الكذب في الحُلم لا يجوز ، وقد جاء فيه الوعيد الشديد ، وقد عقد البخاري في صحيحه باب : من كذب في حلمه ، وساق فيه حديثين : الأول حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من تحلم بحلم لم يره كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ......] الحديث ، ومعنى من تحلم : أي تكلف واختلق الحلم ،
وجاء في رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه : [ من كذب في رؤياه ] .
ومعنى العقد بين شعيرتين : أن يفتل إحداهما بالأخرى ، وهذا عادة مستحيل . والثاني حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ مِن أفرى الفِرى أن يُري عينه ما لم تر ] ، وفي رواية [ ما لم يريا ] ، ومعنى أفرى الفرى : أي أعظم الكذبات ، والفرى جمع ِفرية ، وهي الكذبة العظيمة .
وتلحظ من الحديثين شدة عذاب الكاذب في المنام ، يقول الإمام الطبري رحمه الله : إنما اشتد فيه الوعيد ، مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه ؛ إذ قد تكون شهادة في قتل ، أو حد ، أو أخذ مال ؛ لأن الكذب في المنام كذب على الله ، أنه أراه ما لم يره ، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين ، لقوله تعالى : [ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يُعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين ] هود:18 وإنما كان الكذب في المنام كذبا على الله ؛ لحديث:[ الرؤيا جزء من النبوة ] ، وما كان من أجزاء النبوة فهو من قِبل الله . ولا حظ التشابه بين عقوبة المصورين لذوات الأرواح الذين قال عنهم الحديث : [ فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة .....] ، وعقوبة الذي يكذب في حلمه : [ أن يعقد بين شعيرتين ] ، وسبب التشابه : أن الرؤيا خلق من خلق الله ، وهي صورة معنوية ، فأدخل الكاذب في حلمه صورة لم تقع ، كما أدخل المصور في الوجود صورة ليست بحقيقية ، لأن الصورة الحقيقية هي التي فيها الروح . فصورة الكاذب في الحلم
لفظية لطيفة ، وصورة المصور للصورة مادية كثيفة ، وقد كلف صاحب الصورة اللطيفة - وهو الحالم - أمرا لطيفا وهو الاتصال المُعَبَّر عنه بالعقد بين الشعيرتين ، وكلف صاحب الصورة الكثيفة – وهو المصور – أمرا شديدا ، وهو أن يُتم ما خلقه بزعمه بنفخ الروح ، ووقع وعيد كل منهما ، بأنه يعذب حتى يفعل ما كلف به ، وهو ليس بفاعل ، فهو كناية عن تعذيب كل منهما على الدوام ، إلا أن يرحمهما الله
العرض العادي
