العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-05-2014, 04:44 AM   رقم المشاركة : 11
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏64‏)‏
‏{‏ قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ‏}‏
هذا الخطاب يعم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن جرى مجراهم، ‏{‏قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة‏}‏، والكلمة تطلق على الجملة المفيدة كما قال ههنا، ثم وصفها بقوله‏:‏ ‏{‏سواء بيننا وبينكم‏}‏ أي عدل ونَصَف نستوي نحن وأنتم فيها، ثم فسرها بقوله‏:‏ ‏{‏أن لا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئاً‏}‏ لا وثناً ولا صليباً ولا صنماً ولا طاغوتاً ولا ناراً ولا شيئاً، بل نفرد العبادة للّه وحده لا شريك له، وهذه دعوة جميع الرسل قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه‏}‏ قال ابن جريج‏:‏ يعني يطيع بعضنا بعضاً في معصية اللّه، وقال عكرمة‏:‏ يسجد بعضنا لبعض، ‏{‏فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون‏}‏ أي فإن تولوا عن هذا النصف وهذه الدعوة فاشهدوا أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه اللّه لكم‏.‏
وقد ذكرنا في شرح البخاري عن أبي سفيان في قصته حين دخل على قيصر، فسأله عن نسب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن صفته ونعته وما يدعو إليه، فأخبره بجميع ذلك على الجلية، ثم جيء بكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقرأه فإذا فيه‏:‏
‏(‏بسم اللّه الرحمن الرحيم‏.‏ من محمد رسول اللّه إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فأسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللّه أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، و ‏{‏يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون اللّه فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون‏}‏‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏65 ‏:‏ 68‏)
‏{‏ يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ‏.‏ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ‏.‏ ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ‏.‏ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ‏}‏
ينكر تبارك وتعالى على اليهود والنصارى في محاجتهم في إبراهيم الخليل عليه السلام ودعوى كل طائفة منهم، أنه كان منهم، كما قال ابن عباس رضي اللّه عنه‏:‏ اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار‏:‏ ما كان إبراهيم إلا يهودياً، وقالت النصارى‏:‏ ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل اللّه تعالى ‏{‏يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم‏}‏ الآية‏.‏ أي كيف تدعون أيها اليهود أنه كان يهودياً وقد كان زمنه قبل أن ينزل اللّه التوراة على موسى‏؟‏ وكيف تدعون أيها النصارى أنه كان صرانياً، وإنما حدثت النصرانية بعد زمنه بدهر‏؟‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفلا تعقلون‏}‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم‏}‏‏؟‏ هذا إنكار على من يحاج فيما لا علم له به، فإن اليهود والنصارى تحاجوا في إبراهيم بلا علم، ولو تحاجوا فيما بأيديهم منه علم مما يتعلق بأديانهم التي شرعت لهم إلى حين بعثة محمد صلى اللّه عليه وسلم لكان أولى بهم، وإنما تكلموا فيما لا يعلمون، فأنكر اللّه عليهم ذلك وأمرهم برد ما لا علم لهم به إلىعالم الغيب والشهادة الذي يعلم الأمور على حقائقها وجلياتها، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون‏}‏‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلما‏}‏ أي متحنفاً عن الشرك قاصداً إلى الإيمان ‏{‏وما كان من المشركين‏}‏ وهذه الآية كالتي تقدمت في سورة البقرة‏:‏
‏{‏وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا‏}‏ الآية، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا واللّه ولي المؤمنين‏}‏ يقول تعالى‏:‏ أحق الناس بمتابعة إبراهيم الخليل الذين اتبعواه على دينه ‏{‏وهذا النبي‏}‏ يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم والذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بعدهم‏.‏ عن عبد اللّه بن مسعود قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏: ‏(‏إن لكل نبي ولاية من النبيين وإن وليي منهم - أبي وخليل ربي عزّ وجلّ - ابراهيم عليه السلام‏)‏، ثم قرأ‏:‏ إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا‏} ‏"‏أخرجه وكيع في تفسيره‏"‏الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏واللّه ولي المؤمنين‏}‏ أي ولي جميع المؤمنين برسله‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏69 ‏:‏ 74‏)‏
‏{‏ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون ‏.‏ يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ‏.‏ يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ‏.‏ وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ‏.‏ ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ‏.‏ يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ‏}‏
يخبر تعالى عن حسد اليهود للمؤمنين وبغيهم إياهم الإضلال، وأخبر أن وبال ذلك إنما يعود على أنفسهم، وهم لا يشعرون أنهم ممكور بهم، ثم قال تعالى منكراً عليهم‏:‏ ‏{‏يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات اللّه وأنتم تشهدون‏}‏ أي تعلمون صدقها وتتحققون حقها، ‏{‏يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون‏}‏ أي تكتمون ما في كتبكم من صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم وأنت تعرفون ذلك وتتحققونه، ‏{‏وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره‏}‏ الآية‏.‏ وهذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتَوَروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار، ويصلوا مع المسليمن صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم، ليقول الجهلة من الناس إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين، ولهذا قالوا‏:‏ ‏{‏لعلهم يرجعون‏}‏ قال مجاهد‏:‏ يعني يهوداً صلت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم صلاة الصبح، وكفروا آخر النهار مكراً منهم، ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه، وقال ابن عباس‏:‏ قالت طائفة من أهل الكتاب إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم، لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم‏}‏ أي لا تطمئنوا أو تظهروا سركم وما عندكم إلا لمن تبع دينكم، ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين فيؤمنوا به ويحتجوا به عليكم، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن الهدى هدى اللّه‏}‏ أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان، بما ينزله على عبده ورسوله صلى اللّه عليه وسلم من الآيات البينات، والدلائل القاطعات والحجج الواضحات، وإن كتمتم أيها اليهود ما بأيديكم من صفة محمد النبي الأمي، في كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم‏}‏ يقولون لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين فيتعلموه منكم، ويساوونكم فيه، يمتازون به عليكم لشدة الإيمان به، أو يحاجوكم به عند ربكم، أي يتخذوه حجة عليكم بما في أيديكم فتقوم به عليكم الدلالة وترتكب الحجة في الدنيا والآخرة، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء‏}‏ أي الأمور كلها تحت تصرفه وهو المعطي المانع، يمنُّ على من يشاء بالإيمان والعلم والتصرف التام، ويضل من يشاء فيعمي بصره وبصيرته، ويختم على قلبه وسمعه ويجعل على بصره غشاوة، وله الحجة والحكمة البالغة
{‏واللّه واسع عليم * يختص برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم‏} أي اختصكم أيها المؤمنون من الفضل بما لا يُحدُّ ولا يوُصف، بما شرف به نبيكم محمداً صلى اللّه عليه وسلم على سائر الأنبياء، وهداكم به إلى أكمل الشرائع‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏75 ‏:‏ 76‏)‏
‏{‏ ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ‏.‏بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين ‏}‏
يخبر تعالى عن اليهود بأن منهم الخونة، ويحذر المؤمنين من الإغترار بهم، فإن منهم ‏{‏من إن تأمنه بقنطار‏}‏ أي من المال ‏{‏يؤده إليك‏}‏ أي وما دونه بطريق الأولى أن يؤديه إليك، ‏{‏ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً‏}‏ أي بالمطالبة والملازمة والإلحاح في استخلاص حقك، وإذا كان هذا صنيعه في الدينار، فما فوقه أولى أن لا يؤديه إليك‏.‏ وقوله ‏{‏ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل‏}‏ أي إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون‏:‏ ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين وهم العرب فإن اللّه قد أحلها لنا، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون‏}‏ أي وقد اختلقوا هذه المقالة، وائتفكوها بهذه الضلالة، فإن اللّه حرّم عليهم أكل الأموال إلا بحقها وإنما هم قوم بُهت‏.‏ عن أبي صعصعة بن يزيد أن رجلاً سأل ابن عباس، فقال‏:‏ إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة، قال ابن عباس‏:‏ فتقولون ماذا‏؟‏ قال، نقول‏:‏ ليس علينا بذلك بأس، قال‏:‏ هذا كما قال أهل الكتاب‏:‏ ‏{‏ليس علينا في الأميين سبيل‏}‏، إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم ‏"‏أخرجه عبد الرزاق عن أبي صعصعة بن يزيد‏"‏وعن سعيد بن جبير قال‏:‏ لما قال أهل الكتاب ليس علينا في الأميين سبيل، قال نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏كذب أعداء اللّه، ما من شيء كان في الجاهلية إلى وهو تحت قدميَّ هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر‏)
‏ ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم‏"‏ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏بلى من أوفى بعهده واتقى‏}‏ أي لكن من أوفى بعهده واتقى منكم يا أهل الكتاب‏.‏ اتقى محارم اللّه واتبع طاعته وشريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم ‏{‏فإن اللّه يحب المتقين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏77‏)‏
‏{‏ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ‏}

يقول تعالى‏:‏ إن الذي يعتاضون عماعاهدوا اللّه عليه، من اتباع محمد صلى اللّه عليه وسلم وذكر صفته للناس وبيان أمره، وعن أيمانهم الكاذبة الفاجرة الآثمة، بالأثمان القليلة الزهيدة، وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة، ‏{‏أولئك لا خلاق لهم في الآخرة‏}‏ أي لا نصيب لهم فيها ولا حظ لهم منها، ‏{‏ولا يكلمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة‏}‏ أي برحمة منه لهم، يعني لا يكلمهم اللّه كلام لطف بهم ولا ينظر إليهم بعين الرحمة، ‏{‏ولا يزكيهم‏}‏ أي من الذنوب والأدناس، بل يأمر بهم إلى النار، ‏{‏ولهم عذاب إليم‏}‏، وقد وردت


أحاديث تتعلق بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر‏.‏

الحديث الأول:عن أبي ذر قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم اللّه ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم‏)‏، قلت‏:‏ يا رسول اللّه من هم‏؟‏ خسروا وخابوا، قال‏:‏ وأعاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثلاث مرات قال‏:‏ ‏(‏المسبل، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان‏)‏
رواه أحمد ومسلم ‏,‏اصحاب السنن‏"‏
الحديث الثاني‏:‏ عن عدي بن عميرة الكِندي قال‏:‏ خاصم رجل من كِنْدة يُقال له امرؤ القيس بن عامر رجلاً من حضرموت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في أرض، فقضى على الحضرمي بالبّينة فلم يكن له بيّنة، فقضى على امرىء القيس باليمين، فقال الحضرمي‏:‏ أمكنته من اليمين يا رسول اللّه‏؟‏ ذهبت ورب الكعبة أرضي، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقي اللّه عزّ وجلّ وهو عليه غضبان‏)‏، وتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً‏}‏ فقال امرؤ القيس‏:‏ ماذا لمن تركها يا رسول اللّه ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏الجنة‏)‏ قال‏:‏ فاشهد أني قد تركتها له كلها ‏"‏رواه أحمد والنسائي‏"‏

الحديث الثالث‏:‏ عن عبد اللّه بن مسعود قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من اقتطع مال امرىء مسلم بغير حق لقي اللّه وهو عليه غضبان‏)‏، قال‏:‏ فجاء الأشعث بن قيس فقال‏:‏ ما يحدثكم أبو عبد الرحمن‏؟‏ فحدثناه فقال‏:‏ كان فيّ هذا الحديث، خاصمت ابن عم لي إلى رسول الله صلى اللّه عليه وسلم في بئر كانت لي في يده فجحدني، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏بينتك أنها بئرك وإلا فيمينه‏)‏، قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه ما لي بينة، وإن تجعلها بيمينه تذهب بئري، إن خصمي امرؤ فاجر، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من اقتطع مال امرىء مسلم بغير حق لقي اللّه وهو عليه غضبان‏)‏، قال‏:‏ وقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية‏:‏ ‏{‏إن الذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمناً قليلاً‏}‏ ‏"‏رواه أحمد‏"‏

الحديث الرابع: قال أحمد، عن سهل بن معاذ بن أنَس عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن للّه تعالى عباداً لا يكلمهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم قيل‏:‏ ومن أولئك يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏متبرىء من والديه راغب عنهما، ومتبرىء من ولده، ورجل أنعم عليه قوم فكفر نعمتهم تبرأ منهم‏)‏
الحديث الخامس‏:‏ عن عبد اللّه بن أبي أوفى، أن رجلاً أقام سلعة له في السوق فحلف باللّه لقد أعطي بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلاً من المسلمين، فنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏إن الذين يشترون بعهد اللّه وايمانهم ثمناً قليلاً‏} ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم ورواه البخاري من غير وجه عن العوَّام‏"‏الآية‏.‏

الحديث السادس ‏:‏ عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده، ورجل حلف على سلعة - بعد العصر - يعني كاذباً، ورجل بايع إماماً فإن أعطاه وفى له وإن لم يعطه لم يف له‏)"‏رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏"‏‏.‏







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 04:45 AM   رقم المشاركة : 12
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏78‏)‏
‏{‏ وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ‏}‏
يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن اللّه، أن منهم فريقاً يحرفون الكلم عن مواضعه، ويبدلون كلام اللّه ويزيلونه عن المراد به، ليوهموا الجهلة أنهم في كتاب اللّه كذلك، وينسبونه إلى اللّه وهو كذب على اللّه، وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولون على اللّه الكذب وهم يعلمون‏}‏، قال مجاهد والحسن‏:‏ ‏{‏يلوون ألسنتهم بالكتاب‏}‏ يحرفونه، وهكذا روى البخاري عن ابن عباس أنهم يحرفون ويزيلون، وليس أحد من خلق اللّه يزيل لفظ كتاب من كتب اللّه، لكنهم يحرفونه يتأولونه على غير تأويله‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏79 ‏:‏ 80‏)‏
‏{‏ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ‏.‏ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ‏}‏
عن ابن عباس قال، قال أبو رافع القرظي‏:‏ حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ودعاهم إلى الإسلام‏:‏ أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم‏؟‏ فقال رجل من أهل نجران نصراني يقال له الرئيس‏:‏ أو ذاك تريد منا يا محمد وإليه تدعونا‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏معاذ اللّه أن نعبد غير اللّه، أو أن نأمر بعبادة غير اللّه، ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني‏)‏، أو كما قال صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه في ذلك من قولهما‏:‏ ‏{‏ما كان لبشر أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنبوة - إلى قوله - بعد إذ أنتم مسلمون‏}‏"‏ذكره محمد بن إسحاق‏"‏أي ما ينبغي لبشر آتاه اللّه الكتاب والحكمة والنبوة، أن يقول للناس اعبدوني من دون اللّه، أي مع اللّه، فإذا كان هذا لا يصلح لنبي ولا لمرسل، فلا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى والأحرى لهذا قال الحسن البصري‏:‏ لا ينبغي هذا لمؤمن أن يأمر الناس بعبادته، قال‏:‏ وذلك أن القوم كان يعبد بعضهم بعضاً، يعني أهل الكتاب كانوا يعبدون أحبارهم ورهبانهم، كما قال اللّه تعالى‏:‏{‏‏اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه‏}الآية‏.‏ وفي المسند أن عدي بن حاتم قال‏:‏ يا رسول اللّه، ما عبدوهم، قال‏:‏ ‏(‏بلى، إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم‏)
‏، فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال، يدخلون في هذا الذم والتوبيخ، بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين‏.‏
فالرسل، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، هم السفراء بين اللّه وبين خلقه، في أداء ما حملوه من الرسالة، وإبلاغ الأمانة فقاموا بذلك أتم القيام ونصحوا الخلق، وبلغوهم الحق، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون‏}‏ أي ولكن يقول الرسول للناس‏:‏ كونوا ربانيين، قال ابن عباس‏:‏ أي حكماء علماء حلماء، وقال الحسن‏:‏ فقهاء، وعن الحسن أيضاً‏:‏ يعني أهل عبادة وأهل تقوى، وقال الضحاك في قوله‏:‏ ‏{‏بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون‏}‏ حق على من تعلم القرآن أن يكون فقيهاً، تَعْلمون‏:‏ أي تفهمون معناه، وقرىء تعلّمون بالتشديد من التعليم، ‏{‏وبما كنتم تدرسون‏}‏ تحفظون ألفاظه، ثم قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً‏}‏ أي ولا يأمركم بعبادة أحد غير اللّه، لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، ‏{‏ايامركُم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون‏}‏‏؟‏ أي لا يفعل ذلك إلا من دعا إلى عبادة غير اللّه، ومن دعا إلى عبادة غير اللّه فقد دعا إلى الكفر، والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فعبدون‏}‏، وقال‏:‏ واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون اللّه آلهة يعبدون‏}‏‏؟‏ وقال إخباراً عن الملائكة‏:‏
‏{‏ومن يقل منهم إني إله من دونه فذكل نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 05:03 AM   رقم المشاركة : 13
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏81 ‏:‏ 82‏)‏
‏{‏ وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ‏.‏ فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ‏}

يخبر تعلاى أنه أخذ ميثاق كل نبي بعثه من لدن آدم عليه السلام إلىعيسى عليه السلام، مهما آتى اللّه أحدهم من كتاب وحمكة وبلغ أي مبلغ، ثم جاء رسول من بعده ليؤمنن به ولينصرنه، ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباع من بعث بعده ونصرته، ولهذا قال تعالى وتقدس‏:‏ ‏{‏وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة‏}‏ أي لمهما أعطيتكم من كتاب وحكمة، ‏{‏ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري‏}‏، قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ يعني عهدي، وقال محمد بن إسحاق ‏{‏إصري‏}‏ أي ميثاقي الشديد المؤكد، ‏{‏قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين، فمن تولى بعد ذلك‏}‏ أي عن هذا العهد والميثاق ‏{‏فأولئك هم الفاسقون‏}‏، قال علي وابن عباس رضي اللّه عنهما‏:‏ ما بعث اللّه نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه، وقال الحسن البصري وقتادة‏:‏ أخذ اللّه ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً، وهذا لا يضاد ما قاله علي وابن عباس ولا ينفيه بل يستلزمه ويقتضيه، وقد قال الإمام أحمد‏:‏ جاء عمر إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه إني أمرت بأخ لي يهودي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك‏؟‏ قال‏:‏ فتغير وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال عبد اللّه بن ثابت قلت له‏:‏ ألا ترى ما بوجه رسول اللّه ‏!‏ فقال عمر‏:‏ رضيت باللّه رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، قال‏:‏ فسُرِّي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام، ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين‏)
‏"‏رواه الإمام أحمد‏"‏
حديث آخر‏:‏
وعن جابر، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، وإنكم إما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق، وإنه واللّه لو كان موسى حياُ بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني ‏)"‏رواه الحافظ أبو يعلى‏"‏وفي بعض الأحاديث‏:‏ ‏(‏لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي‏)‏فالرسول محمد خاتم الأنبياء صلوات اللّه وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين، هو الإمام الأعظم الذي لو وجد في أي عصر وجد، لكان هو الواجب الطاعة المقدم على الأنبياء كلهم، ولهذا كان إمامهم ليلة الإسراء لما اجتمعوا ببيت المقدس، وكذلك هو الشفيع في المحشر في إتيان الرب جلّ جلاله لفصل القضاء بين عباده، وهو المقام المحمود الذي لا يليق إلا له، والذي يحيد عنه أولو العزم من الانبياء والمرسلين حتى تنتهي النوبة إليه فيكون هو المخصوص به، صلوات اللّه وسلامه عليه‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏83 ‏:‏ 85‏)‏
‏{‏ أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون ‏.‏ قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ‏.‏ ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ‏}‏
يقول تعالى منكراً على من أراد ديناً سوى دين اللّه، الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله، وهو عبادة اللّه وحده لا شريك له، الذي له أسلم من في السموات والأرض، أي استسلم له من فيهما طوعاً وكرهاً، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً‏}‏ وقال تعالى‏:‏ {‏وللّه يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون * يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون‏}فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه للّه، والكافر مستسلم للّه كرهاً، فإنه تحت التسخير والقهر والسلطان العظيم الذي لا يخالف ولا يمانع، وقد قال وكيع في تفسيره عن مجاهد‏:‏ ‏{‏وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً‏}‏، قال‏:‏ هو كقوله‏:‏ ‏{‏ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولون اللّه‏}
‏، ‏{‏وإليه يرجعون‏} أي يوم المعاد فيجازي كلاً بعمله‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏
{‏قل آمنا باللّه وما أنزل علينا‏}يعني القرآن،{‏وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب‏}أي من الصحف والوحي، ‏{‏والأسباط‏}‏ وهم بطون بني إسرائيل المتشعبة من أولاد إسرائيل - وهو يعقوب - الإثني عشر، ‏{‏وما أوتي موسى وعيسى‏}‏ يعني بذلك التوراة والإنجيل،{‏والنبيون من ربهم‏}‏ وهذا يعم جميع الأنبياء جملة،{‏لا نفرق بين أحد منهم‏}يعني بل نؤمن بجميعهم، ‏{‏ونحن له مسلمون‏}
‏ فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبي أرسل وبكل كتاب أنزل، لا يكفرون بشيء من ذلك، بل هم يصدقون بما أنزل من عند اللّه، وبكل نبي بعثه اللّه ‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏
{‏ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه‏}‏ الآية‏.‏ أي من سلك طريقاً سوى ما شرعه اللّه فلن يقبل منه،{‏وهو في الآخرة من الخاسرين‏}‏، كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏86 ‏:‏ 89‏)‏
‏{‏ كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين ‏.‏ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ‏.‏ خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون
إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ‏}‏
قال ابن جرير عن ابن عباس قال‏:‏ كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل لي من توبة‏؟‏ فنزلت‏:‏ ‏{‏كيف يهدي اللّه قوماً كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - فإن اللّه غفور رحيم‏}‏، فأرسل إليه قومه فأسلم
‏"‏رواه النسائي والحاكم وابن ماجة‏"‏‏{‏وجاءهم البينات‏}‏ أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول، ووضح لهم الأمر ثم ارتدوا إلى ظلمة الشرك، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من العماية‏؟‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه لا يهدي القوم الظالمين‏}‏‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين‏}‏ أي يلعنهم اللّه ويلعنهم خلقه، ‏{‏خالدين فيها‏}‏ أي في اللعنة، ‏{‏لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون‏}‏ أي لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف عنهم ساعة واحدة، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن اللّه غفور رحيم‏}‏ وهذا من لطفه وبره ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه، أن من تاب إليه تاب عليه‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏90 ‏:‏ 91‏)‏
‏{‏ إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون ‏.‏ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين ‏}

يبين تعالى متوعداً ومهدداً لم كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفراً أي استمر عليه إلى الممات، ومخبراً بأنهم لن تقبل لهم توبة عند الممات، كما قال تعالى‏:‏ {‏وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت‏}‏الآية‏.‏ ولهذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون‏}‏ أي الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغي، قال الحافظ أبو بكر البزار عن عكرمة عن ابن عباس‏:‏ أن قوماً أسلموا ثمَّ ارتدوا، ثم أسلموا، ثم ارتدوا فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏وإن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم‏}‏ ‏"‏أخرجه البزار، قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد‏"‏ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فن تُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به‏}‏، أي من مات على الكفر فلن يقبل منه خير أبداً، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهباً فيما يراه قربة، كماسئل النبي صلى اللّه عليه وسلم عن عبد اللّه بن جدعان - وكان يقري الضيف ويفك العاني ويطعم الطعام - هل ينفعه ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏لا‏!‏ إنه لم يقل يوما من الدهر‏:‏ رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين‏) وكذلك لو افتدى بملء الأرض أيضاً ذهباً ما قبل منه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة‏}‏، وقال‏:{‏لا بيع فيه ولا خلال‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم‏}‏، ولو افتدى نفسه من اللّه بملء الأرض ذهباً، بوزن جبالها وتلالها وترابها ورمالها وسهلها ووعرها وبرها وبحرها‏.‏ عن أنَس بن مالك، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به‏؟‏ قال، فيقول‏:‏ نعم، فيقول اللّه‏:‏ قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك‏)
"‏رواه البخاري ومسلم‏"‏
طريق آخر‏:‏ وقال الإمام أحمد،
عن أنَس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له‏:‏ يا ابن آدم كيف وجدت منزلك‏؟‏ فيقول‏:‏ أي رب خير منزل، فيقول‏:‏ سل وتمن، فيقول‏:‏ ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرار، لما يرى من فضل الشهادة، ويؤتي بالرجل من أهل النار فيقول له‏:‏ يا ابن آدم كيف وجدت منزلك‏؟‏ فيقول‏:‏ يا رب شر منزل‏.‏ فيقول له‏:‏ أتفتدي مني بطلاع الأرض ذهباً‏؟‏ فيقول‏:‏ أي رب نعم، فيقول‏:‏ كذبت قد سألتك أقل من ذلك وايسر فلم تفعل فيرد إلى النار‏)‏
"‏رواه الإمام أحمد‏"‏ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين‏}‏ أي وما لهم من أحد ينقذهم من عذاب اللّه ولا يجيرهم من أليم عقابه‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏92‏)‏
‏{‏ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ‏}‏
روى وكيع في تفسيره عن عمرو بن ميمون ‏{‏لن تنالوا البر‏}‏ قال‏:‏ الجنة، وقال الإمام أحمد عن أنَس بن مالك‏:‏ كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بير حاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب‏.‏ قال أنَس‏:‏ فلما نزلت‏:‏ ‏{‏لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون‏}‏ قال أبو طلحة‏:‏ يا رسول اللّه إن اللّه يقول‏:‏ ‏{‏لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون‏}‏ وإن أحب أموالي إليّ بير حاء، وإنها صدقة للّه أرجو بها برها وذخرها عند اللّه تعالى، فضعها يا رسول اللّه حيث أراك اللّه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏بخ بخ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين‏)‏، فقال أبو طلحة‏:‏ أفعل يا رسول اللّه‏.‏ فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه"‏رواه البخاري ومسلم‏"
‏وفي الصحيحين أن عمر قال‏:‏ يا رسول اللّه لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر، فما تأمرني به‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أحبِسْ الأصل، وأسبِلْ الثمرة‏)‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏93 ‏:‏ 95‏)‏
‏{‏ كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ‏.‏ فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون ‏.‏ قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ‏}‏
قال ابن عباس‏:‏ حضرت عصابة من اليهود نبيَ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا‏:‏ حدثنا عن خلالٍ نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، قال‏:‏ ‏(‏سلوني عما شئتم ولكن اجعلوا لي ذمة اللّه وما أخذ يعقوب على بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئاً فعرفتموه لتتابعني على الإسلام‏)‏، قالوا‏:‏ فذلك لك، قالوا‏:‏ أخبرنا عن أربع خلال، أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه‏؟‏ وكيف ماء المرأة وماء الرجل‏؟‏ وكيف يكون الذكر منه والأنثى، وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة‏؟‏ فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنه‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً وطال سقمه فنذر للّه نذراً لئن شفاه اللّه من سقمه ليحرمنَّ أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل وأحب الشراب إليه ألبانها‏)‏‏؟‏ فقالوا‏:‏ اللهم نعم‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد عليهم‏)‏، قال‏:‏ ‏(‏أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهم علا كان له الولد والشبه بإذن اللّه، إن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكراً بإذن اللّه، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن اللّه‏(‏ قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد عليهم‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ اللهم نعم، قال‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد‏)‏ قال‏:‏ ‏(‏وإن وليي جبريل ولم يبعث اللّه نبياً قط إلا وهو وليه‏)‏، قالوا‏:‏ فعند ذلك نفارقك ولو كان وليك غيره لتابعناك، فعند ذلك قال اللّه تعالى‏:‏{‏قل من كان عدواً لجبريل‏}
‏ ‏"‏رواه الإمام أحمد‏"‏الآية‏.‏
وقال ابن جريج، عن ابن عباس ‏:‏ كان إسرائيل عليه السلام - وهو يعقوب - يعتريه عرق النسا بالليل، وكان يقلقه ويزعجه عن النوم ويقلع الوجع عنه بالنهار، فنذر للّه لئن عافاه اللّه لا يأكل عرَرْقاً، ولا يأكل ولد ما له عَرق، فاتبعه بنوه في تحريم ذلك استناناً به واقتداء بطريقته، وقوله‏:‏ ‏{‏من قبل أن تنزل التوراة‏}‏ أي حرم ذلك على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، ‏{‏قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين‏}‏ فإنها ناطقة بما قلناه، ‏{‏فمن افترى على اللّه الكذب من بعد ذلك فأولئك ثم الظالمون‏}‏ أي فمن كذب على اللّه وادعى أنه شرع لهم السبت والتمسك بالتوراة دائماً، وأنه لم يبعث نبياً آخر يدعوا إلى اللّه تعالى بالبراهين والحجج، بعد هذا الذي بيناه من وقوع النسخ وظهور ما ذكرنا ‏{‏فأولئك هم الظالمون‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل صدق اللّه‏}‏ أي قل يا محمد صدق اللّه فيما أخبر به وفيما شرعه في القرآن، ‏{‏فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين‏}‏ أي اتبعوا ملة إبراهيم التي شرعها اللّه في القرآن على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم فإنه الحق الذي لا شك فيه ولا مرية، وهي الطريقة التي لم يأت نبي بأكمل منها ولا أبين ولا أوضح ولا أتم، كما قال تعالى‏:
‏ ‏
{‏قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم* ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين‏} وقال تعالى‏:‏ ثم أوحينا إليك أن أتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 05:19 AM   رقم المشاركة : 14
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏96 ‏:‏ 97‏)‏
‏{‏ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين
‏.‏ فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ‏}‏
يخبر تعالى أن أول بيت وضع للناس أي لعموم الناس، لعبادتهم ونسكهم يطوفون به ويصلون إليه ويعتكفون عنده ‏{‏للذي ببكة‏}‏ يعني الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل عليه السلام، الذي يزعم كل من طائفتي النصارى واليهود أنهم على دينه، ومنهجه، ويحجون إلى البيت الذي بناه عن أم اللّه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏مباركاً‏}‏ أي وضع مباركاً ‏{‏وهدى للعالمين‏}‏ عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه أي مسجد وضع أول‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏المسجد الحرام‏)‏، قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏المسجد الأقصى‏)‏، قلت‏:‏ كم بينهم‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏أربعون سنة‏)‏، قلت‏:‏ ثم أي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فكلها مسجد
‏"‏رواه أحمد وأخرجه الشيخان بنحوه‏"‏‏)‏ وعن علي رضي عنه في قوله تعالى‏:‏
‏{‏إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً‏}‏ قال‏:‏ كانت البيوت قبله ولكنه أول بيت وضع لعبادة اللّه‏.‏ وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض، مطلقاً، والصحيح قول علي رضي اللّه عنه‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏للذي ببكة‏}‏ بكة من أسماء مكة على المشهور، قيل‏:‏ سميت بذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها، وقيل‏:‏ لأن الناس يتباكون فيها أي يزدحمون، قال قتادة‏:‏ إن اللّه بَكَّ به الناس جميعاً، فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها، وقال شعبة عن إبراهيم‏:‏ بكة البيت والمسجد، وقال عكرمة‏:‏ البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة، وقال مقاتل بن حيان‏:‏ بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة، وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة مكة وبكة، والبيت العتيق والبيت الحرام، والبلد الأمين وأم القرى - والقادس لأنها تطهر من الذنوب، والمقدسة والحاطمة والرأس والبلدة، والبنية والكعبة ‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فيه آيات بينات‏}‏ دلالات ظاهرة أنه من بناء إبراهيم، وأن اللّه عظمه وشرفه ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏مقام إبراهيم‏}‏ يعني الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل، وقد كان ملتصقاً بجدار البيت حتى أخَّره عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، في إمارته إلى ناحية الشرق بحيث يتمكن الطواف منه، ولا يشوشون على المصلين عنده بعد الطواف، لأن اللّه تعالى قد أمرنا بالصلاة عنده حيث قال‏:‏
{‏واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏} وقد قدمنا الأحاديث في ذلك فأغنى عن إعادته ههنا وللّه الحمد والمنة، وقال ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏فيه آيات بينات مقام إبراهيم‏}‏ أي فمنهن مقام إبراهيم والمشاعر، وقال مجاهد‏:‏ أثر قدميه في المقام آية بينة، وقال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة‏:‏
وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافياَ غير ناعل
وقال ابن أبي حاتم عن عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مقام إبراهيم‏}‏ قال‏:‏ الحرم كله مقام إبراهيم‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن دخله كان آمناً‏}‏ يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره‏:‏ كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج، وعن ابن عباس قال‏:‏ من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أخذ بذنبه، وقال اللّه تعالى‏:‏
{‏أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم‏} الآية، وقال تعالى‏:‏{‏فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف‏}
وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها وقلع حشيشها، كما ثبتت الأحاديث والآثار في ذلك‏.‏
ففي الصحيحين - واللفظ لمسلم - عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم فتح مكة‏:‏ ‏(‏لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا‏)‏، وقال يوم فتح مكة‏(‏إن هذا البلد حرمه اللّه يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا في ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة‏:‏ لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها‏)‏، فقال العباس‏:‏ يا رسول اللّه إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال‏:‏ ‏(‏إلا الإذخر‏)‏ وعن أبي شريح العدوي أنه قال‏:‏ لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة ائذن لي ايها الأمير أن أحدثك قولاً قام به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به‏:‏ إنه حمد اللّه وأثنى عليه ثم قال‏:‏ ‏(‏إن مكة حرمها اللّه ولم يحرمها الناس فلا يحل لامرىء يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول صلى اللّه عليه وسلم فيها، فقولوا له‏:‏ إن اللّه أذن لنبيه ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الغائب‏)‏، فقيل لأبي شريح‏:‏ ما قال لك عمرو‏؟‏ قال‏:‏ أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً ولا فاراً بدم ولا فاراً بخربة"‏رواه الشيخان واللفظ لمسلم، والخربة‏:‏ أصلها سرقة الإبل، وتطلق على كل خيانة وقيل هي الفساد في الدين‏.‏ من الخارب وهو اللص المفسد في الأرض‏"‏وعن جابر رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة‏)‏ ‏"‏رواه مسلم‏"‏وعن عبد اللّه بن الحمراء الزهري، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو واقف بالحرورة بسوق مكة يقول‏:‏ ‏(‏واللّه إنك لخير أرض اللّه وأحب أرض الله إلى اللّه، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت‏)
‏"‏رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة‏"‏وقال بعضهم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن دخله كان آمناً‏}‏ قال‏:‏ آمناً من النار‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا‏}‏ هذه أول آية وجوب الحج عند الجمهور، وقيل بل هي قوله‏:‏ ‏{‏وأتموا الحج والعمرة للّه‏}‏ والأول أظهر، وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعاً ضرورياً، وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع،
لحديث أبي هريرة قال‏:‏ خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا‏)‏، فقال رجل‏:‏ أكل عام يا رسول اللّه ‏؟‏ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم‏)‏، ثم قال‏:‏ ‏(‏ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه‏)‏ ‏"‏رواه أحمد ومسلم‏"‏وعن ابن عباس رضي اللّه عنه قال‏:‏ خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏ايها الناس إن اللّه كتب عليكم الحج‏)‏، فقام الأقرع بن حابس فقال‏:‏ يا رسول اللّه أفي كل عام‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولن تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع‏)‏
"‏رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏"‏

وأما الاستطاعة فأقسام‏:‏ تارة يكون الشخص مستطيعاً بنفسه، وتارة بغيره كما هو مقرر في كتب الأحكام عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قام رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ من الحاج يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الشعث التفل‏)‏ الشعث‏:‏ مغبر الشعر متلبده‏.‏ التَّفِل ‏:‏ منتن الرائحة فقال آخر فقال‏:‏ أي الحج أفضل يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏العج والثج‏)‏ العج رفع الصوت بالتلبية، والثج‏:‏ إراقة دم الهدْي فقام آخر فقال‏:‏ ما السبيل يا رسول اللّه، قال‏:‏ ‏(‏الزاد والراحلة‏) ‏"‏رواه الترمذي وابن ماجة‏"‏وعن أنَس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن قول اللّه عز وجلّ‏:‏ ‏{‏من استطاع إليه سبيلاً‏}‏ فقيل‏:‏ ما السبيل‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الزاد والراحلة‏)‏ ‏"‏رواه الحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‏"‏وعن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏‏(‏تعجلوا إلى الحج - يعني الفريضة - فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له‏)‏ ‏"‏رواه الإمام أحمد‏"‏وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من أراد الحج فليتعجل‏)‏‏"‏رواه أحمد وأبو داود‏"‏وروى وكيع بن الجراح عن ابن عباس قال‏:‏ ‏{‏من استطاع إليه سبيلا‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏الزاد والبعير‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن كفر فإن اللّه غني عن العالمين‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ أي ومن جحد فريضة الحج فقد كفر واللّه غني عنه، وقال سعيد بن منصور عن عكرمة‏:‏ لما نزلت‏:‏ ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه‏}‏ قالت اليهود‏:‏ فنحن مسلمون، قال اللّه عزّ وجلّ فأخصمهم فحجهم يعني، فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن اللّه فرض على المسليمن حج البيت من استطاع إليه سبيلا‏)‏، فقالوا‏:‏ لم يكتب علينا، وأبو أن يحجوا، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ومن كفر فإن اللّه غني عن العالمين‏}‏ عن علي رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من ملك زاداً وراحلة ولم يحج بيت اللّه فلا يضره مات يهودياً أو نصرانياً، وذلك بأن اللّه قال‏:‏ ‏{‏وللّه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا* ومن كفر فإن اللّه غني عن العالمين‏}‏‏)‏ ‏"‏رواه ابن مردويه وابن جرير‏"‏وروى الحسن البصري قال، قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ ‏"‏لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا إلى كل من كان عنده جَدَة أي سعة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 05:31 AM   رقم المشاركة : 15
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏98 ‏:‏ 99‏)‏
‏{‏ قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون
‏.‏ قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون ‏}‏
هذا تعنيف من اللّه تعالى للكفرة أهل الكتاب على عنادهم للحق، وكفرهم بآيات اللّه وصدهم عن سبيل اللّه مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من اللّه، وقد توعدهم اللّه على ذلك، وأخبر بأنه شهيد على صنيعهم بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء، ومعاملتهم الرسول المبشر بالتكذيب والجحود والعناد، فأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون، أي وسيجزيهم على ذلك‏:‏ ‏{‏يوم لا ينفع مال ولا بنون‏}
‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏100 ‏:‏ 101‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ‏.‏ وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ‏}‏
يحذر تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب، الذي يحسدون المؤمنين على ما آتاهم اللّه من فضله، وما منحهم من إرسال رسوله، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم حسداً من من عند أنفسهم‏} الآية، وهكذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين‏}‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات اللّه وفيكم رسوله‏}‏ يعيني أن الكفر بعيد منكم - وحاشاكم منه - فإن آيات اللّه تنزل على رسوله ليلاً ونهاراً، وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم‏.‏ وهذا كقوله تعالى‏:{‏وما لكم لا تؤمنون باللّه والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين‏}‏وكما جاء في الحديث أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأصحابه يوماً ‏(‏ أي المؤمنين أعجب إليكم إيماناً‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ الملائكة، قال‏:‏ ‏(‏وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم‏)‏، قالوا‏:‏ فنحن، قال‏:‏ ‏(‏وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم‏)‏، قالوا‏:‏ فأي الناس أعجب إيماناً‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها‏)
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يعتصم باللّه فقد هدي إلى صراط مستقيم‏}‏، أي ومع هذا فالاعتصام باللّه والتوكل عليه هو العمدة في الهداية، والعدة في مباعددة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد وحصول المراد‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏102 ‏:‏ 103‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون
‏.‏ واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ‏}‏
عن عبد اللّه بن مسعود‏:‏ ‏{‏اتقو اللّه حق تقاته‏}‏ قال‏:‏ أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وروي مرفوعاً عن عبد اللّه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏اتقو اللّه حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى‏)‏ ‏"‏رواه الحاكم في المستدرك وقال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين، قال ابن كثير‏:‏ والأظهر أنه موقوف‏"‏وروي عن أنس أنه قال‏:‏ لا يتقي اللّه العبدُ حق تقاته حتى يخزن لسانه، وقد ذهب سعيد بن جبير وابو العالية إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى‏:‏ {‏فاتقو اللّه ما استطعتم‏}
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اتقو اللّه حق تقاته‏}‏ قال‏:‏ لم تنسخ ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في سبيله حق جهاده، ولا تأخذهم في اللّه لومة لائم، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون‏}‏، أي حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم، لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه، أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فعياذاً باللّه من خلاف ذلك‏.‏
روى الإمام أحمد
عن مجاهد‏:‏ أن الناس كانوا يطوفون بالبيت وابن عباس جالس معه محجن عصا منعطفة الرأس فقال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن ليس له طعام إلا الزقوم‏(‏‏!‏‏؟ ‏"‏رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة‏"‏
وقال الإمام أحمد،
عن عبد اللّه بن عمرو قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن باللّه واليوم الآخر ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه‏) وفي الحديث الصحيح عن جابر قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باللّه عزّ وجلّ‏)‏ وعن أنَس قال‏:‏ كان رجل من الأنصار مريضاً فجاءه النبي صلى اللّه عليه وسلم يعوده فوافقه في السوق فسلم عليه، فقال له‏:‏ ‏(‏كيف أنت يا فلان‏)‏‏؟‏ قال بخير يا رسول اللّه أرجو اللّه وأخاف ذنوبي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه اللّه ما يرجو وآمنه مما يخاف‏)‏"‏رواه الحافظ البزار والترمذي والنسائي‏"‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعتصوموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا‏}‏ قيل‏:‏ ‏{‏بحبل اللّه‏}‏ أي بعهد اللّه كما قال في الآية بعدها‏:‏ ‏
{‏ضربت عليه الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من اللّه وحبل من الناس‏}‏ أي بعهد وذمة، وقيل‏:‏ ‏{‏بحبل اللّه‏}‏ يعني القرآن كما في حديث الحارث الأوعور عن علي مرفوعاً في صفة القرآن‏:‏ ‏(‏هو حبل اللّه المتين وصراطه المستقيم‏)‏
وروى ابن مردويه عن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن هذا القرآن هو حبل اللّه المتين، وهو النور المبين، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تفرقوا‏}‏ أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق، والأمر بالإجتماع والإئتلاف، كما في صحيح مسلم
عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً‏:‏ يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولَّاه اللّه أمركم، ويسخط لكم ثلاثاً‏:‏ قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال‏)‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واذكروا نعمة اللّه عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً‏}‏ إلى آخر الآية، وهذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه قد كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، وعداوة شديدة وضغائن وإحن، طال بسببها قتالهم والوقائع بينهم، فلما جاء اللّه بالإسلام فدخل فيه من دخل منهم صاروا إخواناً متحابين بجلال اللّه، متواصلين في ذات اللّه؛ متعاونين على البر والتقوى‏.‏ قال اللّه تعالى‏:
{‏هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين والف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الارض جميعاً ما ألفت بين قولبهم ولكن اللّه ألف بينهم‏} إلى آخر الآية‏.‏ وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم اللّه منها أن هداهم للإيمان‏.‏ وقد امتن عليهم بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم قسم غنائم حنين، فعتب من عتب منهم، بما فضَّل عليهم في القسمة بما أراده اللّه، فخطيهم فقال‏: ‏(‏يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم اللّه بي ‏!‏‏!‏ وكنتم متفرقين فألفكم اللّه بي ‏!‏‏!‏ وعالة فأغناكم اللّه بي ‏!‏‏؟‏‏)
فكلما قال شيئاً قالوا‏:‏ اللّه ورسوله أمنُّ‏.‏
وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره‏:‏ أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج ، وذلك أن رجلاً من اليهود، مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الإتفاق والألفة، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم، ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا ونادوا بشعارهم، وطلبو أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول‏:‏ ‏(‏أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهرركم‏؟‏‏)‏ وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا، والقوا السلاح رضي اللّه عنهم‏
.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏104 ‏:‏ 109‏)‏
‏{‏ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ‏.‏ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ‏.‏ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ‏.‏ وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة اللهم فيها خالدون ‏.‏ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ‏.‏ ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ولتكن منكم أمة منتصبة للقيام بأمر اللّه في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏{‏وأولئك هم المفلحون‏}‏ قال الضحاك‏:‏ هم خاصة الصحابة، وخاصة الرواة يعني المجاهدين والعلماء، وقال أبو جعفر الباقر، قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏الخير اتباع القرآن وسنتي‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن مردويه‏"‏والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الامة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه، كما
ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏)‏، وفي رواية‏:‏ ‏(‏وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل‏)‏
وروى الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏:‏ والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن اللّه أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم‏)
"‏أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة‏"‏‏{‏ولا تكونوا كالذين تفروقا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات‏}‏ الآية‏.‏ ينهى تبارك وتعالى هذه الأمة أن يكونوا كالأمم الماضين، في افتراقهم واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع قيام الحجة عليهم‏.‏
روى الإمام أحمد
عن أبي عامر عبد اللّه بن يحيى قال‏:‏ حججنا مع معاوية بن أبي سفيان ، فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال‏:‏ إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة - وهي الجماعة - وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله‏(‏ واللّه يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى اللّه عليه وسلم لَغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به‏)
‏"‏رواه أحمد وأبو داود‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يوم تبيض وجوه وتسود وجوه‏}‏ يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسوّد وجوه أهل البدعة والفرقة، قاله ابن عباس رضي اللّه عنهما‏.‏ ‏{‏فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم‏}‏‏؟‏ قال الحسن البصري‏:‏ وهم المنافقون، ‏{‏فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‏}‏، وهذا الوصف يعم كل كافر، ‏{‏وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون‏}‏ يعني الجنة ماكثون فيها أبداً لا يبغون عنها حولا‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏تلك آيات اللّه نتلوها عليك‏}‏ أي هذه آيات اللّه وحججه وبيِّناته نتلوها عليك يا محمد ‏{‏بالحق‏}‏ أي نكشف ما الأمر عليه في الديا والآخرة، ‏{‏وما اللّه يريد ظلماً للعالمين‏}‏ أي ليس بظالم لهم، بل هو الحكم العدل الذي لا يجور، لأنه القادر على كل شيء، العالم بكل شيء، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحداً من خلقه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه ما في السموات وما في الأرض‏}‏ أي الجميع ملك له وعبيد له، ‏{‏وإلى اللّه ترجع الأمور‏}‏ أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والآخرة‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 05:52 PM   رقم المشاركة : 16
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏110 ‏:‏112‏)‏
‏{‏ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ‏.‏ لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ‏.‏ ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ‏}‏
يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم، قال البخاري‏:‏ عن أبي هريرة رضي اللّه عنه‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏، قال‏:‏ خير الناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، والمعنى‏:‏ أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏تأمرون بالمعروف وتنهون عن النكر وتؤمنون باللّه‏}‏، قال الإمام أحمد‏:‏ قام رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو على المنبر فقال‏:‏ يا رسول اللّه أي الناس خير‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏خير الناس أقرأهم وأتقاهم للّه وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم‏)
وعن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏ قال‏:‏ هم الذين هاجروا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من مكة إلى المدينة‏.‏ والصحيح أنه هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، كما قال في الآية الآخرى‏:‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا‏}‏ أي خيارا ‏{‏لتكونوا شهداء على الناس‏}‏ الآية‏.‏
وفي مسند أحمد وجامع الترمذي من رواية حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه قال،
قالرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللّه عزّ وجلّ‏)‏ وهو حديث مشهور، وقد حسَّنه الترمذي، وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات، بنبيِّها محمد صلوات اللّه وسلامه عليه، فإنه أشرف خلق اللّه وأكرم الرسل على اللّه، وبعثه اللّه بشرع كامل عظيم، لم يعطه نبي قبله ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏وجعلت أمتي خير الأمم‏)
‏ ‏"‏رواه الإمام أحمد عن علي بن أبي طالب‏"‏
وقد وردت أحاديث يناسب ذكرها ههنا‏:‏
عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أعطيت سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً‏)‏، فقال أبو بكر رضي اللّه عنه‏:‏ فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى ومصيب من حافات البوادي
‏"‏رواه الإمام أحمد‏"‏
حديث آخر‏:‏
قال الإمام أحمد، عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال، قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏عرضت عليّ الأمم بالموسم فراثت فراثت‏:‏ تأخرتعليّ أمتي، ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، قد ملؤوا السهل والجبل، فقال‏:‏ أرضيت يا محمد‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم‏!‏ قال‏:‏ فإن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون‏)‏، فقام عكاشة بن محصن فقال‏:‏ يا رسول اللّه ادع اللّه أن يجعلني منهم، فقال‏:‏ ‏(‏أنت منهم‏)‏، فقام رجل آخر فقال‏:‏ أدع اللّه أن يجعلني منهم، فقال‏:‏ ‏(‏سبقك بها عكاشة‏)‏
حديث آخر‏:‏
قال الطبراني، عن عمران بن حصين قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب ولا عقاب‏)‏، قيل‏:‏ من هم‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون‏)‏
حديث آخر ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة حدثه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏يدخل الجنة من أمتي زمرة وهم سبعون ألفاً تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر‏)‏، قال أبو هريرة‏:‏ فقام عكاشة بن حصين الاسدي يرفع نمرة ثوب من صوف عليه، فقال‏:‏ يا رسول اللّه ‏:‏ ادع اللّه أن يجعلني منهم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏اللهم اجعله منهم‏)‏، ثم قام رجل من الأنصار فقال مثله، فقال‏:‏ ‏(‏سبقك بها عكاشة‏)

حديث آخر‏:‏
عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذا رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي؛ فقيل لي هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي‏:‏ انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم، فقيل لي‏:‏ هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب‏)‏، ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم‏:‏ فلعلهم الذين صحبوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وقال بعضهم‏:‏ فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله شيئاً وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ ‏(‏ما الذي تخوضون فيه‏؟‏‏)‏ فأخبروه، فقال‏:‏ ‏(‏هم الذي لا يرقون ولا يستقرون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون‏)‏، فقام عكاشة بن محصن فقال‏:‏ ادع اللّه أن يجعلني منهم، قال‏:‏ ‏(‏أنت منهم‏)‏، ثم قام رجل آخر فقال‏:‏ ادع اللّه أن يجعلني منهم، قال‏:‏ ‏(‏سبقك بها عكاشة‏)‏
"‏رواه مسلم‏"‏
حديث آخر‏:‏ قال الحافظ أبو بكر بن عاصم في كتاب السنن،
عن محمد بن زياد‏:‏ سمعت أبا أمامة الباهلي يقول‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً، مع كل ألف سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، وثلاث حثيات من حثيات حَثَيات‏:‏ مفردها حَثْي وهو ما غرف باليد ربي عزّ وجلّ‏)‏
حديث آخر‏:‏ قال أبو القاسم الطبراني‏:‏ عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن ربي عزّ وجلّ وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفاً، ثم يحثي ربي عزّ وجلّ بكفيه ثلاث حثيات‏)‏ فكبر عمر وقال‏:‏ إن السبعين الأول يشفعهم اللّه في آبائهم وأبنائهم وعشيرتهم، وأرجو أن يجعلني اللّه في إحدى الحثيات الأواخر‏
.‏ قال الحافظ المقدسي في كتابه صفة الجنة‏:‏ لا أعلم لهذا الإسناد علة، واللّه أعلم‏.
حديث آخر‏:‏
قال الإمام أحمد‏:‏ عن عطاء بن يسار أن رفاعة الجهني حدثه قال‏:‏ أقبلنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد - أو قال بقديد - فذكر حديثاً وفيه ثم قال‏:‏ ‏(‏وعدني ربي عزّ وجلّ أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، وإني لأرجوا أن لا يدخلوها حتى تبوؤا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة‏)
‏ قال الضياء‏:‏ وهذا عندي على شرط مسلم‏.‏
حديث آخر‏:‏
قال عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن قتادة عن النضر بن أنَس قال، قال رسول اللّه‏:‏ ‏(‏إن اللّه وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف‏)‏، قال أبو بكر رضي اللّه عنه‏.‏ زدنا يا رسول اللّه، قال‏:‏ ‏(‏واللّه هكذا‏)‏، قال عمر‏:‏ حسبك يا أبا بكر، فقال أبو بكر‏:‏ دعني وما عليك أن يدخلنا اللّه الجنة كلنا‏.‏ قال عمر‏:‏ إن اللّه إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحد، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏صدق عمر‏)‏ هذا الحديث بهذا الإسناد تفرد به عبد الرزاق‏.‏ قال الضياء‏:‏ وقد رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني عن قتادة عن أنَس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏وعدني ربي ان يدخل الجنة من أمتي مائة ألف‏)‏، فقال له أبو بكر‏:‏ يا رسول اللّه زدنا، قال‏:‏ ‏(‏وهكذا‏)‏، وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك، قلت‏:‏ يا رسول اللّه زدنا، فقال عمر‏:‏ إن اللّه قادر على ان يدخل الناس الجنة بحفنة واحدة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏صدق عمر‏)
هذا حديث غريب من هذا الوجه‏.‏
حديث آخر‏:‏
عن أنَس، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً‏)‏، قالوا‏:‏ زدنا يا رسول اللّه، قال‏:‏ ‏(‏لكل رجل سبعون ألفاً‏)‏، قالوا‏:‏ زدنا وكان على كثيب، فقالوا‏:‏ فقال‏:‏ ‏(‏هكذا‏)‏ وحثا بيديه، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ أّبْعد اللّهُ من دخل النار بعد هذا‏)
‏"‏رواه الحافظ أبو يعلى، قال ابن كثير‏:‏ وإسناده جيد‏.‏‏"‏
ومن الأحاديث

الأحاديث الدالة على فضيلة هذه الأمة
وشرفها وكرامتها على اللّه عزّ وجلّ، وأنها خير الأمم في الدنيا والآخرة ما
ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن مسعود قال، قال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة‏)‏ فكبرنا، ثم قال‏:‏ ‏(‏أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة‏)‏ فكبرنا، ثم قال‏:‏ ‏(‏إني لأرجوا أن تكونوا شطر أهل الجنة‏)‏
حديث آخر‏:‏
قال الإمام أحمد بسنده عن ابن بريدة عن أبيه، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(أهل الجنة عشرون ومائة صف، هذه الأمة من ذلك ثمانون صفاً‏)‏
حديث آخر قال الطبراني عن أبي هريرة‏:‏ لما نزلت‏:
{‏ثلة من الأولين وثلة من الآخرين‏}قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة، أنتم نصف أهل الجنة، أنتم ثلثا أهل الجنة‏)‏
حديث آخر ‏:‏ عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏)‏نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، نحن أول الناس دخولاً الجنة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهدانا اللّه لما اختلفوا فيه من الحق، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، الناس لنا في تبع، غداً لليهود، وللنصارى بعد غد‏)
‏"‏رواه الحافظ أبو يعلى، قال ابن كثير‏:‏ وإسناده جيد‏"‏
فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه‏}‏، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح، كما قال قتادة‏:‏ بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في حجة حجها رأى من الناس دَعَة، فقرأ هذه الآية‏:‏ ‏{‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏}‏، ثم قال‏:‏ من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط اللّه فيها، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم اللّه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه‏}‏ الآية، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو آمن أهل الكتاب‏}‏ أي بما أنزل على محمد، ‏{‏لكان خيراً لهم، منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون‏}‏ أي قليل منهم من يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم، وأكثرهم على الضلالة والكفر والفسوق والعصيان‏.‏
ثم قال تعالى مخبراً عباده المؤمنين، ومبشراً لهم‏:‏ أن النصر والظفر لهم على أهل الكتاب الكفرة الملحدين فقال تعالى‏:‏ ‏{‏لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون‏}‏، هكذا وقع فإنهم يوم خيبر أذلهم اللّه وأرغم أنوفهم، وكذلك من قبلهم من يهود المدينة بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة كلهم أذلهم اللّه، وكذلك النصارى بالشام كسرهم الصحابة في غير ما موطن، وسلبوهم ملك الشام أبد الآبدين ودهر الداهرين، ولا تزال عصابة الإسلام قائمة بالشام حتى ينزل عيسى بن مريم وهم كذلك، ويحكم بملة الإسلام وشرع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من اللّه وحبل من الناس‏}‏، أي ألزمهم اللّه الذلة والصغار أينما كانوا فلا يؤمنون ‏{‏إلا بحبل من اللّه‏}‏ أي بذمة من اللّه وهو عقد الذمة لهم، وضربت الجزية عليهم وإلزامهم أحكام الملة، ‏{‏وحبل من الناس‏}‏ أي أمان منهم لهم كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمنه واحد من المسلمين ولو امرأة، قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏إلا بحبل من اللّه وحبل من الناس‏}‏ أي بعهد من اللّه وعهد من الناس، وقوله‏:‏ ‏{‏وباءوا بغضب من اللّه‏}‏ أي ألزموا، فالتزموا بغضب من اللّه وهم يستحقونه، ‏{‏وضربت عليهم المسكنة‏}‏ أي ألزموها قدراً وشرعاً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ويقتلون الأنبياء بغير حق‏}‏ أي إنما حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد، فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبداً متصلاً بذل الآخرة‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون‏}‏ أي إنما حملهم على الكفر بآيات اللّه وقتل رسول اللّه - وقُيِّضوا لذلك - أنهم كانوا يكثرون العصيان لأوامر اللّه والغشيان لمعاصي اللّه والاعتداء في شرع اللّه، فعياذاً بالله من ذلك، واللّه عزّ وجلّ المستعان‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 06:03 PM   رقم المشاركة : 17
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏113 ‏:‏ 117‏)‏
‏{‏ ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ‏.‏ يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ‏.‏ وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ‏.‏ إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ‏.‏ مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ‏}‏
المشهور عند كثير من المفسرين أن هذه الآيات نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام، و أسد بن عبيد و ثعلبة بن شعبة وغيرهم، أي لا يستوي من تقدم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب، وهؤلاء الذين أسلموا، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ليسوا سواء‏}‏ أي ليسوا كلهم على حد سواء، بل منهم المؤمن ومنهم المجرم، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن أهل الكتاب أمة قائمة‏}‏ أي قائمة بأمر اللّه مطيعة لشرعه، متبعة نبي اللّه فهي قائمة يعني مستقيمة، ‏{‏يتلون آيات اللّه آناء الليل وهم يسجدون‏}‏ أي يقيمون الليل، ويكثرون التهجد، ويتلون القرآن في صلواتهم، ‏{‏يؤمنون بالله واليوم الآخر يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين‏}‏، وهؤلاء هم المذكورون في آخر السورة ‏{‏وإنَّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه‏}‏ الآية، ولهذا قال تعالى ههنا‏:‏ ‏{‏وما يفعلا من خير فلن يُكْفروه‏}‏ أي لا يضيع عند اللّه بل يجزيهم به أوفر الجزاء، ‏{‏واللّه عليم بالمتقين‏}‏ أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملاً‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ مخبراً عن الكفرة المشركين بأنه ‏{‏لن يغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئاً‏}‏ أي لا ترد عنهم بأس اللّه ولا عذابه إذا أراده بهم، ‏{‏وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏}‏ ثم ضرب مثلاً لا ينفقه الكفار في هذه الدار فقال‏:‏ ‏{‏مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيه صر‏}‏ أي برد شديد قاله ابن عباس، وقال عطاء‏:‏ برد وجليد، ‏{‏فيها صر‏}‏ أي نار وهو يرجع إلى الأول، فإن البرد الشديد ولا سيما الجليد يحرق الزروع والثمار كما يحرق الشيء بالنار، ‏{‏أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته‏}‏ أي فأحرقته يعني بذلك الصعقة إذا نزلت على حرث قد آن جذاذه أو حصاده فدمرته، وأعدمت ما فيه من ثمر أو زرع، فذهبت به وأفسدته فعدمه صاحبه أحوج ما كان إليه، فكذلك الكفار يمحق اللّه ثواب أعمالهم في هذه الدنيا كما يذهب ثمرة هذا الحرث بذنوب صاحبه، وكذلك هؤلاء بنوها على غير أصل وعلى غير أساس ‏
{‏وما ظلمهم اللّه ولكن أنفسهم يظلمون‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏118 ‏:‏ 120‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ‏.‏ ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ‏.‏ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ‏}‏
يقول تبارك وتعالى ناهياً عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالاً، أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة؛ ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تتخذوا بطانة من دونكم‏}‏ أي من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخل أمره، وقد روى البخاري والنسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما بعث اللّه من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان‏:‏ بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره
بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه اللّه ‏)
وقال ابن أبي حاتم‏:‏ قيل لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه‏:‏ إن ههنا غلاماً من أهل الحيرة حافظ كاتب، فلو اتخذته كاتباً‏!‏ فقال‏:‏ قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين‏.‏ ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين، واطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم‏}‏ أي تمنوا وقوعكم في المشقة‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر‏}‏ أي قد لاح عل صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ها أنتم أولاء تحبوهم ولا يحبونكم‏}‏ أي أنتم أيها المؤمنون تحبون المنافقين بما يظهرون لكم من الإيمان فتحبونهم على ذلك، وهم لا يحبونكم لا باطناً ولا ظاهراً، ‏{‏وتؤمنون بالكتاب كله‏}‏ أي ليس عندكم من شيء منه شك ولا ريب، وهم عندهم الشك والريب والحيرة، عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏وتؤمنون بالكتاب كله‏}‏ أي بكتابكم وكتابهم وبما مضى من الكتب قبل ذلك، وهم يكفرون بكتابكم فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم، ‏{‏وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ‏}‏ والأنامل أطراف الأصابع قاله قتادة‏.‏
وقال الشاعر‏:‏
(‏وما حملت كفاي أنملي العشرا‏)‏
وقال ابن مسعود والسدي‏:‏ الأنامل الأصابع، وهذا شأن المنافقين يظهرون للمؤمنين الإيمان والمودة، وهم في الباطن بخلاف ذلك من كل وجه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ‏}‏ وذلك أشد الغيظ والحنق، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قل موتوا بغيظكم إن اللّه عليم بذات الصدور‏}‏ أي مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم، فاعلموا أن اللّه متم نعمته على عباده المؤمنين ومكمل دينه، ومعلي كلمته ومظهر دينه، فموتوا أنتم بغيظكم، ‏{‏إن اللّه عليم بذات الصدور‏}‏ أي هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغل للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تأملون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها، لا محيد لكم عنها، ولا خروج لكم منها‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها‏}‏ وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين، وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد وكثروا وعز أنصارهم ساء ذلك المافقين، وإن أصاب المسلمين سنة أي جدب أو أديل عليهم الأعداء - لما للّه تعالى في ذلك من الحكمة كما جرى يوم اُحُد - فرح المنافقون بذلك‏.‏ قال اللّه تعالى مخاطباً للمؤمنين‏:‏ ‏{‏وإن تصبروا وتتَّقوا لا يضركم كيدهم شيئاً‏}‏ الآية، يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار، باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على اللّه، الذي هو محيط بأعدائهم فلا حول ولا قوة لهم إلا به، وهو الذي ما شاء كان، وما لم يشا لم يكن، ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ومن توكل عليه كفاه‏.‏
ثم شرع تعالى في ذكر قصة أُحُد وما كان فيها من الاختبار لعباده المؤمنين والتمييز بين المؤمنين والنافقين، وبيان الصابرين فقال تعالى‏:‏


اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏121 ‏:‏ 123‏)‏
‏{‏ وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ‏.‏ إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون ‏.‏ ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ‏}‏
المراد بهذه الوقعة يوم أُحُد عند الجمهور، وعن الحسن البصري‏:‏ المراد بذلك يوم الأحزاب‏.‏ وكانت وقعة أُحُد يوم السبت من شوّال سنة ثلاث من الهجرة، قال قتادة‏:‏ لإحدى عشرة ليلة خلت من شوّال، وقال عكرمة‏:‏ يوم السبت للنصف من شوّال فاللّه أعلم، و
كان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر، وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان قال أبناء من قتل ورؤساء من بقي لأبي سفيان‏:‏ ارصد هذه الأموال لقتال محمد فأنفقوها في ذلك، فجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في نحو ثلاثة آلاف حتى نزلوا قريباً من أُحُد تلقاء المدينة، فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الجمعة فلما فرغ منها استشار الناس‏:‏ ‏(‏أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة‏)‏‏؟‏ فأشار عبد اللّه بن أُبي بالمقام بالمدينة، فإن أقاموا بشر محبس، وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم، ورماهم النساء والصبينان بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين، وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدراً بالخروح إليهم‏.‏ فدخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلب لامته وخرج عليهم، وقد ندم بعضهم، وقالوا‏:‏ لعلنا استكرهنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه إن شئت أن نمكث، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يرجع حتى يحكم اللّه له‏)‏، فسار صلى اللّه عليه وسلم في ألف من أصحابه، فلما كانوا بالشوط رجع عبد اللّه بن أُبي بثلث الجيش مغضباً لكونه لم يرجع إلى قوله، وقال هو وأصحابه‏:‏ لو نعلم اليوم قتالاً لاتبعناكم ولكنا لا نراكم تقاتلون، واستمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سائراً حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي وجعل ظهره وعسكره إلىأحد، وقال‏:‏ ‏(‏لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال‏)‏
وتهيأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه، وأمَّر على الرماة عبد اللّه بن جبير أخا بني عمرو ابن عوف، والرماة يومئذ خمسون رجلاً فقال لهم‏:‏ ‏(‏انضحوا الخيل عنا ولا نؤتين من قبلكم، والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا، وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم‏)‏، وظاهر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بين درعين، وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار، وأجاز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعض الغلمان يومئذ وأخر آخرين حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين وتهيأ قريش وهم ثلاثة آلاف ومعهم مائة فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ودفعوا اللواء إلى بني عبد الدار
، ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في موضعه إن شاء اللّه تعالى‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال‏}‏ أي تنزلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم ‏{‏واللّه سميع عليم‏}‏ أي سميع لما تقولون عليم بضمائركم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا‏}‏ الآية قال البخاري، قال عمر‏:‏ سمعت جابر بن عبد اللّه يقول‏:‏ فينا نزلت‏:‏ ‏{‏إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا‏}‏ الآية قال‏:‏ نحن الطائفتان بنو حارثة و بنو سلمة ، وما يسرني أنها لم تنزل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واللّه وليهما‏}‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد نصركم اللّه ببدر‏}‏ أي يوم بدر، وكان يوم الجمعة وافق السابع عشر من شهر رمضان من سنة اثنتين من الهجرة، وهو يوم الفرقان الذي أعز اللّه فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشرك وخرب محله وحزبه، هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً، فيهم فارسان وسبعون بعيراً والباقون مشاة ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدوّ يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض والعدة الكاملة، والخيول المسوَّمة والحلي الزائد‏.‏ فأعز اللّه رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيّض وجه النبي وقبيله وأخزى الشيطان وجيله، ولهذا قال تعالى ممتناً على عباده المؤمنين وحزبه المتقين، ‏{‏ولقد نصركم اللّه ببدر وأنم أذلة‏}‏ أي قليل عددكم لتعلموا أن النصر إنما هو من عند اللّه لا بكثرة العَدَد والعُدَد، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً‏}‏ وقال الإمام أحمد، عن سماك قال‏:‏ سمعت عياضاً الأشعري قال‏:‏ شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء‏.‏ وقال عمر‏:‏ إذا كان قتالاً فعليكم أبو عبيدة، قال‏:‏ فكتبنا إليه أنه قد جأش إلينا الموت واستمددناه، فكتب إلينا إنه قد جائني كتابكم تستمدونني وإني أدلكم على من هو أعز نصراً، وأحصن جنداً، اللّه عزّ وجلّ فاستنصروه، فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد نصر في يوم بدر في أقل من عدتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا فقاتلوهم ولا تراجعوني‏.‏ قال‏:‏ فقاتلناهم فهزمناهم أربع فراسخ، قال‏:‏ وأصبنا أموالا فتشاورنا‏.‏ فأشار علينا عياض أن نعطي عن كل ذي رأس عشرة‏.‏ و بدر محلة بين مكة والمدينة تعرف ببئرها منسوبة إلى رجل حفرها يقال له بدر بن النارين قال الشعبي‏:‏ بدر بئر لرجل يسمى بدراً، وقوله‏:‏ ‏{‏فاتقوا اللّه لعلكم تشكرون‏}‏ أي تقومون بطاعته‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 06:29 PM   رقم المشاركة : 18
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏124 ‏:‏129‏)‏
‏{‏ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ‏.‏ بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ‏.‏ وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ‏.‏ ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ‏.‏ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ‏.‏ ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم ‏}‏
اختلف المفسرون في هذا الوعد‏:‏

هل كان يوم بدر أو يوم أُحُد‏؟‏على قولين، أحدهما‏:‏ أن قوله‏:‏ ‏{‏إذ تقول للمؤمنين‏}‏ متعلق بقوله‏:‏ ‏{‏ولقد نصركم اللّه ببدر‏}‏ واختاره ابن جرير‏.‏ قال عباد بن منصور عن الحسن في قوله‏:‏ ‏{‏إذا تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة‏}‏، قال‏:‏ هذا يوم بدر‏.‏ ووقال الربيع بن أنَس‏:‏ أمد اللّه المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف، فإن قيل‏:‏ فما الجمع بين هذه الآية على هذا القول وبين قوله في قصة بدر‏:‏ ‏{‏إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين - إلى قوله - إن اللّه عزيز حكيم‏}‏‏؟‏ فالجواب أن التنصيص على الألف ههنا لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله‏:‏ ‏{‏مردفين‏}‏ بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، وهذا السياق شبيه بهذا السياق في سورة آل عمران، فالظاهر أن ذلك كان يوم بدر كما هو المعروف من أن قتال الملائكة إنما كان يوم بدر، واللّه أعلم
القول الثاني‏:‏ إن هذا الوعد متعلق بقوله‏:‏ ‏{‏وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال‏}‏ وذلك يوم أحُد، وهو قول مجاهد وعكرمة والضحاك، لكن قالوا‏:‏ لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف لأن المسلمين فروا يومئذ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏بلى إن تصبروا تتقوا‏}‏ يعني تصبروا على مصابرة عدوكم، تتقوني وتطيعوا أمري، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويأتوكم من فورهم هذا‏}‏ قال الحسن وقتادة‏:‏ أي من وجههم هذا، وقال مجاهد وعكرمة‏:‏ أي من غضبهم هذا‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ من سفرهم هذا، ويقال‏:‏ من غضبهم هذا، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يمددكم ربكم بخمسة آلالف من الملائكة مسومين‏}‏ أي معلمين بالسيما‏.‏ عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‏:‏ كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض، وكان سيماهم أيضاً في نواصي خيولهم‏.‏
وعن أبي هريرة رضي الّله عنه في هذه الآية ‏{‏مسوّمين‏}‏ قال‏:‏ بالعهن الأحمر، وقال ابن عباس رضي اللّه عنه‏:‏ أتت الملائكة محمداً صلى اللّه عليه وسلم مسوّمين بالصوف فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف، وقال قتادة وعكرمة‏:‏ ‏{‏مسومين‏}‏ أي بسيما القتال‏.‏ وعن ابن عباس قال‏:‏ كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر، وكانوا يكونون عدداً ومدداً لا يضربون‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به‏}‏ أي وما أنزل اللّه الملائكة وأعلمكم بإنزالهم إلا بشارة لكم وتطييباً لقلوبكم وتطميناً، وإلا فإنما النصر من عند اللّه الذي لو شاء لانتصر من أعدائه بدونكم، ومن غير احتياج إلى قتالكم لهم، كما قال تعالى بعد أمره المؤمنين بالقتال‏:‏
{‏ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبو بعضكم ببعض‏}
‏، ولهذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏وما جعله اللّه إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر
إلا من عند اللّه العزيز الحكيم‏}‏
أي هو ذو العزة التي لا ترام، والحكمة في قدره والأحكام‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ليقطع طرفاً من الذين كفروا‏}‏ أي أمركم بالجهاد والجلاد لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين، فقال‏:‏ ‏{‏ليقطع طرفاً‏}‏ أي ليهلك أمة ‏{‏من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا‏}‏ أي يرجعوا ‏{‏خائبين‏}‏، أي لم يحصلوا على ما أملوا، ثم اعترض بجملة دلت على أن الحكم في الدنيا والآخرة له وحده لا شريك له فقال تعالى‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏، أي بل الأمر كله إليّ، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب‏}‏ وقال‏:‏
‏{‏ليس عليك هداهم ولكنَّ اللّه يهد من يشاء‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏إنك لا تهدي من أحببت ولكن اللّه يهدي من يشاء‏}‏ وقال محمد بن إسحاق في قوله‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏ أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم‏.‏ ثم ذكر بقية الأقسام فقال‏:‏ ‏{‏أو يتوب عليهم‏}‏ أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم بعد الضلالة ‏{‏أو يعذبهم‏}‏ أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فإنهم ظالمون‏}‏ أي يستحقون ذلك، قال البخاري‏:‏ عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو على رجال من المشركين يسميهم بأسمائهم حتى أنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏ الآية‏.‏ وقال البخاري أيضاً، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعوا على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع وربما قال، إذا قال‏:‏ ‏(‏سمع اللّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد‏:‏ اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين‏.‏ اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف‏)‏ يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر‏:‏‏(‏اللهم العن فلاناً وفلاناً‏)‏ لأحياء من أحياء العرب حتى أنزل اللّه‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏} الآية‏.‏
وقال الإمام أحمد‏:‏
عن أنَس رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أَحُد وشج في وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال‏:‏ ‏(‏كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجلّ‏)‏ فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون‏}‏ ‏"‏أخرجه مسلم والإمام أحمد في المسند‏"‏وقال ابن جرير‏:‏ عن قتادة قال‏:‏ أصيب النبي يوم أحد وكسرت رباعيته، وفرق حاجبه، فوقع وعليه درعان والدم يسيل، فمر به سالم مولى أبي حذيفة فأجلسه ومسح عن وجهه، فافاق وهو يقول‏:‏ ‏(‏كيف بقوم فعلوا هذا بنبيّهم وهو يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ‏؟‏‏)‏ فأنزل اللّه ‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏
الآية‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه ما في السموات وما في الأرض‏}‏ الآية، أي الجميع ملك له، وأهلهما عبيد بين يديه، ‏{‏يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء‏}‏ أي هو المتصرف فلا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ‏
{‏واللّه غفور رحيم‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏130 ‏:‏136‏)‏
{‏ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ‏.‏ واتقوا النار التي أعدت للكافرين ‏.‏ وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون ‏.‏ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ‏.‏ الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ‏.‏ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ‏.‏ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ‏}‏
يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافاً مضاعفة، كما كانوا في الجاهلية يقولون إذا حل أجل الدين‏:‏ إما أن تقضي وإما أن تربي، فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده في القدر، وهكذا كل عام فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيراً مضاعفاً، وأمر تعالى عباده بالتقوى لعلهم يفلحون في الأولى وفي الآخرة، ثم توعدهم بالنار وحذرهم منها، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏واتقوا النار التي أعدت للكافرين وأطيعوا اللّه والرسول لعلكم ترحمون‏}‏ ثم ندبهم إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين‏}‏ أي كما أعدت النار للكافرين‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن في معنى قوله‏:‏ ‏{‏عرضها السموات والأرض‏}‏ تنبيهاً على اتساع طولها، كما قال في صفة فرش الجنة‏:‏ ‏{‏بطائنها من إستبرق‏}‏ أي فما ظنك بالظهائر، وقيل‏:‏ بل عرضها كطولها لأنها قبة تحت العرش، والشي المقبب والمستدير عرضه كطوله، وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح‏:‏‏(‏إذا سألتم اللّه الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وسقفها عرش الرحمن‏) وهذه الآية كقوله في سورة الحديد‏:‏{‏سابقوا إلى غفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض‏}‏ الآية‏.‏ وقد روينا في مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم إنك دعوتني إلى جنة عرضها السموات والأرض فأين النار‏؟‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏سبحان اللّه فأين الليل إذا جاء النهار‏)

وهذا يحتمل معنيين، أحدهما‏:‏ أن يكون المعنى في ذلك أنه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهار أن لا يكون في مكان، وإن كنا لا نعلمه، وكذلك النار تكون حيث شاء اللّه عزّ وجل، وهذا أظهر، الثاني‏:‏ أن يكون المعنى أن النهار إذا تغشى وجه العالم من هذا الجانب، فإن الليل يكون من الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السموات تحت العرش وعرضها، كما قال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏
{‏كعرض السموات والأرض‏}
والنار في أسفل سافلين، فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار، واللّه أعلم‏.‏
ثم ذكر تعالى صفة أهل الجنة فقال‏:‏ ‏{‏الذين ينفقون في السراء والضراء‏}‏ أي في الشدة والرخاء، والمنشط والمكره والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال، كما قال‏:
‏{‏الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية‏}‏، والمعنى أنهم لا يشغلهم أمر عن طاعة اللّه تعالى والإنفاق في مراضيه، والإحسان إلى خلقه من قراباتهم وغيرهم بأنواع البر، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس‏}‏، أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفو مع ذلك عمن أساء إليهم، وقد ورد في بعض الآثار‏:‏‏(‏ يقول تعالى يا ابن آدم اذكرني إذا غضبت، أذكرك إذا غضبت فلا أهلكك فيمن أهلك‏)‏‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليس الشديد بالصُرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد‏"‏وقال الإمام أحمد، عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله‏)‏، قالوا‏:‏ يا رسول اللّه ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال‏:‏ ‏(‏اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالَكَ من مالِكَ إلا ما قدمت، وما لوارثك إلا ما أخرت‏)‏ قال، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما تعدون الصرعة فيكم‏!‏ قلنا الذي لا تصرعه الرجال، قال‏:‏ ‏(‏لا، ولكن الذي يملك نفسه عن الغضب‏)‏ قال، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أتدرون ما الرقوب‏)‏ قلنا الذي لا ولد له، قال‏(‏لا، ولكن الرقوب الذي لا يقدم من ولده شيئاً‏)‏
"‏رواه أحمد وأخرج البخاري النّص الأول منه‏"‏‏.‏
حديث آخرقال الإمام أحمد،
عن سهل بن معاذ بن أنَس عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه اللّه على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء‏)‏
حديث
آخرعن أبي هريرة رضي اللّه عنه في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والكاظمين الغيظ‏}‏ أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ اللّه جوفه أمناً وإيماناً‏)‏
فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والكاظمين الغيظ‏}‏ أي لا يعملون غضبهم في الناس بل يكفون عنهم شرهم ويحتسبون ذلك عند اللّه عز وجلّ، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏والعافين عن الناس‏}‏ أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال ولهذا قال‏:‏ ‏{‏واللّه يحب المحسنين‏}‏ فهذا من مقامات الإحسان‏.‏ وفي الحديث‏:‏(‏ثلاث أقسم عليهن، ما نقص مال من صدقة، وما زاد اللّه عبداً بعفو إلاعزاً، ومن تواضع للّه رفعه اللّه ‏)‏ وروى الحاكم في مستدركه، عن أُبّي بن كعب، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ومن سره أن يشرف له البنيان وترفع له الدرجات، فليعف عمن ظلمه، ويعطِ من حرمه، ويصلْ من قطعه‏)‏ وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يقول‏:‏ أين العافون عن الناس، هلموا إلى ربكم، وخذوا أجوركم، وحق على كل امرىء مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة‏)
‏"‏أخرجه ابن مردويه‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم‏}‏ أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار‏.‏ قال الإمام أحمد،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن رجلاً أذنب ذنباً فقال‏:‏ رب إن أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال اللّه عزّ وجلّ‏:‏ عبدي عمل ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب وياخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال‏:‏ رب إني عملت ذنباً فاغفره، فقال تبارك وتعالى‏:‏ علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال‏:‏ رب إني عملت ذنباً فاغفر لي، فقال عزَّ وجلَّ‏:‏ علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنباً آخر فقال‏:‏ رب إني عملت ذنباً فاغفره فقال اللّه عزّ وجلّ عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء‏)‏ وعن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ كنت إذا سمعت من رسول الله صلى اللّه عليه وسلم حديثا نفعني اللّه بما شاء منه‏.‏ وإذا حدثني عنه غيره استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإن أبا بكر رضي اللّه عنه حدثني، وصدق أبو بكر، أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما من رجل يذنب ذنباً فيتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر اللّه عزّ وجلّ إلا غفر له‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وأهل السنن وابن حبان‏"‏ومما يشهد لصحة هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو فيسبغ - الوضوء، ثم يقول‏:‏ أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء‏)‏عن أنَس رضي اللّه عنه قال‏:‏ بلغني أن إبليس حين نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللّه فاستغفروا لذنوبهم‏}‏ بكى‏.‏
وعن أبي بكر رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منهما فإن إبليس قال‏:‏ أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بلا إله إلا اللّه والاستغفار، فلم رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون أنهم مهتدون‏) ‏"‏رواه الحافظ أبو يعلى‏"‏وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال إبليس‏:‏ يا رب وعزتك لا أزال أغوي بني آدم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال اللّه تعالى‏:‏ وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يغفر الذنوب إلا اللّه‏}‏ أي لا يغفرها أحد سواه، وقوله‏:‏ ‏{‏ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون‏}‏ أي تابوا من ذنوبهم ورجعوا إلى اللّه عزّ وجلّ عن قريب، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقلعين عنها ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة‏)"‏أخرجه أبو داود والترمذي والبزار‏"‏‏{‏وهم يعلمون‏}‏ أن من تاب تاب اللّه عليه وهذا كقوله تعالى ‏{‏ألم يعلموا أن اللّه هو يقبل التوبة عن عباده‏}وكقوله‏:‏{‏ومن يعلم سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد اللّه غفوراً رحيماً‏}
ونظائر هذا كثيرة جداً، ثم قال تعالى بعد وصفهم بما وصفهم به‏:‏ ‏{‏أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم‏}‏ أي جزاؤهم على هذه الصفات ‏{‏مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار‏}‏ أي من أنواع المشروبات، ‏{‏خالدين فيها‏}‏ أي ماكثين فيها، ‏{‏ونعم أجر العاملين‏}‏ يمدح تعالى الجنة‏.‏







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 06:35 PM   رقم المشاركة : 19
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏137 ‏:‏143‏)‏
‏{‏ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ‏.‏ هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ‏.‏ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ‏.‏ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ‏.‏ وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ‏.‏ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ‏.‏ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ‏}‏
يقول تعالى مخاطباً عباده المؤمنين لما أصيبوا يوم أحد وقتل منهم سبعون‏:‏ ‏{‏قد خلت من قبلكم سنن‏}‏، أي قد جرى نحو هذا على الأمم الذين كانوا من قبلكم من أتباع الأنبياء، ثم كانت العاقبة لهم والدائرة على الكافرين، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏هذا بيان للناس‏}‏ يعني القرآن فيه بيان الأمور على جليتها وكيف كان الأمم الأقدمون مع أعدائهم، ‏{‏وهدى وموعظة‏}‏ يعني القرآن فيه خبر ما قبلكم وهدى لقلوبكم وموعظة أي زاجر عن المحارم والمآثم‏.‏ ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين‏:‏ ‏{‏ولا تهنوا‏}‏ أي لا تضعفوا بسبب ما جرى، ‏{‏ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين‏}‏ أي العاقبة والنصرة لكم أيها المؤمنون، ‏{‏إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله‏}‏ أي إن كنتم قد أصبتكم جراح وقتل منكم طائفة فقد أصاب أعدائكم قريب من ذلك من قتل وجراح، ‏{‏وتلك الأيام نداولها بين الناس‏}‏ أي نديل عليكم الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وليعلم اللّه الذين آمنوا‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ في مثل هذا لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء ‏{‏ويتخذ منكم شهداء‏}‏ يعني يقتلون في سبيله ويبذلون مهجهم في مرضاته، ‏{‏واللّه لا يحب الظالمين* وليمحص اللّه الذين آمنوا‏}‏ أي يكفِّر عنهم من ذنوبهم إن كانت لهم ذنوب، وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به‏.‏
وقوه تعالى‏:‏ ‏{‏ويمحق الكافرين‏}‏ أي فإنهم إذا ظفرا بغوا وبطروا، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏أم حسبتم أن تدخلو الجنة ولما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين‏}‏، أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد، كما قال تعالى في سورة البقرة‏:‏
‏{‏أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا‏}وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أم حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون‏}الآية، ولهذا قال ههنا‏:‏{‏أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم اللّه الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين‏}‏
أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تبتلوا، ويرى اللّه منكم المجاهدين في سبيله، والصابرين على مقاومة الأعداء‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون‏}‏ أي قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم تتمونون لقاء العدو، وتحترقون عليه وتودون مناجزتهم ومصابرتهم، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه فدونكم فقاتلوا وصابروا، وقد
ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف‏)‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فقد رأيتموه‏}‏ يعني الموت شاهدتموه وقت حدِّ الأسنة واشتباك الرماح، وصفوف الرجال للقتال، والمتكلمون يعبرون عن هذا بالتخييل، وهو مشاهدة ما ليس بمحسوس كالمحسوس، كما تتخيل الشاة صداقة الكبش، وعداوة الذئب‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 04-05-2014, 06:44 PM   رقم المشاركة : 20
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏144 ‏:‏ 148‏)‏
‏{‏ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ‏.‏ وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين ‏.‏ وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ‏.‏ وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ‏.‏ فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ‏}‏
لما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحُد وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان‏:‏ ألا إن محمداً قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين فقال لهم‏:‏ قتلت محمداً، وإنما كان قد ضرب رسول اللّه فشجه في راسه، فوقع ذلك في قلوب كثير من الناس، واعتقدوا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد قتل وجوزوا عليه ذلك - كما قد قص اللّه عن كثير من الأنبياء عليهم السلام - فحصل ضعف ووهن وتأخر عن القتال، ففي ذلك أنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل‏}‏ أي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه‏.‏ قال ابن أبي نجيح عن أبيه‏:‏ إن رجلاً من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه فقال له‏:‏ يا فلان أشعرت أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم قد قتل، فقال الأنصاري‏:‏ إن كان محمداً قد قتل فقد بلَّغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزل‏:‏ ‏{‏وما محمد إلا رسول فقد خلت من قبله الرسل‏}
‏"‏رواه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة‏"‏ثم قال تعالى منكرا على من حصل له ضعف‏:‏ ‏{‏أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم‏}‏ أي رجعتم القهقرى، ‏{‏ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر اللّه شيئاً وسيجزي اللّه الشاكرين‏}‏ أي الذين قاموا بطاعته وقاتلوا عن دينه، واتبعوا رسوله حياً وميتاً، وكذلك ثبت في الصحاح والمسانيد والسنن أن الصدّيق رضي اللّه عنه تلاهذه الآية لما مات رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏.‏
عن عائشة رضي اللّه عنها أن أبا بكر رضي اللّه عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمَّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو مغطى بثوب حبرة‏:‏ فكشف عن وجهه ثم أكب عليه قبّله وبكى، ثم قال‏:‏ بأبي أنت وأمي واللّه لا يجمع اللّه عليك موتتين‏:‏ أما الموتة التي كتب عليك فقد متها
"‏رواه البخاري‏"‏، وروى الزهري‏:‏عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال‏:‏ اجلس يا عمر، قال أبو بكر‏:‏ أما بعد من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد اللّه فإن اللّه حي لا يموت، فقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل - إلى قوله - وسيجزي اللّه الشاكرين‏}‏، قال‏:‏ فواللّه لكأن الناس لم يعلموا أن اللّه أنزل هذه الآية حتى تلاها عليهم أبو بكر، فتلاها منه الناس كلهم فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها‏.‏ وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال‏:‏ واللّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرقت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى هويت إلى الأرض‏.‏
وقال أبو القاسم الطبراني، عن عكرمة عن ابن عباس‏:‏ أن علياً كان يقول في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم‏}‏ واللّه لا ننقلب على أعقابنا عبد إذا هدانا اللّه، واللّه لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت، واللّه إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه فم أحق به مني‏؟‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان لنفس أن تموت إلا ذبإذن اللّه كتاباً مؤجلاً‏}‏ أي لا يموت أحد إلا بقدر اللّه وحتى يستوفي المدة التي ضربها اللّه له، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كتاباً مؤجلاً‏}‏ كقوله‏:‏
{‏وما يُعَمَّر من مُعَمَّرٍ ولا ينقص من عمره إلا في كتاب‏}‏، وكقوله‏:‏‏{‏هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده‏} وهذه الآية فيها تشجيع للجبناء وترغيب لهم في القتال، فإن الإقدام الإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه، كما قال ابن أبي حاتم عن حبيب بن ظبيان‏:‏ قال رجل من المسلمين وهو حجر بن عدي‏:‏ ما يمنعكم أن تعبروا إلى هؤلاء العدو هذه النطفة - يعني دجلة - ‏{‏ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن اللّه كتاباً مؤجلا‏}‏ ثم أقحم فرسه دجلة، فلما أقحم أقحم الناس، فلما رآهم العدوّ قالوا‏:‏ ديوان ‏.‏‏.‏‏.‏ فهربوا‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها‏}‏ أي من كان عمله للدنيا فقط ناله منها ما قدره اللّه له، ولم يكن له في الآخرة من نصيب، ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه اللّه منها وما قسم له في الدنيا كما قال تعالى‏:‏
‏{‏من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا‏}‏، ولهذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏وسنجزي الشاكرين‏}‏ أي سنعطيهم من فضلنا ورحمتنا في الدنيا والآخرة بحسب شكرهم وعملهم‏.‏ ثم قال تعالى مسلياً للمؤمنين عما كان وقع في نفوسهم يوم أحد، ‏{‏وكأين من نبيّ قالت مع ربيون كثير‏}‏ قيل معناه‏:‏ كم من نبي قبل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير، وهذا القول هو اختيار ابن جرير‏.‏ وقد عاتب اللّه بهذه الآيات والتي قبلها من انهزم يوم أحد وتركوا القتال لما سمعوا الصائح يصيح بأن محمداً قد قتل، فعذلهم اللّه على فرارهم وتركهم القتال فقال لهم‏:‏ ‏{‏أفإن مات أو قتل‏}‏، أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم ‏{‏وانقلبتم على أعقابكم‏}‏ وقيل‏:‏ وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير‏.‏
وكلام ابن إسحاق في السيرة يقتضي قولاً آخر، فإنه قال‏:‏ وكأين من نبي أصابه القتل ومع ربيون أي جماعات فما وهنوا بعد نبيهم، وما ضعفوا عن عدوهم، وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن اللّه وعن دينهم، وذلك الصبر ‏{‏واللّه يحب الصابرين‏}‏ فجعل قوله‏:‏ ‏{‏معه ربيون كثير‏}‏ حالاً، وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه، وله اتجاه لقوله‏:‏ ‏{‏فما وهنوا لما أصابهم‏}‏ الآية‏.‏ وقرأ بعضهم‏:‏ ‏{‏قاتل معه ربيون كثير‏}‏ أي ألوف، وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة‏:‏ الربيون الجموع الكثيرة، وقال الحسن‏:‏ ‏{‏ربيون كثير‏}‏، أي علماء كثير، وعنه أيضاً‏:‏ علماء صبر أي أبرار أتقياء، وحكى ابن جرير عن بعض نحاة البصرة أن الربيين هم الذين يعبدون الرب عزّ وجل قال‏:‏ ورد بعضهم عليه فقال‏:‏ لو كان كذلك لقيل الربيون بفتح الراء، وقال ابن زيد‏:‏ الربيون الأتباع والرعية والربانيون الولاة، ‏{‏فما وهنوا لما أصابهم في سبيل اللّه وما ضعفوا وما استكانوا‏}‏ قال قتادة‏:‏ ‏{‏وما ضعفوا‏}‏ بقتل نبيهم، ‏{‏وما استكانوا‏}‏ يقول‏:‏ فما ارتدوا عن نصرتهم ولا عن دينهم أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبي اللّه حتى لحقوا باللّه، وقال ابن عباس‏:‏ ‏{‏وما استكانوا‏}‏ تخشعوا، قال ابن زيد‏:‏ وما ذلوا لعدوهم، ‏{‏واللّه يحب الصابرين* وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين‏}‏ أي لم يكن لهم هجير أي دأب وعادة وما يكثر على اللسان جريانهإلا ذلك، ‏{‏فآتاهم اللّه ثواب الدنيا‏}‏ أي النصر والظفر والعاقبة ‏{‏وحسن ثواب الآخرة‏}‏ أي جمع لهم ذلك مع هذا ‏{‏واللّه يحب المحسنين‏}‏‏.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:34 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية