|
كانت القرى الجزائرية أمكنة تغريني بتصويرها. ربما لأن لها مخزونا عاطفيا في ذاكرتي مذ كنت أزورها في مواكب الفرح الطلابي في السبعينات, مع قوافل الحافلات الجامعية, للاحتفال بافتتاح قرية يتم تدشينها غالبا بحضور رسمي لرئيس الدولة, ضمن مشروع ألف قرية اشتراكية.
كان لي دائما إحساس بأنني قد عرفتهم فردا فردا, لذا عز علي أن أصور موتهم البائس, مكومين أمامي جثثا في أكياس من النايلون؟
هم الذين أولموا لنا بالقليل الذي كانوا يملكون, ما أحزنني أن أكون شاهد تصوير على ولائم رؤؤسهم المقطوفة.
في زمن الهوس المرئي بالمذابح, وبالميتات المبيتة الشنيعة, من يصدق النوايا الحسنة لمصور تتيح له الصورة حق ملاحقة جثث القتلى ببراءة مهنية؟ ليست أخلاق المروءة, بل أخلاق الصورة, هي التي تجعل المصور يفضل على نجدتك تخليد لحظة مأساتك.
في محاولة إلقاء القبض على لحظة الموت الفوتوغرافي, بإمكان المصور القناص مواصلة إطلاق فلاشاته على الجثث بحثا عن "الصورة الصفقة".
فهو يدري أن للموت مراتب أيضا, وللجثث درجات تفضيل لم تكن لأصحابها في حياتهم.
ثمة جثث من الدرجة الأولى, لأغلفة المجلات. وأخرى من الدرجة الثانية, للصفحات الداخلية الملونة. وثمة أخرى لن تستوقف أحدا , ولن يشتريها أحد. إنها صور يطاردك نحس أصحابها.
هاهوذا الموت ممد أمامك على مد البصر. أيها المصور..قم فصور!
رواية عابر سرير
ليست أخلاق المروءة, بل أخلاق الصورة, هي التي تجعل المصور يفضل على نجدتك تخليد لحظة مأساتك.
صمتٌ ذا ألم
|