تتكرر معالم التاريخ، حين انهارت الدولة الإسلامية، وأصبحت نهباً للقوى الجديدة، وكشأن أي دولة كبرى تمر بمراحل النمو والانهيار، فإن الكارثة أصبحت قضية للتحليل التاريخي، ومع ذلك لم تتعلم الحكومات اللاحقة من عبرة التاريخ، حيث الواقع العربي الراهن يشبه حكومات الطوائف، وكأن مقولة التاريخ يعيد نفسه لا ترتبط إلا بالأمم الراكدة.
فالعالم بطوائفه وأديانه، وقواه العظمى يتحالف ضد العالم الإسلامي، وملخص القضية لم يكن سببه بن لادن وأحداث 11سبتمبر، لأن من تحدث عن صراع الحضارات، وهو في الخندق الأمريكي الأمامي لفلسفة ما بعد الحرب الباردة، اختار المسلمين ليكونوا الأداة التي تحفز الغرب على الصدام الثقافي والعسكري، ولم يعد خافياً بروز عناصر اليمين في فرنسا، والهند، والنمسا وغيرها، وهي مقدمات لحراك عالمي بدأ يأخذ اتجاه الحروب المباشرة، أو يغذيها بين الأديان والطوائف.
الاتهام بأن الإسلام دين تطرف لا نستطيع إلغاءه ببند صغير من ملايين الدولارات للرد على الاتهامات المسيئة للإسلام والمسلمين من قبل حشد هائل وتحالفات أخذت مبدأ التخطيط والدعم المباشر، وخلفهما عقول مهنية كبيرة في حرب الإشاعات، مقابل مجاميع إسلامية متفرقة تفصلهم خلافات مذهبية، وطائفية، وتباينات في الآراء حتى على القيم والمسلمات، لتجعل الحرب تتجه لانتصار الطرف الأقوى على الأضعف.
السؤال لماذا الإسلام وحيداً في معركة عالمية؟.. هل السجل التاريخي للدولة الإسلامية التي استطاعت أن تسود قطاعاً كبيراً من الكرة الأرضية، بالفتوحات أو الدعوة، وتنامي وعي إسلامي بهويته، وتوزيع هذه المجاميع الكبيرة على المنافذ الاستراتيجية العالمية، سبب في إشعال هذه الحروب؟ أم أنه الديانة الوحيدة المتماسكة وسط انفلات أخلاقي ليكون مصدر تهديد لثقافة الآخرين؟..
كل هذا يحتاج إلى قرارات وتحليلات مستفيضة، لكننا ازاء الضعف الإسلامي بإدارة حوار جاد بتحديات علمية وثقافية، وبمفاهيم عقلانية ومتطورة، التي هي ميدان الساحة المفتوحة مع عناصر لا زالت تبحث عن الآفاق الجديدة في نظام عالمي متوازن، لكن ما يؤسف له أن القوى المناوئة أكثر جدية في مشروع حربها، لدرجة أصبح كل ما يتعلق بتراثنا يعاد صياغته بشكل مغاير لقواعده الحقيقية، وهي معارك لا تقف على وضع العالم الإسلامي تحت هيمنة القوتين الاقتصادية والعسكرية، وإنما حصره كعالم لتاريخ مضى، لا يصلح لدور جديد في عالم أصبحت التقنيات الحديثة، ورسم خطوط السلوك البشري ليشكل مضماراً لسباق الدول الكبرى.
نحتاج فقط لحوافز تفهم ما يريد منا الطرف الآخر، أي أن لا نتخذ شعار الرد فقط على الاتهامات، وإنما بموازاة القوة نعيد تقديم أنفسنا وفتح نوافذ القوى المهمشة من العلماء والمثقفين واتخاذ وسائل الإعلام منابر حرة، تقبل جدلية الصراع بمفهوم الحق والباطل كحجج قائمة على الاقناع والاقتناع، بنفس الوقت الاتجاه إلى استثمار مواردنا الهائلة ببناء عالم إسلامي يقوم على التوازن بين عقيدته ومتطلباته، حتى يبقى قيمة فعلية، لا فائضة عن الحاجة