العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > المنتدى العام
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-08-2002, 08:12 AM   رقم المشاركة : 1
موجه البحر
(ود مميز )
 
الصورة الرمزية موجه البحر
 






موجه البحر غير متصل

من اراد ان يبكي فليقرأ

من اراد ان يبكي فليقرأ
… اسمه عبد القادر
لم يكن مؤذن الجامع الكبير قد ختم بعد تكبيرته الثالثة لصلاة فجر الجمعة الأخيرة من حزيران،ولم يتسن لبائع الفلافل فتح أقفال بابه لتحضير أخلاط الحمص،ولا حتى النسوة تهيأن للاغتسال من آثام ليلة حب عاصفة لخميس فائت،حين تعثرت أقدام أحد العمال بجسم ضخم يسد الطريق إلى القرية.
-"اللهم اجعله خيرا" .
مد يده الراعشة ليجس كينونة الجسم الممدد على الإسفلت،انه جسم طري، ولولا عدم التجانس في طراوته لأمكنه التنبؤ أنه:حمولة من القطن سقطت من الشاحنات المارة إلى مصانع النسيج في المستوطنات القريبة.
مع أفول عتمة الغبش، بدأت تتضح معالمه،من المؤكد انه ليس حمولة من القطن،ولكن ليس من السهل استيعاب انه إنسان.
في نور الغسق بانت المعالم واضحة،أزال الرجال النفايات عن وجهه وصدره،عندها فقط تبين انه إنسان،عاري تمام،مسجى بجلال في نور الغسق الرصاصي.كان اعظم ما فيه:جماله اللافت للنظر،إذ أن قسماته تذكر المرء بالأنبياء،وقد عز على الرجال اللاهثين جريا من الأزقة الغارقة في طراوة العتمة،أن يكون صاحب الجثمان غريبا عن قريتهم،لكنهم عرفوا بطريقة ما انه ابن هذه البلاد،ذلك أن الروائح المتضوعة من جلده تذكر المرء بتلك الرائحة التي تربك الحواس في حارات غزة.آخرون قالوا انه خليلي إذ تبين أن طواحينه تنـز غلالة خضراء لها رائحة العنب.لكن ذلك لم يمنع آخرين من التكهن انه قد يكون من أي مدينة أخرى ،ذلك أن كل مدينة في هذا الوطن كان لها حضورها الواضح في تفاصيل جسده الجميل.
اقترح أحد الرجال وضعه في ساحة الجامع الكبير إكراما وتعويضا له عن المهانة التي تجرعها إبان حياته القصيرة.لكن الأمر بدا في غاية الصعوبة إذ كانت الجثة اكثر ثقلا من أن يحملها ثلاثة رجال،عدا عن التفسخ والشروخ التي لحقت بالجثة جراء محاولة حملها،مما اضطر الرجال إلى نقله على عربة مكشوفة.
لم يكن صعبا على الرجال الذين تحلقوا حوله أن يكتشفوا انهم أمام إنسان كان يوما ما يتدفق عظمة وكبرياء،كما لم يكن من الصعب أيضا معرفة انه مات غيلة وغدرا،حيث وجد في جسده اثنان وثلاثون منفذ رصاصة؛عشرون منها من طراز "عوزي" والباقي من نوع "ام 16 " بالإضافة إلى رشقات مختلفة من غدارات ذات طرز قديمة وطعنات سكاكين من النوع المستخدم في ذبح الجمال،في المقابل لم يكن خافيا أن هذا الرجل واجه الموت بشجاعة،فلم يبد على وجهه الهادئ الصبوح أي آثار لانتكاسه أو هزيمة محتملة.
إن كل من أتيح له قراءة تلك العبارة المكتوبة بالفحم وبخط سيئ على صدره العريض: "اذهب إلى قدرك أيها المخرب" يدرك بسهولة انه قتل بدم بارد على يدي أجهزة معادية،وربما قتل في الظلام في غرفة باردة،حيث بدت زرقة عينيه متعكرة ومزاجه مضطرب،لكن نظراته ثابتة وطواحينه تكز على صرخة غاضبة لم تكتمل،ومن المحتمل أن آخر ما نطقه: "اقتلني أيها الجبان،ماذا تنتظر،فأنا صاحب قضية".
الرجال الذين غسلوه في باحة الجامع تجمدوا في دهشة آسرة لمرآه، حيث ظلوا يتمهلون عن قصد لإشباع نظراتهم النهمة من هذا المغدور الجميل ،لكنهم أيضا كانوا يدارون خجلا وشعورا طاغيا بالقزامة،ومن المؤكد أن نفر غير قليل منهم اسر في نفسه:"بعد الآن لست جديرا بامرأة".
تناهت الأخبار إلى النسوة،فخرجن إلى الأزقة حافيات دون أن يفكرن بترك ما حملته أيديهن من أدوات ، بعضهن كن يحملن صحون وملاعق وسكاكين،أخريات كانت أيديهن ملطخة بالعجين والصابون،واحدة منهن على الأقل كانت خارجة لتوها من الحمام ملتفة بملاءتها كيفما اتفق ،الأمر الذي جعلها تبدو بلباسها المبلول اكثر عريا.
اصطفت النسوة أمام الجثمان وبكين بمرارة تصدعت لها قلوب اكثر الرجال قسوة،لكن كل واحدة منهن كانت تبكيه معللة النفس بأسبابها الخاصة:العازبات بكينه زوجا لن يطرق بابهن إلى الأبد،والأمهات رأين فيه ابنا لن تبصره العيون.الصبايا هن فقط انزوين في ظلال السناسل الحجرية وتحت تعريشات الدوالي وفي شرفات "العلالي "ورحن يكتبن قصائد: عن فارس جميل عيونه قطعة من بحر ..شعره جدائل من ريش النعام ،يأتي كل مساء إلى "علية" في آخر القرية بها نافذة عالية ،يمد يده الرشيقة الناعمة عبر صلبان النافذة ويقول بصوت عذب يحاكي خرير الماء :"تعالي يا حبيبتي الصغيرة".
أحد الرجال تنبه أن:النسوة لن يتوقفن عن البكاء ما دام الجثمان أمامهن،فاقترح أن تخرج الجنازة وان يدفن في الحال.لأنه خشي أن يذهب الجنون بالنسوة، فيقطعن أجزاء من الجثة ويعلقنها تمائم في بيوتهن.لكن إحدى النساء وقفت بعناد أمام النعش وقالت :
-"لن يخرج من هنا دون إعطاءه اسما يليق به".
نظر الرجال في وجوه بعض،كأنهم يبحثون عن اسم ما .كانت وجوههم السمراء تنطق باسم واحد دون غيره:" عبد القادر".
واجمعوا فيما بينهم،أن عبد القادر: ابن لكل عاقر ،وأب لكل يتيم،وزوج لكل أرملة،وحبيب لكل حالمة،وأخ لكل وحيد،وصديق لكل إنسان في هذه القرية.
وهكذا تحركت أعظم جنازة في تاريخ القرية شارك فيها الرجال والنساء والأطفال،وكل من سمع الخبر من القرى المجاورة،حتى غصت بهم الشوارع والأزقة، عدا عن الذين لم يسعفهم الحظ ليجدوا موطئ قدم على الأرض فاعتلوا سطوح المنازل رافعين باقات الزهور وأغصان الأشجار.
عندما انتهت الجنازة عصر ذلك اليوم،غرقت القرية في فوضى الزهور المتناثرة على جنبات الطرق وفي مداخل الأزقة واعتلى ضريح عبد القادر بين القبور الواطئة مثل جبل لكثرة ما وضع عليه من أزهار؛الأمر الذي جعل القرية تغرق في غمامة من الشذا ما زال عبيرها يتضوع حتى الآن.







التوقيع :
[FL=http://bardabd.jeeran.com/images/mm2.swf] width = 300 height = 160 [/FL]

قديم 13-08-2002, 12:00 PM   رقم المشاركة : 2
lora
( ود جديد )
 






lora غير متصل

مشكور ه عزيزتي على القصه .......ويعطيك العافيه
ونتمنى المزيد







قديم 13-08-2002, 12:09 PM   رقم المشاركة : 3
سلطان
( ود فعّال )
 






سلطان غير متصل

قصه رؤعه

مشكوره يا أخت موجه البحر على هذه القصه الحزينه
وأنشاء الله نسمعك مألفة قصص في يوم من الأيام
وبالتوفيق







قديم 14-08-2002, 12:57 AM   رقم المشاركة : 4
شاعر باحساسه نزيف
( ود متميز )
 





شاعر باحساسه نزيف غير متصل

هلا فيك موجه البحر

الله يعطيك الف عافية مشاركة حزينة تسلم يديك عليها والف شكر

لك مني كل التقدير

بانتظار المزيد من ابداعاتك



بايووووووو







التوقيع :
___________ ــــــــــــــ___________

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:52 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية