العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام الثقافية والأدبية ]:::::+ > منتدى القصص والروايات
 
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 23-01-2009, 01:50 AM   رقم المشاركة : 11
أنا راحل
( ود جديد )
 





أنا راحل غير متصل










9

- آآآآآه... جميل هذا الصباح، بعد كل تلك الأيام في الغابة.

- أنا أدفع أي شيء الآن لأكون في غابة.

- لا... لا تقل هذا، لا تنزع من الصباح طراوته.

- أي طراوة !!! هذا صباح حار، وأنا لازلت مهدهدا ً بالنوم والخدر، ولم يفلح استحمامي السريع، ولا كوب الشاي في تبديدهما، وأمامي الآن عشرة طرق غاصة، وألف سيارة يقودها ألف رجل مهدهد، لأصل إلى مكتب طافح بالعمل، ورؤساء لا يدركهم السأم، وزملاء لا ينزعون من أي شيء ملالته، لا يوجد طراوة هنا، ليس في هذا اليوم على الأقل.

- ههههههههههههه، اسمع... لديك مكيف بارد ينسيك حرارة النهار، ويمكنني أن أبدد خدرك، وأن ألهيك عن بؤس الطريق بثرثرتي وأحاديثي، أما العمل فلا داعي لأن تفسد يومك مبكرا ً بالتفكير فيه، دع كل شيء لوقته، استمتع بهذه اللحظة الآن بين يديك، وعندما نصل إلى هناك سنتوقف دقائق نرتب فيها ما سنقوم به بقية اليوم.

- حسنا ً... – ويدي تخفض درجة الحرارة داخل السيارة -، تفضل، حدثني.

- كنت أفكر بكيف ستكون العلاقة بيننا بما أني سأكون رفيقك طيلة اليوم، فيما مضى كنت بالنسبة لك محطة شبه يومية، تأتي إلي عندما يحلو لك، وتحدثني عما تريد فقط، وتتجاهل أي شيء آخر في يومك، قد يكون يومك ثريا ً، قد يكون فقيرا ً، ولكني في كلتا الحالتين، لا أعرف إلا ما تريد إخباري به، الآن... تغيرت الحال، وما عاد بإمكانك إخفاء أي شيء عني، كل التفاصيل الصغيرة التي تكون يومك، العمل، البيت، قراءاتك، كتاباتك، من تلتقي بهم، من تتصل بهم، من يتصلون بك، من تضحك معهم، من تغضبهم، من يغضبونك، الأشياء الرائعة التي تفعلها، والسخيفة، كل شيء صار متاحا ً لي الآن، ويمكنني النفاذ إليه، هل كنت تدري أني لم أكن أعلم عنك إلا الأشياء التي كنت تقولها لي، أو تفكر بها؟

- كيف؟

- لا أدري كيف أشرح لك هذا ! فنحن نمر بوضع غريب، ولكن دعني أحاول، يبدو الأمر كما لو أنني كنت لا أستطيع الوصول إلا إلى الأمور التي تمر بوعيك، آ... ركز معي، عندما كنت تكتب وتلتقي معي بين الأوراق، كنت تمارس ذلك بوعيك، فلذا كان لاوعيك بعيد عني، ولا يمكنني ملامسته أو الاقتراب منه، الآن وقد اتحدت بك، يبدو أني اتحدت بالوعي واللاوعي منك، واااااااااااااااااو... كأنني قذفت من السماء إلى بحر لجي، آلاف الأفكار والهواجس التي تجوبه، وتضطرب فيه، القليل منها فقط ما يقذف إلى الشاطئ ويصير وعيا ً، وسرعان ما ينسحب ليعود في موجة جديدة، أو لا يعود، هههههههههههههههههه، انبهرت بهذا كله، حتى أني كدت أن أخلف وعدي لك بمحادثتك والتفكير معك، وأبقى سابحا ً ومكتشفا ً لكل هذا العالم الغريب.

- غريب... ألا يفترض بأن يتحول أي أمر تكتشفه أنت أو تراه في لاوعيي إلى الوعي مباشرة، بمعنى أني سأدركه ما دمت أنت جزء مني، وما دمت قد أدركته؟

- اممممممممممممم، ربما للسنوات التي كنت فيها تحشرني في زاوية من إدراكك ووعيك دور في هذا الانقسام لديك، فكأنه صار لديك وعي تتعامل معه، ووعي لا تريد التعامل معه، ولاوعي لا تدرك منه إلا القليل ومن حين إلى حين، الأمر أشبه بمن يدرك أن تجاوز سرعة 200 كيلومتر خطر على حياته، ولكنه يزيح هذا الإدراك جانبا ً ويصل إلى هذه السرعة وهو يرتجف من الإثارة.

- يبدو لي هذا غريبا ً، ولكن الوضع كله غريب وغير مفهوم، وبما أننا نقترب الآن من مكتبي، فلا وقت لبحث هذا أو التعمق فيه.

- هههههههههههه، لدي ذلك الشوق لرؤية هذا الذي تسميه عملك، فكل ما وجدته هنا في لاوعيك جذاذات من الصور وأنصاف أحداث ووجوه غائمة، أحيانا ً أجد أسماء بلا وجوه !!! ربما هم من تتعامل معهم من وراء سماعة الهاتف ولم تر منهم إلا أسمائهم التي تبرق على شاشة الجوال، أليس هذا غريبا ً؟ أن تتحدث مع شخص أكثر مما تتحدث مع زوجتك، مع أنك لم تر ملامحه يوما ً، ولا تحتفظ في ذهنك عنه بشيء سوى اسمه البراق ونبرة صوته.

- هههههههههههههههههه، يا الله صباح خير، ألم تعدني بأننا سنتوقف عندما أصل إلى مكتبي لنرتب أعمالنا لهذا اليوم؟

- ظننت أنك ستصنع لك كوب قهوة كفاتحة لصباحك، ولكن لا بأس، لنبدأ.

- دعني أرى الآن، لدي بعض الأعمال المؤجلة بسبب زيارتي المفاجئة للمستودعات، بعض التعديلات المطلوبة في مشروع المالية، امممممممممممم، مشروع التنظيم الإداري لم نضع خطة له بعد، سأضعها وأعرضها على سليمان لأي تعديلات محتملة.

- هه... وكأنه سيهتم – بابتسامة خبيثة -.

- ومشروع المستودعات، هناك الخطة، سأسأل زيد عنها، وهناك استكمال اجتماع الأمس مع المدير.

- السلام عليكم، صباح الخير – هذه من سليمان الذي دخل الآن مشبعا ً بالدخان -.

- وعليكم السلام، صباح النور.

أنا: سلامات.

سليمان: الله يسلمك، لا... شيء بسيط.

أنا: ما ترى بأس.

سليمان: ها... كيف الأحوال؟ ما الجديد؟

أنا: اتصل ناصر بالأمس.

سليمان: ماذا يريد؟

أنا: كان يسأل عن مشروع المستودعات، قال إن تحليلنا غير مقبول لأننا لم نجتمع مع مدير المستودعات، واضطرني للذهاب إلى هناك والاجتماع معه، ولدينا اليوم موعد آخر معه.

سليمان: أوهوه... يا الله صباح خير، ما فائدة زيدان إذن – لا يوجد خطأ هنا، المقصود هو زيد، ولكن هذه هي التسمية التي يبادل سليمان بينها وبين ( الكلب) عندما يتحدث عن زيد -.

أنا: قلت له هذا، ولكنه قال أن زيد ليس من إدارتنا، وأننا يجب أن نأخذ المعلومات منه ومن المدير، لأن التحليل في النهاية سيوقع عليه المدير، وليس زيد.

سليمان: آعععععععه... ما هذه الفوضى؟ هل سنقوم بعملنا وعمل زيدان أيضا ً؟ هذا ما كان ينقصنا !!!

فهد: هههههههههههههههه، قم أنت بما هو مطلوب منك أولا ً، وبعدها فكر بمن سيقوم بأعمال الآخرين – أخفيت ابتسامتي التي كادت عبارة فهد أن تبديها، وتأملت سليمان الذي جلس على مكتبه، وهو يقلب لسانه بين الشتائم الاعتيادية -.

أنا: الاجتماع سيكون في العاشرة والنصف.

سليمان: أي اجتماع؟

أنا: مع مدير المستودعات.

سليمان: أنت الخير والبركة، والله ليس عندي استعداد للقاء ذلك البغيض، أخشى أن يعاودني المرض بسببه.

فهد: جميل... والآن انتقلت أعمال سليمان وزيد إليك، مبروك عليك هذا الفريق الفعال.

أنا لفهد بغيظ: حسنا ً... دعني الآن أنجز بعض الأعمال قبل موعد الاجتماع.

فهد: لماذا تتركهم يفعلون ذلك؟ – ونحن متجهان إلى مكتب مدير المستودعات – .

أنا: يفعلون ماذا؟

فهد: هذا التهرب من الأعمال وإحالتها إليك.

أنا: العمل يحتاج إلى من ينجزه، يمكنني أن أتمنى طيلة اليوم أن ينجز زملائي كل ما هو مطلوب منهم، ولكني لو انتظرت هذا الحلم أن يتحقق لتوقف العمل، ولوجدت بين يدي نصف عمل لا قيمة حقيقية له.

فهد: أليس هذا استغلال لك؟

أنا: ربما... أنا لا أعتبره استغلالا ً ما دمت أعرف هذا، وأنتبه له.

فهد: ولكنك لا تفعل شيئا ً لإيقافه.

أنا: لأنه لا يمكنني إيقافه، أحتاج لأفعل هذا إلى تغيير الأشخاص، تثقيفهم وتوعيتهم، وهذا أصعب، فلذا ألجأ للخيار الأسهل أن أقوم بالأعمال التي يتكاسلون عن إنجازها.

فهد: ولكن هذا الخيار لا يصير سهلا ً، مع الوقت تتراكم عليك الأعمال، تقل إنتاجيتك، تكثر أخطائك، وتصير القيمة الكاملة التي كنت تبحث عنها عن طريق إنجاز ما هو لك وما هو لغيرك أبعد مما تخيل.

أنا: ربما... ولكن الوقت الآن غير مناسب لمناقشة هذا – وأنا ألج مكتب مدير المستودعات -.

فهد: آه... – بعد صمت دقائق، ومتابعة متململة لحواري مع المدير – فهمت الآن لم َ فر سليمان من لقائه، هذا الرجل لا يطاق.

المدير: والله الأوراق لم أجدها حتى الآن – وصلت الجملة السابقة على ثلاث دفعات، الدفعة الأولى قاطعتها حركة سريعة للبحث عن دباسة، الدفعة الثانية قطعتها الورقة التي غاب رأسها في الدباسة في ذات اللحظة التي تدلى فيها لسان المدير خارج فمه، ليحاكي لا شعوريا ً ما تقوم به يداه، أما الدفعة الثالثة فجاءت بعدما طوح بالأوراق المدبسة لموظف أسمر بوجه شوهته البثور كان يقف عند المكتب منذ دقائق -، بحثت عنها بالأمس، لا أدري، أين ذهبت؟ محمد... محمد... – وهو ينادي الموظف الذي يستقر مكتبه خارج الباب ويكاد يسد طرفه، وكان يتسلى بتصفح موقع ( الزعيم) عندما دخلت – أين أوراق متابعة المخزون لشهر صفر؟ ابحث عنها عندكم، في الخزانة، هلا... – والآن يتحدث في الهاتف – هلا... أبو عبد الله، ههههههههههههههه، لا... الله يكفينا الشر، ههههههههههههه، لا... لا... لا عليك سأرسلها لك الآن، محمد... محمد – وقد أعاد السماعة إلى مكانها -.

أنا متطوعا ً: يبحث في الخزانة.

فهد: هههههههههههههههههه.

المدير: اها... حسنا ً، متى تتوقع أن ينتهي البرنامج؟

أنا: من الصعب تحديد هذا الآن، أحتاج إلى دراسة دورة العمل عندكم أولا ً، واستكمال الأوراق والنماذج الناقصة، وبعدها يمكنني تحديد الوقت.

المدير: اها... هذه أوراق ربيع الأول – وهو يتفحص أوراق مدها له محمد -، أنا أريد أوراق صفر.

محمد: لا يوجد في الخزانة أوراق لصفر، ربما هي في الخزانة الأخرى التي نقلت إلى المكتب الشرقي.

المدير: لا حول ولا قوة إلا بالله، اتصل ببدر ودعه يبحث عنها الآن، لا نريد تأخير الرجل – وهو يشير إلي -.

فهد بابتسامة خبيثة: ألا تلاحظ أنه نسي صاحب المكالمة.

فهد: يمكنني الآن – وقد خرجت أخيرا ً من مكتب مدير المستودعات، واخترت بعد تردد أن أذهب إلى المنزل عوضا ً عن العودة إلى المكتب للنصف ساعة المتبقية من الدوام - أن أفهم لم َ كنت تأتيني بكل ذاك التعب، لو كان هذا فقط ما تمر به في يومك لكفى.

أنا بسخرية: لم َ؟ يمكنك اعتبار هذا اليوم من أيامي الجميلة.

فهد: كل هذه الفوضى، كل هذه الأعمال المتداخلة، والتي ينقض بعضها بعضا ً، لا أدري أي مخبول يدير هذا المكان.

أنا: لا تستعجل، ستلتقي بكل المخابيل في الأيام القادمة.

فهد: ههههههههههههههههههههه.

أنا: والآن سأكون مقدرا ً لك كل التقدير لو خرست وتركتني أحصل على قيلولتي العزيزة.

فهد: حسنا ً... سأنتظر.

فهد: كل هذا الوقت لتستعيدني !!! – كنت قد نهضت من النوم، منذ ساعة مضت، وتناولت غدائي مع لينا، وها أنا أقف لأصنع كوب الشاي وأستعيد فهد مع مذاقه -.

أنا بسخرية ورشفة عميقة: إليك أحد اكتشافات وضعنا الخاص، عندما أتوقف عن التفكير فأنت غير موجود.

فهد: لم َ ترتدي هذا النوع من اللباس؟ - بعد لحظات، وقد اصطحبت كوبي ووقفت على عتبة باب غرفة الجلوس، أتأمل التلفاز ولينا التي كانت في ثياب نومها القصيرة، والتي ترتديها بشكل شبه دائم -.

أنا: ربما يعجبها.

فهد: هههههههههههههههه، هل جربت أن ترتدي يوما ً ملابس ضامرة؟ هل بدا لك الشعور فيها جيدا ً؟

أنا: تجاربي ليست مقياسا ً للآخرين – وأنا أتجه إلى مكتبي -.

أنا: آه... أوراق، وأوراق، وأوراق – وأنا أقلب أوراق الجد -، ذاكرتنا المثقلة بكل شيء – ثم بسخرية - هل تشعر بالحنين إلى الوطن بمناسبة الحديث عن الأوراق؟

فهد: هههههههههههههههههه – ثم بجدية -، ربما أنا في النهاية لست كائنا ً ورقيا ً، وإن نشأت هناك.

أنا: ربما... ولكن هذا ليس وقت تحديد هويتك، لدي هنا جد يريد أن يتحدث.

فهد بسخرية: يبدو لي كجد تريد استنطاقه.

أنا: ماذا تعني؟

فهد: بالله عليك... انظر إلى ما بين يديك الآن من عمل، انظر إلى أوراقك، منهج تاريخي متكامل، منهج نقدي أدبي خاص، وخطة عمل محكمة ومتميزة، لديك أدوات منهجية ولكنك لم تخط حتى الآن حرفا ً حقيقيا ً حول جدك.

أنا: لازلت في البداية.

فهد: ألم تتساءل لم َ تأخرت البداية كثيرا ً؟ لم َ انهمكت في كل شيء ممكن إلا الخوض في التاريخ، قلب أوراقك الآن، قلبها، ما الذي كتبته؟ جمعت وقائع حياته؟ ثم ماذا؟ أين هي الكتابة المتعمقة التي وعدت نفسك بها منذ اليوم الأول؟

أنا: كان لابد لي أن أصوغ منهجا ً قبل أن أبدأ، لا يمكن لي أن أفتح صفحة وأشرع في الكتابة المطلقة هكذا.

فهد: بالتأكيد... ولكن ألم تتساءل لم َ صرت تتثاقل هذا الأمر؟ لم َ صرت تجلس على مكتبك هذا مرغما ً، وتضيع وقت الكتابة الذي حان بالعودة لمنهجك تصوغه وتعدله؟

أنا: هذا شيء طبيعي، في كل مشاريعه يبدأ الإنسان بحماسة ومن ثم يفتر عزمه سريعا ً.

فهد: لم يفتر عزمك سريعا ً، نظرة واحدة إلى البناء الفلسفي الذي بنيته وأرسيته وها أنت تعود في كل يوم لتدعمه تقول هذا، لقد أنجزت أطول وأعقد مراحل مشروعك، فلم لا تجد في نفسك الآن تلك الحماسة للنهاية التي صارت أقرب من أي وقت مضى؟

فهد: يبدو أن هناك أسئلة كثيرة بلا أجوبة هنا، ويبدو أنه حان الوقت لتتوقف وتجيب بعضها.










 

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:02 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية