بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير المرسلين ، محمد بن عبدالله ، عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. أما بعد
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
عن أنس (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أشراط الساعة
أن يرفع العلم ويثبت الجهل .. الحديث"
أخرجه البخاري [80]
بسب فشو الجهل ، وارتقى الرويبضة للمنابر ، بات كل شخص يتحدث بالدين ويفتي ، أو يطرح شبة ما يريد منها تضليل العامة .
ومن أخطر ما يسلكه هؤلاء في حديثهم ، لكي يغرروا بالمستمعين ، هو قوله " الوسطية " ! .
فباتت الموسيقى وسطية ! والاختلاط وسطية ! ... وكل أمر يفعلونه يذيل بهذه الكلمة ، لذر الرماد بالعيون ، حتى ينخدع هذا المسكين ويتوهم ، أن هذه الفعلة من الدين ولا تتعارض معه ! .
وحسبك أن تعرف حال هؤلاء ، لتقف على حقيقة الأمر ،فهم أصحاب هوى ، وبعيدين عن التمسك بالدين ، منغمسين في بحر الشهوات والمعاصي ، مقصرين في جنب الله ومسرفين . فمن يخوض منهم بالدين له غايات يريد الوصول إليها ، فهناك من يهوى الجدل من أجل الجدل ! ، وهناك من تسحره أضواء الشهرة ! وهناك منهم صاحب بدعة يريد من خلال كلامه المنمق تمرير بعض الأفكار ! .. وهلم جر من المصالح الدنيوية .
فالدين في هذا الزمان ، يخوض فيه السفهاء والجهلة ، ولكن في المقابل لا يسمح لأحد كائن من كان أي ينبس ببنت شفه حول قضية طيبة أو هندسية .. " فجيب أن نحترم التخصص" ! فيا سبحان الله ! ولماذا لا نحترم التخصص في الجانب الشرعي ؟ .
وحتى لا أطيل عليكم .. سأتطرق لموضوع الوسطية ، كما جاءت في الكتاب والسنة ، مبتغيا فضل من الله ورضوان ، قاصدا الحق لا غيره .
الوسط لغة
: ما بين طرفي الشيء أو هو النصف، يقال: جلس فلان وسط القوم، أي صار في وسطهم ، والوسط من كل شيء: أعدله وخيره، وهو معنى قوله تعالي: { وكذلك جعلنا كم أمة وسطا } .
أما شرعا : فالوسطية بالدين هي الأخذ بالأحكام الشرعية ، المبنية على قال الله ورسوله ، دونما إفراط أو تفريط .
ومن أدلة الوسطية بالدين قوله سبحانه {وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين} ..
أي أعمل في ديناك عملا يكون سببا في دخولك الجنة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا فيما لا يكون فيه مفسده ، وهذا يبين لنا حقيقة الوسطية ، فهي العمل من أجل الآخرة ولكن يجب أن يكون هذا العمل نافعا لا مفسده فيه ، فكيف تكون الموسيقى وهي قمة المفسدة وسطية ؟ وكيف يصبح اختلاط الرجال بالنساء وسطية وهو سبب انحطاط كل أمة ؟ .
ولقد أرشد القرآن الكريم إلى ظاهرة التوازن في الأشياء والأعمال والقدرات والممارسات القائمة على صحوة الوجدان، وقوة العزيمة، والتمسك بالحق، والتزام العمل الصالح الذي هو سمة المجتمع المتحضر، وذلك في سورة موجزة هي سورة العصر{والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} .
وحتى تتضح الصورة لدى المتلقي ، نكشف لكم زيف دعوى الوسطية التي يطنطن عليها المتردية والنطيحه ! في جملة من الأمثلة ، ومنها : -
1/ تمييع الدين وتجاهل التوحيد .فتجد هؤلاء يحصرون الإسلام في العبادات فقط ! صلاة صوم زكاة .. دونما أية إشارة إلى أهمية العقيدة ، وأن الله سبحانه وتعالى قد يغفر كل ذنب إلا الشرك ، قال سبحانه {إن الله لايغفر أن يشرك به ويفغر ما دون ذلك لمن يشاء } .
لذلك حملة الوسطية الزائفة من الجهلة لا يرون بأس في أن يقولوا " الشيعة أخوان السنة ولا فرق بين هذين المذهبين سواء في الفروع لا أكثر " .. ولا يخفى على كل مسلم حصيف ما لهذه الكلمة من خطر على التوحيد وأهلة ، فالناظر في كتب القوم يجد فروق شاسعة بين المذهبين في الأصول ، وعلى أثر هذا يستحيل أن نقر بمسألة التقريب بين السنة والشيعة .
ومن المصائب الأخرى قولهم " لا يجب في هذا الزمان أن تقول لمن هو يهودي أو مسيحي أنت كافر بل قل الأخر " وهنا نقف مستغربين من جهل هؤلاء ، فهل أطلع أحدهم على القرآن والسنة حتى يصدر هذا القرار ؟ أم هي محاولة لتمييع الدين ؟ فأين التطبيق لقوله سبحانه (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)
!! هل نترك كلام الله عز وجل ونصدق كلام الرويبضة ؟؟ ، وهنا نسأل ، هل مخالفة دين الله هي وسطية ؟؟ أترك الإجابة لمن لديه ذرة عقل!.
ومن فعلهم ، هي المحاولة إلى تشكيك الناس بالدين صراحة ، فهم يعرضون عن الدليل ويتجهون لتفسيرات العقلية البحتة في كل الأحوال ، فما الحكمة من فعل كذا وكذا كما كان يفعل المنافقون ، في حين أن الصحابة رضي الله عنهم يسألون عن كيفية تطبيق هذا الحكم بحذافيره ، وإذا سايرتهم وأجبت فقلت أن هذه أمور تعبديه لا يجوز للمرء أن يسأل عنها ، أجابك السائل " قاتل الله التشدد " ! في حين أنه يغض بصره عن سؤال سوف يبين له الحقيقة ، ولكن حب الذات والشهرة والجدل المستمر ، كان الدافع وراء إعراضه عن الجواب .. أما السؤال فهو لماذا نصلي ؟؟ ولماذا عدد الركعات 4 و 3 و 2 ؟؟ إذا تأمل هذا الشخص هذه السؤال فسوف يعرف حقيقة الأمر .. فهل يقدم على ذلك ؟ أتمنى ! .
2/ تعمد الإساءة إلى العلماء وطلبة العلم .
وهذا التعمد يكون بقول الرويبضة " لا يغرنكم هؤلاء المشايخ فهم أهل حيض ونفاس " وهنا يا دعاة الوسطية الزائفة ماذا نفعل في قولة سبحانه {لا يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون} ؟ وقوله عز وجل {إنما يخشى الله من عبادة العلماء}
؟ فأين دليلكم على أن العلماء مختصون فقط بالحيض والنفاس ؟؟ وكيف يكون اختصاصهم محصورا في هذين الجانبين ويقول الله سبحانه وتعالى فيهم هذا القول العظيم ؟ أين عقولكم ؟ .
وهذا التشويه تصاحبه دعوى مقيتة وهي عزل الناس عن مرجعياتهم ، بحيث يصبح كل فرد مفتي نفسه ! ، في جميع الأحوال والقضايا ، فإذا كان الأمر على هذا النحو فلماذا جعل الله الناس تخشى العلماء ؟؟ .
3/ محاربة التدين بدعوى الغلو والتطرف .
بحيث يصورون كل شخص ملتحي ومقصرا لثوبه مثالا واضحا لتطرف والغلو ! فتسمعهم يقولون " لماذا هذا التشدد ؟ الدين يسر وليس عسر " ويمثلون ذلك في مسرحيات ومسلسلات وأفلام فحسبنا الله ونعم الوكيل ! ، فمن يقتدي بالمصطفى صلى الله عليه وسلم يرمى بهذه الصفات ؟؟ ألا يعلم أصحاب الوسطية الزائفة أن هذا الفعل فيه قدح لمقام النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فهو كان ملتحي ومقصرا لإزاره .. فعندما تسخر من هذه الشكل فأنت دونما شك تسخر من شكل نبيك عليه الصلاة والسلام ! .
ومن محاربة التدين الغضب من انتشار مظاهره بين الناس ، من العودة إلى العفة والطهر ونبذ الرذيلة والحرص على العمل الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فهذه ليست وسطية في نظرهم القاصر ! فمن تنبذ الاختلاط تصبح متخلفة وقد سلمت عقلها لغيرها ! " فجيب أن تكوني امرأة متحررة وواثقة من نفسك فأظهر وجهك بكامل زينته .. فأنت لست قبيحة " !! فأين أهل الوسطية الزائفة من حال الصحابيات رضوان الله عليهم
فقد روى البخاري في صحيحة (عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلس فينصرفن نساء المؤمنين لا يعرفن من الغلس أو لا يعرفن بعضهن بعضا ) [834]
!! أنظر إلى الحرص على عدم الفتنة ، في حين أن دعاة الوسطية الزائفة لو طرحت عليهم هذا الطرح لوصفوك بالتشدد والغلو ! .. وأقرأ هذا الحديث لترى دينك على ماذا يحرص بينما دعاة الوسطية الزائفة على ماذا يحرصون !
( أن أم سلمه رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ومكث يسيرا قبل أن يقوم قال بن شهاب فأرى والله أعلم أن مكثه لكي ينفذ النساء قبل أن يدركهن من انصرف من القوم ) البخاري [802]
ماذا يقول دعاة والوسطية في هذا الحديث ؟؟ لماذا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا أمام مرأى الناس وفي مكان عبادة فدعهم يختلطون ؟؟ .
الحديث ذو شجون .. ولكن حتى لا أطيل وأشعر القارئ بالملل ، أتوقف عند هذا الحد .. ولكن إليكم هذه الأسئلة! .
لماذا لا نجد هؤلاء الوسطيين ذو الوسطية الزائفة لا يتطرقون إلى جانب التفريط بالدين ويهتمون بالإفراط .. أي يدعون أمر التساهل بالدين والتفريط به ويهتمون بالغلو والتشدد ؟ هل هذا بيان لأهل العقول عن ما تخفيه صدورهم ؟؟ {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم اكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون}
وإلا لماذا لا يتطرقون إلى زيادة نسبة المصابين بالإيدز ويفسرون هذا الأمر على أنه سبب في تفريط الناس بدينهم ؟ ولماذا لا يكتبون عن تفشي ظاهرة المعاكسة وأن سببها الحقيقة هو تفريط الناس وليس غلوهم ؟؟ ولماذا لا يتحدثون عن الانحراف عن الفطرة من قبل بعض الفتية والفتيات والاتجاه إلى السحاق واللواط وأن سبب ذلك يعود إلى تفريط الناس بدينهم ؟؟ .
العرض العادي
