العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-05-2014, 03:00 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ تفسير سورة الأنفال عدد آياتها 75 ...

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

تفسير سورة الأنفال عدد آياتها 75 ...
وهي مدنية

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

مقدمة
وهي مدنية، آياتها سبعون وخمس آيات، كلماتها ألف وستمائة كلمة وإحدى وثلاثون كلمة، حروفها خمسة ألاف ومائتان وأربعة وتسعون حرفاً، واللّه أعلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 03:14 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


الآية رقم ‏(‏1‏)‏
‏{‏ يسألونك عن الأنفال قل الأنفال
لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ‏}‏

قال البخاري‏:‏ الأنفال المغانم، عن سعيد بن جبير قال، قلت لابن عباس رضي اللّه عنهما سورة الأنفال، قال‏:‏ نزلت في بدر، وروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ الأنفال
الغنائم، كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء وكذا قال مجاهد وعكرمة وعطاء والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان وغير واحد أنها المغانم ؛ قال فيها لبيد‏:‏

إن تقوى ربنا خير نَفَلْ * وبإذن اللّه رَيْثى والعجل

وقال ابن جرير عن القاسم بن محمد قال‏:‏ سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن الأنفال‏؟‏ فقال ابن عباس رضي اللّه عنهما‏:‏ الفرس من النفل والسلب من النفل، ثم عاد لمسألته، فقال ابن عباس أيضاً، ثم قال الرجل‏:‏ الأنفال
التي قال اللّه في كتابه ما هي‏؟‏ قال القاسم‏:‏ فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه، فقال ابن عباس‏:‏ أتدرون ما مثل هذا‏؟‏‏.‏‏.‏ مثل صبيع الذي ضربه عمر بن الخطاب‏.‏ وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس أنه فسر النفل بما ينفله الإمام لبعض الأشخاص من سلب أو نحوه بعد قسم أصل المغنم، وهو المتبادر إلى فهم كثير من الفقهاء من لفظ النفل، واللّه أعلم‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ إنهم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة من الأخماس، فنزلت‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأنفال‏}‏، وقال ابن مسعود‏:‏ لا نفل يوم الزحف، إنما النفل قبل التقاء الصفوف، وقال ابن المبارك عن عطاء بن أبي رباح في الآية ‏{‏يسألونك عن الأنفال‏}‏ قال يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو عبد أو أمة أو متاع، فهو نفل للنبي صلى اللّه عليه وسلم يصنع به ما يشاء، قال ابن جرير وقال آخرون‏:‏ هي أنفال السرايا، بلغني في قوله تعالى ‏{‏يسألونك عن الأنفال‏}‏ قال‏:‏ السرايا، ومعنى هذا ما ينفله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش،

وقد صرح بذلك الشعبي، واختار ابن جرير أنها الزيادة على القسم، ويشهد بذلك ما ورد في سبب نزول الآية وهو ما روي عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى ذا الكتيفة، فأتيت به النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏)‏اذهب فاطرحه في القبض‏(‏،

قال‏:‏ فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا اللّه من قتل أخي وأخذ سلبي، قال‏:‏ فما جاوزت إلا يسيراً، حتى نزلت سورة الأنفال
فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ اذهب فخذ سلبك‏)

سبب آخر في نزول الآية ‏:‏
وقال الإمام أحمد عن أبي أمامة قال‏:‏ سألت عبادة عن الأنفال، فقال‏:‏ فينا أصحاب بدر نزلت، حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فاتنزعه اللّه من أيدينا،

وجعله إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقسمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين المسلمين عن بواء، يقول‏:‏ عن سواء‏.‏ وقال الإمام أحمد أيضاً عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشهدت معه بدراً، فالتقى الناس فهزم اللّه تعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم‏:‏ نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب، وقال الذين خرجوا في طلب العدو‏:‏ لستم بأحق به منا، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين أحدقوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به، فنزلت‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرسول فاتقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم‏}‏، فقسمها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين المسلمين، وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، فإذا أقبل راجعاً نفل الثلث، وكان يكره الأنفال ‏"‏رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وقال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح‏
"‏‏.‏ وروى أبو داود والنسائي وابن مردويه واللفظ له،

عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:لما كان يوم بدر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا‏)‏ فتسارع في ذلك شبان القوم وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت المغانم جاءوا يطلبون الذي جعل لهم، فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءاً لكم لو انكشفتم لفئتم إلينا؛ فتنازعوا، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يسالونك عن الأنفال - إلى قوله - واطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين‏}‏، وقال الإمام القاسم بن سلام رحمه اللّه في كتاب الأموال الشرعية ‏:‏ أما الأنفال فهي المغانم، وكل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب فكانت الأنفال الأولى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول‏}‏ فقسمها يوم بدر على ما أراه اللّه من غير أن يخمسها، ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس فنسخت الأولى، قلت‏:‏ هكذا روي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي، وقال ابن زيد‏:‏ ليست منسوخة بل هي محكمة، والأنفال أصلها جماع الغنائم إلا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السنّة‏.‏ ومعنى الأنفال في كلام العرب‏:‏ كل إحسان فعله فاعل تفضلاً من غير أن يجب ذلك عليه، فذلك النفل الذي أحله اللّه للمؤمنين من أموال عدوهم، وإنما هو شيء خصهم اللّه به تفضلاً منه عليهم، بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم، فنفلها اللّه تعالى هذه الأمة فهذا أصل النفل‏.‏ وشاهد هذا ما في الصحيحين‏:‏ ‏(‏وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي‏)‏
وذكر تمام الحديث‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاتقوا اللّه وأصحلوا ذات بينكم‏}‏ أي اتقوا اللّه في أموركم وأصلحوا فيما بينكم ولا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا، فما آتاكم اللّه من الهدى والعلم خير مما تختصمون بسببه، ‏{‏وأطيعوا اللّه ورسوله‏}‏ أي في قسمه بينكم على ما أراده اللّه، فإنه إنما يقسمه كما أمره اللّه من العدل والإنصاف، وقال ابن عباس‏:‏ هذا تحريج من اللّه ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم، وقال السدي ‏{‏وأصلحوا ذات بينكم‏}‏ أي لا تستبوا، ولنذكر ههنا حديثاً أورده الحافظ أبو يعلى الموصلي رحمه اللّه في مسنده
عن أنس رضي اللّه عنه قال‏:‏ بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر‏:‏ ما أضحكك يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏رجلان من أمتي جيثا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى، فقال أحدهما‏:‏ يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، قال اللّه تعالى‏:‏ أعط أخاك مظلمته، قال‏:‏ يا رب لم يبق من حسناتي شيء، قال‏:‏ رب فليحمل عني من أوزاري‏)‏، قال ففاضت عينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالبكاء، ثم قال‏:‏ ‏(‏إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم، فقال اللّه تعالى للطالب‏:‏ ارفع بصرك وانظر في الجنان فرفع رأسه فقال‏:‏ يا رب أرى مدائن من فضة وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا‏؟‏ لأي صديق هذا‏؟‏ لأي شهيد هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا لمن أعطى ثمنه‏؟‏ قال‏:‏ رب ومن يملك ثمنه‏؟‏ قال‏:‏ أنت تملكه، قال‏:‏ ماذا يا رب‏؟‏ قال تعفو عن أخيك، وقال‏:‏ يا رب فإني قد عفوت عنه‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ خذ بيد أخيك فادخلا الجنة‏)‏ ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فاتقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم، فإن اللّه تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة‏)‏ ‏"‏أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏2 ‏:‏ 4‏)‏
‏{‏ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ‏.‏ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ‏.‏ أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ‏}‏

قال مجاهد‏:‏ ‏{‏وجلت قلوبهم‏}‏ فرقت أي فزعت وخافت، وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا ذكر اللّه وجل قلبه أي خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم‏}‏ الآية، وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى‏}‏ ولهذا قال سفيان الثوري، سمعت السدي يقول في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم‏}‏ قال‏:‏ هو الرجل يريد أن يظلم، أو قال يهم بمعصية، فيقال له‏:‏ اتق اللّه فيجل قلبه؛ وعن أم الدرداء في قوله‏:‏ ‏{‏إنما المؤمنون الذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم‏}‏ قالت‏:‏ الوجل في القلب كاحتراق السَّعْفة السعفة‏:‏ جريدة النخل ، أما تجد له قشعريرة‏؟‏ قال‏:‏ بلى، قالت‏:‏ إذا وجدت ذلك فادع اللّه عند ربك فإن الدعاء يذهب ذلك، وقوله‏:‏ ‏{‏وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون‏}‏،

وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأمة، بل قد حكى الإجماع عليه غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد كما بينا ذلك مستقصى في أول شرح البخاري وللّه الحمد والمنة‏.‏ ‏{‏وعلى ربهم يتوكلون‏}‏ أي لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك وحده لا شريك له، ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، ولهذا قال سعيد بن جبير‏:‏ التوكل على اللّه جماع الإيمان، وقوله‏:‏ ‏{‏الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون‏}‏، ينبه تعالى بذلك على أعمالهم بعدما ذكر اعتقادهم، وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها، وهو إقامة الصلاة وهو حق اللّه تعالى، وقال قتادة‏:‏ إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها، وقال مقاتل‏:‏ إقامتها المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطهور فيها، وتمام ركوعها وسجودها، وتلاوة القرآن فيها، والتشهد، والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم، هذا إقامتها، والإنفاق مما رزقهم اللّه يشمل إخراج الزكاة وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب، والخلق كلهم عيال اللّه فأحبهم إلى اللّه أنفعهم لخلقه‏.‏ قال قتادة في قوله‏:‏ ‏{‏ومما رزقناهم ينفقون‏}‏ فأنفقوا مما رزقكم اللّه، فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك هم المؤمنون حقا‏}‏ أي المتصفون بهذه الصفات هم المؤمنون حق الإيمان‏.‏ عن الحارث بن مالك الأنصاري‏:‏ أنه مر برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له‏:‏ ‏(‏كيف أصبحت يا حارث‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ أصبحت مؤمناً حقاً، قال‏:‏ ‏(‏انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ عزفتْ نفسي عن الدنيا، فأسهرتُ ليلي، وأظمأتُ نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون يتضاغون‏:‏ أي يرفعون أصواتهم بالصراخ والعويل فيها، فقال‏:‏ ‏(‏يا حارث عرفت فالزم‏)‏ ثلاثاً ‏"‏أخرجه الحافظ الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري‏"‏‏.‏ وقال عمرو بن مرة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك هم المؤمنون حقا‏}‏ إنما أنزل القرآن بلسان العرب كقولك‏:‏ فلان سيد حقاً، وفي القوم سادة؛ وفلان تاجر حقاً، وفي القوم تجار؛ وفلان شاعر حقاً، وفي القوم شعراء‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لهم درجات عند ربهم‏}‏ أي منازل ومقامات ودرجات في الجنات، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لهم درجات عند اللّه والله بصير بما يعملون‏}‏، ‏{‏ومغفرة‏}‏ أي يغفر لهم السيئات ويشكر لهم الحسنات، وقال الضحاك‏:‏ أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي هو فوق فضلَه على الذي هو أسفل منه، ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضّل عليه أحد، ولهذا جاء في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغائر في أفق من آفاق السماء‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا باللّه وصدقوا المرسلين‏)‏، وفي الحديث الآخر‏:‏ ‏(‏إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما تراءون الكوكب الغائر في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً‏"‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 03:25 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏5 ‏:‏ 8‏)‏
‏{‏ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ‏.‏ يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ‏.‏ وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ‏.‏ ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ‏}
قال الطبري‏:‏ اختلف المفسرون في السبب الجالب لهذه الكاف في قوله‏:‏ ‏{‏كما أخرجك ربك‏}‏ فقال بعضهم‏:‏ شبه به في الصلاح للمؤمنين، والمعنى‏:‏ أن اللّه تعالى يقول‏:‏ كما أنكم لما اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها، فانتزعها اللّه منكم، فكان هذا هو المصلحة التامة لكم، كذلك لما كرهتم الخروج إلى الأعداء وهم النفير الذين خرجوا لإحراز عيرهم، فكان عاقبة كراهتكم بأن قدره لكم على غير ميعاد رشداً وهدى، ونصراً وفتحاً، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم‏}‏، وقال آخرون‏:‏ معنى ذلك ‏{‏كما أخرجك ربك من بيتك بالحق‏}‏ على كره من فريق من المؤمنين، كذلك هم كارهون للقتال، فهم يجادلونك فيه بعدما تبين لهم، قال مجاهد‏:‏ ‏{‏كما أخرجك ربك‏}‏ كذلك يجادلونك في الحق‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ يسألونك عن الأنفال مجادلة كما جادلوك يوم بدر، فقا‏:‏ أخرجتنا للعير ولم تعلمنا قتالاً فنستعد له‏.‏ قلت‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إنما خرج من المدينة طالباً لعير أبي سفيان التي بلغه خبرها أنها صادرة من الشام فيها أموال جزيلة لقريش، فاستنهض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المسلمين، فخرج في ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً وجمع اللّه بين المسلمين والكافرين على غير ميعاد، لما يريد اللّه تعالى من إعلاء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوهم والتفرقة بين الحق والباطل، والغرض ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما بلغه خروج النفير أوحى اللّه إليه، يعده إحدى الطائفتين إما العير وإما النفير، ورغب كثير من المسلمين إلى العير، لأنه كسب بلا قتال، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم‏}‏‏.‏

روى ابن أبي حاتم قال‏:‏ خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بدر، حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال‏:‏ ‏)‏كيف ترون‏؟‏‏)‏ فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول اللّه بلغنا أنهم بمكان كذا وكذا، قال‏:‏ ثم خطب الناس فقال‏:‏ ‏(‏كيف ترون‏؟‏‏)‏ فقال عمر‏:‏ مثل قول أبي بكر، ثم خطب الناس فقال‏:‏ ‏(‏كيف ترون‏؟‏‏)‏ فقال سعد بن معاذ‏:‏ يا رسول اللّه إيانا تريد‏؟‏ فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم، ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك، ولا نكون كالذين قالوا لموسى‏:‏ ‏{‏اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون‏}‏، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، ولعلك أن تكون خرجت لأمر، وأحدث اللّه إليك غيره، فانظر الذي أحدث اللّه إليك فامض له، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فنزل القرآن على قول سعد‏:‏ ‏{‏كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون‏}‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص الليثي عن أبيه عن جده‏"‏الآيات، وقال ابن عباس‏:‏ لما شاور النبي صلى اللّه عليه وسلم في لقاء العدو، وقال له سعد بن عبادة ما قال، وذلك يوم بدر أمر الناس أن يتهيأوا للقتال وأمرهم بالشوكة، فكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون‏}‏، وقال مجاهد‏:‏ يجادلونك في الحق‏:‏ في القتال للقاء المشركين‏.‏ عن عكرمة عن ابن عباس قال، قيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين فرغ من بدر‏:‏ عليك بالعير ليس دونها شيء‏.‏ فناداه العباس بن عبد المطلب وهو أسير في وثاقه‏:‏ إنه لا يصلح لك، قال‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ لأن اللّه عزَّ وجلَّ إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك اللّه ما وعدك
‏"‏أخرجه الإمام أحمد قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد ولم يخرجه أحد من أهل الكتب الستة‏"‏‏.‏ ومعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم‏}‏ أي يحبون أن الطائفة التي لا منعة ولا قتال تكون لكم وهي العير، ‏{‏ويريد اللّه أن يحق الحق بكلماته‏}‏ أي هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطائفة التي لها الشوكة والقتال ليظفركم بهم وينصركم عليهم، ويظهر دينه، ويرفع كلمة الإسلام، ويجعله غالباً على الأديان، وهو أعلم بعواقب الأمور، وهو الذي يدبركم بحسن تدبيره، وإن كان العباد يحبون خلاف ذلك فيما يظهر لهم‏.‏

وقال محمد بن إسحاق رحمه اللّه‏:‏ لما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم، وقال‏:‏ هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل اللّه أن ينفلكموها، فانتدب الناس فخف بعضهم، وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يلقى حرباً، وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز، يتجسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان تخوفاً على أمر الناس حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى أهل مكة وأمره أن يأتي قريشاً، فسيتنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة، وخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أصحابه حتى بلغ وادياً يقال له ذفران، فخرح منه، حتى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس، وأخبرهم عن قريش، فقام أبو بكر رضي اللّه عنه فقال فأحسن، ثم قام عمر رضي اللّه عنه، فقال فأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال‏:‏ يا رسول اللّه امض لما أمرك اللّه به فنحن معك، واللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏{‏اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون‏}‏، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد - يعني مدينة الحبشة - لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خيراً،

ودعا له بخير، ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أشيروا علي أيها الناس‏)‏ وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عدد الناس، وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا‏:‏ يا رسول اللّه، إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا، ونساءنا وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك، قال له سعد بن معاذ‏:‏ واللّه لكأنك تريدنا يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أجل‏)‏، فقال‏:‏ فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول اللّه لما أمرك اللّه، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل اللّه يريك، ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة اللّه، فسر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال‏:‏ ‏(‏سيروا على بركة اللّه وأبشروا فإن اللّه قد وعدني إحدى الطائفتين، واللّه لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم‏)‏، وروى العوفي عن ابن عباس نحو هذا، وكذلك قال السدي وقتادة وعبد الرحمن بن أسلم وغير واحد من علماء السلف والخلف، اختصرنا أقوالهم اكتفاء بسياق محمد بن إسحاق‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏9 ‏:‏ 10‏)‏
‏{‏ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ‏.‏ وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم ‏}‏

لما كان يوم بدر نظر النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى اللّه عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال‏:‏ ‏(‏اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً‏)‏ قال‏:‏ فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فردّاه ثم التزمه من ورائه ثم قال‏:‏ يا نبي اللّه كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين‏}‏، فلما كان يومئذ التقوا فهزم اللّه المشركين، فقتل منهم سبعون رجلاً، وأسر منهم سبعون رجلاً، واستشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أبا بكر وعمر وعلياً فقال أبو يكر‏:‏ يا رسول اللّه هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذناه منهم قوى لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم اللّه فيكونوا لنا عضداً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما ترى يا ابن الخطاب‏؟‏‏)‏ قلت‏:‏ واللّه ما أرى ما رأى أبو بكر،

ولكني أرى أن تمكني من فلان - قريب لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان - أخيه - فيضرب عنقه، حتى يعلم اللّه أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم، فهوي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد قال عمر‏:‏ فغدوت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه ما يبكيك أنت وصاحبك‏؟‏ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض عليَّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة‏)‏ الشجرة قريبة من النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض - إلى قوله - فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً‏}‏، فأحل لهم الغنائم فلما كان يوم أُحُد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسال الدم على وجهه، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن اللّه على كل شيء قدير‏}‏ بأخذكم الفداء
‏"‏رواه الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير‏"‏‏.‏

قال البخاري في كتاب المغازي باب قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم‏}
الآية، عن طارق بن شهاب قال، سمعت ابن مسعود يقول‏:‏ شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إليَّ مما عدل به، أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال‏:‏ لا نقول كما قال قوم موسى ‏{‏اذهب أنت وربك فقاتلا‏}‏، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك، فرأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم أشرق وجهه وسره، يعني قوله، وعن ابن عباس قال، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر‏:‏ ‏(‏اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد‏)‏ فأخذ أبو بكر بيده فقال‏:‏ حسبك، فخرج وهو يقول‏:‏ ‏(‏سيهزم الجمع ويولون الدبر‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بألف من الملائكة مردفين‏}‏ أي يردف بعضهم بعضاً، كما قال ابن عباس ‏{‏مردفين‏}‏‏:‏ متتابعين، ويحتمل أن المراد ‏{‏مردفين‏}‏ لكم أي نجدة لكم، كما قال العوفي عن ابن عباس ‏{‏مردفين‏}‏ يقول‏:‏ المدد، كما تقول أنت للرجل زده كذا وكذا وبه قال مجاهد وابن كثير القارئ وابن زيد ‏.‏ وفي رواية ‏{‏مردفين‏}‏ قال‏:‏ بعضهم على أثر بعض، وقال ابن جرير‏:‏ نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى اللّه عليه وسلم وفيها أبو بكر، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهذا يقتضي - إن صح إسناده - أن الألف مردفة بمثلها، ولهذا قرأ بعضهم‏:‏ ‏{‏مردفين‏}‏ بفتح الدال واللّه أعلم،

والمشهور ما روي عن ابن عباس قال‏:‏ وأمد اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة، فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة، وروي عن ابن عباس قال‏:‏ بينا رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول‏:‏ أقدم حيزوم، إذا نظر إلى المشرك فخر مستلقياً، قال‏:‏ فنظر إليه، فإذا هو قد حطم وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين
‏"‏أخرجه مسلم وابن جرير‏"‏‏.‏

وفي البخاري قال‏:‏
جاء جبريل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ما تعدون أهل بدر فيكم‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏من أفضل المسلمين‏)
‏ أو كلمة نحوها قال‏:‏ وكذلك من شهد بدراً من الملائكة، وفي

الصحيحين
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لعمر لما شاوره في قتل حاطب بن أبي بلتعة ‏(‏إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل اللّه قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏؟‏‏)‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما جعله اللّه إلا بشرى‏}‏ الآية، أي وما جعل اللّه بعث الملائكة إلا بشرى ‏{‏ولتطمئن به قلوبكم‏}‏، وإلا فهو تعالى قادر على نصركم على أعدائكم ‏{‏وما النصر إلا من عند الله‏}‏ أي بدون ذلك، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ما النصر إلا من عند الله‏}‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وتلك الأيام نداولها بين الناس‏}‏ فهذه حكم شرع اللّه جهاد الكفار بأيدي المؤمنين لأجلها، وقد كان تعالى إنما يعاقب الأمم السالفة المكذبة للأنبياء بالقوارع التي تعم تلك الأمم المكذبة، كما أهلك قوم نوح بالطوفان، وعاداً الأولى بالدبور، وثمود بالصيحة، وقوم لوط بالخسف والقلب وحجارة السجيل، وقوم شعيب بيوم الظلة، فلما بعث اللّه موسى وأهلك عدوه وأنزل على موسى التوراة شرع فيها قتال الكفار واستمر الحكم في بقية الشرائع بعده على ذلك، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر‏}‏، وقتل المؤمنين للكافرين أشد إهانة للكافرين، واشفى لصدور المؤمنين، كما قال تعالى للمؤمنين‏:‏ ‏{‏قاتلوهم يعذبهم اللّه بأيديكم، ويخزهم وينصركم عليهم، ويشف صدور قوم مؤمنين‏}‏، ولهذا كان قتل صناديد قريش بأيدي أعدائهم، أنكى لهم وأشفى لصدور حزب الإيمان، وقتل أبي جهل في معركة القتال أشد إهانة له من موته على فراشه بقارعة أو صاعقة أو نحو ذلك، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن اللّه عزيز‏}‏ أي له العزة ولرسوله وللمؤمنين بهما في الدنيا والآخرة، ‏{‏حكيم‏}‏ فيما شرعه من قتلا الكفار مع القدرة على دمارهم وإهلاكهم بحوله وقوته سبحانه وتعالى‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 03:39 AM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏11 ‏:‏ 14‏)‏
‏{‏ إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ‏.‏ إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ‏.‏ ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ‏.‏ ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار ‏}‏

يذكرهم اللّه تعالى بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم أماناً، أمنّهم به من خوفهم الذي حصل لهم، من كثرة عدوهم وقلة عددهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أُحد، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا‏}‏ الآية‏.‏ قال أبو طلحة‏:‏ كنت ممن أصابه النعاس يوم أُحد، ولقد سقط السيف من يدي مراراً؛ يسقط وآخذه، ويسقط وآخذه، ولقد نظرت إليهم يميدون وهم تحت الحَجَف الحجف‏:‏ جمع حجفة وهي الترس ، وقال الحافظ أبو يعلى عن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي تحت شجرة ويبكي حتى أصبح، وقال عبد اللّه بن مسعود‏:‏ النعاس في القتال أمنة من اللّه، وفي الصلاة من الشيطان‏.‏ وقال قتادة‏:‏ النعاس في الرأس، والنوم في القلب، وكأن ذلك كان للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر اللّه، وهذا من فضل اللّه ورحمته بهم ونعمته عليهم، ولهذا جاء في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما كان يوم بدر في العريش مع الصديق رضي اللّه عنه وهما يدعوان أخذت رسول اللّه سنة من النوم ثم استيقظ متبسماً فقال‏:‏ ‏(‏أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع‏)‏، ثم خرج من باب العريش وهو يتلو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سيهزم الجمع ويولون الدبر‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وينزل عليكم من السماء ماء‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ إن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عنها، نزلوا على الماء يوم بدر، فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ يصلون مجنبين محدثين، حتى تعاطوا ذلك في صدورهم، فأنزل اللّه من السماء ماء حتى سال الوادي، فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب واغتسلوا من الجنابة، فجعل اللّه في ذلك طهوراً وثبت به الأقدام وروي نحوه عن قتادة والضحاك ، وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة فبعث اللّه المطر عليها، والمعروف أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما سار إلى بدر نزل على أدنى ماء هناك أي أول ماء وجده، فتقدم إليه الحباب بن المنذر فقال‏:‏ يا رسول اللّه هذا المنزل الذي نزلته منزل أنزلك اللّه إياه فليس لنا أن نجاوزه أو منزل نزلته للحرب والمكيدة‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏بل منزل نزلته للحرب والمكيدة‏)‏ فقال‏:‏ يا رسول اللّه إن هذا ليس بمنزل، ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغور ما وراءه من القلب، ونستقي الحياض فيكون لنا ماء وليس لهم ماء، فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ففعل ذلك‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ أنزل اللّه عليهم المطر قبل النعاس فأطفأ بالمطر الغبار وتلبدت به الأرض وطابت نفوسهم وثبت به أقدامهم، وقوله‏:‏ ‏{‏ليطهركم به‏}‏ أي من حدث أصغر أو أكبر وهو تطهير الظاهر،

‏{‏ويذهب عنكم رجز الشيطان‏}‏ أي من وسوسة أو خاطر سيء وهو تطهير الباطن، كما قال تعالى في حق أهل الجنة ‏{‏عاليهم ثياب سندس خضر‏}‏ فهذا زينة الظاهر، ‏{‏وسقاهم ربهم شرابا طهورا‏}‏ أي مطهراً لما كان من غل أو حسد أو تباغض وهو زينة الباطن وطهارته، ‏{‏وليربط على قلوبكم‏}‏‏:‏ أي بالصبر والإقدام على مجالدة الأعداء وهو شجاعة الباطن{‏ويثبت به الأقدام‏}‏ وهو شجاعة الظاهر واللّه أعلم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا‏}‏ وهذه نعمة خفية أظهرها اللّه تعالى لهم ليشكروه عليها، وهو أنه تعالى وتقدس أوحى إلى الملائكة الذين أنزلهم لنصر نبيه ودينه أن يثبتوا الذين آمنوا، قال ابن جرير‏:‏ أي ثبتوا المؤمنين وقووا أنفسهم على أعدائهم سألقي الرعب والذلة والصغار على من خالف أمري وكذب رسولي، ‏{‏فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان‏}‏ أي اضربوا الهام فافلقوها واحتزوا الرقاب فقطعوها، وقطعوا الأطراف منهم وهي أيديهم وأرجلهم، وقد اختلف المفسرون في معنى ‏{‏فوق الأعناق‏}‏ فقيل‏:‏ معناه اضربوا الرؤوس، قاله عكرمة‏.‏ وقيل معناه أي على الأعناق وهي الرقاب، قاله الضحاك‏.‏ ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب‏}‏ وقال القاسم، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني لم أبعث لأعذب بعذاب اللّه، إنما بعثت لضرب الرقاب وشد الوثاق‏)‏، وقال الربيع بن أنس‏:‏ كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به، وقوله‏:‏ ‏{‏واضربوا منهم كل بنان‏}‏، وقال ابن جرير‏:‏ معناه واضربوا من عدوكم أيها المؤمنون كل طرف ومفصل من أطراف أيديهم وأرجلهم، والبنان جمع بنانة كما قال الشاعر‏:‏

ألا ليتني قطعت مني بنانة * ولاقيته في البيت يقظان حاذراً

وقال ابن عباس ‏{‏واضربوا منهم كل بنان‏}‏ يعني بالبنان الأطراف وكذا قال الضحاك وابن جرير والسدي ، وقال السدي‏:‏ البنان الأطراف، ويقال كل مفصل، وقال الأوزاعي‏:‏ اضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهاب من نار فإذا أخذته حرم ذلك كله عليك، وقال العوفي عن ابن عباس فأوحى اللّه إلى الملائكة‏:‏ ‏{‏أني معكم فثبتوا الذين آمنوا‏}‏ الآية، فقتل أبو جهل لعنه اللّه في تسعة وستين رجلاً، وأسر عقبة بن أبي معيط، فقتل صبراً فرفى ذلك سبعين يعني قتيلاً، لهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم شاقوا اللّه ورسوله‏}‏ أي خالفوهما، فساروا في شق، وتركوا الشرع والإيمان به واتباعه في شق، ومأخوذ أيضاً من شق العصا وهو جعلها فرقتين ‏{‏ومن يشاقق اللّه ورسوله فإن اللّه شديد العقاب‏}‏ أي هو الطالب الغالب لمن خالفه ونأوأه لا يفوته شيء، ولا يقوم لغضبه شيء تبارك وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه، ‏{‏ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب بالنار‏}‏ هذا خطاب للكفار، أي ذوقوا هذا العذاب والنكال في الدنيا واعلموا أيضاً أن للكافرين عذاب النار في الآخرة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏15‏:‏ 16‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ‏.‏ ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ‏}‏

يقول تعالى متوعداً على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا‏}‏ أي تقاربتم منهم ودنوتم إليهم ‏{‏فلا تولوهم الأدبار‏}‏ أي تفرقوا وتتركوا أصحابكم، ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال‏}‏ أي يفر بين يدي قرنه مكيدة ليريه أنه خاف منه، فيتبعه، ثم يكر عليه فلا بأس عليه في ذلك وهو قول سعيد بن جبير والسدي ‏.‏ وقال الضحاك أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها، ‏{‏أو متحيزا إلى فئة‏}‏ أي فر من ها هنا إلى فئة أخرى من المسلمين يعاونهم ويعاونوه، فيجوز له ذلك، حتى لو كان في سريه ففر إلى أميره أو إلى الإمام الأعظم دخل في هذه الرخصة‏.‏ قال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كنت في سرية من سرايا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحاص الناس حيصة، فكنت فيمن حاص، فقلنا‏:‏ كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب‏؟‏ ثم قلنا‏:‏ لو دخلنا المدينة ثم بتنا، ثم قلنا‏:‏ لو عرضنا أنفسنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإذا كانت لنا توبة وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال‏:‏ ‏(‏مَنْ القوم‏؟‏‏)‏ فقلنا‏:‏ نحن الفرارون، فقال‏:‏ ‏(‏لا، بل أنتم العكّارون أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين‏)‏ قال‏:‏ فأتيناه حتى قبَّلنا يده‏.‏ وقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية‏:‏ ‏{‏أو متحيزا إلى فئة‏}‏ ‏"‏رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه‏"‏‏.‏ وقال أهل العلم‏:‏ معنى قوله ‏(‏العكارون‏)‏‏:‏ أي العرافون، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في أبي عبيدة لما قُتل بأرض فارس لكثرة الجيش من المجوس فقال عمر‏:‏ لو تحيز إليَّ لكنت له فئة، ويروى عنه أنا فئة كل مسلم‏.‏ وقال الضحاك في قوله ‏{‏أو متحيزا إلى فئة‏}‏‏:‏ المتحيز الفار إلى النبي وأصحابه، وكذلك من فر اليوم إلى أميره أو أصحابه، فأما إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب فإنه حرام وكبيرة من الكبائر، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اجتنبوا السبع الموبقات‏)‏ قيل يا رسول اللّه وما هن‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الشرك باللّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان عن أبي هريرة‏"‏‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فقد باء‏}‏ أي رجع ‏{‏بغضب من اللّه ومأواه‏}‏ أي مصيره ومنقلبه يوم ميعاده
‏{‏جهنم وبئس المصير‏}‏‏.‏

وقال الإمام أحمد عن بشير بن معبد قال‏:‏ أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم لأبايعه فاشترط عليَّ شهادة أن لا إله إلا اللّه، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أؤدي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل اللّه؛ فقلت يا رسول اللّه أما اثنتان فواللّه لا أطيقهما‏:‏ الجهاد، فإنهم زعموا أنه من ولى الدبر فقد باء بغضبٍ من اللّه، فأخاف إن حضرت ذلك خشعت نفسي وكرهت الموت‏.‏ والصدقة، فواللّه مالي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولهم، فقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده ثم حرك يده ثم قال‏:‏ ‏(‏فلا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة إذاً‏)‏‏؟‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه أنا أبايعك، فبايعته عليهن كلهن"‏أخرجه الإمام أحمد، قال ابن كثير‏:‏ حديث غريب من هذا الوجه لم يخرجوه في الكتب الستة‏"
‏‏.‏ وقد ذهب ذاهبون إلى أن الفرار إنما كان حراماً على الصحابة، لأن الجهاد كان فرض عين عليهم، وقيل‏:‏ على الأنصار خاصة لأنهم بايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وقيل‏:‏ المراد بهذه الآية أهل بدر خاصة يروى هذا عن عمرو ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد ونافع والحسن البصري وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك وغيرهم ‏.‏ وحجتهم في هذا أنه لم تكن عصابة لها شوكة يفيئون إليها إلا عصابتهم تلك كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض‏)‏، ولهذا قال الحسن في قوله‏:‏ ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره‏}‏ قال‏:‏ ذلك يوم بدر، فأما اليوم فإن انحاز إلى فئة أو مصر فلا بأس عليه، وقال ابن المبارك عن يزيد بن أبي حبيب‏:‏ أوجب اللّه تعالى لمن فر يوم بدر النار، قال‏:‏ ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله‏}‏، فلما كان يوم أُحد بعد ذلك قال‏:‏ ‏{‏إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان‏}‏، إلى قوله ‏{‏ولقد عفا اللّه عنهم‏}‏، ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين، قال‏:‏ ‏{‏ثم وليتم مدبرين * ثم يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء‏}‏‏.‏ وعن أبي سعيد أنه قال في هذه الآية‏:‏ ‏{‏ومن يولهم يومئذ دبره‏}‏ إنما أنزلت في أهل بدر، وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراماً على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير، واللّه أعلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏17 ‏:‏ 18‏)‏
‏{‏ فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ‏.‏ ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ‏}‏

يبين تعالى أنه خالق أفعال العباد، وأنه المحمود على جميع ما صدر منهم من خير، لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فلم تقتلوهم ولكن اللّه قتلهم‏}‏ أي ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعدائكم، مع كثرة عددهم وقله عددكم، بل هو الذي أظفركم عليهم كما قال‏:‏ ‏{‏ولقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلة‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا‏}‏ يعلم تبارك وتعالى أن النصر ليس بكثرة العَدَد والعُدَد، وإنما النصر من عنده تعالى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه والله مع الصابرين‏}‏، ثم قال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم أيضاً في شأن القبضة من التراب التي حصب بها وجوه الكافرين يوم بدر ‏{‏وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى‏}‏ أي هو الذي بلغ ذلك إليهم وكبتهم بها لا أنت، قال ابن عباس‏:‏ رفع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يديه يعني يوم بدر فقال‏:‏ ‏(‏يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً‏)فقال له جبريل‏:‏ خذ قبضة من التراب فارم بها في وجوههم، فإخذ قبضة من التراب فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين‏.‏ وقال محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي‏:‏ لما دنا القوم بعضهم من بعض أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال‏:‏ ‏(‏شاهت الوجوه‏)‏، فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم وكانت هزيمتهم في رمية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه‏:‏{‏وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى‏}‏‏.وقال عروة بن الزبير في قوله‏:‏{‏وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا‏}أي ليعرف المؤمنين نعمته عليهم، من إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته، ‏{‏إن اللّه سميع عليم‏}أي سميع الدعاء ‏{‏عليم‏}‏ بمن يستحق النصر والغلب، وقوله‏:‏ ‏{‏ذلكم وأن اللّه موهن كيد الكافرين‏}‏ هذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر أنه أعلمهم تعالى بأنه مضعف كيد الكافرين، فيما يستقبل مصغر أمرهم، وأنهم كل ما لهم في تبار ودمار‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 03:53 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏19‏)‏
‏{‏ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين ‏}‏

يقول تعالى للكفار‏:‏ ‏{‏إن تستفتحوا‏}‏ أي تستنصروا وتستقصوا اللّه وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين فقد جاءكم ما سألتم؛ كما قال أبو جهل، قال حين التقى القوم‏:‏ اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة؛ فكان المستفتح ‏"‏رواه أحمد والنسائي والحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‏"‏؛ وقال السدي‏:‏ كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا اللّه وقالوا‏:‏ اللهم انصر أعلى الجندين وأكرم الفئتين وخير القبيلتين، فقال اللّه‏:‏ ‏{‏إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح‏}‏ يقول‏:‏ قد نصرت ما قلتم، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تنتهوا‏}‏ أي عما أنتم فيه من الكفر باللّه والتكذيب لرسوله ‏{‏فهو خير لكم‏}‏ أي في الدنيا والآخرة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تعودوا نعد‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏وإن عدتم عدنا‏}‏، معناه وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والضلالة نعد لكم بمثل هذه الواقعة، وقال السدي‏:‏ ‏{‏وإن تعودوا‏}‏ أي إلى الاستفتاح ‏{‏نعد‏}‏ أي إلى الفتح لمحمد صلى اللّه عليه وسلم والنصر له وتظفيره على أعدائهن والأول أقوى‏.‏ ‏{‏ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت‏}‏ أي ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا، فإن من كان اللّه معه فلا غالب له، ‏{‏وأن اللّه مع المؤمنين‏}‏ وهم الحزب النبوي والجناب المصطفوي‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏20 ‏:‏ 23‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ‏.‏ ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ‏.‏ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ‏.‏ ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ‏}‏

يأمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله ويزجرهم عن مخالفته والتشبه بالكافرين به المعاندين له، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولا تولوا عنه‏}‏ أي تتركوا طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره، ‏{‏وأنتم تسمعون‏}‏ أي بعدما علمتم ما دعاكم إليه، ‏{‏ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون‏}‏ قيل‏:‏ المراد المشركون، واختاره ابن جرير، وقال ابن إسحاق‏:‏ هم المنافقون فإنهم يظهرون أنهم قد سمعوا واستجابوا وليسوا كذلك، ثم أخبر تعالى أن هذا الضرب من بني آدم شر الخلق والخليقة فقال‏:‏ ‏{‏إن شر الدواب عند اللّه الصم‏}‏ أي عن سماع الحق، ‏{‏البكم‏}‏ عن فهمه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الذين لا يعقلون‏}‏ فهؤلاء شر البرية لأن كل دابة مما سواهم مطيعة للّه فيما خلقها له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا، ولهذا شبههم بالأنعام في قوله‏:‏ ‏{‏أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون‏}‏ وقيل‏:‏ المراد بهؤلاء المذكورين نفر من بني عبد الدار من قريش؛ ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح ولا قصد لهم صحيح - ولو فرض أن لهم فهماً - فقال‏:‏ ‏{‏ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم‏}‏ أي لأفهمهم وتقدير الكلام و لكن لا خير فيهم فلم يفهمهم لأنه يعلم أنه ‏{‏لو أسمعهم‏}‏ أي أفهمهم ‏{‏لتولوا‏}‏ عن ذلك قصداً وعناداً بعد فهمهم ذلك ‏{‏وهم معرضون‏}‏ عنه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏24‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ‏}‏

قال البخاري‏{‏ استجيبوا‏}‏ أجيبوا ‏{‏لما يحييكم‏}‏ لما يصلحكم، عن أبي سعيد بن المعلى رضي اللّه عنه قال‏:‏ كنت أصلي فمر بي النبي صلى اللّه عليه وسلم فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته فقال‏:‏ ‏(‏ما منعك أن تأتيني‏؟‏ ألم يقل اللّه‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم‏}‏، ثم قال‏:‏ لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج‏)‏، فذهب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخرج فذكرت له‏.‏ فقال‏:‏ ‏{‏الحمد لله رب العالمين‏}‏ هي السبع المثاني‏.

وقال مجاهد ‏{‏لما يحييكم‏}‏ قال‏:‏ للحق، وقال قتادة ‏{‏لما يحييكم‏}‏ هذا هو القرآن فيه النجاة والبقاء والحياة؛ وقال السدي‏:‏ ‏{‏لما يحييكم‏}‏ ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك وعطية ومقاتل وفي رواية عن مجاهد يحول بين المرء وقلبه أي حتى يتركه لا يعقل ؛ وقال السدي‏:‏ لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه، وقد وردت الأحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما يناسب هذه الآية؛ قال الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يكثر أن يقول‏:‏ ‏(‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏ قال‏:‏ فقلنا يا رسول اللّه آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا‏؟‏ قال‏(‏ ‏:‏نعم إن القلوب بين إصبعين من أصابع اللّه تعالى يقلبها‏)‏

حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن النواس بن سمعان رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء أن يزيغه أزاغه‏)‏، وكان يقول‏:‏ ‏(‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏ قال‏:‏ ‏(‏والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه‏)‏ ‏"‏ورواه النسائي وابن ماجه‏"‏‏.‏ حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن أم سلمة
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكثر في دعائه يقول‏:‏ ‏(‏اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏ قالت، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه إن القول لتقلب‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم ما خلق اللّه من بشر من بني آدم إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع اللّه عزَّ وجلَّ، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه‏.‏ فنسال اللّه ربنا أن لا يزيع قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب‏)‏ قالت، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلى، قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما أحييتني‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏25‏)‏
‏{‏ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب ‏}‏

يحذر تعالى عباده المؤمنين ‏{‏فتنة‏}‏ أي اختباراً ومحنة يعم بها المسيء وغيرهن لا يخص بها أهل المعاصي، ولا من باشر بالذنب، بل يعمهما حيث لم تدفع وترفع،

كما قال الإمام أحمد عن مطرف، قال‏:‏ قلنا للزبير يا أبا عبد اللّه ما جاء بكم‏؟‏ ضيّعتم الخليفة الذي قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه‏؟‏ فقال الزبير ضي اللّه عنه‏:‏ إنا قرأنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي اللّه عنهم‏:‏ ‏{‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت ‏"‏رواه أحمد والبزار‏"‏‏.‏

وروى ابن جرير عن الحسن قال، قال الزبير‏:‏ لقد خوفنا - يعني قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏ ونحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وما ظننا أنا خصصنا بها خاصة؛ وقال الحسن في هذه الآية‏:‏ نزلت في علي، وعمار، وطلحة، والزبير رضي اللّه عنهم، وقال الزبير‏:‏ لقد قرأت هذه الآية زماناً وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها ‏{‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏، وقال السدي‏:‏ نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل فاقتتلوا، وقال ابن عباس‏:‏ ‏{‏لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏}‏ يعني أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة، وقال في رواية له عن ابن عباس في تفسير هذه الآية‏:‏ أمر اللّه المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمهم اللّه بالعذاب، وهذا تفسير حسن جداً، ولهذا قال مجاهد‏:‏ هي أيضاً لكم، والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم،

وإن الخطاب معهم هو الصحيح، ويدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن، عن عدي بن عميرة قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إن اللّه عزَّ وجلَّ لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذّب اللّه الخاصة والعامة‏)‏ ‏"‏رواه أحمد، قال ابن كثير‏:‏ لم يخرجه في الكتب الستة أحد وفيه رجل متهم‏"‏‏.‏

حديث آخر‏"‏‏:قال الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن اللّه أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم‏)‏، وقال حذيفة رضي اللّه عنه‏:‏ إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيصير منافقاً، وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات، لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتحاضُنَّ على الخير، أو ليسحتكم اللّه جميعاً بعذاب، أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم‏.‏ حديث آخر ‏:‏ قال الأمام أحمد أيضاً عن عامر رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول - وأومأ بأصبعيه إلى أذنيه - يقول‏:‏ مثل القائم على حدود اللّه والواقع فيها والمداهن فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا‏:‏ لو خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا‏!‏ فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً‏.‏ ‏"‏أخرجه البخاري والترمذي أيضاً‏"‏‏.‏ حديث آخر ‏:‏ عن أم سلمة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم اللّه بعذاب من عنده‏)‏ فقلت‏؟‏ يا رسول اللّه أما فيهم أناس صالحون‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلى‏)‏ قالت‏:‏ فكيف يصنع أولئك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من اللّه ورضوان‏)‏ ‏
"‏رواه الإمام أحمد‏"‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ما من قوم يعملون بالمعاصي وفيهم رجل أعز منهم ولا أمنع لا يغيّره، إلا عمهم اللّه بعقاب أو أصابهم العقاب‏)‏ وفي أخرى عن عائشة ترفعه‏:‏ ‏(‏إذا ظهر السوء في الأرض أنزل اللّه بأهل الأرض بأسه‏)‏ فقلت‏:‏ وفيهم أهل طاعة اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم ثم يصيرون إلى رحمة اللّه‏)‏ ‏"‏أخرجهما الإمام أحمد‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏26‏)‏
‏{‏ واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ‏}‏

ينبه تعالى عباده المؤمنين على نعمه عليهم وإحسانه إليهم، حيث كانوا قليلين فكثرهم، ومستضعفين خائفين فقواهم ونصرهم، وفقراء عالة فرزقهم من الطيبات، وهذا كان حال المؤمنين حال مقامهم بمكة، قليلين مستخفين مضطهدين، يخافون أن يتخطفهم الناس من سائر بلاد اللّه، لقلتهم وعدم قوتهم، فلم يزل ذلك دأبهم حتى أذن اللّه لهم في الهجرة إلى المدينة فآواهم إليها، وقيّض لهم أهلها آوو ونصروا وواسوا بأموالهم، وبذلوا مهجهم في طاعة اللّه وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم، قال قتادة‏:‏ كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلاً، وأشقاه عيشاً، وأجوعه بطوناً، وأعراه جلوداً، وأبينه ضلالاً، من عاش منهم عاش شقياً، ومن مات منهم ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، واللّه ما نعلم قبيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلاً منهم، حتى جاء اللّه بالإسلام فمكّن به في البلاد، ووسع به في الرزق، وجعلهم به ملوكاً على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى اللّه ما رأيتم، فاشكروا اللّه على نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من اللّه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏27 ‏:‏ 28‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ‏.‏ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ‏}‏

أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، حين بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فاستشاروه في ذلك، فأشار عليهم بذلك، وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح، ثم فطن أبو لبابة، ورأى أنه قد خان اللّه ورسوله، فحلف لا يذوق ذواقاً حتى يموت أو يتوب اللّه عليه، وانطلق إلى مسجد المدينة، فربط نفسه في سارية منه، فمكث كذلك تسعة أيام، حتى كان يخر مغشياً عليه من الجهد، حتى أنزل اللّه توبته على رسوله، فجاء الناس يبشرونه بتوبة اللّه عليه، وأرادوا أن يحلوه من السارية، فحلف لا يحله منها إلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيده فحله، فقال‏:‏ يا رسول اللّه إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة، فقال‏:‏ ‏(‏يجزيك الثلث أن تصدق به‏)‏ ‏"‏رواه عبد الرزاق بن أبي قتادة‏"‏‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ نزلت هذه الآية
في قتل عثمان رضي اللّه عنه ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرسول‏}‏ الآية‏.‏ وفي الصحيحين قصة حاطب بن أبي بلتعة أنه كتب إلى قريش يعلمهم بقصد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إياهم عام الفتح، فاطلع اللّه رسوله على ذلك، فبعث في إثر الكتاب فاسترجعه، واستحضر حاطباً فأقر بما صنع، وفيها فقام عمر بن الخطاب فقال‏:‏ يا رسول اللّه، ألا أضرب عنقه فإنه قد خان اللّه ورسوله والمؤمنين‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏دعه فإنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل اللّه اطلع على أهل بدر فقال‏:‏ اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏، والصحيح أن الآية عامة، وإن صح أنها وردت على سبيل خاص، فالأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند الجماهير من العلماء‏.‏ والخيانة تعم الذنوب الصغار والكبار اللازمة والمتعدية، وقال ابن عباس ‏{‏وتخونوا أماناتكم‏}‏‏:‏ الأمانة الأعمال التي ائتمن اللّه عليها العباد يعني الفريضة، يقول‏:‏ لا تخونوا لا تنقضوها، وقال في رواية‏:‏ لا تخونوا اللّه والرسول يقول‏:‏ بترك سنته وارتكاب معصيته‏.‏

وقال السدي‏:‏ إذا خانوا اللّه والرسول فقد خانوا أماناتهم‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ كانوا يسمعون من النبي صلى اللّه عليه وسلم الحديث فيشفونه حتى يبلغ المشركين، وقال ابن زيد‏:‏ نهاكم أن تخونوا اللّه والرسول كما صنع المنافقون، وقوله‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة‏}‏ أي اختبار وامتحان منه لكم إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها او تشتغلون بها عنه وتعتاضون بها منه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم‏}‏، وقال‏:‏ و‏{‏نبلوكم بالشر والخير فتنة‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وأن اللّه عنده أجر عظيم‏}‏ أي ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد، فإنه قد يوجد منهم عدو، وأكثرهم لا يغني عنك شيئاً، واللّه سبحانه هو المتصرف المالك للدنيا والآخرة، ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة، وفي الأثر يقول اللّه تعالى‏:‏ يا ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتَّكَ فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء، وفي الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان‏:‏ من كان اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا للّه، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه اللّه منه‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان‏"‏، بل حب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقدم على الأولاد والأموال والنفوس كما ثبت في الصحيح أنه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيدة لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين‏)‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 04:19 AM   رقم المشاركة : 6
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏29‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم ‏}‏

قال ابن عباس وغير واحد ‏{‏فرقانا‏}‏ مخرجاً وهو قول السدي وعكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل وغيرهم ويشهد له قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يتق اللّه بجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب‏}‏ ، زاد مجاهد في الدنيا والآخرة، في رواية عن ابن عباس ‏{‏فرقانا‏}‏ نجاة،وفي رواية عنه‏:‏ نصراء‏.‏ وقال محمد بن إسحاق‏:‏ ‏{‏فرقاناً‏}‏ أي فصلاً بين الحق والباطل؛ وهذا التفسير أعم مما تقدم، وهو يسلتزم ذلك كله، فإن من اتقى اللّه بفعل أوامره وترك زواجره، وفّق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سبب نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا وسعادته يوم القيامة وتكفير ذنوبه وهو محوها، وغفرها‏:‏ سترها عن الناس، وسبباً لنيل ثواب اللّه الجزيل كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏30‏)‏
‏{‏ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ‏}‏

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة‏:‏ ‏{‏ليثبتوك‏}‏ ليقيدوك؛ وقال عطاء وابن زيد‏:‏ ليحبسوك، وقال السدي‏:‏ الإثبات هو الحبس والوثاق، وهذا يشمل ما قاله هؤلاء وهؤلاء، وهو مجمع الأقوال، وهو الغالب من صنيع من أراد غيره بسوء، وقال عطاء‏:‏ سمعت عبيد بن عمير يقول‏:‏ لما ائتمروا بالنبي صلى اللّه عليه وسلم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، قال له عمه أبو طالب‏:‏ هل تدري ما ائتمروا بك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني‏)‏، قال‏:‏ من أخبرك بهذا‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ربي‏)‏ قال‏:‏ نعم الرب ربك استوص به خيراً، قال‏:‏ ‏(‏أنا أستوصي به‏؟‏ بل هو يستوصي بي‏)‏، قال فنزلت‏:‏ ‏{‏وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك‏}‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ ذكر أبي طالب في هذا غريب جداً بل منكر، لأن الآية مدنية واجتماع قريش وائتمارهم كان ليلة الهجرة وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو ثلاث سنين‏"‏الآية‏.‏ والدليل على صحة ما قلنا، ما روى محمد بن إسحاق صاحب المغازي عن مجاهد عن ابن عباس‏:‏ أن نفراً من قريش من أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا له من أنت‏؟‏ قال شيخ من أهل نجد سمعت أنكم اجتمعتم فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم رأيي ونصحي قالوا‏:‏ أجل ادخل فدخل معهم، فقال‏:‏ انظروا في شأن هذا الرجل، واللّه ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره، فقال قائل منهم‏:‏ احبسوه في وثاق ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة، قال‏:‏ فصرخ عدو اللّه فقال‏:‏ واللّه ما هذا برأي، واللّه ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم،

قالوا صدق الشيخ فانظروا في غير هذا، قال قائل منهم‏:‏ أخرجوه من بين أظهركم فتستريحوا منه، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع إذا غاب عنكم أذاه؛ فقال الشيخ النجدي‏:‏ واللّه ما هذا لكم برأي ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه‏؟‏ واللّه لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه، ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم، قالوا صدق واللّه، فانظروا رأياً غير هذا، فقال أبو جهل لعنه اللّه‏:‏ واللّه لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، لا أرى غيره، قالوا‏:‏ وما هو‏؟‏ قال‏:‏ تأخذون من كل قبيلة غلاماً شاباً وسيطاً نهداً، ثم يعطى كل غلام منهم سيفاً صارماً، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، فما أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل الدية واسترحنا وقطعنا عنا أذاه، قال‏:‏ فقال الشيخ النجدي‏:‏ هذا واللّه الرأي، القول ما قال الفتى، ولا أرى غيره؛ قال‏:‏ فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له، فأتى جبريل النبي صلى اللّه عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بيته تلك الليلة، وأذن اللّه له عند ذلك بالخروج، وأنزل اللّه عليه بعد قدومه المدينة الأنفال يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده‏:‏ ‏{‏وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر اللّه والله خير الماكرين‏}‏، وأنزل في قولهم تربصوا به ريب المنون‏:‏
‏{‏أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون‏}‏‏.‏

قال ابن إسحاق‏:
أتاه جبريل عليه السلام فأمره أن لا يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علي بن أبي طالب فأمره أن يبيت على فراشه ويتسجى ببرد له أخضر، ففعل ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على القوم، وهم على بابه، وخرج معه بحفنة من تراب فجعل يذروها على رؤوسهم، وأخذ اللّه بأبصارهم عن نبيه صلى اللّه عليه وسلم وهو يقرأ‏:‏ ‏{‏يسن والقرآن الحكيم - إلى قوله - فأغشيناهم فهم لا يبصرون‏}‏‏.‏ وقد روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال‏:‏ دخلت فاطمة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهي تبكي،

قال‏:‏ ‏(‏ما يبكيك يا بنية‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ يا أبت ومالي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحِجْر يتعاهدون باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك، وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك، فقال‏:‏ ‏(‏يا بنية ائتني بوضوء‏)‏، فتوضأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم خرج إلى المسجد، فلما رأوه قالوا‏:‏ ها هو ذا، فطأطأوا رؤوسهم، وسقطت رقابهم بين أيديهم، فلم يرفعوا أبصارهم، فتناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها، وقال‏:‏ ‏(‏شاهت الوجوه‏)‏، فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافراً ‏"‏قال الحاكم‏:‏ صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ولا أعرف له علة‏"‏‏.‏

وعن ابن عباس في قوله‏:‏{‏وإذ يمكر بك‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم‏:‏ إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال بعضهم‏:‏ بل اقتلوه، وقال بعضهم‏:‏ بل اخرجوه، فأطلع اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك فبات علي رضي اللّه عنه على فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وخرج النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي صلى اللّه عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا علياً رد اللّه تعالى مكرهم، فقالوا‏:‏ أين صاحبك هذا‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعودا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا‏:‏ لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال ‏"‏رواه الإمام أحمد في المسند‏"‏‏.‏ وقال عروة بن الزبير في قوله‏:‏ ‏{‏ويمكرون ويمكر الله‏}‏ أي فمكرت بهم بكيدي المتين حتى خلصتك منهم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏31 ‏:‏ 33‏)‏
‏{‏ وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ‏.‏ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ‏.‏ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ‏}‏

يخبر تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم، ودعواهم الباطل عند سماع آياته، إذا تتلى عليهم أنهم يقولون‏:‏ ‏{‏قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا‏}‏ وهذا منهم قول بلا فعل، وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً، وقد قيل‏:‏ إن القائل لذلك هو النضر بن ا حارث ، فإنه لعنه اللّه كان قد ذهب إلى بلاد فارس، وتعلم من أخبار ملوكهم رستم وأسفنديار، ولما قدم وجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد بعثه اللّه وهو يتلو على الناس القرآن، فكان عليه الصلاة والسلام إذا قام من مجلس، جلس فيه النضر فحدثهم من أخبار أولئك، ثم يقول‏:‏ باللّه أينا أحسن قصصاً أنا أو محمد‏؟‏ ولهذا لما أمكن اللّه تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن تضرب رقبته صبراً بيد يديه، ففعل ذلك وللّه الحمد، وكان الذي أسره المقداد بن الأسود رضي اللّه عنه كما قال ابن جرير‏.‏ ومعنى ‏{‏أساطير الأولين‏}‏ جمع أسطورة‏:‏ أي كتبهم، اقتبسها فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس، وهذا هو الكذب البحت، كما أخبر اللّه عنهم في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا - إلى - إنه كان غفورا رحيما‏}‏ أي لمن تاب إليه وأناب فإنه يتقبل منه ويصفح عنه‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم‏}‏ هذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم وعنادهم وعتوهم، وهذا مما عيبوا به، وكان الأولى لهم أن يقولوا‏:‏ اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه، ولكن استفتحوا على أنفسهم واستعجلوا العذاب وتقديم العقوبة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب‏}‏، ‏{‏وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏سأل سائل بعذاب واقع‏}‏، وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة كما قال قوم شعيب له‏:‏ ‏{‏فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين‏}‏‏.‏ عن أنس بن مالك قال أبو جهل ابن هشام‏:‏ ‏{‏اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم‏}‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏ ‏"‏أخرجه البخاري في صحيحه‏"‏‏.‏ وقال الأعمش عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وإذ قالوا اللهم‏}‏ الآية، قال‏:‏ هو النضر بن الحارث بن كلدة قال‏:‏ فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع وهو قول مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والسدي ‏.

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون‏:‏ لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك، ويقولون‏:‏ غفرانك غفرانك، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم‏}‏ الآية‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ كان فيهم أمانان النبي صلى اللّه عليه وسلم والاستغفار، فذهب النبي صلى اللّه عليه وسلم وبقي الاستغفار ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم‏"‏‏.‏ وعن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم‏}‏ يقول ما كان اللّه ليعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم، ثم قال‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏ يقول‏:‏ من قد سبق له من اللّه الدخول في الإيمان، وهو الاستغفار، يستغفرون يعني يصلون، يعني بهذا أهل مكة، وقال الضحاك‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏ يعني المؤمنين الذين كانوا بمكة‏.‏ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أنزل اللّه عليّ أمانين لأمتي‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏ فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة‏)‏ ‏"‏رواه الترمذي في سننه‏"‏‏.‏ ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الشيطان قال‏:‏ وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد والحاكم، وقال الحاكم‏:‏ صحيح الإسناد ولم يخرجاه‏"‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 04:32 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏34 ‏:‏ 35‏)‏
{‏ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ‏.‏ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ‏}‏

يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذبهم، ولكنْ لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول صلى اللّه عليه وسلم بين أظهرهم، ولهذا لما خرج من بين أظهرهم أوقع اللّه بهم بأسه يوم بدر فقتل صناديدهم، وأسر سراتهم، وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد، قال قتادة والسدي‏:‏ لم يكن القوم يستغفرون ولو كانوا يستغفرون ما عذبوا‏.‏ قال ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا، قال في الأنفال‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏ فنسختها الآية التي تليها ‏{‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه - إلى قوله - فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‏}‏ فقاتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والضر، وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وما كان اللّه معذبهم وهم يستغفرون‏}‏، ثم استثنى أهل الشرك فقال‏:‏ ‏{‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن المسجد الحرام‏}‏، وقوله‏:‏ {‏‏وما لهم ألا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون‏}أي وكيف لا يعذبهم اللّه وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي بمكة، يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة فيه والطواف به، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون‏}‏ أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام وإنما أهله النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد اللّه من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وصد عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله‏}‏ الآية، وقال الحافط ابن مردويه في تفسير هذه الآية عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال‏:‏ سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أوليائك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏كل تقي‏)‏، وتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏إن أولياؤه إلا المتقون‏}‏‏.‏ وقال الحاكم في مستدركه‏:‏ جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قريشاً فقال‏:‏ ‏(‏هل فيكم من غيركم‏؟‏‏)‏ فقالوا‏:‏ فينا ابن أختنا وفينا حليفنا وفينا مولانا، فقال‏:‏ ‏(‏حليفنا منا وابن أختنا منا ومولانا منا إن أوليائي منكم المتقون‏)‏

وقال عروة والسدي في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن أولياؤه إلا المتقون‏}‏ قال‏:‏ هم محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه رضي اللّه عنهم، وقال مجاهد‏:‏ هم المجاهدون من كانوا حيث كانوا، ثم ذكر تعالى ما كانوا يعتمدونه عند المسجد الحرام وما كانوا يعاملونه به، فقال‏:‏ ‏{‏وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية‏}‏ المكاء هو الصفير وهو قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة ، وزاد مجاهد‏:‏ وكانوا يدخلون أصابعم في أفواههم‏.‏ وقال السدي‏:‏ المكاء هو الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء ويكون بأرض الحجاز‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق، والمكاء الصفير، والتصدية التصفيق‏.‏ وقال ابن جرير عن ابن عمر في قوله‏:‏ ‏{‏وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية‏}‏ قال‏:‏ المكاء الصفير، والتصدية التصفيق، وعن ابن عمر أيضاً أنه قال‏:‏ إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفقون ويصفرون، ويصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاته، وقال الزهري‏:‏ يستهزئون بالمؤمنين‏.‏ وعن سعيد بن جبير ‏{‏وتصدية‏}‏ قال‏:‏ صدهم الناس عن سبيل اللّه عزَّ وجلَّ، قوله‏:‏ ‏{‏فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‏}‏ قال الضحّاك وابن جريج ومحمد بن إسحاق هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والسبي، واختاره ابن جرير عن مجاهد قال‏:‏ عذاب أهل الإقرار بالسيف، وعذاب أهل التكذيب بالصحية والزلزلة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏36 ‏:‏ 37‏)‏
‏{‏ إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ‏.‏ ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ‏}‏

قال محمد بن إسحاق‏:‏ لما أصيب قريش يوم بدر ورجع فلهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بعيره، مشى عبد اللّه بن أبي ربيعة و عكرمة بن أبي جهل و صفوان بن أمية في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا‏:‏ يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأراً بمن أصيب منا، ففعلوا، قال‏:‏ ففيهم أنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا ينفقون أموالهم - إلى قوله - هم الخاسرون‏}‏ في اللباب‏:‏ أخرج ابن جرير أنها نزلت في أبي سفيان استأجر يوم أُحُد ألفين من الأحابيش ليقاتل بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ نزلت في أهل بدر، وعلى كل تقدير فهي عامة، وإن كان سبب نزولها خاصاً، فقد أخبر تعالى أن الكفار ينفقون أموالهم ليصدون عن اتباع الحق، فسيفعلون ذلك، ثم تذهب أموالهم، ثم تكون عليهم حسرة أي ندامة، حيث لم تجد شيئاً لأنهم أرادوا إطفاء نور اللّه وظهور كلمتهم على كلمة الحق، واللّه متم نوره ولو كره الكافرون، فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار، فمن عاش منهم رأى بعينه وسمه بأذنه ما يسوؤه، ومن قتل منهم أو مات فإلى الخزي الأبدي والعذاب السرمدي، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ليميز اللّه الخبيث من الطيب‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ يميز أهل السعادة من أهل الشقاء، وقال السدي‏:‏ يميز المؤمن من الكافر؛ وهذا يحتمل أن يكون هذا التمييز في الآخرة، كقوله‏:‏ ‏{‏ثم نقول للذين آمنوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون‏}‏، وقال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏يومئذ يصدعون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وامتازوا اليوم أيها المجرمون‏}‏، ويحتمل أن يكون هذا التمييز في الدنيا بما يظهر من أعمالهم للمؤمنين، أي‏:‏ إنما أقدرناهم على ذلك ‏{‏ليميز اللّه الخبيث من الطيب‏}‏ أي من يطيعه بقتال أعدائه الكافرين، أو يعصيه بالنكول عن ذلك، كقوله‏:‏ ‏{‏وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن اللّه وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب‏}‏ الآية، فمعنى الآية على هذا إنما ابتليناكم بالكفار يقاتلونكم وأقدرناهم على إنفاق الأموال وبذلها في ذلك ‏{‏ليميز اللّه الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه‏}‏ أي يجعله كله، وهو جمع الشيء بعضه على بعض كما قال تعالى في السحاب ‏{‏ثم يجعله ركاما‏}‏ أي متراكماً متراكباً، ‏{‏فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون‏}‏ أي هؤلاء هم الخاسرون في الدنيا والآخرة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏38 ‏:‏ 40‏)‏
‏{‏ قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين ‏.‏ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ‏.‏ وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ‏}
يقول تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏قل للذين كفروا إن ينتهوا‏}‏ أي عما هم فيه من الكفر والمشاقة والعناد ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة يغفر لهم ما قد سلف‏:‏ أي من كفرهم وذنوبهم وخطاياهم، كما جاء في الصحيح‏:‏ ‏(‏من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر‏)‏ وفي الصحيح أيضاً، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الإسلام يُجبُّ ما قبله والتوبة تجبُّ ما كان قبلها‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإن يعودوا‏}‏ أي يستمروا على ما هم فيه، ‏{‏فقد مضت سنة الأولين‏}‏‏:‏ أي فقد مضت سنتنا في الأولين أنهم إذا كذبوا واستمروا على عنادهم أنا نعاجلهم بالعذاب والعقوبة، قال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏فقد مضت سنة الأولين‏}‏ أي في قريش يوم بدر وغيرها من الأمم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏}‏، قال البخاري عن ابن عمر‏:‏ أن رجلاً جاء فقال‏:‏ يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر اللّه في كتابه‏:‏ ‏{‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏}‏ الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر اللّه في كتابه‏؟‏ فقال‏:‏ يا ابن أخي أعيَّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليّ من أن أعيّر بالآية التي يقول اللّه، قال عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمناً متعمداً‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏ قال فإن اللّه تعالى يقول‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة‏}‏، قال ابن عمر‏:‏ قد فعلنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلاً، وكان الرجل يفتن في دينه، إما أن يقتلوه وإما أن يوثقوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد، قال‏:‏ فما قولكم في علي وعثمان‏؟‏ قال ابن عمر‏:‏ أما عثمان فكان اللّه قد عفا عنه وكرهتم أن يعفو اللّه عنه، وأما علي فابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وختنه وأشار بيده، وهذه ابنته أو بنته حيث ترون‏.‏ وأتى رجلان في فتنة ابن الزبير إلى ابن عمر فقالا‏:‏ إن الناس قد صنعوا ما ترى وأنت ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج‏؟‏ قال‏:‏ يمنعني اللّه أن حرم عليَّ دم المسلم، قالوا‏:‏ أو لم يقل اللّه‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله‏}‏ قال‏:‏ قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين كله للّه، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير اللّه‏.‏

وقال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة‏}‏ يعني لا يكون شرك وهو قول مجاهد والحسن وقتادة والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم ‏.‏ وقال عروة بن الزبير‏:‏ ‏{‏حتى لا تكون فتنة‏}‏ حتى لا يفتن مسلم عن دينه، وقوله‏:‏ ‏{‏ويكون الدين كله لله‏}‏، قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ يخلص التوحيد للّه؛ وقال الحسن وقتادة‏:‏ أن يقال لا إله إلا اللّه، أن يكون التوحيد خالصاً للّه فليس فيه شرك ويخلع ما دونه من الأنداد، وقال عبد الرحمن بن أسلم‏:‏ ‏{‏ويكون الدين كله لله‏}‏ لا يكون مع دينكم كفر،

ويشهد لهذا ما ثبت في الصحيحين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللّه عزَّ وجلَّ‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فإن انتهوا‏}‏ عما هم فيه من الكفر فكفوا عنه، وإن لم تعلموا بواطنهم ‏{‏فإن اللّه بما يعملون بصير‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم‏}‏ الآية، وفي الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏فإخوانكم في الدين‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين‏}‏‏.‏ وفي الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لأسامة لما علا ذلك الرجل بالسيف، فقال لا إله إلا اللّه فضربه فقتله، فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال لأسامة‏:‏ ‏(‏أقتلته بعدما قال لا إله إلا اللّه‏؟‏ وكيف تصنع بلا إله إلا اللّه يوم القيامة‏)‏‏؟‏ فقال‏:‏ يا رسول اللّه إنما قالها تعوذاً، قال‏:‏ ‏(‏هلاّ شققت عن قلبه‏)‏، وجعل يقول ويكرر عليه‏:‏ ‏(‏من لك بلا إله إلا اللّه يوم القيامة‏)‏‏؟‏ قال أسامة‏:‏ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تولوا فاعلموا أن اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النصير‏}‏ أي وإن استمروا على خلافكم ومحاربتكم ‏{‏فاعلموا أن اللّه مولاكم‏}‏ سيدكم وناصركم على أعدائكم فنعم المولى ونعم النصير‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏41‏)‏
{‏ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير ‏}‏

يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصاً لهذه الأمة الشريفة من بين سائر الأمم المتقدمة إحلال الغنائم، والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار بإيجاف الخيل والركاب، والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك؛ هذا مذهب الإمام الشافعي، ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة والعكس أيضاً، ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه‏}‏ توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏فأن لله خمسه وللرسول‏}‏ اختلف المفسرون ههنا، فقال بعضهم للّه نصيب من الخمس يجعل في الكعبة‏.‏ وقال آخرون‏:‏ ذكر اللّه ههنا استفتاح كلام للتبرك، وسهم لرسوله صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمَّس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول‏}‏، فأن للّه خمسه‏:‏ مفتاح الكلام ‏{‏لله ما في السموات وما في الأرض‏}‏، فجعل سهم اللّه وسهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم واحداً وهو قول النخعي والحسن البصري والشعبي وعطاء وقتادة وغيرهم ، ويؤيد هذا ما رواه الحافظ البيهقي بإسناد صحيح عن عبد اللّه بن شقيق عن رجل قال‏:‏ أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو بوادي القرى، وهو يعرض فرساً، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه ما تقول في الغنيمة‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏للّه خمسها وأربعة أخماسها للجيش‏)‏ قلت فما أحد أولى به من أحد‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا ولا السهم تستخرجه من جيبك ليس أنت أحق به من أخيك المسلم‏)‏

وقال ابن جرير عن الحسن قال‏:‏ أوصى الحسن بالخمس من ماله، وقال‏:‏ ألا أرضى من مالي بما رضي اللّه لنفسه؛ وعن عطاء قال‏:‏ خمس اللّه والرسول واحد يحمل منه ويصنع فيه ما شاء، يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهذا أعم وأشمل، وهو أنه صلى اللّه عليه وسلم يتصرف في الخمس الذي جعله اللّه له بما شاء ويرده في أمته كيف شاء‏.‏ ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد عن المقادم بن معد يكرب الكندي‏:‏ أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكندي رضي اللّه عنهم، فتذاكروا حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو الدراء لعبادة‏:‏ يا عبادة كلمات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس، فقال عبادة‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المغنم، فلما سلم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال‏:‏ ‏(‏إن هذه من غنائمكم، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم الخمس، والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط، وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلوا، فإن الغلول عار ونار على أصحابه في الدنيا والآخرة، وجاهدوا الناس في اللّه القريب والبعيد، ولا تبالوا في اللّه لومة لائم، وأقيموا حدود اللّه في السفر والحضر، وجاهدوا في اللّه، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيم ينجي اللّه به من الهم والغم‏)‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ هذا حديث حسن عظيم ولم أره في شيء من الكتب الستة وله شواهد‏"‏‏.وعن عمرو بن عنبسة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلى بهم إلى بعير من المغنم، فلما سلم أخذ وبرة من هذا البعير ثم قال‏:‏ ‏(‏ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم‏)‏ "‏رواه أبو داود والنسائي‏"‏‏.‏ وقد كان للنبي صلى اللّه عليه وسلم من الغنائم شيء يصطفيه لنفسه عبد أو أمة أو فرس أو سيف أو نحو ذلك، كما نص عليه محمد بن سيرين وعامر الشعبي، وتبعهما على ذلك أكثر العلماء‏.‏ وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أُحد‏.‏ وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كانت صفية من الصفي"‏رواه أبو داود في سننه‏"‏، وعن يزيد بن عبد اللّه قال‏:‏ كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها‏:‏ ‏(‏من محمد رسول اللّه إلى بني زهير بن أقيش، إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأديتم الخمس من المغنم، وسهم النبي صلى اللّه عليه وسلم، وسهم الصفي، أنتم آمنون بأمان اللّه ورسوله‏)‏، فقلنا‏:‏ من كتب لك هذا‏؟‏ فقال‏:‏ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏رواه أبو داود والنسائي‏"‏‏.‏
فهذه أحاديث جيدة تدل على تقرير هذا وثبوته، ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات اللّه وسلامه عليه، وقال آخرون‏:‏ إن الخمس يتصرف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين كما يتصرف في مال الفيء‏.‏

وقال شيخنا الإمام العلامة ابن تيمية رحمه اللّه‏:‏ وهذا قول مالك وأكثر السلف وهو أصح الأقوال، فإذا ثبت هذا وعلم فقد اختلف أيضاً في الذي كان يناله من الخمس ماذا يصنع به من بعده‏؟‏ فقال قائلون‏:‏ يكون لمن يلي الأمر من بعده، وقال آخرون‏:‏ يصرف في مصالح المسلمين؛ وقال آخرون‏:‏ بل هو مردود على بقية الأصناف ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، اختاره ابن جرير‏.‏ وقال آخرون‏:‏ بل سهم النبي صلى اللّه عليه وسلم وسهم ذوي القربى مردودان على اليتامى والمساكين وابن السبيل، قال ابن جرير‏:‏ وذلك قول جماعة من أهل العراق، وقيل‏:‏ إن الخمس جميعه لذوي القربى، ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال قائلون‏:‏ سهم النبي صلى اللّه عليه وسلم يُسلّم للخليفة من بعده، وقال آخرون‏:‏ لقرابة النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال آخرون‏:‏ سهم القرابة لقرابة الخليفة، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل اللّه، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما‏.‏ قال الأعمش عن إبراهيم‏:‏ كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبي صلى اللّه عليه وسلم في الكراع والسلاح، فقلت لإبراهيم‏:‏ ما كان عليَّ يقول فيه‏؟‏ قال‏:‏ كان أشدهم فيه، وهذا قول طائفة كثيرة من العلماء رحمهم اللّه، وأما سهم ذوي القربى فإنه يصرف إلى بني هاشم و بني المطلب لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام، ودخلوا معهم في الشعب غضباً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحماية له،






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 04:54 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

مسلمهم طاعة للّه ولرسوله، وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل، وإن كانوا بني عمهم فلم يوافقوا على ذلك، بل حاربوهم ونابذوهم، ومالأوا بطون قريش على حرب الرسول‏.‏

وقال جبير بن مطعم‏:‏ مشيت أنا وعثمان بن عفان، إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلنا‏:‏ يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعطيت بني عبد المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد‏)‏ ‏"‏رواه البخاري في عدة أبواب‏"‏‏.‏ وفي بعض روايات هذا الحديث‏:‏ ‏)‏إنهم لم يفارقونا في جاهليه ولا إسلام‏)‏؛ وهذا قول جمهور العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ وقال آخرون‏:‏ هم بنو هاشم، ثم روى عن مجاهد قال‏:‏ علم اللّه أن في بني هاشم فقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة، وفي رواية عنه قال‏:‏ هم قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة؛ عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏رغبت لكم عن غسالة الأيدي،
لأن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم‏)‏ ‏
"‏رواه ابن أبي حاتم، قال ابن كثير‏:‏ حديث حسن الإسناد‏"‏،
وقوله‏:‏ ‏{‏واليتامى‏}‏ أي أيتام المسلمين، واختلف العلماء هل يختص بالأيتام الفقراء أو يعم الأغنياء والفقراء‏؟‏ على قولين، والمساكين هم المحاويج الذين لا يجدون ما يسد خلتهم ومسكنتهم ‏{‏وابن السبيل‏}‏ هو المسافر أو المريد للسفر إلى مسافة تقصر فيها الصلاة وليس له ما ينفقه في سفره ذلك، وسيأتي تفسير ذلك في آية الصدقات من سورة براءة إن شاء اللّه تعالى‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا‏}‏ أي امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر وما أنزل على رسوله، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبد اللّه بن عباس في وفد عبد القيس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لهم‏:‏ ‏(‏وآمركم بأربع وأنهاكم عن أربع‏:‏ آمركم بالإيمان باللّه، ثم قال‏:‏ هل تدرون ما الإيمان باللّه‏؟‏ شهادة أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا الخمس من المغنم‏)‏ الحديث، فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان، وقوله‏:‏ ‏{‏يوم الفرقان يوم التقى الجمعان‏}‏ ينبه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه بما فرق به بين الحق والباطل ببدر، ويسمى الفرقان، لأن اللّه أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه، قال ابن عباس‏:‏ يوم الفرقان يوم بدر، فرق اللّه فيه بين الحق والباطل ‏"‏أخرجه الحاكم‏"‏‏.‏ وقال عروة بن الزبير‏:‏ ‏{‏يوم الفرقان‏}‏ يوم فرق اللّه بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، وهو أول مشهد شهده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة فالتقوا يوم الجمعان لتسع عشرة أو سبع عشرة مضت من رمضان وأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يومئذ ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً، والمشركون ما بين الألف والتسعمائة، فهزم اللّه المشركين،

وقتل منهم زيادة على السبعين وأسر منهم مثل ذلك‏.‏ وكانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان في صبحيتها ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من شهر رمضان، وهو الصحيح عند أهل المغازي والسير‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏42‏)‏
‏{‏ إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن يوم الفرقان‏:‏ ‏{‏إذ أنتم بالعدوة الدنيا‏}‏ أي أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة ‏{‏وهم‏}‏ أي المشركون نزول ‏{‏بالعدوة القصوى‏}‏ أي البعيدة من المدينة إلى ناحية مكة ‏{‏والركب‏}‏ أي العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة، ‏{‏أسفل منكم‏}‏ أي مما يلي سيف البحر ‏{‏ولو تواعدتم‏}‏ أي أنتم والمشركون إلى مكان ‏{‏لاختلفتم في الميعاد‏}‏، قال محمد بن إسحاق في هذه الآية‏:‏ ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما لقيتموهم ‏{‏ولكن ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا‏}‏ أي ليقضي اللّه ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الشرك وأهله من غير ملأ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه ‏"‏أخرجه محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد اللّه بن الزبير عن أبيه‏"‏، وإنما خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع اللّه بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، وقال ابن جرير‏:‏ أقبل أبو سفيام في الركب من الشام، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاء، حتى التقى السقاة ونهد الناس بعضهم لبعض، وقال محمد بن إسحاق وبعث أبو سفيان إلى قريش فقال‏:‏ إن اللّه قد نجى عيركم وأموالكم ورجالكم فارجعوا، فقال أبو جهل‏:‏ واللّه لا نرجع حتى نأتي بدراً - وكانت بدر سوقاً من أسواق العرب - فنقيم بها ثلاثاً، فنطعم بها الطعام وننحر بها الجزر، ونسقي بها الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا، فلا يزالون يهابوننا بعدها أبداً‏.‏ وأقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الناس فقال‏:‏ ‏(‏هذه مكة قد القت إليكم أفلاذ كبدها‏)‏ قال محمد بن إسحاق وحدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن حزم، أن سعد بن معاذ قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما التقى الناس يوم بدر‏:‏ يا رسول اللّه ألا نبني لك عريشاً تكون فيه وننيخ إليك ركائبك، ونلقى عدونا‏؟‏ فإن أظفرنا اللّه عليهم وأعزنا فذاك ما نحب، وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا، فقد واللّه تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حباً منهم، لو علموا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك ويوازرونك وينصرونك، فأثنى عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خيراً، ودعا له، فبني له عريش فكان فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبو بكر ما معهما غيرهما‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وارتحلت قريش حين أصبحت، فلما أقبلت ورآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اللهم هذه قريش قد أقلبت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم أحنهم الغداة‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة‏}‏ أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، يقول تعالى‏:‏ إنما جمعكم من عدوكم في مكان واحد على غير ميعاد لينصركم عليهم، ويرفع كلمة الحق على الباطل، ليصير الأمر ظاهراً، والحجة قاطعة والبراهين ساطعة، ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة، فحينئذ يهلك من هلك، أي يستمر في الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره أنه مبطل لقيام الحجة عليه ‏{‏ويحيى من حي‏}‏ أي يؤمن من آمن ‏{‏عن بينة‏}‏ أي حجة وبصيرة، والإيمان هو حياة القلوب، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس‏}‏، وقالت عائشة في قصة الإفك‏:‏ فهلك فيّ من هلك، أي قال فيها ما قال من البهتان والإفك، وقوله ‏{‏وإن اللّه لسميع‏}‏ أي لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به ‏{‏عليم‏}‏ أي بكم وأنكم تستحقون النصر على أعدائكم الكفرة المعاندين‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏43 ‏:‏ 44‏)‏
‏{‏ إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور ‏.‏ وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور‏}‏

قال مجاهد‏:‏ أراهم اللّه إياه في منامه قليلاً، وأخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم بذلك فكان تثبيتاً لهم، وقوله‏:‏ ‏{‏ولو أراكهم كثيرا لفشلتم‏}‏ أي لجبنتم واختلفتم فيما بينكم ‏{‏ولكن اللّه سلم‏}‏ أي من ذلك بأن أراكهم قليلاً، ‏{‏إنه عليم بذات الصدور‏}‏ أي بما تجنه الضمائر وتنطوي عليه الأحشاء، ‏{‏يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا‏}‏ وهذا أيضاً من لطفه تعالى بهم إذ أراهم إياهم قليلاً في رأي العين فيجرؤهم عليهم ويطمعهم فيهم‏.‏ قال ابن مسعود رضي اللّه عنه‏:‏ لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي تراهم سبعين‏؟‏ قال‏:‏ لا، بل هم مائة، حتى أخذنا رجلاً منهم، فسألناه فقال‏:‏ كنا ألفاً ‏"‏رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ويقللكم في أعينهم‏}‏، قال عكرمة‏:‏ حضض بعضهم على بعض، ‏{‏ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا‏}‏ أي ليلقي بينهم الحرب للنقمة من أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته، ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلاً من الفريقين بالآخر، وقلّله في عينه ليطمع فيه، وذلك عند المواجهة، فلما التحم القتال وأيد اللّه المؤمنين بألف من الملائكة مردفين، بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضعفيه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قد كان لكم آية في فئتين التقا فئة تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين‏}‏ وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين، فإن كلاً منها حق وصدق وللّه الحمد والمنة‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 05:04 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏45 ‏:‏ 46‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ‏.‏ وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ‏}‏

هذا تعليم من اللّه تعالى لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء فقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا‏}‏‏.‏ وفي الصحيحين‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف‏)‏، ثم قام النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال‏:‏ ‏(‏اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان عن عبد اللّه بن أبي أوفى مرفوعاً‏"‏‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏إن اللّه يحب الصمت عند ثلاث‏:‏ عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة‏)‏
‏"‏أخرجه الطبراني عن زيد بن أرقم مرفوعاً‏"‏‏.‏

وفي الحديث الآخر المرفوع يقول اللّه تعالى‏:‏
(‏إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجزٌ قرنه ‏:‏ أي لا يشغله ذلك الحال عن ذكري ودعائي واستعانتي‏.‏ وقال قتادة‏:‏ افترض اللّه ذكره عند أشغل ما يكون، عند الضرب بالسيوف‏.‏

وعن كعب الأحبار قال‏:‏ ما من شيء أحب إلى اللّه تعالى من قراءة القرآن والذكر، ولولا ذلك ما أمر الناس بالصلاة والقتال، ألا ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال فقال‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرا لعلكم تفلحون‏}‏‏.‏ فأمر تعالى باثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا اللّه في تلك الحال ولا ينسوه، بل يستعينوا به، ويتوكلوا عليه، ويسألوه النصر على أعدائهم، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضاً فيختلفوا، فيكون سبباً لتخاذلهم وفشلهم، ‏{‏وتذهب ريحكم‏}‏ أي قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال ‏{‏واصبروا إن اللّه مع الصابرين‏}‏ وقد كان للصحابة رضي اللّه عنهم في باب الشجاعة والائتمار بما أمرهم اللّه ورسوله به، وامتثال ما أرشدهم إليه ما لم يكن لأحد من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحد ممن بعدهم، فإنهم ببركة الرسول صلى اللّه عليه وسلم وطاعته فيما أمرهم فتحوا القلوب والأقاليم شرقاً وغرباً في المدة اليسيرة، مع قلة عددهم بالنسبة إلى جيوش سائر الأقاليم، وقهروا الجميع حتى علت كلمة اللّه وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدت الممالك الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها في أقل من ثلاثين سنة، فرضي اللّه عنهم وأرضاهم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏47 ‏:‏ 49‏)‏
‏{‏ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ‏.‏ وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ‏.‏ إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم‏}
يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله وكثرة ذكره، ناهياً لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم بطراً، أي دفعاً للحق، ‏{‏ورئاء الناس‏}‏ وهو المفاخرة والتكبر عليهم، كما قال أبو جهل‏:‏ لا واللّه، لا نرجع حتى نرد ماء بدر وننحر الجزر، ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان، فانعكس ذلك عليه أجمع، لأنهم وردوا به الحِمام، وركموا في أطواء بدر مهانين أذلاء، في عذاب سرمدي أبدي، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏والله بما يعملون محيط‏}‏ أي عالم بما جاءوا به، ولهذا جازاهم عليه شر الجزاء لهم‏.‏ قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ هم المشركون الذين قاتلوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم بدر وهو قول قتادة والضحاك والسدي وغيرهم ، وقال محمد بن كعب، لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم‏}‏ الآية؛ حسَّن لهم لعنه اللّه ما جاءوا له وما هموا به، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم، كما قال تعالى عنه‏:‏ ‏{‏يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً‏}‏، قال ابن عباس في هذه الآية‏:‏ لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين أن أحداً لن يغلبكم، وإني جار لكم، فلما التقوا ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة ‏{‏نكص على عقبيه‏}‏ قال‏:‏ رجع مدبراً، وقال‏:‏ ‏{‏إني أرى ما لا ترون‏}‏ الآية‏.‏ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ جاء إبليس يوم بدر في جندٍ من الشياطين معه رايته، في صورة رجل من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان للمشركين‏:‏ لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم، فلما اصطف الناس أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين، فولوا مدبرين، وأقبل جبريل عليه السلام إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع يده ثم ولى مدبراً وشيعته، فقال الرجل يا سراقة أتزعم أنك لنا جار‏؟‏ فقال‏:‏ إني أرى ما لا ترون إني أخاف اللّه واللّه شديد العقاب؛ وذلك حين رأى الملائكة‏.‏ وقال قتادة‏:‏ وذكر لنا أنه رأى جبريل عليه السلام تنزل معه الملائكة، فعلم عدو اللّه أنه لا يدان له بالملائكة فقال‏:‏ إني أرى ما لا ترون إني أخاف اللّه، وكذب عدو اللّه، واللّه ما به مخافة اللّه، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة، وتلك عادة عدو اللّه لمن أطاعه واستقاد له، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم وتبرأ منهم عند ذلك‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف اللّه رب العالمين‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال الشيطان لما قضي الأمر إن اللّه وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم‏}‏ الآية‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل اللّه المسلمين في أعين المشركينن وقلل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون‏:‏ غرَّ هؤلاء دينهم، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم،

فظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك، فقال اللّه‏:‏ ‏{‏ومن يتوكل على اللّه فإن اللّه عزيز حكيم‏}‏، قال قتادة‏:‏ وذكر لنا أن أبا جهل عدو اللّه لما أشرف على محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه قال‏:‏ واللّه لا يعبد اللّه بعد اليوم قسوة وعتواً، وقال ابن جريج‏:‏ هم قوم كانوا مع المنافقين بمكة قالوه يوم بدر، وقال الشعبي‏:‏ كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالإسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا‏:‏ غرَّ هؤلاء دينهم‏.‏

وقال مجاهد‏:‏ هم فئة من قريش خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحسبهم ارتيابهم، فلما رأوا قلة أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا‏:‏ غرَّ هؤلاء دينهم، حتى قدموا على قدموا عليه مع قلة عددهم وكثرة عدوهم‏.‏ وهكذا قال محمد بن إسحاق بن يسار سواء‏.‏

وقال ابن جرير عن الحسن في هذه الآية قال‏:‏ هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين، وقوله‏:‏ ‏{‏ومن يتوكل على الله‏}‏ أي يعتمد على جنابه ‏{‏فإن اللّه عزيز‏}‏ أي لا يضام من التجأ إليه،

فإن اللّه عزيز منيع الجناب عظيم السلطان ‏{‏حكيم‏}‏ في أفعاله لا يضعها إلا في مواضعها، فينصر من يستحق النصر، ويخذل من هو أهل لذلك‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏50 ‏:‏ 51‏)‏
‏{‏ لو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ‏.‏ ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ولو عاينت يا محمد حال توفي الملائكة أرواح الكفار، لرأيت أمراً عظيماً هائلاً فظيعاً منكراً، إذ ‏{‏يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق‏}‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين ضربوا وجوههم بالسيوف، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة يضربون أدبارهم، وقال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏يضربون وجوههم وأدبارهم‏}‏ يوم بدر، وقال سعيد بن جبير ‏{‏يضربون وجوههم وأدبارهم‏}‏ قال‏:‏ وأستاههم، ولكنَّ اللّه يكني؛ والسياق وإن كان سببه وقعة بدر، ولكنه عام في حق كل كافر، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم‏}‏ وفي سورة القتال مثلها، وتقدم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو ترى إذ المجرمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم‏}‏ أي باسطو أيديهم بالضرب فيهم بأمر ربهم إذا استصعبت أنفسهم، وامتنعت من الخروج من الأجساد أن تخرج قهراً، وذلك إذا بشروهم بالعذاب والغضب من اللّه، كما جاء في حديث البراء‏:‏ ‏(‏أن ملك الموت إذا جاء الكافر عند احتضاره في تلك الصورة المنكرة يقول‏:‏ اخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سموم وحميم وظل من يحموم، فتتفرق في بدنه، فيستخرجونها من جسده كما يخرج السفود من الصفوف المبلول، فتخرج معها العروق والعصب‏)‏، ولهذا أخبر تعالى أن الملائكة تقول لهم‏:‏ ذوقوا عذاب الحريق، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بما قدمت أيديكم‏}‏ أي هذا الجزاء بسبب ما عملتم من الأعمال السيئة في حياتكم الدنيا،

جازاكم اللّه بها هذا الجزاء، ‏{‏وأن اللّه ليس بظلام للعبيد‏}‏‏:‏ أي لا يظلم أحداً من خلقه، بل هو الحكم العدل الذي لا يجور، تبارك وتقدس الغني الحميد، ولهذا جاء في الحديث القدسي الصحيح‏:‏
‏(‏يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيراً فليحمد اللّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏52‏)‏
‏{‏كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ فعل هؤلاء من المشركين المكذبين بما أرسلت به يا محمد، كما فعل الأمم المكذبة قبلهم، ففعلنا بهم ما هو دأبنا، أي عادتنا وسنتنا في أمثالهم من المكذبين من آل فرعون، ومن قبلهم من الأمم المكذبة بالرسل، الكافرين بآيات اللّه ‏{‏فأخذهم اللّه بذنوبهم‏}‏ أي بسبب ذنوبهم أهلكهم، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر ‏{‏إن اللّه قوي شديد العقاب‏}‏ أي لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏53 ‏:‏ 54‏)‏
‏{‏ ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ‏.‏ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين ‏}‏

يخبر تعالى عن تمام عدله وقسطه في حكمه بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحدٍ إلا بسبب ذنب ارتكبه، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏كدأب آل فرعون‏}‏ أي كصنعه بآل فرعون وأمثالهم حين كذبوا بآياته، لكهم بسبب ذنوبهم وسلبهم تلك النعمة التي أسداها إليهم من جنات وعيون، ونعمة كانوا فاكهينن وما ظلمهم اللّه في ذلك بل كانوا هم الظالمين‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 05:31 AM   رقم المشاركة : 10
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏55 ‏:‏ 57‏)‏
{‏ إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ‏.‏ الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ‏.‏ فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ‏}‏

أخبر تعالى أن شر ما دب على وجه الأرض هم الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين كلما عاهدوا عهداً نقضوه، وكلما أكدوه بالأيمان نكثوه، ‏{‏وهم لا يتقون‏}‏‏:‏ أي لا يخافون من اللّه في شيء ارتكبوه من الآثام، ‏{‏فإما تثقفنهم في الحرب‏}‏ أي تغلبهم وتظفر بهم في حرب ‏{‏فشرد بهم من خلفهم‏}‏ أي نكّل بهم قاله ابن عباس والحسن البصري والضحاك والسدي وعطاء الخراساني وابن عيينة ، ومعناه‏:‏ غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلاً ليخاف من سواهم من الأعداء من العرب وغيرهم، ويصيروا لهم عبرة ‏{‏لعلهم يذكرون‏}‏ لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏58‏)‏
‏{‏ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين‏}‏
يقول تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وإما تخافن من قوم‏}‏ قد عاهدتهم ‏{‏خيانة‏}‏ أي نقضاً لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود ‏{‏فانبذ إليهم‏}‏ أي عهدهم على سواء‏:‏ أي أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم وحرب لك، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي تستوي أنت وهم في ذلك، قال الراجز‏:‏

فاضرب وجوه الغدر للأعداء * حتى يجيبوك إلى السواء

‏{‏إن اللّه لا يحب الخائنين‏}‏ ولو في حق الكفار لا يحبها أيضاً، عن سليم بن عامر قال‏:‏ كان معاوية يسير في أرض الروم، وكان بينه وبينهم أمد فأراد أن يدنو منهم، فإذا انقضى الأمد غزاهم، فإذا شيخ على دابة يقول‏:‏ اللّه أكبر، اللّه أكبر، وفاء لا غدر، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ومن كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها، حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء‏)‏، قال فبلغ ذلك معاوية، فرجع فإذا بالشيخ عمرو بن عنبسة رضي اللّه عنه ‏"‏رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏"‏‏.‏ وقال الإمام أحمد عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه أنه انتهى إلى حصن أو مدينة، فقال لأصحابه‏:‏ دعوني أدعوهم كما رأيتُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعوهم، فقال إنما كنت رجلاً منكم فهداني اللّه عزَّ وجلَّ للإسلام، فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فأدوا الجزية وأنتم صاغرون، وإن أبيتم نابذناكم على سواء، ‏{‏إن اللّه لا يحب الخائنين‏}‏ يفعل ذلك بهم ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع غدا الناس إليها ففتحوها بعون اللّه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏59 ‏:‏ 60‏)‏
‏{‏ ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ‏.‏ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ‏}
يقول تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ولا تحسبن‏}‏ يا محمد ‏{‏الذين كفروا سبقوا‏}‏ أي فاتونا فلا نقدر عليهم، بل هم تحت قهر قدرتنا وفي قبضة مشيئتنا فلا يعجزوننا، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون‏}‏ أي يظنون، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد‏}‏‏.‏ ثم أمر تعالى بإعداد ألات الحرب لمقاتلتهم حسب الطاقة والإمكان والاستطاعة فقال‏:‏ ‏{‏وأعدوا لهم ما استطعتم‏}‏ أي مهما أمكنكم ‏{‏من قوة ومن رباط الخيل‏}‏‏.‏ عن عقبة بن عامر قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول وهو على المنبر‏:‏ ‏(‏وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة‏}‏، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي‏)‏"‏أخرجه مسلم وأحمد وابن ماجه وأبو داود‏"‏‏. وروى الإمام أحمد وأهل السنن عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ارموا واركبوا وأن ترموا خير من أن تركبوا‏)‏ وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الخيل لثلاثة‏:‏ لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر‏.‏ فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل اللّه فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أو الروضة كانت له حسنات،

ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين كانت آثارها وأورائها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى به كان ذلك حسنات له، فهي لذلك الرجل أجر، ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق اللّه في رقابها ولا في ظهورها فهي له ستر، ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء فهي على ذلك وزر‏)‏ وسئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الحمر‏؟‏ فقال‏(‏ ‏:‏ ما أنزل اللّه عليّ فيها شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة‏:‏ ‏{‏فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره‏}‏ ‏"‏أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم ومالك‏}‏‏.‏ وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الرمي أفضل من ركوب الخيل، وذهب الإمام مالك إلى أن الركوب أفضل من الرمي؛ وقوله الجمهور أقوى للحديث واللّه أعلم‏.‏

وفي الحديث‏:
‏(‏الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، ومن ربط فرساً في سبيل اللّه كانت النفقة عليه كالماد يده بالصدقة لا يقبضها‏)‏ ‏"‏أخرجه الطبراني عن سهل بن الحنظلية‏"‏‏.‏ وفي صحيح البخاري قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم‏)‏،

وقوله‏:‏ ‏{‏ترهبون‏}‏ أي تخوفون ‏{‏به عدو اللّه وعدوكم‏}‏ أي من الكفار ‏{‏وآخرين من دونهم‏}‏، قال مجاهد‏:‏ يعني بني قريظة، وقال السدي‏:‏ فارس، وقال سفيان الثوري‏:‏ هم الشياطين التي في الدور، وقال مقاتل‏:‏ هم المنافقون، وهذا أشبه الأقوال، ويشهد له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وما تنفقوا من شيء في سبيل اللّه يوف إليكم وأنتم لا تظلمون‏}‏ أي مهما أنفقتم في الجهاد فإنه يوف إليكم على التمام والكمال، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود أن الدرهم يضاعف ثوابه في سبيل اللّه إلى سبعمائة ضعف كما تقدم في قوله تعالى‏:‏
‏{‏مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبه أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏61 ‏:‏ 63‏)‏
{‏ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ‏.‏ وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك اللهو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ‏.‏ وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ إذا خفت من قوم خيانة فانبذ إليهم عهدهم على سواء، فإن استمروا على حربك ومنابذتك فقاتلهم ‏{‏وإن جنحوا‏}‏ أي مالوا ‏{‏للسلم‏}‏ أي المسالمة والمصالحة والمهادنة ‏{‏فاجنح لها‏}‏ أي فمل إليها، واقبل منهم ذلك، ولهذا لما طلب المشركون عام الحديبية الصلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تسع سنين، أجابهم إلى ذلك مع ما اشترطوا من الشروط الأخر‏.‏ قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ إن هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة ‏{‏قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر‏}‏ الآية وهو قول عطاء وعكرمة والحسن وقتادة وزيد بن أسلم ، وفيه نظر، لأن آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأما إن كان العدو كثيفاً فإنه يجوز مهادنتهم، كما دلت هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي صلى اللّه عليه وسلم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص واللّه أعلم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وتوكل على اللّه‏}‏ أي صالحهم وتوكل على اللّه، فإن اللّه كافيك وناصرك ولو كانوا يريدون بالصلح خديعة ليتقووا ويستعدوا ‏{‏فإن حسبك اللّه‏}‏ أي كافيك وحده، ثم ذكر نعمته عليه بما أيده من المؤمنين المهاجرين والأنصار، فقال‏:‏ ‏{‏هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم‏}‏ أي جمعها على الإيمان بك وعلى طاعتك ومناصرتك وموازرتك، ‏{‏لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم‏}‏ أي لما كان بينهم من العداوة والبغضاء، فإن الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية بين الأوس والخزرج، حتى قطع اللّه ذلك بنور الإيمان، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا‏}‏‏.‏

وفي الصحيحين
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما خطب الأنصار في شأن غنائم حنين قال لهم‏:‏ ‏(‏يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلاّلاً فهداكم اللّه بي، وعالة فأغناكم اللّه بي، وكنتم متفرقين فألفكم اللّه بي‏)‏ كلما قالوا شيئاً قالوا‏:‏ اللّه ورسوله أمنّ؛ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولكن اللّه ألف بينهم إنه عزيز حكيم‏}‏ أي عزيز الجناب فلا يخيب رجاء من توكل عليه ‏{‏حكيم‏}‏ في أفعاله وأحكامه، عن ابن عباس قال‏:‏ إن الرحم لتقطع، وإن النعمة لتكفر، وإن اللّه إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم‏}‏، وعن مجاهد قال‏:‏ إذا التقى المتحابان في اللّه فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه، تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر، قال عبدة، فقلت له‏:‏ إن هذا ليسير فقال‏:‏ لا تقل ذلك، فإن اللّه يقول‏:‏ ‏{‏لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم‏}‏ قال عبدة‏:‏ فعرفت أنه أفقه مني‏.‏ عن سلمان الفارسي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما تحات الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف، وإلا غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحار‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏64 ‏:‏ 66‏)‏
‏{‏ يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ‏.‏ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون ‏.‏ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين ‏}‏

يحرض تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين على القتال، ومناجزة الأعداء، ومبارزة الأقران، ويخبرهم أنه حسبهم‏:‏ أي كافيهم ومؤيدهم على عدوهم، وإن كثرت أعدادهم وترادفت أمدادهم، ولو قل عدد المؤمنين‏.‏ قال ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي حسبك اللّه ومن اتبعك من المؤمنين‏}‏ قال‏:‏ حسبك اللّه وحسب من شهد معك، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال‏}‏ أي حثهم وذمرهم عليه، ولهذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحرض على القتال عند صفهم ومواجهة العدو، كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في عدَدَهم وعُدَدهم‏:‏ ‏(‏قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض‏)‏ فقال عمير بن الحمام عرضها السموات والأرض‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏نعم‏)‏، فقال‏:‏ بخ بخ، فقال‏:‏ ‏(‏ما يحملك على قولك بخ بخ‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ رجاء أن أكون من أهلها، قال‏:‏ ‏(‏فإنك من أهلها‏)‏، فتقدم الرجل فكسر جفن سيفه، وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن، ثم ألقى بقيتهن من يده، وقال‏:‏ لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي اللّه عنه‏.‏

ثم قال تعالى مبشراً للمؤمنين وآمراً‏:‏ ‏{‏إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا‏}‏ كل واحد بعشرة، ثم نسخ هذا الأمر وبقيت البشارة، قال عبد اللّه بن المبارك عن ابن عباس لما نزلت ‏{‏إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين‏}‏ شق ذلك على المسلمين حين فرض اللّه عليهم ألا يفر واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال‏:‏ ‏{‏الآن خفف اللّه عنكم‏}‏ إلى قوله ‏{‏يغلبوا مائتين‏}‏ قال‏:‏ خفف اللّه عنهم من العدة ونقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم‏.‏ وروى البخاري نحوه، وعن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية ثقل على المسلمين وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين، ومائةٌ ألفاً، فخفف اللّه عنهم فنسخها بالآية الأخرى فقال‏:‏ ‏{‏الآن خفف اللّه عنكم وعلم أن فيكم ضعفا‏}‏ الآية، فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم يسغ لهم أن يفروا من عدوهم، وإذا كانوا دون ذلك لم يجب عليهم قتالهم وجاز لهم أن يتحرزوا عنهم وروي عن مجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وزيد ين أسلم وغيرهم ونحو ذلك ‏.‏ وروى الحافظ ابن مردويه عن ابن عمر رضي اللّه عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين‏}‏ قال‏:‏ نزلت فينا أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏67 ‏:‏ 69‏)‏
‏{‏ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ‏.‏ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ‏.‏ فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم ‏}‏

لما كان يوم بدر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما تقولون في هؤلاء الأسارى‏؟‏‏)‏ فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول اللّه قومك وأهلك، استبقهم واستتبهم لعل اللّه أن يتوب عليهم، وقال عمر‏:‏ يا رسول اللّه كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد اللّه بن رواحة‏:‏ يا رسول اللّه أنت في واد كثير الحطب فاضرم الوادي عليهم ناراً ثم ألقهم فيه، قال‏:‏ فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئاً، ثم قال فدخل، فقال ناس‏:‏ يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس‏:‏ يأخذ بقول عمر، وقال ناس‏:‏ يأخذ بقول عبد اللّه بن رواحة؛ ثم خرج عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏إن اللّه ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن اللّه ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال‏:‏ ‏{‏من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم‏}‏، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليه السلام قال‏:‏ ‏{‏إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم‏}‏، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام قال‏:‏ ‏{‏ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم‏}‏، وإن مثلك يا عبد اللّه كمثل نوح عليه السلام قال‏:‏ ‏{‏رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا‏}‏ أنتم عالة فلا ينفكن أحد منهم إلا بفداء أو ضربة عنق‏)‏، قال ابن مسعود‏:‏ قلت يا رسول اللّه إلا سهيل بن بيضاء فإنه يذكر الإسلام، فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ حجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إلا سهيل بن بيضاء‏)‏، فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏ما كان لنبي أن يكون له أسرى‏}إلى آخر الآية ‏"‏رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم في المستدرك وقال‏:‏ صحيح الإسناد ولم يخرجاه‏"‏‏.‏ عن ابن عمر قال‏:‏ لما أسر الأسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسر، أسره رجل من الأنصار، قال‏:‏ وقد أوعدته الأنصار أن يقتلوه، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم،






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:53 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية