قد نستسهل مثل هذه التساؤلات يلي طرحتيها ولا ننظر لها بعين الأهمية ..
ولكن مثل هذه التساؤلات جديرة بأن نتوقف عندها لحظات لتعرفي على الأقل
ماذا تعني لكِ وما مدى تأثيرها عليكِ ..
ان إجاباتنا على مثل تلك التساؤلات بصدق ومعرفتنا لها بشكل صحيح وواضح
هي من سوف تحدد بإذن الله ولدرجة ما .. كيف ننظر للناس والأشياء من حولنا
وكيف نسعد بنعمة الحياة التي وهبنا الله إيَّاها ..
فالنظرة الصحيحة الإيجابية لكل شيء من كافة الأبعاد هي سِر السعادة ..
التي نبحث عنها هِيَ سِر السعادة التي هي بين أيدينا ومن حولنا ومع ذلك لا نراها
فالانسان منا قد يفتقد شيئاً ما..يكون بأمس الحاجة اليه ولا يستطيع الوصول اليه
أو الحصول عليه ..
ولكنه حينما ينظر لهذا الشيء على أنه ذكرى جميلة يعايشها في كل لحظة ..
من لحظات حياته..حينما يشعر بتلك الذكرى الحية هي من يعطيهِ الأمل والتفاؤل
هنا فإنه سوف يفكر بها بشكل يملأ عليهِ حياته!!
فأيهما أفضل (الاّ أعِيْدُ لَكِ المَاضِ وَأنِر عَقلُكِ بِالمُسْتَقْبَل)وهَذَا عِنوَان موضوعنا
وأن نعيش بلا ماض رغم وجوده أم نعيش ذلك الجانب المُشرق الجميل من الماضِ
الذي يملأ وجداننا الا وهو الذكرى العطرة التي لا تفارقنا؟
وما سوف أتحدث عنه أخت ( صَمْت ) قد يكون شيئاً مثالياً حالمًا في نظر البعض
ولكننا لو أمعنا النظر وتأملنا في واقع الحياة وفي مكنونات مشاعرنا وأحاسيسنا
حول ما يجري فيها نحو المواقف التي تمرُّ علينا ..
لوجدنا ان هناك مَاضِ يشكِّل واقع حياتنا ومجراها في كثير من الأمور ..
ولا أتحدث هنا بالطبع عن ذلك المَاضِ المؤلم الذِي وصَفتيهِ في مطلع حديثكِ أبداً
لن نبكي على الأطلال ولن نُحَاكِي القِلاع والحصُون .. فذلك شيء ولَّى ..
ولا يجدي الحديث عنه طالما كان حديثاً .. بل سوف نتناول ذلك المَاضِ الجميل
الذي نحتاج ان نتوقف عنده .. لنتلمَّس الأشياء الجميلة في حياتنا ..
لنتذكر المواقف الرائعة التي غيَّرت مجرى حياتنا للأجمل أو تلك التي ما زلنا
نعيش على ذكراها ونتمنى تكرار حدوثها .. بل حتى ذلك المَاضِ الذِي كنا سبباً
في ضياعه منا ومع ذلك نكرر ضياعه مرة أخرى؟
نعم تعتقدين ان الماضِ لكي يصبح ماضياً لكي يستحق ان نطلق عليه ماضياً
لابد ان يتجاوز السنين الطويلة من عمره .. لابد ان يَبْهُت لونه ..
لابد ان تبدو عليه عوامل الزمن وتغيراته وتعتريهِ علامات الترهُّل والشَّيخُوخَه
و لابد ان ترتسم فوق جُدرانه التَّشقّقَات .. أن يَعلُو جنباته الغبار؟
وأنتِ ماعلمتِ ان هذا الماضِ الذي نتذكره ونحنُّ اليه قد يكون الأمس القريب
قد يكون قبل ساعة قد يكون الحياة نفسها وقد يكون ذلك المكان الذي يربطكِ
بشيء ما مهماً كان جديداً .. قد يكون ذلك الانسان الذي لم تتجاوز معرفتكِ بهِ
الأيام القليلة من عمر الزمن فإذا به مَاضِي عَطِر خالد لا يمحُو عبقه الزمن ..
ولا يخفي معالم جماله أو يزيله إعادة طلاؤه ..
لأنه محفُور في قلبكِ..مختزن في ذاكرتك تستحضريه أمام عينكِ كلما احتجت اليه
كشريط سينمائي تديريه متى شئتِ .. ليس لأنكِ تريدي ان تعيشي في الماضِ ..
وتنعزلي أبداً !!
بل لأن هذا الماضِ هو الغذاء والدَّعم الذي يجعلكِ تعيشي الحاضر ..
و ( تُنِيرِي عَقلُكِ للمُسْتَقْبَل ) ..
تخيلي ولازلتُ ارمِي إليكِ ( فِي صَمْتُهَا الحُكَايَة ) تخيلي نفسكِ والآن في زيارة
سياحية لمَاضِِ عزيزعلى قلبكِ .. غالي على نفسكِ .. مَاضِ قد يكون مكاناً ما
أو شخصاً ما تخيلي نفسكِ وأنتِ في طريقكِ اليه ..
تحدثي نفسكِ عنه تتشوقي متى ستصليه وكيف ستريه .. تتساءلي هل سيذكركِ
بعد هذا الزمن ويأخذكِ بالأحضان .. هل سيعرفكِ من أول نظرة له أم انه ..
يستحضر صورتكِ الماثلة أمامه أم تريهِ نساكِ كغيره .. ولم تعودي بالنسبة له
سوى ماض طَوَاه النِّسيَان؟
تخيلي كل ذلك الاشتياق لذلك المَاضِ الجميل وكل ذلك الاهتمام به والحرص عليه
ثم تخيلي عندما تصلي اليه فلا تجديه .. بل لتجدي مكانه صَرحاً آخر ..
تكتشفي ان هناك شخصاً آخر قد أقام مكانكِ ورافق ذلك المَاضِ اوتِلكح الذِّكرَى
بل تخيلي نفسكِ حينما يُسيء ذلك الساكن أو المالك الجديد لذلك المَاضِ الغالي
حينما يحاول تشويهه ..
وطمس معالم وجهه السَّاجر..ليلبسه قناعاً آخر غريباً عليه لم يتعوَّد هو
على ارتدائه ولا يستطيع الاستمرار في لبسه؟
بل تخيلي شعوركِ وذلك المَاضِي الجميل يُعاتبكِ على تناسيكِ له طوال هذه السنين
يُناديكِ من بعيد لتنتشليه عمَّا هو فيه وتأخذيه معكِ الى حيثُ يُفترض ان تكونا
يستنجدكِ لِمَد يدكِ اليه..يُناشدكِ بألاّ تتخلي عنه وهو في أمس الحاجة اليكِ..
فماذا أنتِ فاعلة؟
هل تترددي كي تلتقطي أنفاسكِ..كي تُصدقي ما أنتِ فيه أم تمدي اليهِ يدكِ فوراً
دون تردد؟
ولو مددتي لهُ يدكِ..فهل تتركيه بعد ذلك يضيع منكِ مرة أخرى أم تتمسكِ به
ولا تفرطي به؟
هل ستعاتبيه على غيابه عنكِ وأنتِ سبب ضياعه منكِ أم تراكِ تعتذري منه
عن تخليكِ عنه وتعديه بألاّ تفرطي به..بأن تكوني قريبة منه بأن تكوني له؟
تساؤلات قد تكون خيالية أو سابقة لأوانها ولكنها قد تكون حقيقية في يوم ما
بل أنكِ قد تعيشيها الآن اليسَ كذلك؟
مشكلة الكثير منا أننا لانستفيد من الوقت حتى الفرص الثانية ونحقق ما نصبو اليه
ونحلم به رغم ان هذا الحلم الذي بين أيدينا لم تتغير أو تتبدل مشاعره نحونا ..
ولم تخبُو نار أشواقه لنا..وكأنه مازال ينتظرنا يمد الينا يديه..ينتظر كلمة منا
ومع ذلك نتردد في اتخاذ قرار حاسم يريح قلوبنا ..
نُحْجِم عن المبادرة وهي بين أيدينا .. نكابر أنفسنا ونزيد من ألمها نفكر كثيراً
ونخشى من ردود فعل أشخاص لا يشعرون بعمق ما نشعر به ..
ولا يحسون بما نحسه!!
بل لا يعانون ما نعانيه من ألم ومُكابَدَه جرَّاء تلك المشاعر والأحاسيس التي تقلب
حياتنا رأساً على عقب في اليوم ألف مرة..نتيجة التفكير المستمر والقلق الدائم
واللخبطة التي نحن فيها والإحراج الذي تشكله لنا مع من هم حولنا ..
كل هذا بسبب المَاضِِ الجَمِيل ..
الذِي دخَل حياتنا كَضَيف وإذا به يُقيم كَسَاكِن دائِم أمَّا إجراءات الاقامة الرسمية
رغم أهميتها بالنسبة لنا..فما زلنا مترددين في استكمالها رغماً عنا احياناً
أو رُبما دون سبب واضح والوقت يُمضِي وليس في صالح احد؟
تُرى هل يمكن ان يُنسَ (المَاضِ) بسهولة ان يمرُّ دون ان يكون لهُ تاريخ ميلاد
ان يُغادر دون ان يأخذ تأشيرة رجوع مرة أخرى؟