها إشارة إلى تفتيح الذِّهن والقلب لهذه القِصّة التي أخبر الله عنها أنها أحسَن القِصص
في خِضمّ عرْض القِصَّة قال تعالى يحكي قول معبّري رؤيا الملِك {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ}
قال فضيلة العلامة الإمام السَّعدي - عليه رحمات الله ورضوانه - :


جمعوا بين الجهل والجزم بأنها أضغاث أحلام ، والإعجاب بالنفس ، بحيث أنهم لم يقولوا : لم نعلم تأويلها .
لمّا قرأت كلام الإمام عبد الرحمن السَّـعدي قلت : سبحان الله كم في زماننا مِن أمثال هؤلاء ؟!
الذين يجمعون بين الجهل والجزم بالرأي والإعجاب بالنَّفس !
حتى لكأنهم يعتبِرون قولهم وحيًا مٌنزلاً ، لا يجوز الخوض فيه و يُحرّم الاعتراض عليه !
وكم رأينا مِن هؤلاء أقوام شتّى ، مِن عوامّ النَّاس بل وربما حمَل بعضهم شهادات عُليا ، ولكن كِبَر نفسه يأبى عليه أن يقول : لا أدري .
وربما جنى على نفسه فجعَل نفسه موضِع اتهام أو سُخرية ، وربما حشَد العداوات عليه ..
وجنى على النّاس بإبقائهم في الجَهل ، بل وإقناعهم بترك التعلّم !
لأنّ قوله فصْـل ؟! لا يجوز لأحدٍ أن يتّـخذه ظِهريًّا ؟!!
والعجيب أنّ بعضًا منهم حين يُعطى آية أو حديث يبدأ يأتي بتأويلات مِن عنده !
وربما بحث عن فتحات ! ليجعلها ثغرًا يجيز لنفسه مِنها بعض المحرّمات !
ونسأل الله العافية .






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 01:44 AM   رقم المشاركة : 113
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

الرهط المفسدون

"وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ {48} قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ {49} وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {50} فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ {51} فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {52} وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون" {53} )
أنا لا أعلم لماذا أتذكر رهط العلمانيين كلما أقرأ هذه الآيات، ربما لأن الشبه بين الرهطين يتلاقى في نقاط معينة، أو لأن الهدف يكاد يكون واحداً من التهميش لدين الله ومن ثَم إقصائه من واقع الحياة، حتى يكون وجوده بحكم العدم.
و لذلك فإني سأقف بعض الوقفات مع هذه الآيات، لنرى الأولويات عند هذين الرهطين، و نستبصر بالقرآن لفضح هذه الطائفة المسخ، التي هي كالسرطان ينتظر الفرصة لهدم دين الله في الأرض.
قال _تعالى_:" وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ 48"
عجيب تحديد هذا الرهط بنفر يسير، فعددهم قليل جداً، و مع هذه القلة فإنهم لا يُفسدون في المدينة فقط، بل إنهم " يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ"، فسبحان الله ! هل تأملت تعظيم القرآن للإفساد في الأرض؟ حيث جعل الإفساد في منطقة معينة هو في حقيقته إفساد في جميع أرجاء الأرض .
فماذا نقول لمن يريد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ؟ ممن يُريدون للمرأة أن تُسفر عن وجهها، و يسعون من أجل ذلك سعياً حثيثاً، و يصبرون في هذا الطريق ثم يصبرون .
قل مثل هذا في تهميش الشريعة و سيادة القانون، و موالاة الكفار .و…و.، و القائمة طويلة جداً، و الأمثلة كثيرة و لكن هدفهم معروف و جهودهم لها مصب واحد .
ثم لو تأملنا في أهل هذه الدعوة للفساد لوجدنا عددهم قليل جداً، فهم رهط قليل قد لا يتجاوزون العدد في رهط ثمود ! و تبقى النسبة الكبيرة و المساحة المتبقية لأهل هذه الأمة المباركة، نعم قد يكون لهم أتباع و أذناب، و لكن الشأن كل الشأن عند ذلك الرهط الذين يصح أن نقول عنهم بأنهم " يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ " .
"قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ" و لي مع هذه الآية وقفات :
أ – أن بينهم اتفاقات سرية، و عندهم اجتماعات يُعدون فيها و يخططون، ليتم الإفساد إلى غاية ما يستطيعون .
ب – " قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ " إذا هم من بني جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا، بل و ربما يستدلون على مآربهم بآياتنا و أحاديثنا، فلا تعجب حين ترى الآيات يُستشهد بها، و الأحاديث يُعتضد بها، فلا تظن بأن ذلك مكارم فاضت، و لكنها محاسن غاضت .
ج – قولهم فيما حكى الله عنهم ( لَنُبَيِّتَنَّهُ ) و البيات لا يكون إلا بالليل، عجيب علاقة هذا الرهط بالظلام !! و رهطنا اليوم أشد حباً و شغفاً، فالليالي الحمراء – كما يسمونها – ربيع قلوبهم، و مجمع أفئدتهم، فإن لم يكن ثَم، فالأخرى من كيد الإسلام و أهله، يقضون الليل في نقاش و حوار، و تخطيط و إصرار، لتبييت الإسلام و أهله، لتنقرض آثاره، و تُهد أركانه، فإن لم يستطيعوا القضاء عليه بالضربة القاضية، فلا بأس بالتعامل الحضاري بما يُسمى عند أسيادهم بالموت الرحيم، فينظرون أيها أشد فتكا، و أعظم هتكا، فيلزمون الباب، و يجثون على الأعتاب، فيلقطون ما تحمله الرياح عبر الأثير، و ما يتنهد به كل مهموم و أسير، أو ما يتوجع به أي محروم كسير، فيجعلون من هذه الواقعة و تلك، السندان الذي يطرقون به الباب، و يحتجون به على أولي الألباب، فليس عندهم مانع من ليّ الأعناق، أو تقييد المطلق وجعل المقيد على الإطلاق، يُقدسون القاعدة المكافيلية بأن الوسيلة تُبررها الغاية، و إن كان رهط ثمود أرادوا أن يقتلعوا الإسلام من جذوره بقتل نبي الله صالح، فهاهم أتباعهم اليوم قد استوعبوا الدرس، و أدركوا بأن جذوره متأصلة متينة، فتبقى لهم و سيلة أخرى من هدم الدين بتهميشه و تنحيته، فيكون بمنزلة الصفر على اليسار لا قيمة له، أو بمنزلة الدولة الفلسطينية حين تكون جنباً إلى جنب مع دولة يهود !! زعموا !!
د - و أما قوله _تعالى_: " وَأَهْلَه" فعجيب هذا القول ! فإذا كان المقصود نبي الله صالح فما علاقة أهله إذا ؟! إن في هذا فضح لهم و لمقالاتهم و أعمالهم و هنا و قفتان :
أ – الوقفة الأولى : سقوط الأقنعة و بيان الكذب و التناقض الشديد بين ما يدّعون و بين ما يعملون، فبينا هم أهل الحصافة و الرأي، و أصحاب الفكر المستنير الذين يحترمون الرأي الآخر و يتعاملون بمرونة معه، فهاهم الذين يظنون أنفسهم بأنهم العقلاء يُنكرون على نبي الله فيقولون كما في غير هذه السورة" قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا"، فما بالهم الآن يُبيتون أهله و هم العقلاء !! عاشت العقول التي لا تعي ما تقول !!
و رهط اليوم ليسوا بأحسن حالا بل أسوأ، و مقال واحد فيه مخالفة لهم فإنهم يتلقونه بالرحب و السعة و المناقشة الهادئة !!
ألا بُعدا لهذا الفكر المتطرف المنحرف الذي تشرب التدليس و الكذب كما بعدت ثمود !
ب – الوقفة الثانية : مع قوله _تعالى_: " وَأَهْلَه" عجيب أمر هؤلاء الذين اتفقوا من فجر التاريخ على إيذاء المؤمنين في أهليهم، إذا ما نسمعه اليوم – من دعوة لخروج المرأة - ما هو إلا صدى لما تعرض له الأنبياء و الصالحون في أهليهم، فقصة إبراهيم _عليه السلام_ و زوجه مع الجبار معلومة، و لوط و بناته، و موسى و أمه و أخته، و عيسى ووالدته، و كلنا يتذكر حادثة الإفك و ما فيها من إيذاء، و هذا رهط ثمود يخططون لقتل أهله معه و لا ذنب لهم !
حتى جاء هذا الزمان الذي يريدون فيه أن يقتلوا المرأة بنحر عفافها، و قتل حيائها،بدعوى التحرير … ألا شاهت تلك الوجوه و خابت كما خاب من قبلها .
فسبحان الله !! كم اختزلت هذه الكلمة من كتاب الله، من معاناة تجرع مرارتها الأنبياء و أتباعهم، كما أنها تحمل في طياتها أطنانا من دروس الصبر و التثبيت و اليقين .
" ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ" نعم أهؤلاء هم أهل العقل و الموضوعية ! كذب مع سبق الإصرار، استخفاف للعقول، و استغفال للمجتمعات، و استغلال للمناصب و المكانة الاجتماعية لحجب المعلومات، و التلبيس على المجتمع، ثم يتشدقون بعد ذلك بمصلحة المجتمع، و تخليصه من المفسدين ! أهؤلاء هم الذين يُنظرون لسعادة الشعوب و المجتمعات !! إنهم يتشدقون بالتعامل مع الحقائق و المعلومات و يستنطقون الأرقام و الإحصائيات ! هاهم يُلبسون الحقائق بل يُخفونها حتى من أنفسهم، ثم يشهدون بعد هذا الكذب و التدليس لأنفسهم" وَإِنَّا لَصَادِقُونَ"!!
ثم بعد هذا يقول _سبحانه و تعالى_: "وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " إنه التهديد الأكيد، من العزيز الحميد، يحكي سنة إلهية، دوت على مدار التاريخ، لتُسمع من كان حيا فيرتدع، و تُذكر من كان غافلا فيرجع، إنه التهديد المبطن بالرحمة ليكفوا عن هذا المكر، و يدخلوا تحت لواء المسلمين، و إلا فإنهم "هُمُ الْمَكِيدُونَ" .
فهذه رسالة إلى من بات يُخطط و يُحلل، و يُفكر و يُعلل، و يمكر و يتحيّل، لتحريف آية قرآنية، أو طمس سنة نبوية، ليحجب الناس عن دينهم، أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، فما عاقبة مكرهم ؟
" فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ" ياللـــه !! إنها مسألة حسابية واضحة " تِسْعَةُ رَهْطٍ " فقط في مجتمع، قادوا المجتمع إلى الهاوية "أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ"
فيا أهل العلم ! و يا أهل الأقلام و الفكر و العقول ! إن هذا الرهط من العلمانيين يقودون المجتمع نحو الهاوية، إنهم يحملون معاول الهدم لإغراق السفينة، أنتم المعنيون بجهادهم؛ لأنهم قد اندسوا خلف الصفوف، فلا يُخلّص المجتمع من شرهم – بعد الله – إلا أنتم، و لنتأمل ما خُتمت به هذه الآية " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"
أما الكفار فقد استنفر الله لقتالهم جميع المؤمنين " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" .
نسأل الله أن يُخلص هذا المجتمع المسلم من هذا الرهط الذين يُفسدون فيه و لا يُصلحون .. آمين … آميـــــــن .






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 01:46 AM   رقم المشاركة : 114
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور




المبرؤون في عرضهم في القران

لقد برئ الله عز وجل في كتابه الكريم الذين اتهموا في عرضهم وهم :
** النبي يوسف عليه السلام
**النبي موسى عليه السلام
**ألسيده مريم بنت عمران عليها السلام
**أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

ونبدأ أولا بيوسف عليه السلام
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
ودعت امرأة العزيز -برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها; لحبها الشديد له وحسن بهائه, وغلَّقت الأبواب عليها وعلى يوسف, وقالت: هلمَّ إليَّ, فقال: معاذ الله أعتصم به, وأستجير مِن الذي تدعينني إليه, من خيانة سيدي الذي أحسن منزلتي وأكرمني فلا أخونه في أهله, إنه لا يفلح مَن ظَلَم فَفَعل ما ليس له فعله.
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة, وحدَّثت يوسفَ نفسُه حديث خطرات للاستجابة, لولا أن رأى آية من آيات ربه تزجره عمَّا حدثته به نفسه, وإنما أريناه ذلك; لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع أموره, إنه من عبادنا المطهرين المصطفَين للرسالة الذين أخلصوا في عبادتهم لله وتوحيده.
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج, وأسرعت تحاول الإمساك به, وجذبت قميصه من خلفه; لتحول بينه وبين الخروج فشقَّته, ووجدا زوجها عند الباب فقالت: ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إلا أن يسجن أو يعذب العذاب الموجع.
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَمِنَ الْكَاذِبِينَ (26)

قال يوسف: هي التي طلبت مني ذلك, فشهد صبي في المهد مِن أهلها فقال: إن كان قميصه شُقَّ من الأمام فصدقت في اتِّهامها له, وهو من الكاذبين.
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
وإن كان قميصه شُقَّ من الخلف فكذبت في قولها, وهو من الصادقين.
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم براءة يوسف, وقال لزوجته: إن هذا الكذب الذي اتهمتِ به هذا الشاب هو مِن جملة مكركن -أيتها النساء-, إنَّ مكركن عظيم.

ثانياً موسى عليه السلام
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا
(69) سورة الاحزاب
إن الله سبحانه وتعالى ينهانا أن نكون مثل بني إسرائيل، فقد حذرنا أن نكون مثل اليهود، وبيّن بعض صفات اليهود الذميمة، فقال: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى} أي كاليهود الذين آذوا موسى، وأذاهم له بعضه قولي وبعضه عملي، وهذه الآية إنما نزلت حين زعم اليهود أن موسى آدر، وكان موسى لا يغتسل معهم، وكان بنو إسرائيل يغتسلون عراة، فكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما منعه من الاغتسال معنا إلا عيب في خلقته، فزعموه آدر، فكان موسى يغتسل وقد وضع ثوبه على حجر، فهرب الحجر بثوبه حتى دخل في ملأ بني إسرائيل فجاء موسى عرياناً حتى أدرك الحجر وهو يضربه بعصاه، وهو يقول: "ثوبي حجر، ثوبي حجر"، فرآه بنو إسرائيل فقالوا: والله ما في خلقة موسى عيب وإنه لجميل الخلقة، فكان هذا أذاهم له، فلذلك قال: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا}، وهو العيب في خلقته، {وكان عند الله وجيها}.



ثالثاً مريم بنت عمران عليها السلام
قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا (19)
قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)
قال لها المَلَك: إنما أنا رسول ربك بعثني إليك؛ لأهب لك غلامًا طاهرًا من الذنوب.
قالت مريم للمَلَك: كيف يكون لي غلام, ولم يمسسني بشر بنكاحٍ حلال, ولم أكُ زانية؟
قال لها المَلَك: هكذا الأمر كما تصفين من أنه لم يمسسك بشر, ولم تكوني بَغِيًّا, ولكن ربك قال:
الأمر عليَّ سهل; وليكون هذا الغلام علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى, ورحمة منَّا به وبوالدته وبالناس, وكان وجود عيسى على هذه الحالة قضاء سابقًا مقدَّرًا, مسطورًا في اللوح المحفوظ,
فلا بد مِن نفوذه.
وانطلقت إلى قومها. (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا) [مريم: 27]، (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيًّا)[مريم: 28- 29] فأنطق الله بقدرته المسيح (قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللَّهِ آتَانِى الْكِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا وَالسَّلَامُ عَلَى يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم:30-33]. فَعَلَتِ الدهشةُ وجوهَ القوم، وظهرت براءة مريم، فانشرح صدرها، وحمدت الله على نعمته.

رابعاً أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
{إِن الذين جاءوا بالإفك عصبَة منكم لا تحسبوه شَرا لكم بل هو خير لكم لكل امرِئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم }( النور : 11


وتجري فصول هذه الحادثة في وقتٍ كان المسلمون فيه على موعدٍ مع العدوّ في إحدى الغزوات ، حيث خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
في جيشه مصطحباً معه عائشة رضي الله عنها ، وفي طريق العودة توقّف الجيش للراحة والنوم ، وجلست عائشة رضي الله عنها في مركبها تترقّب
لحظة المسير ، وتلمّست نحرها لتكتشف أنها أضاعت عقداً لأختها كانت قد أعارتْها إياه ، فما كان منها إلا أن نزلت من مركبها لتبحث عنه في ظلام الليل
ولم تكن تدري أن المنادي قد آذن بالرحيل وأن الجيش قد انطلق وتركها وحيدة في تلك الصحراء الموحشة وما أن وجدت العقد حتى عادت مسرعة
لتلحق بركب الجيش ولكن الوقت فات وفي هذه الأثناء ، كان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه يسير خلف الجيش ليحمل ما سقط من المتاع
فنزل عن راحلته وطلب منها أن تصعد ، ولما ركبت الناقة انطلق بها مولّيا ظهره لها ، حتى استطاع
أن يدرك الجيش في الظهيرة
ولم تمضِ سوى أيام قليلةٍ حتى انتشرت في المدينة إشاعاتٌ مغرضة وطعوناتٌ حاقدة في حقّ عائشة
رضي الله عنها روّجها ونسج خيوطها زعيم المنافقين
عبد الله بن أبيّ بن سلول وبلغت تلك الأحاديث سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -
فكان وقعها عليه شديداً
وكان من الطبيعي أن تؤثّر هذه الإشاعة على صحّة عائشة رضي الله عنها فتزداد مرضاً على مرض
وطال انتظار النبي - صلى الله عليه وسلم - للوحي
وبعد أن بلغت القضيّة هذا الحدّ ، لم يكن هناك مفرّ من الذهاب إلى عائشة رضي الله عنها لمصارحتها بالمشكلة واستيضاح موقفها فدخل عليها النبي
صلى الله عليه وسلم ومعها امرأة من الأنصار ،فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وتشهّد ثم قال :
( أما بعد ، يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ؛ فإن العبدإذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه ) ، فلما سمعت قوله جفّت دموعها ، والتفتت إلى أبيها فقالت :
" أجب رسول الله فيما قال
" ، فقال : " والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، ثم التفتت إلى أمّها فكان جوابها كجواب أبيها ، وعندها قالت :
" لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم أني منه بريئة - والله يعلم أني منه بريئة - لا تصدقوني بذلك
ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني منه بريئة - لتصدقنّني ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف حين قال :
{ فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } ( يوسف : 18 ) .
وإذا بالوحي يتنزل من السماء يحمل البراءة الدائمة ، والحجة الدامغة في تسع آيات بيّنات ، تشهد بطهرها وعفافها ، وتكشف حقيقة المنافقين ، فقال تعالى
{إِن الذين جاءوا بالإفك عصبَة منكم لا تحسبوه شَرا لكم بل هو خير لكم لكل امرِئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم }
( النور : 11 ) وانفرج الكرب ، وتحوّل حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فرحاً ، فقال لها :
( أبشري يا عائشة ، أمّا الله عز وجل فقد برّأك ) ، وقالت لها أمها : " قومي إليه " ، فقالتعائشة رضي الله عنها امتناناً
بتبرئة الله لها ، وثقةً بمكانتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم –
ومحبته لها :
" والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله عزوجل "






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 01:55 AM   رقم المشاركة : 115
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقفة للتأمل : إذن لن يضيعنا
ماذا تركت لله لتنال رضاه؟


في هذه الأيام المباركة , أيام عيد الأضحي المبارك ….
التي نعيش فيها مع معاني التضحية الراقية ، لابد أن يشغلالإنسان سؤال هام يسأله لنفسه من آن لآخر … ماذا تركت يا نفس لله ؟؟؟
بماذا ضحيت لله ؟؟ بل ومتى ؟؟؟؟
تجول معي قليلاً مع عائلة تحكي قصة التضحيات بكل أنواعها ..
رجل حنون كريم يصفه القرآن بأنه " أواة حليم " يؤمر أن يترك زوجته الحبيبة و ابنه الغالي الذي انتظره سنوات طوال… يؤمر أن يتركهما في واد غير ذي زرع ..و يذهب ، لا لسويعات، …بل لسنوات طوال ….
و يدعو ربه بقلبه …يشرع في الدعاء و ربما لا يكمله استحياء من الله …لكن الله يعلم …قد حافظ على وديعته قبل أنينطق بدعائه …
"ربنا إني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم "دعاء تمرُّ عليه في وردك .. فتجد أنه لامس شغاف قلبك …تستكين له ليرفعك عالياُ …عاليأ ….
و تسألة الزوجة الحائرة : يا إبراهيم يا إبراهيم ..أين تتركنا…. ؟؟. ولماذا.. و متى الإياب ؟؟؟ وكيف؟؟ ….. ألف سؤال وسؤال يمكن أن يكون في ذهن هذه المرأة …. و لكن إبراهيم …. معقود اللسان طاعة لأمر ربه .. لا يفصح
أي مشهد هذا ….. صورة ترسم في ذهنك أروع معاني الإيمان …
و تفقه المرأة العظيمة … تفقه الرسالة …. و
يكفي اللبيب إشارة مكتومة … وسواه يدعى بالنداء العالي ….
وتسجل واحدا من أروع أسئلة التاريخ…. سؤالاً يدخل إلى أعماق أعماق قلبك… يجول هنا و هناك .. بين القلب و العقل… في رحلة عبرت إلى كل قلب بداخله ذرة من إيمان …
آالله أمرك بهذا ؟؟؟؟؟؟
إنها نعم … يعلن عنها إبراهيم …. يعلنها عالية مدوية … في صمت ….
فتقول … بقلب أبحث عنه أنا وأنت في كل مكان … تعيش لاهثاً وراء معالمه :
إذن …فلن يضيعنا …
اذهب يا إبراهيم و اطع ربك …إنه أمرك فلن يضيعنا …..
اذهب يا براهيم بلا لوم ولا حيرة …أنا و ابنك بخير… في يد من لا تضيع عنده الودائع …
و جاء و قت الامتحان … امتحان " إذن فلن يضيعنا "
إن الوليد يحتضر… جائعاً…الآن … الآن… تكتم أنفاسك … لترى لحظات الابتلاء …تجري الأم … تلهث وراء طعام … إن الوليد يموت …تترنح في مشيتها … تمد خطاها في وهج الشمس … تتسارعجريتها تجاري بها صرخة وليدها … كل شيء حولها بدا متأرجحا …باهتا … خائفا …إلا …….. إلا ….
إلا القلب …. ظل ثابتا ثبات الصفا …. راسخا رسوخ المروة … وآه لو كانا ينطقان ما أروعه من أداء سيدتي ..ماأعظمها من تضحية ..ما اكرمها من نتائج لامتحان …
أنها فاقت كل توقعات النجاح …فلقد كانت النتيجة "ماء زمزم " ..
كانت الجائزة "ماء زمزم "… وما أروعها جائزة من كريم … دواء لسقم القلوب قبل الأبدان .. ترتشفها فتجري صورالتضحية في جسدك ….
لقطة أخرى
ما أجمل اللقاء بعد شوق … بعد سنوات طوال … الابن الحبيب قد كبر … يملأ العين و القلب، إنه ليس ابناً عادياً كما تلد النساء … إنه نبي .. صادق الوعد .. بخلق و كرم و بر الأنبياء …
والآن حان للأب في هذا السن إن يركن إلي ابنه لينال منه حنان البر ورد الجميل ..
لكنه …….. الأمر من السماء " في رؤيا" أن يذبحه …….. هو …….. بيده ….ليس بيد غيره , بماذا؟؟؟؟ ………….بسكين …. ترى ما الذي سيشقه هذا السكين ؟؟؟؟؟؟
قلب الأب أم عنق الابن ؟؟؟؟
و يعرض إبراهيم الأمر على ابنه …..أنه ليس عرضاً لعروس .. أو لرزق جديد .. إنه عرض للموت .. مذبوحاً بسكين… عرض قبله إبراهيم من قبل لأنه من ربه الرحيم ..لكنه كان يساعد ابنه على القبول …
فإذا بابنه …يصدق الوعد ..و يقول ..يا ابتِ افعل ما تؤمر … نعم إن منامك حق …..ليس هناك شك …. إنه أمر ….
ثم يبدا الابن في تنظيم الحدث …و يضع التعليمات التي غلقًت كل أبواب الرجوع …و سُطرت من ضياء في حديثالتضحيات .
يا ابتي تلني على جبيني حتى لا ترى وجهي فترحمني
يا ابتي سن شفرتك حتى يكون الموت أهون علي …
يا ابتي ..اضمم عليك ثيابك حتى لا تصيبها الدماء فتراه أمي فتجزع
و بلغ أمي مني السلام …
أمنت العملية بنجاح ..
هل كانا يعلمان مثلي و مثلك بالكبش العظيم ؟؟؟
كلا …
لقد أسلماااااااااااااااا
إنه ابراهيم تله للجبين ..إن السكين تشرع في عملها …لكنها لا تذبح …فقدت خاصيتها بأمر من الرحمن …
إن السكين لا تذبح ..ماذا أفعل ؟؟ هل آتي بأخرى ؟؟؟ إن السكين لم تذبح …إنها لحظات الفرج من الكريم ..جائزة أخرى..الكبش العظيم
ما أروعها من قصة لثلاث ..أوسعوا الشيطان ضرباً بالجمرات …
بل اقول لأربع …فكيف لنا أن ننسى سارة و تضحية من أرفع ما يمكن أن تقدمه امرأة …تقدم زوجها النبي الخليل لجاريتها الصالحة …هاجر …لتستكمل القصة..






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 02:03 AM   رقم المشاركة : 116
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


مقـــاصــد المحتسبين
بين يديّ عشرات الإيرادات والشبهات التي توضع باستمرار أمام ناظري المحتسبين (الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر) ، تأتي بمقصّها على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتأخذ من أطرافها وجوانبها وأعاليها حتى تنزل بها إلى الموضع المناسب الذي لا ينالها فيه تهكّمات وتذمّرات المنحرفين والعلمانيين، كما تقوم هذه الإيرادات بدور قاتم السلبية في الضغط على صدور المحتسبين ليصبحوا أقل غيرة وأخفّ حماسة وأضعف يقيناً.
سأستعرض هذه الإيرادات سريعاً ، وسأنثرها جميعاً على الطاولة، وسأحاكّمها إلى المقاصد التي أرادتها الشريعة من شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلنتدبّر نصوص القرآن والسنة لنعرف مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ثمّ نسلّط هذه الإضاءة على تلك الإيرادات لنكشف عوارها وخللها:
أول سؤال هنا: في كيفية معرفة مقاصد الشريعة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو في أي باب آخر؟
قد ذكر المختصون عدداً من الوسائل والطرق الكاشفة عن مقاصد التشريع، أهمها وأوضحها هي ذات الأوامر والنواهي الصريحة في النصوص الشرعية، فكلّ نصّ شرعي جاء بأمر أو نهي فهو مما يريده الله ويقصده.
إذاً؛ فالمقصد الأول للاحتساب هو الامتثال لمراد الشريعة في وجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والانتهاء عن نهيها في ترك هذه الشعيرة.
نقرأ في كتاب الله:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}*آل عمران: 104*
وهو من صفات النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرها القرآن: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} *الأعراف:157*
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه
)).
فالمسلم حين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قد حقق المقصد والغاية والمعنى الذي يريده الله منه ويريده منه النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا قمت بأداء الصلاة الفريضة جماعة، أو أدّيت فريضة الحجّ، أو صمت مع المسلمين شهر رمضان، فإنّك تقوم بذلك امتثالاً وطاعة وعبودية لله، ولا تطلب من وراء ذلك مصلحة ولا سمعة ولا غاية دنيوية، ولو اعترض عليك أحد : (بأنّ هذه العبادات لا تقدّم لك شيئاً مادياً ملموساً) لرفعت يدك حمداً لله أن لم يحرمك الهداية كما حرم هذا المسكين.
كما أنّ من يقوم بهذه العبادات لن يلتفت إلى ضاحك أو عابث أو مثبّط أو حتّى مؤذٍ ومعتدٍ لأنّه يرى أنّ طاعة الله لا تقبل المفاضلة مع حظوظ النفس وأهوائها.
كذلك المحتسب، فهو حين ينصح ويذكّر بالله يقوم بعبادةٍ كالصلاة والزكاة، لا يبحث من ورائها عن غاية دنيوية ولا مصلحة عاجلة، ولا يفتّ في عضده ساخر أو عابث أو مثبّط لأن شأن العبادات ومرضاة الله أعظم.
حين يتجلّى هذا المعنى العظيم في قلب المسلم، فيرى أن (الأمر بالمعروف) و(النهي عن المنكر) عبادة يحبّها الله ويقصدها ويريد من عباده القيام بها ، حين يتصلب هذا الأصل تتفتّت معه أشكال الاعتراضات والإيرادات:
فحين يعترض معترض بأن (كلّ شخص مسؤول عن نفسه ولن يضرّ إلا نفسه) أو يطلب (بأن لا تتدخّل في خصوصيات الآخرين) أو إذا حسن حاله قال (أصلح حالك ولا عليك منهم).
فهو إنسان قد غاب عنه مقصد الشريعة تماماً، لأن من أمرني بالصلاة هو من أمرني بهذه الشعيرة.
وإذا قال قائل: (لا فائدة من هذا الإنكار؛ فسواء نصحت أم لم تنصح فالمنكر لم ولن يتغيّر!)
فهو إنسان لم يستوعب بعد أن المسلم لن يبحث عن فائدة أعظم من امتثال أمر الله، والقيام بما يريد الله.
ولو قال قائل: ( هم يعرفون أنه حرام وربّما يكونوا أعلم منك به فلا معنى لإنكاره) فقد غاب عنه أن هذه الشعيرة ليست موجهة إلى تعليم الناس ما جهلوه فقط، بل التعليم جزء من هذه الشعيرة وليس هو كلّ الشعيرة.
وسنجد في القرآن من مقاصد هذه الشعيرة: تحصيل المعاني الشريفة التي ألبسها الله للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكرين.
فقد وصف الله هذه الأمة بالخيرية لقيامها بهذه الشعيرة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} *آل عمران:110*
ووصفها بالفلاح بسبب ذلك: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}*آل عمران: 104*.
وجعله من صفات المؤمنين، ورتّب لهم الرحمة بسببه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}*التوبة:71*
كما ذمّ الله التاركين لهذه الشعيرة المفرّطين فيها فقال سبحانه : {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}*المائدة:63*، وعابهم فقال تعالى: {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}*المائدة:79*
فالفلاح والخيرية والرحمة وغيرها من المعاني العظيمة هي ثمرة من ثمار القيام بهذه الشعيرة، وإهمالها سبب للعيب والذم والهلاك.
إذن؛ فمن غير المتوقّع ممن فهم هذه المقاصد وكان مستحضراً لها أن يكون اعتراض بعضهم (بأنّ طبيعة الاحتساب تجعلك إنساناً غير مقبول لدى قطاع كبير من الناس، وربّما ينفرون منك ويستثقلون مجالسك، فالسكوت والمداراة والدخول في الموضوعات المشتركة يجعلك أكثر جاذبية وأقدر على التواصل والتعايش) لن تكون هذه إلا ممازحة ثقيلة الاعتبار لأنّ مقامه عند الله لا يدانيه شيء، وهو يستحضر أن استجلاب رضا الناس هبة ربانية لطالما حُرم منها من داهنهم، ووهبها الله لمن كان صادقاً معهم ولو خالفوه ( من التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس).
لا يشكّ أحد أن المحتسب يضحّي بقدر واضح من سمعته ومكانته وتقدير الناس له من جرّاء هذا الأمر، فمن يدخل في مكان تصدع فيه أصوات الموسيقى فيقوم ناصحاً لهم أو من يحضر في مجالس تلاك فيها أعراض الناس فينصحهم وينكر حديثهم… فربما يكون في محلّ امتعاضهم وتذمّرهم من وجوده لكنّ هذا ثمن لا بدّ أن يقدّم لتحصيل المقامات العالية.
وأما حين يكون المحتسب لديه سلطة تجعله حائلاً بين بعض الناس وشهواتهم - كالقائمين على جهاز الحسبة - أو حين يلتهب غيرة على انتهاكات من لديهم سطوة الإعلام فإنه سيناله من التشويه والإسقاط والتبشيع ما لا يقدره له إلا الله.
ومن مقاصد الاحتساب في الشريعة: تغيير المنكر وإزالته وتطهير المجتمعات المسلمة منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
فالأمر بالمعروف في مقصود الشريعة يراد به (الدعوة إليه وتثبيته والإلزام به)، والنهي عن المنكر في مقصود الشريعة يراد به (إنكاره ومنعه وإزالته).
فحين يحاول بعضهم تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع (سحب وصف الإلزام والمنع) فيكون من باب النصيحة والتعبير عن الرأي من دون أي فرض أو إلزام فيقول: ( ينصح الإنسان ويبين له المنكر لكن من دون فرض وصاية عليه) فهو رأي بعيد عن المعنى الشرعي لهذه الشريعة.
هي محاولة تلفيقية لتقريب مفهوم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من المفهوم العلماني، لأنّ العلمانية لا تعارض من تعبير الإنسان عن رأيه فيُظهر ما يراه معروفاً وُينكر ما يراه منكراً، لكن من المرفوض والمستهجن تماماً أن يكون ثمّ فرض أو إكراه لأحد على أن يفعل أمراً أو يترك شيئاً بناءً على أن ذلك حكم الشريعة، لأن ذلك من قبيل انتهاك الحريات وفرض الوصاية على الآخرين.
ليس هذا التلفيق جديداً، فقد اعتادت ذاكرتنا الفكرية المعاصرة أن كلّ حكم شرعي يواجه بمعارضة ورفض علمانية لا بدّ أن يقوم من الإسلاميين من يتطوّع لمحاولة تقديمها بصورة تكون مقبولة لديهم، من خلال التقليم والتقزيم للمفهوم الشرعي حتى يبدو مقبولاً.
إذن؛ فحين تنهى الشريعة عن أمر، فلا يكفي أن يكون التعامل معه فقط بالنصيحة وإبداء الرأي من دون أن يكون ثمّ تدخل قانوني ونظامي من الدولة للإلزام به، فكلّ المحرمات في الشريعة تدخل في ضمن نطاق الممنوع نظاماً، لا يجوز انتهاكه ومن فعل فهو معرّض للعقاب.
يعترض البعض على هذا الكلام (أن كثيراً من المحرمات في الشريعة لم تحدد الشريعة لها عقاباً معيناً مما يعني أنّه لا يلزم معاقبته ولا منعه).
وهنا خطأ فاحش، فعدم وجود عقاب محدد لا يعني أن الفعل يكون مشتهراً لا يمنع منه الإنسان، فيكفي أن الشريعة حرّمته حتى يكون ممنوعاً نظاماً، وحين يكون ممنوعاً نظاماً فلا بدّ من عقاب لمن ينتهك النظام والقانون.
هذه مقدمات بدهية، [فالمحرم لا بدّ أن يكون ممنوعاً ] و [الممنوع لا بدّ أن يجازى من ينتهكه] وقد يسقط عنه العقاب، لكن لا يمكن إسقاط العقوبة مطلقاً عنه، لأنّ إسقاطها مطلقاً يعني أنّك تمنع الناس من شيء وتبيح لهم في نفس الوقت أن يفعلوه مراراً وتكراراً من دون أن تفعل شيئاً، وهذا يؤدّي تلقائياً إلى أن لا يكون ممنوعاً، وحينها يكون مثل المباح مثلاً بمثل، وهذا منافٍ تماماً ومناقض لمقصود الشريعة من جعله منكراً.
مثال يوضّح المقصود: فحين تحرّم الدولة نظاماً أن يقطع الإشارة وهي حمراء، فلا بدّ أن يكون ثمّ نظام وقانون يمنع مثل هذا الأمر، وحين يقع الشخص في المخالفة فلا بدّ من مجازاته، وقد تسقط عنه العقوبة لأي سبب كان لكن لا يمكن أن تمنع الدولة شيئاً من دون أي جزاء، لأن معنى هذا أن يقطع الإنسان الإشارة مرة وعشرين وألف من دون أي جزاء، وهذا يجعل قطع الإشارة كمثل أي شيء غير ممنوع فلا قيمة لكونه ممنوعاً، وحين لا يكون ممنوعاً فيكون إذن من قبيل المباحات تماماً.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 02:07 AM   رقم المشاركة : 117
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
تااااااابع



كذلك الأمر في بقية الأحكام الشرعية (فالخمر حرام، والربا حرام، والطعن في الشريعة حرام، ونشر البدع حرام…) فلا بدّ أن تكون ممنوعة نظاماً، وأن يكون ثمّ جزاء لمن يخالف، وحين يشرحها الإنسان على أنّها محرمات فقط في الشريعة لكنها في الواقع والنظام ليست محرّمة فهو تصوّر علماني للشريعة الإسلامية، يتصوّر أن في الإمكان أن يكون (ثمّ محرّم في الشريعة) وليس هو (محرّم في النظام والقانون) وهذه هي فلسفة العلمانية في عزل الدين عن الدولة.
وإذا عرف هذا الأصل زالت كافّة الإشكاليات التي تثار على طبيعة عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه يقوم ببعض الواجب في منع المنكر وإقامة المعروف.
فقائل: (أن الأمر والنهي في الشريعة لا يحتاج لسلطة وإنما هو واجب اجتماعي يقوم به الناس) فهو بهذا يسقط صفة القوّة والإلزام التي تتّصف بها هذه الشعيرة لتكون قريبة من المفهوم العلماني.
وينفي آخر (صلاحية الدولة للتدخّل في مثل هذه القضايا لأنّ هذا ليس من اختصاصها) وهذا مبني على اعتقاد أن الدولة تكون محايدة في قضايا الدين كما هي الرؤية العلمانية.
والمقصد الرابع لهذه الشعيرة: الإعذار إلى الله، كما ذكر الله ذلك في المناظرة التي جرت بين الفئة التي سكتت عن جريمة أصحاب السبت مع الفئة التي أمرت ونهت {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}*الأعراف:164*.
فمن مقاصد هذه الشعيرة ومعانيها أن يقوم المسلم بالواجب حتى يبرأ ويعذر أمام الله.
ليس المطلوب أن يتغيّر المنكر ويزول، أبداً ليس هذا هو المقصود الوحيد، إن حصل فبها ونعمت وإلا فقد حصل الإعذار، فحين يعترض شخص متندراً (بأنّ هذا المنكر لن يزول وأن خلفه مؤسسات ونظم وقوى…) فهو لا يدري ما مقصود الشريعة من هذا الاحتساب؟
فالحديث المتكرر من بعض الناس من أنّ (هذا المنكر منتشر وظاهر وكلّ الناس تفعله فلا حاجة لإنكاره) كلام من لا يعي ماذا يريد المحتسب من هذه الشعيرة.
نعم، لو كان المحتسب يعلم يقيناً أو غلب على ظنّه أن الشخص الذي وقع في الخطأ لن يقلع أبداً عن فعله ولن يستفيد بتاتاً من نصيحته فقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ هذا يكون سبباً لسقوط وجوب الأمر والنهي خلافاً للرأي الآخر - وقد حكاه بعضهم قولاً للعلماء - ممن يرون أن الوجوب لا يسقط بسبب هذا. [انظر الآداب الشرعية: 1/155]
لكن لاحظ أن الخلاف هنا في سقوط (الوجوب) وليس في سقوط (الأمر والنهي) فهو مشروع على كلّ حال وربّما يقول بعضهم هو جائز، لكنهم في النهاية لا يمكن أن يكون حالهم حال من يتعامل مع المحتسب في هذه القضايا على أنه (قليل بصر وضعيف فقه وغير مدرك للمقاصد الشرعية) بل وربّما تحمّس قليلاً فقال (هم سبب زيادة المنكرات)!
على أنّ الحديث عن عدم تأثير الأمر والنهي حديث تثبيطي بعيد عن الواقع، فللقيام بهذه الشعيرة دور عظيم التأثير في إصلاح الأوضاع وتعديل السلوك وتقويم الانحرافات بما لا يخفى، لكن هذه الروح الكسولة تبثّ فيروساً قاتلاً لإحساس أي شخص يريد أن يقوم بأداء هذا الواجب، بحيث أنه سيتقاعس حتى عن المنكرات التي يجزم هو بإمكانية تغييرها أو يغلب على ظنه، ومع ذلك فلن يفعل شيئاً، لأن الضعف قد سرى في روحه وسكن قلبه فما عاد يفكّر في أي إصلاح، بخلاف أصحاب العزائم والهمم فإنهم كثيراً ما يصلح الله على أيديهم من الأمور المستعصية ما لم يكونوا يحتسبون ، ولو التفتوا لهذه الدعوات لما قام آمر ولا ناهٍ.
على أنّ الإصلاح ليس بالضرورة أن يكون لجميع الناس ولكافة المجتمع، يكفي أن يتحقق الإصلاح ولو على بعض الأفراد، فإصلاح بعض الناس أو بعض السلوك هو مقصد ومطلب شرعي.
يا أخي: افترض عدم وجود أي إصلاح ولا تأثير، يكفي أن تبقى المفاهيم والمعاني الشرعية ثابتة في النفوس، يكفي أن يعرفوا أن الخمر حرام والربا حرام والموسيقى حرام والتبرج حرام ولو كانت هذه المحرمات ضاربة بأطنابها في المجتمع، يكفي أن تكون الأحكام ثابتة لم تنسى ولم تمت، وبقاء الأحكام كفيل بإصلاح الأمور ولو بعد حين.
فالكلمات التي تملأ فضاء الناس من قبيل (الحملة ضدّ هذا المشروع فاشلة) و(إنكار هذا المنكر خاسر) و(ستخسرون) و(ستفشلون) .. كلام من لا يعرف ما هو الفشل والنجاح في معادلة هذه الشعيرة، الفشل والخسارة في عدم تحقيق مقصد الشريعة، القيام بها نجاح بحدّ ذاته يكفي في نجاحه أن تبقى المفاهيم صحيحة، فلو أن شخصاً صلى في مسجدٍ ما عشر سنوات، وقام فيه الليالي الطويلة، ثم هدم هذا المسجد وسوّي بالأرض هل يكون هذا الرجل فاشلاً خاسراً؟ أبداً، ولا من قام ونصح وبيّن ثمّ ثبت المنكر واستقرّ لا يكون فاشلاً ولا خاسراً.
هذا الربا منتشر في كل المجتمعات الإسلامية لكن الجميع يقول هو حرام، وقل مثلها في الخمور والتبرج وغيرها.
وهل وقف هذا التثبيط عند هذا الحدّ؟
لا، فالضعف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرض يصيب النفوس فتظهر كثير من الأعراض على فكره وسلوكه من حيث لا يشعر، وتتشكّل في صور عديدة ليست إلا عرض لهذا المرض،
فمرّة يقول: (هذا المنكر قادم قادم) ويتحدّث بلغة الفاهم العارف بالمحيط السياسي والمتغيرات الدولية، وما أدري ما قيمة كونه قادم أو غير قادم في الأمر والنهي، يا أخي لو كان قائماً بجذوره لوجب إنكاره ولما ساغ السكوت عنه، فكيف تزول هذه الشعيرة مع شيء لمجرّد أنه سيقدم؟
والمشكلة الأكبر: أنّ هذه المنكرات القادمة كثيرة جداً، وإذا أبيد الحسّ الشعبي الرافض والممانع لأي سلوك أو فكر يخالف أصوله وقيمه فمعناه أننا سنكون مستعدين نفسياً للقبول بكافة المنكرات والانحرافات التي يخطّط لها، ليس فقط مجرد تخطيط، بل الأمر وصل إلى حدّ التنفيذ ومتابعة الدول ومعاقبة المتخلّف كما هي قرارات الهيئات والمؤتمرات الدولية التي تريد فرض أجندتها الفكرية في إشاعة الفاحشة وتطبيع العلاقات المحرّمة على كافة الدول، فمع هذه النفسية الهزيلة لا يمكن للمجتمعات المسلمة أن ترفض أي شيء من هذه المؤتمرات والقرارات، وما عليهم سوى أن يقرروا حتى تكون قراراتهم موضع التنفيذ لدينا لأننا أصحاب حكمة ونظر في عواقب الأمور!
ومرّة يقول (الناس لديهم تحديات كبيرة تمسّ هوية المسلم وتعرّض أصوله للذوبان…) ويواصل في الحديث حتى يهوّن من أي منكر غيره، وكأن وجود منكر كبير يكون سبباًَ لترك ما دونه من المنكرات؟
وآخر يستغرب: (لا يصحّ المطالبة بجميع الأحكام الشرعية وإنما تكون المطالبة بالحدّ الذي يمكن أن يكون مقبولاً وممكن التحقيق) ولا مشكلة أن يكون هذا جزء من التنوع في الإنكار، فينكر بعضنا المنكر بكلّيته، ويطالب بعضنا بالتخفيف منه، لكن الإشكالية الحقيقية أن تكون هذه المطالبة الجزئية هي الأصل والحكم الشرعي وما عداه فهو غير واعٍ ومحطّ استخفاف وعيب؟
إلى غير ذلك من التبريرات التي ليته جعلها خطاً له ومنهجاً خاصاً به، لكنّه يريد فرضها على بقية الإخوان المحتسبين الغيورين الذين فيهم عزيمة وقوّة واستعداد للتضحية والبذل فيفتّ في عضدهم بمثل هذه الأشكال التبريرية التي ليست إلا أعراض للضعف الذي يصيب الإنسان.
إن مفهوم (الإعذار) يعني أن الله تعالى يريد من عباده أن يشيعوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يكون ظاهراً بينهم حتى ولو لم يكن ثمّ نتيجة أو ثمرة لذلك، فالمقصود أن تعذر وتبرئ ذمتك وتظهر براءتك وإنكارك، حينها فأي دعوى أو قول ينافي هذا الأصل فهو معارض لمقصد الشريعة.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 02:12 AM   رقم المشاركة : 118
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
تاااااابع


فمن يكرر القول دائماً وأبداً بأنه (لا يجوز أن يترتب على المنكر منكر أعظم منه) كلام صحيح لكن تكراره وإعادته بمناسبة وغير مناسبة لا يعدو أن يكون تثبيطاً وتخذيلاً ، فهذا شرط استثنائي لا يصحّ أن يكون هو الأصل في تقرير هذه الشعيرة، فالأصل أن تأمر وتنهي وتنصح وتذكّر وفي حالة وجود مثل هذا الأمر يتوقّف الإنسان، لا أن يكون هذا هو الأصل والقاعدة المستمرة.
على أنّ هذا الأصل يجب أن يبقى استثنائياً ويجب أن يكون صادقاً ودقيقاً فلا بدّ أن يكون ثم منكر فعلا يترتب على هذا الإنكار وقد تأكّد الإنسان من وجوده، ولا يصح أن يكون مثل هذا الكلام إيراداً ثابتاً يتحرّك في كلّ قضية.
والمؤلم حقاً أن هذا الكلام يشاع في وقت ضعف القيام بهذه الشعيرة، وانتشار التفريط الكبير فيها بين أوساط الناس، فبدلاً من أن يشدّ عزم الناس للقيام بها وإحياء معالمها، يزيد المشكلة ويعمّق الخطأ بمثل هذه التبريرات الباهتة.
قولوا لي بربّكم: لو جاء شخص فتحدّث عن الصدقة بهذه الطريقة:
(الشخص قبل أن يتصدّق عليه أن يتأكد أن يضع صدقته، فقد يترتب على صدقتك منكرات مفاسد وجرائم، فحرام عليك أن تتصدّق في هذه الحالة وأنت آثم ومفرّط حينها) وإذا سمع أحداً يتحدث عن الصدقة جاءه تحفّظ على دعوته للصدقة بأنّ الصدقة ليست مقبولة دوماً، بل قد تكون وبالاً على صاحبها، ولا يكفي أن يتصدّق الإنسان حتى ينال رضا الله والجزاء الحسن .. إلخ.
لا شكّ أنّ تصرّف مقيت ومستهجن، لكنه هو ذات الأسلوب الذي يمارس مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويطالب بعضهم فيقول: (الحكمة والعقل أن نقبل ببعض المخالفات الشرعيّة لأنّ مجيئها حتمي الوجود، فلنقبل بها أول الأمر مع وضع الضوابط خير من رفضها مطلقاً فتأتيك بصورة أعظم من دون ضوابط).
يبدو شكلها جميلاً حقاً، أن تأتي بالمنكر بنسبة 40% مثلاً هذا اليوم، خير من أن يأتيك بعد أسبوع أو شهر أو سنة بنسبة 90%، فهذه الحسبة الرياضية رائعة جداً، لكن هذا التفكير الرياضي غير قادر على إيجاد مثال واحد فقط على هذه النظرية، سيتحدث طويلاً لكنه لن يتمكن من أن يذكر واقعة ارتكب فيها المنكر استعجالاً فحفظ بسبب ذلك من قدوم المنكر الأشنع ببركة الاستعجال في تقديمه، فالذي يحصل أن مثل هذا التفكير يضعف جانب مواجهة المنكر ونصح أصحابه ويخفف من حرارة المجتمع من وجوده حتى يمرّ مرور الكرام، وأما نسبة التخفيف فهي خيالية تجريدية تعيش في ذهن صاحبه ولا قيمة لها في الواقع، بل الواقع يقول إن المعارضة والممانعة والرفض هو الذي يخفف المنكر القادم، وهو الذي يجعل ثم ضوابط واحتياطات له، لأنّ أكبر عامل يحسب أمره هو عامل الرفض الشعبي وموقف الناس ونفرتهم، فحين لا يكون ثم أي رفض فلا معنى لأن يخفّ حضور هذا المنكر.
البنوك الإسلامية لم تنشأ إلا من جراء الرفض العلمي الكبير للبنوك الربوية، فعاشت البنوك الربوية فترة ثم نهضت البنوك الإسلامية، ولو أن المشايخ في ذلك الوقت قالوا: (نأخذ بجواز الربا ونبحث عن تأويل أو قول مرجوح هنا أو هناك ونضع بعض القيود خير من ارتكاب الناس للحرام) لما قامت البنوك الإسلامية أبداً، وقل مثل هذا في الإعلام الإسلامي وغيره.
ويبالغ بعضهم فيضع الشروط والقيود التي يجب أن يلتزم بها المسلم قبل أن يأمر أو ينهي أو ينصح فيضعون من الشرائط ما تؤدّي إلى (إجهاض) هذه الشعيرة وإماتتها في النفوس.
فيشترط بعضهم أن (لا تكون المسألة خلافية) لأنّه لا (إنكار في مسائل الخلاف) مع أنّ مسائل الخلاف إن كان ثمّ نصّ شرعي فيها فإنها تعامل كغيرها من المسائل، وقد اتفق الفقهاء على أنّ القاضي إذا حكم بحكم فخالف الكتاب أو السنة أو الإجماع أنه يجب نقض قوله إجماعاً كما حكاه جمع من العلماء، فإذا كان في حكم القاضي فكيف بغيره؟
وهذا القول يؤدّي في نهايته إلى تصفية هذه الشعيرة من الوجود، لأن معنى هذا الكلام أن لا ينصح ولا ينهى إلا من كان عالماً بجميع مذاهب الفقهاء وأقوالهم حتى لا ينهي عن شيء فيه خلاف، وكم عدد هؤلاء الناس في المجتمع؟
ثمّ معنى هذا أن الإنسان لا يراعي وجود آية في كتاب الله أو حديث في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يراعي وجود خلاف أو عدم خلاف، فالمتبع حينها لكلام العلماء لا لنصوص الشريعة.
ومعنى هذا أيضاً أن (المنكر) ليس هو ما أنكرته الشريعة و(المعروف) ليس هو ما أمرت به الشريعة، بل المنكر هو ما أجمع العلماء على إنكاره، والمعروف هو ما أجمع العلماء على اعتباره، فأصبح وصف الشريعة غير حاسم في الموضوع.
ولشناعة هذا اللازم قال الفقيه الظاهري ابن حزم: (ولو أن امرأً لا يأخذ إلا بما أجمعـت عليـه الأمة فقـط، ويترك كلَّ ما اختلفوا فيه مما قد جاءت فيه النصوص، لكان فاسقاً بإجماع الأمة) [الإحكام في أصول الأحكام:1/291]
وإذا علمنا إضافة إلى ذلك: أن المسائل الخلافية واسعة جداً، خاصة إذا أدخلنا فيها خلافات المعاصرين فلا يوجد إذن ما يجوز إنكاره إلا المحرمات الضرورية التي من أنكرها فقد كفر، كالزنا والخمر ونحوها، وأما عامّة نصوص السنة فلا اعتبار لها ولا قيمة؟
لأجل ذلك كان الاحتجاج بالخلاف شبهة ميتة وقول ساقط كما قال ابن عبد البرّ: (الاختلاف ليس بحجَّة عند أحد عَلِمْتُـه من فقهاء الأمة؛ إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجَّة في قوله) [جامع بيان العلم وفضله:1/115]
فالصحيح أنّ هذه القاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف) بعيدة جداً عن هذا التداول لها في الساحة الفكريّة، فهي قاعدة في القضايا التي لا نصوص فيها، ومن جهة أخرى إنما تكون مع الشخص الذي يتبع قولاً فقهياً باجتهاد منه أو باتباع لعالم يراه، وليس المقصود أنّ هذه المسائل لا ينكر فيها مطلقاً، وإنما إذا كان شخص ما قد اتبع عالماً واستفتاه فلا ينكر عليه لأنّه معذور.
فتطبيق هذه المسألة بهذه الطريقة يؤدّي إلى إبادة الحسّ الاحتسابي في النفوس فلا يأمر أحد ولا ينهى، وتفعل المحرمات وتشاع ويبحث عن أي قول فقهي فيها، وكلّ هذا منافٍ لمقصد الشريعة من (الإبراء) و(الإعذار).
لا مشكلة كبيرة لديّ مع الشخص الذي يتخذ لنفسه منهجاً في عدم الإنكار في مسائل الخلاف بناءً على فهمه لهذه القاعدة أو توسيعه لمفهوم الخلاف المعتبر، فهذا في النهاية اختياره واجتهاده وإن كنت أراه مخطئاً، لكن الخلل الأكبر أن يعتقدها قاعدة كلّية يحاكم الناس إليها، ويلاحق إخوانه بها ويضعف من نشاطهم وحماسهم، وقد كان كافيه أن يعرف أن هذه القاعدة هي محلّ خلاف أيضاً، وبالتالي فلا يجوز له أن ينكر بها على الآخرين لأنّه يعتقد بالصوابية المطلقة لقاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف).
خامس هذه المقاصد القرآنية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: النجاة من العقاب الدنيوي، فوجود الناصحين الغيورين ضمان في الدنيا من عقاب الله، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}*هود:117* فكون الإنسان صالحاً في نفسه لا يكفي للنجاة من الهلاك؛ فالعقوبة إذا نزلت لم تقتصر على الظالمين فقط {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} *الأنفال:25*
وفي الصحيحين لما قام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يقول: (ويل للعرب من شر قد اقترب) فقالت له أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها: (أنهلك وفينا الصالحون؟ ) قال: (نعم إذا كثر الخبث).
إذا عرفت هذا، أدركت سر هذا التلازم بين (الإيمان بوجود العقوبات الإلهية) وبين ( احترام شعيرة الاحتساب) فكلّ من لا يبالي بهذه الشعيرة تجد لديه إشكال عميق مع العقوبات، فالتفسير المادي للحوادث يؤدّي به إلى إنكار وجود عقوبات إلهية على المعاصي والذنوب، سواءً أنكرها بلسانه أو بحاله، وأما من يؤمن بوجود عقوبات إلهية على المعاصي والذنوب فهو يسلّم بخطر هذه المعاصي وضرورة الاحتساب عليها.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 08-01-2013, 02:15 AM   رقم المشاركة : 119
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
تااااااابع



ومن المقاصد الشرعية لها أيضاً: بيان الأحكام الشرعية، فإظهار الأحكام الشرعية، وإخبار الناس بما يريد الله ويريده النبي صلى الله عليه وسلم منهم، هذا مقصد بحدّ ذاته وغاية شريفة وعمل عظيم، ولو لم يحصل عمل وقد أخذ الله الميثاق الغليظ على أهل العلم بالبيان {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}*آل عمران:187*
فالعلم بالشريعة بحدّ ذاته بركة ونور وخير، وهو سبب للعمل بها وإشاعة تطبيقها، لأجل ذلك جاءت النصوص الشرعية في الحث على العلم والتعلم والثناء على العلماء، وحين ينتشر الخطأ ويعمّ الانحراف ويسكت العلماء عن البيان بدعوى (فساد الزمان) و(عدم إمكانية التغيير) و(أنّ الفساد قادم لا محالة) أو (مجاملة لأحدٍ من الناس) فإن معنى هذا أن تسود الغربة لكثير من أحكام الشريعة.
كثيراً ما يقول بعض الناس (تخوضون معارك خاسرة مع الموسيقى-الربا-الاختلاط-البدع- ..)وهي شائعة ظاهرة، وهب أنّ أكثر الناس لم يعملوا بهذه الأحكام، بل هبهم كلّهم تركوها، يكفي أن تبقى مفاهيم الشريعة ظاهرة بيّنة واضحة يعرفها الصغير والكبير، فهذا مقصد شرعي عظيم، وهو ضمانة لعودة الناس إلى الالتزام بها يوماً ما عاجلاً أو آجلاً، ولئن شاع مثلاً سماع الموسيقى في زماننا في أمكنة كثيرة فصار الشخص يسمعها دائماً وأبداً إلا أنّه مع هذا الظهور الكبير لها، ومع وجود أقوال وفتاوى كثيرة تبحث لها عن مخرج شرعي إلا أنك لو سألت أي أحد من الناس عن حكمها لقال لك مباشرة: هي حرام، وربما ساق لك بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من بركة البيان والتعليم الذي ينظر في أهمية بيان الحكم الشرعي أولاً وأخيراً بغضّ النظر عن تطبيق الناس أو التزامهم، قارن هذا بمن ينظر في هذا الموضوع فيرى انتشار المخالفة وابتلاء الناس فيرى أنه (لا بدّ من البحث عن رأي يوسّع على الناس ما ضاق عليهم حتى لا يقعوا في الحرج ولا يكون هذا سبباً لمزيد من انحرافهم) فيسكت عن القول بالتحريم وربما أفتاهم بالجواز أو حكى لهم القولين جميعاً، تأمل كيف سيعود الأمر في النهاية على الحكم الشرعي فينسى أو يغيب لا بسبب أن الشخص لا يرى الحكم أو يضعف أدلته بل بسبب مراعاته لحال الناس التي بسببها أضعف أصل الحكم الشرعي، وما ذاك إلا لغفلة المسلم عن مقصد البيان وضرورته.
ولو نظر المسلم في موضوع البدعة ومدى شناعتها وتحذير الشريعة منها لوجد أن من خطورة البدعة أنها تأتي بمفاهيم وأصول جديدة محلّ أصول الشريعة، فتأتي البدعة لتدفن السنّة، حتى تشيع وتنتشر في الناس فتكون هي الأصل والسائد والواقع بسبب غياب الآمرين والناهين الذي يظهرون الأحكام، وهنا ظهرت عظمة الذين قاموا بمقاومتها وإظهار السنن فيها كيف استطاعوا أن يبينوا أحكام الشريعة ويظهروها بعد أن عاشت مدفونة بسبب ضعف البيان والتعليم.
فحين يتحذلق بعض الناس فيقول: ( إذا جاء الأمر وتعود المجتمع عليه فستخفّ المعارضة والممانعة كما خفّت وضعفت في أمور أخرى، وبالتالي فالنفرة التي تجدونها هي بسبب عدم الاعتياد لا غير).
نعم، صدق ولا شك، فالشيء إذا تعوّدت النفوس عليه فستألفه وتعتاده ولا تجد نحوه النفرة والاستنكار الكبير، فمن يتعوّد على رؤية الخمور ومشاهدة المناظر الإباحية والمعاملات الربوية لن يجد في نفسه تلك النفرة التي يجدها من كان بعيداً عن هذه المحرمات.
فهذا الوصف صحيح، لكنه وصف لا علاقة له بالموضوع، فسواء اعتادت النفوس أم لم تعتد، العبرة بكونه منكراً أو معروفاً بما هو متقرر في الشريعة، بل ومثل هذا الكلام يستدعي منه المزيد من الحرص على هذه الشعيرة - لو كان صادقاً- حتى لا تعتاد النفوس على المنكرات وتألفها لا أن يطالب ويحرص على تطبيعها في المجتمع حتى تخفّ حرارة الغيرة والاستنكار، فلئلا يكون الاعتياد أو عدم الاعتياد هو الحاكم والمؤثر على تحديد المعروف والمنكر يجب البيان والتعليم والإشهار للأحكام الشرعية حتى يكون المعيار هو النص لا الواقع والدليل لا العادة والإلف.

فهذه أبرز مقاصد الشريعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "الامتثال لأمر الله"، و"الظفر بالصفات الحسنة"، و"البراءة من الصفات الذميمة"، و"صيانة المجتمعات من المنكرات"، و"بيان ما يريد الله وما لا يريد"، و"الإعذار إلى الله"، و"النجاة في الدنيا والآخرة" يجزم المسلم من مجموعها أنّ الله تعالى يريد "إشاعة" هذه الصفة وترسيخها وتعظيمها في النفوس وأن تكون أصلاً وقاعدة ومنهجاً شاملاً للمجتمع المسلم، وأي رأي أو اجتهاد في هذه الشعيرة يجب أن يستحضر هذه المقاصد، ولا إشكال في وجود قدر من التباين والاختلاف والاجتهاد في تحقيق مناط هذه الشعيرة، شريطة أن يكون هذا تنوعاً في القيام بهذه الشعيرة لا تهويناً من جهود الآخرين ولا تثبيطاً لعزائمهم أو استخفافاً بدورهم، وليس المقصود بأي حال من الأحوال أن لا يكون ثمّ خطأ أو انحراف في أفعال بعض المحتسبين أو طرائقهم أو الدعوة لعدم التعرّض لها، كلا؛ فالإنكار عليهم جزء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-01-2013, 01:32 AM   رقم المشاركة : 120
شمس القوايل
المشرفة العامة
 
الصورة الرمزية شمس القوايل

يعطيج العافيه قلب الزهور ع الطرح القيم

مجهود مميز بارك الله فيج

ننتظر المزيد لاهنتي







التوقيع :


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:50 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية