العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-05-2014, 02:57 AM   رقم المشاركة : 1
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
۩ تفسير سورة الأنعام عدد آياتها 165 ...

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
تفسير سورة الأنعام عدد آياتها 165 ...
وهي مكية
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
مقدمة
سورة الأنعام [ وهي مكية ] قال العوفي وعكرمة وعطاء ، عن ابن عباس : أنزلت سورة الأنعام بمكة سبب نزولها . وقال الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة ، حولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح
وقال سفيان الثوري ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت : نزلت سورة الأنعام على النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة [ واحدة ] وأنا آخذة بزمام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة
وقال شريك ، عن ليث ، عن شهر ، عن أسماء قالت : نزلت سورة الأنعام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مسير في زجل من الملائكة وقد نظموا ما بين السماء والأرض
وقال السدي ، عن مرة ، عن عبد الله قال :
نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفا من الملائكة .
وروي نحوه من وجه آخر ، عن ابن مسعود .
وقال الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ وأبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل قالا حدثنا محمد بن عبد الوهاب العبدي ، أخبرنا جعفر بن عون ، حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال : لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : " لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق " . ثم قال : صحيح على شرط مسلم
وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن معمر ، حدثنا إبراهيم بن درستويه الفارسي ، حدثنا أبو بكر بن أحمد بن محمد بن سالم ، حدثنا ابن أبي فديك ، حدثني عمر بن طلحة الرقاشي ، عن نافع بن مالك أبي سهيل ، عن أنس بن مالك قال
: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة ، سد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والأرض بهم ترتج " ، ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " سبحان الله العظيم ، سبحان الله العظيم "
ثم روى ابن مردويه ، عن الطبراني ، عن إبراهيم بن نائلة ، عن إسماعيل بن عمرو ، عن يوسف بن عطية ، عن ابن عون ، عن نافع ، عن ابن عمر قال
: قال رسول الله : " نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة ، وشيعها سبعون ألفا من الملائكة ، لهم زجل بالتسبيح والتحميد "
يقول الله تعالى مادحا نفسه الكريمة ، وحامدا لها على خلقه السموات والأرض قرارا لعباده وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم ، فجمع لفظ " الظلمات " ووحد لفظ " النور " ; لكونه أشرف ، كما قال{عن اليمين والشمائل} [ النحل : 48 ] ، وكما قال في آخر هذه السورة { وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } [ الأنعام : 153 ] .
وقوله : ( ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) أي : ومع هذا كله كفر به بعض عباده ، وجعلوا معه شريكا وعدلا واتخذوا له صاحبة وولدا ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 03:38 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏ 3‏)‏
‏{‏ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ‏.‏- هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون ‏.‏ وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ‏}‏

يقول الله تعالى مادحاً نفسه الكريمة، حامداً لها على خلقه السموات والأرض قراراً لعباده، وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم، فجمع لفظ الظلمات؛ ووحد لفظ النور لكونه أشرف، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏عن اليمين والشمائل‏}‏، وكما قال في آخر السورة‏:‏ ‏{‏وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ثم الذين كفروا بربهم يعدلون‏}‏ أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده، وجعلوا له شريكاً وعدلاً، واتخذوا له صاحبة وولداً، تعالى الله عزَّ وجلَّ عن ذلك علواً كبيراً، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي خلقكم من طين‏}‏ يعني أباهم آدم الذي هو أصلهم، ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب، وقوله‏:‏ ‏{‏ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏ثم قضى أجلاً‏}‏ يعني الموت، ‏{‏وأجل مسمى عنده‏}‏ يعني الآخرة وهو مروي عن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان وغيرهم وقال الحسن في رواية عنه‏:‏ ‏{‏ثم قضى أجلاً‏}‏ وهو ما بين أن يخلق إلى أن يموت ‏{‏وأجل مسمى عنده‏}‏ وهو ما بين أن يموت إلى أن يبعث وهو يرجع إلى ما تقدم، وهو تقدير الأجل الخاص، وهو عمر كل إنسان، وتقدير الأجل العام وهو عمر الدنيا بكمالها ثم انتهائها وانقضائها وزوالها وانتقالها والمصير إلى الدار الآخرة، وعن ابن عباس ومجاهد‏:‏ ‏{‏ثم قضى أجلاً‏}‏ يعني مدة الدنيا ‏{‏وأجل مسمى عنده‏}‏ يعني عمر الإنسان إلى حين موته، وكأنه مأخوذ من قوله تعالى بعد هذا ‏{‏وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار‏}‏ الآية‏.‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏{‏عنده‏}‏ أي لا يعلمه إلا هو، كقوله‏:‏ ‏{‏إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الساعة ايان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم أنتم تمترون‏}‏، قال السدي وغيره‏:‏ يعني تشكون في أمر الساعة‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو اللّه في السموات في الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون‏}‏ اختلف مفسرو هذه الآية على اقوال بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية القائلين - تعالى اللّه عن قولهم علواً كبيراً - بأنه في كل مكان حيث حملوا الآية على ذلك، فالأصح من الأقوال‏:‏ أنه المدعو اللّه في السموات وفي الأرض‏:‏ أي يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السموات والأرض، ويسمونه اللّه، ويدعونه رغباً ورهباً إلا من كفر من الجن والإنس، وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله‏}‏ أي هو إله من في السماء وإله من في الأرض، وعلى هذا فيكون قوله‏:‏ ‏{‏يعلم سركم وجهركم‏}‏ خبراً أو حالاً والقول الثاني ‏:‏ أن المراد أنه اللّه الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض من سر وجهر، فيكون قوله ‏(‏يعلم‏)‏ متعلقاً بقوله‏:‏ ‏{‏في السموات وفي الأرض‏}‏ تقديره‏:‏ وهو اللّه يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض ويعلم ما تكسبون، والقول الثالث ‏:‏ أن قوله ‏{‏وهو اللّه في السموات‏}‏ وقف تام، ثم استأنف الخبر فقال‏:‏ ‏{‏وفي الارض يعلم سركم وجهركم‏}‏ وهذا اختيار ابن جرير، وقوله‏:‏ ‏{‏ويعلم ما تكسبون‏}‏ أي جميع أعمالكم خيرها وشرها‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏4 ‏:‏ 6‏)‏
‏{‏ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين ‏.‏ فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ‏.‏ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ‏}‏
يقول تعالى مخبراً عن المشركين المكذبين المعاندين‏:‏ أنهم كلما أتتهم من آية أي دلالة ومعجزة وحجة من الدلالات على وحدانية اللّه وصدقق رسله الكرام، فإنهم يعرضون عنها فلا ينظرون إليها ولا يبالون بها، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوق يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون‏}‏، وهذا تهديد لهم ووعيد شديد على تكذيبهم بالحق، بأنه لا بد أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التكذيب، وليجدن غبّه، وليذوقن وباله، ثم قال تعالى واعظاً لهم ومحذراً لهم أن يصيبهم من العذاب والنكال الدنيوي ما حل بأشباههم ونظرائهم من القرون السالفة، الذين كانوا أشد منهم قوة وأكثر جمعاً، وأكثر أموالاً وأولاداً واستعلاء في الأرض، وعمارة لها فقال‏:‏ ‏{‏ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لمن نمكن لكم‏}‏ أي من الأموال والأولاد والأعمار والجاه العريض والسعة والجنود، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وأرسلنا السماء عليهم مدراراً‏}‏ أي شيئاً بعد شيء، ‏{‏وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم‏}‏ أي أكرثنا عليهم أمطارا السماء وينابيع الأرض أي استدراجاً وإملاء لهم، ‏{‏فأهلكناهم بذنوبهم‏}‏ أي بخطاياهم وسيئاتهم التي اجترحوها، ‏{‏وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين‏}‏ أي فذهب الأولون كأمس الذاهب وجعلناهم أحاديث ‏{‏وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين‏}‏ أي جيلاً آخر لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم فأهلكوا كإهلاكهم، فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعز على اللّه منهم والرسول الذي كذبتموه أكرم على اللّه من رسولهم، فأنت أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم لولا لطفه وإحسانه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏7 ‏:‏ 11‏)‏
‏{‏ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ‏.‏ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ‏.‏ ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون ‏.‏ ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون ‏.‏ قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحق ومباهاتهم ومنازعتهم فيه، ‏{‏ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم‏}‏ أي عاينوه ورأوا نزوله وباشروا ذلك، لقال ‏{‏الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين‏}‏، وهذا كما قال تعالى مخبراً عن مكابرتهم للمحسوسات، ‏{‏ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نححن قوم مسحورون‏}‏ وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم‏}‏، ‏{‏وقالوا لولا أنزل عليه ملك‏}‏ أي ليكون معه نذيراً، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون‏}‏ أي لو نزلت الملائكة على ما هم عليه لجاءهم من الله العذاب، كماقال اللّه تعالى‏:‏ ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين‏}‏ الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون‏}‏ أي ولو أنزلن مع الرسول البشري ملكاً، أي لو بعثنا إلى البشر رسولاً ملكياً، لكان على هيئة الرجل ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما هم يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشريّ، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً‏}‏، فمن رحمته تعالى بخلقه أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلاً منهم ليدعو بعضهم بعضاً، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم‏}‏
الآية‏.‏

قال الضحاك عن ابن عباس في الآية يقول‏:
لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة من النور، ‏{‏وللبسنا عليهم ما يلبسون‏}‏ أي ولخلطنا عليهم ما يخلطون، وقيل‏:‏ ولشبهنا عليهم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون‏}‏ هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصرة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين‏}‏ أي فكروا في أنفسكم، وانظروا ما أحل الله بالقرون الماضية الذين كذبوا رسله وعاندوهم من العذاب والنكال، والعقوبة في الدنيا مع ما ادخر لهم من العذاب الأليم في الآخرة وكيف نجَّى رسله وعباده المؤمنين‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏12 ‏:‏ 16
‏{‏ قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ‏.‏ وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم ‏.‏ قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين ‏.‏ قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ‏.‏ من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين ‏}‏

يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وما فيهما، وأنه قد كتب على نفسه المقدسة الرحمة، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن اللّه لما خلق الخلق كتب كتاباَ عنده فوق العرش‏:‏ إن رحمتي تغلب غضبي‏)‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه‏}‏ هذه اللام هي المطئة للقسم، فأقسم بنفسه الكريمة ليجمعن عباده ‏{‏إلى ميقات يوم معلوم‏}‏ وهو يوم القيامة الذي لا ريب فيه أي لا شك عند عباده المؤمنين، فأما الجاحدون المكذبون فهم في ريبهم يترددون‏.‏ عن ابن عباس قال‏:‏ سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده إن فيه لماء، إن أولياء اللّه ليردون حياض الأنبياء، ويبعث اللّه تعالى سبعين ألف ملك في ايديهم عصي من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء‏)‏ هذا حديث غريب، وفي الترمذي‏:‏ ‏(‏إن لكل نبي حوضاً وأرجوا أن أكون أكثرهم واردة‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏الذين خسروا أنفسهم‏}‏ أي يوم القيامة ‏{‏فهم لا يؤمنون‏}‏ أي لا يصدقون بالمعاد ولا يخافون شر ذلك اليوم، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وله ما سكن في الليل والنهار‏}‏ أي كل دابة في السموات والأرض، الجميع عباده وخلقه وتحت قهره وتصرفه وتدبيره، لا إله إلا هو ‏{‏وهو السميع العليم‏}‏ أي السميع لأقوال عباده، لاعليم بحركاتهم وضمائرهم وسرائرهم، ثم قال تعالى لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه بالتوحيد العظيم وبالشرع القويم، وأمره أن يدعو الناس إلى صراط الله المستقيم‏:‏ ‏{‏قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السموات والأرض‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون‏}‏ والمعنى‏:‏ لا أتخذ ولياً إلا اللّه وحده لا شريك له فإنه فاطر السموات والأرض أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق، ‏{‏وهو يطعم ولا يطعم‏}‏ أي وهو الرزاق لخلقه من غير احتياج إليهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون‏}‏ الآية، وقرأ بعضهم ‏{‏هو يُطعِم ولا يَطْعَم‏}‏‏:‏ أي لا يأكل‏.‏

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:
دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم على طعام، فانطلقنا معه فلما طعم النبي صلى الله عليه وسلم وغسل يديه قال‏:‏ ‏(‏الحمد للّه الذي يطعم ولا يطعم، ومنَّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وكل بلاء حسن أبلانا، الحد للّه غير مودع ربي ولا مكفي ولا مكفور ولا مستغني عنه، الحمد للّه الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العري، وهدانا من الضلال، وبصرنا من العمى، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد للّه رب العالمين‏)‏ ‏{‏قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم‏}‏ أي من هذه الأمة، ‏{‏ولا تكونن من المشركين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم‏}‏ يعني يوم القيامة ‏{‏من يصرف عنه‏}‏ أي العذاب ‏{‏يومئذ فقد رحمه‏}‏ يعني فقد رحمه اللّه‏{‏وذلك هو الفوز المبين‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز‏}‏ والفوز حصول الربح ونفي الخسارة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏17 ‏:‏ 21‏)‏
‏{‏ وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير ‏.‏ وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ‏.‏ قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون ‏.‏ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ‏.‏ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون ‏}‏

يقول تعالى مخبراً‏:‏ أنه مالك الضر والنفع، وأنه المتصرف في خلقه بما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، ‏{‏وإن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير‏}‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده‏}‏ الآية‏.‏ وفي الصحيح أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏(‏اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد‏)‏، ولهذا قال تعالى ‏{‏وهو القاهر فوق عباده‏}‏ أي هو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له والوجه، وقهر كل شيء، ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته على الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت قهره وحكمه، ‏{‏وهو الحكيم‏}‏‏:‏ أي في جميع أفعاله، ‏{‏الخبير‏}‏ بمواضع الأشياء ومحالها فلا يعطي إلا من يستحق، ولا يمنع إلا من يستحق‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏قل أي شيء أكبر شهادة‏}‏ أي من أعظم الأشياء شهادة، ‏{‏قل الله شهيد بيني وبينكم‏}‏ أي هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلون لي ‏{‏وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ‏}‏ أي وهو نذير لكل من بلغه، كقوله تعالى ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده‏}‏ قال ابن ابي حاتم عن محمد بن كعب في قوله‏:‏ ‏{‏ومن بلغ‏}‏ ومن بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وروى ابن جرير عن محمد بن كعب قال‏:‏ من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم وقال عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى ‏{‏لأنذركم به ومن بلغ‏}‏ إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏بلغوا عن اللّه فمن بلغته آية من كتاب اللّه فقد بلغه أمر الله‏)‏، وقال الربيع بن أنس‏:‏ حقُّ على من اتبع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يدعو كالذي دعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وأن ينذر بالذي أنذر‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أئنكم لتشهدون‏}‏ أيها المشركون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏فإن شهدوا فلا تشهد معهم‏}‏، ‏{‏قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون‏}‏، ثم قال تعالى مخبراً عن أهل الكتاب أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به كما يعرفون أبناءهم بما عندهم من الأخبار والأنباء عن المرسلين المتقدمين والأنبياء، فإن الرسل كلهم بشروا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته وبلده ومهاجره وصفته أمته، ولهذا قال بعده‏:‏ ‏{‏الذين خسروا أنفسهم‏}‏ أي خسروا كل الخسارة، ‏{‏فهم لا يؤمنون‏}‏ بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ونوهت به في قديم الزمان وحديثه، ثم قال‏:‏ ‏{‏ومن أظلم ممن افترى على اللّه كذباً أوكذب بآياته‏}‏ أي لا أظلم ممن تقوّل على اللّه فادعى أن الله أرسله ولم يكن أرسله، ثم لا أظلم ممن كذب بآيات اللّه وحججه وبراهينه ودلالاته ‏{‏إنه لا يفلح الظالمون‏}‏ أي لا يفلح هذا ولا هذا، لا المفتري ولا المكذب‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 03:54 AM   رقم المشاركة : 3
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏22 ‏:‏ 26‏)‏
‏{‏ ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ‏.‏ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ‏.‏ انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ‏.‏ ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين ‏.‏ وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن المشركين ‏{‏يوم نحشرهم جميعاً‏}‏ يوم القيامة فيسالهم عن الأصنام والأنداد التي كانوا يعبدونها من دونه، قائلاً لهم‏:‏ ‏{‏أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون‏}‏، كقوله تعالى في سورة
القصص‏:‏ ‏{‏ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثم لم تكن فتنتهم‏}‏ أي حجتهم إلا أن قالوا ‏{‏واللّه ربنا ما كنا مشركين‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ أي حجتهم، وقال عطاء عنه‏:‏ أي معذرتهم، وكذا قال قتادة، وقال عطاء الخراساني‏:‏ ‏{‏ثم لم تكن فتنتهم‏}‏ بليتهم حين ابتلوا ‏{‏إلا أن قالوا واللّه ربنا ما كنا مشركين‏}‏، وقال ابن جرير‏:‏ والصواب‏:‏ ثم لم يكن قيلهم هذا القول الذي اختاره ابن جرير هو رواية ابن جرير عن ابن عباس عند فتنتنا إياهم اعتذاراً عما سلف منهم من الشرك بالله ‏{‏إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين‏}‏، وقال ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ أتاه رجل، فقال‏:‏ يا ابن عباس سمعت اللّه يقول‏:‏ ‏{‏والله ربنا ما كنا مشركين‏}‏ قال‏:‏ أما قوله‏:‏ ‏{‏واللّه ربنا ما كنا مشركين‏}‏ فإنهم رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة، فقالوا‏:‏ تعالوا فلنجحد فيجحدون، فيختم الله على أفواههم، وتشهد أيديهم وأرجلهم، ولا يكتمون الله حديثاً، فهل في قلبك الآين شيء‏؟‏ إنه ليس من القرآن شيء إلا ونزل فيه شيء، ولكن لا تعلمون وجهه، ولهذا قال في حق هؤلاء‏:‏ ‏{‏انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون‏}‏، كقوله‏:‏ ‏{‏ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلورهم أنكنة أين يفقهوه وفي آذانهم وقراً وأين يروا كل آية لا يؤمنوا بها‏}‏‏:‏ أي يجيئون ليستمعوا قراءتك ولا تجزي عنهم شيئاً لأن الله ‏{‏جعل على قلوبهم أكنة‏}‏ أي أغطية لئلا يفقهوا القرآن، ‏{‏وفي آذانهم وقراً‏}‏ أي صمماً عن السماع النافع لهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء‏}‏ الآية‏.‏

ونقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها‏}‏ أي مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات والبراهين لا يؤمنوا بها، فلا فهم عندهم ولا إنصاف، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو علم اللّه فيهم خيراً لأسمعهم‏}‏ الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى إذا جاءوك يجادلونك‏}‏ أي يحاجونك ويناظرونك في الحق بالباطل، ‏{‏يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين‏}‏ أي ما هذا الذي جئت به إلا مأخوذ من كتب الأوائل ومنقول عنهم قال السهيلي‏:‏ حيثما جاء في القرآن ذكر أساطير الأولين، فإن قائلها هو النضر بن الحارث بن كلدة، وكان قد دخل بلاد فارس وتعلم أخبار سبندياذ رستم الشيذ، ونحوها، فكان يقول‏:‏ أنا أحدثكم بأحسن مما يحدثكم به محمد، ويقول في القرآن‏:‏ اساطير الأولين‏:‏ ليزهد الناس فيها، وفيه نزل‏:‏ ‏{‏ومن قال سأنزل مثل ما أنزل اللّه‏}‏ وقتله النبي صبراً يوم أُحُد‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وهم ينهون عنه وينأون عنه‏}‏ في معنى ينهون عنه قولان، أحدهما ‏:‏ أن المراد أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد للقرآن ‏{‏وينأون عنه‏}‏ أي ويبعدون هم عنه فيجمعون بين الفعلين القبيحين لا ينتفعون ولا يدعون أحداً ينتفع‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏وهم ينهون عنه‏}‏ يردون الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به‏.‏ وقال محمد بن الحنفيه‏:‏ كان كفار قريش لا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم وينهون عنه، وهذا القول أظهر وهو اختيار ابن جرير‏.‏ والقول الثاني ‏:‏ رواه سفيان الثوري عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت في أبي طالب، كان ينهى الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذى، وقال سعيد بن أبي هلال‏:‏ نزلت في عمومة النبي وكانوا عشرة، فكانوا أشد الناس معه في العلانية وأشد الناس عليه في السر ‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال‏"‏وقال محمد بن كعب القرظي‏:‏ ‏{‏وهم ينهون عنه‏}‏ أي ينهون الناس عن قتله‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وينأون عنه‏}‏ أي يتباعدون منه، ‏{‏وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون‏}‏ أي وما يهلكون بهذا الصنيع ولا يعود وباله إلا عليهم وهم لا يشعرون‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏27 ‏:‏ 30‏)‏
‏{‏ ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ‏.‏ بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ‏.‏ وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ‏.‏ ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ‏}
‏ يذكر تعالى حال الكفار إذا وقفوا يوم القيامة على النار وشاهدوا ما فيها من السلاسل والأغلال ورأوا بأعينهم تلك الأمور العظام والأهوال، فعند ذلك قالواك ‏{‏يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين‏}‏ يتمنون أن يردوا إلى الدار الدنيا ليعملوا عملاً صالحاً ولا يكذبوا بآيات ربهم ويكونوا من المؤمنين، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل‏}‏ أي بل ظهر لهم حينئذ ما كانوا يخفون في أنفسهم من الكفر والتكذيب والمعاندة وإن أنكروها في الدنيا أو في الآخرة، كما قال قبله بيسير‏:‏ ‏{‏ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربنا ما كنا مشركين أنظر كيف كذبوا على أنفسهم‏}‏، ويحتمل أنهم ظهر لهم ما كانوا يعلمونه من أنفسهم من صدق ما جاءئتهم به الرسل في الدنيا، وإن كانوا يظهرون لأتباعهم خلافه كقوله مخبرا عن موسى أنه قال لفرعون‏:‏ ‏{‏لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر‏}‏ الآية‏.‏ وقوله تعالى مخبراً عن فرعون وقومه‏:‏ ‏{‏وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً‏}‏ ويحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المنافققين الذين كانوا يظهرون الإيمان للناس ويبطنون الكفر، ويكون هذا إخبار عما يكون يوم القيامة من كلام طائفة من الكفار، ولا ينافي هذا كون هذه السورة مكية، والنفاق إنما كان من بعض أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، فقد ذكر اللّه وقوع النفاق في سورة مكية وهي العنكبوت فقال‏:‏ ‏{‏وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين‏}‏، وعلى هذا فيكون إخباراً عن قول المنافقين في الدار الآخرة حين يعاينون العذاب، فظهر لهم حينئذ غِبُّ ما كانوا يبطنون من الكفر والنفاق والشقاق، واللّه أعلم‏.‏

وأما معنى الإضراب في قوله‏:‏ ‏{‏بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل‏}‏ فإنهم ما طلبوا العود إلى الدنيا رغبة ومحبة في الإيمان، بل خوفاً من العذاب الذي عاينوه جزاء على ما كانوا عليه من الكفر، فسألوا الرجعة إلى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا من النار، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون‏}‏ أي في طلبهم الرجعة رغبة ومحبة في الإيمان، ثم قال مخبراً عنهم‏:‏ إنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والمخالفة، ‏{‏وإنهم لكاذبون‏}‏ أي في قولهم‏:‏ ‏{‏يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين‏}‏ أي لعادوا لما نهو عنه، ولقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا، أي ما هي إلا هذه الحياة الدنيا ثم لا معاد بعدها، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وما نحن بمبعوثين‏}‏، ثم قال‏:‏ ‏{‏ولو ترى إذ وقفوا على ربهم‏}‏ أي أوقفوا بين يديه ‏{‏قال أليس هذا بالحق‏}‏‏؟‏ أي أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون ‏{‏قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون‏}‏ أي بما كنتم تكذبون به فذوقوا اليوم مسه ‏{‏أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون‏}‏‏؟‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏31 ‏:‏ 32‏)‏
‏{‏ قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ‏.‏ وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن خسارة من كذب بلقائه وعن خيبته إذا جاءته الساعة بغتة، وعن ندامته على ما فرط من العمل، وما أسلف من قبيح الفعل، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها‏}‏ وهذا الضمير يحتمل عوده على الحياة وعلى الأعمال وعلى الدار الآخرة أي في أمرها، وقوله‏:‏ ‏{‏وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون‏}‏ أي يحملون‏.‏ وقال قتادة‏:‏ يعملون، وقال ابن أبي حاتم عن أبي مرزوق قال‏:‏ يستقبل الكافر أو الفاجر عند خروجه من قبره كأقبح صورة رأيتها أنتنه ريحاً، فيقول‏:‏ من أنت‏؟‏ فيقول‏:‏ أو ما تعرفني‏؟‏ فيقول‏:‏ لا واللّه، إلاّ أنَّ اللّه قبح وجهك وأنتن ريحك، فيقول‏:‏ أنا عملك الخبيث، هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه، فطالما ركبتني في الدنيا، هلم أركبك ‏"‏أخرجه ابن أبي حاتم من حديث عمرو بن قيس عن أبي مرزوق‏"‏، فهو قوله‏:‏ ‏{‏وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم‏}‏ الآية، وقال السدي‏:‏ ‏(‏ليس من رجل ظالم يدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح، وعليه ثياب دنسة حتى يدخل معه قبره، فإذا رآه قال‏:‏ ما أقبح وجهك‏!‏ قال‏:‏ كذلك كان عملك قبيحاً، قال‏:‏ ما أنتن ريحك‏!‏ قال‏:‏ كذلك كان عملك منتناً، قال‏:‏ ما أدنس ثيابك‏!‏ قال، فيقول‏:‏ إن عملك كان دنساً، قال له‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ عملك، قال‏:‏ فيكون معه في قبره، فإذا بعث يوم القيامة قال له‏:‏ إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات، وأنت اليوم تحملني، قال‏:‏ فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو‏}‏، أي إنما غالبها كذلك، ‏{‏وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون‏}‏‏؟‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏33 ‏:‏ 36‏)‏
‏{‏ قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ‏.‏ ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ‏.‏ وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ‏.‏ إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ‏}‏

يقول تعالى مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه‏:‏ ‏{‏قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون‏}‏ أي قد أحطنا علماً بتكذيبهم لك حزنك وتأسفك عليهم، كقوله‏:‏ ‏{‏فلا تذهب نفسك عليهم حسرات‏}‏، كما قال تعالى في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏لعلك باخع نفسك إن لا يكونوا مؤمنين‏}‏، ‏{‏فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون‏}‏ أي لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر، ‏{‏ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون‏}‏ أي ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدورهم، كما قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون‏}‏ ‏"‏رواه الحاكم، وقال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‏"‏وقال ابن أبي حاتم عن أبي يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه، فقال له رجل‏:‏ ألا أراك تصافح هذا الصابىء‏؟‏ فقال‏:‏ واللّه إني لأعلم إنه لنبي، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا‏؟‏ وتلا أبو يزيد ‏
{‏فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون‏}‏‏.‏

وذكر محمد بن إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل هو وأبو سفيان و الأخنس بن شريق ولا يشعر أحد منهم بالآخر، فاستمعوها إلى الصباح، فلما هجم الصبح، تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال كل منهم للآخر‏:‏ ما جاء بك‏؟‏ فذكر له ما جاء به، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم، لئلا يفتتنوا بمجيئهم، فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظناً أن صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود، فلما أصبحوا جمعتهم الطريق، فتلاوموا، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا، فلما كانت الليلة الثالثة جاءوا أيضاً، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها، ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال‏:‏ أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد‏؟‏ قال يا أبا ثعلبة‏:‏ واللّه لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها وما يراد بها، قال الأخنس‏:‏ وأنا والذي حلفت به، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال‏:‏ يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد‏؟‏ قال‏:‏ ماذا سمعت‏؟‏ قال‏:‏ تنازعنا نحن وبنوا عبد مناف الشرف‏:‏ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا‏:‏ منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذا‏؟‏ واللّه لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه، قال‏:‏ فقام عنه الأخنس وتركه وروى ابن جرير عن السدي في قوله‏:‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 04:05 AM   رقم المشاركة : 4
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

‏{‏قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون‏}‏، لما كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة‏:‏ يا بني زهرة‏:‏ يا بني زهرة إن محمداً ابن أختكم، فأنتم أحق من ذبَّ عن ابن أخته، فإنه إن كان نبياً لم تقاتلوه اليوم، وإن كان كاذباً كنتم أحق من كف عن ابن أخته، قفوا حتى ألقى أبا الحكم فإن غلب محمد رجعتم سالمين، وإن غُلب محمداً فإن قومكم لم يصنعوا بكم شيئاً‏.‏ فالتقى الأخنس وابو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل، فقال‏:‏ يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب‏؟‏ فإنه ليس ها هنا من قريش غيري يستمع كلامنا‏؟‏ فقال أبو جهل‏:‏ ويحك‏!‏ واللّه إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش‏؟‏ فذلك قوله‏:‏ ‏{‏فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمن بآيات اللّه يجحدون‏}‏ فآيات اللّه محمد صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا‏}‏، هذه تسلية لنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وأمر له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعد له بالنصر كما نصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة بعدما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا كما لهم النصر في الآخرة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولا مبدل لكلمات اللّه‏}‏ أي التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال‏:‏‏{‏ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين* إنهم لهم المنصورون* وإن جندنا لهم الغالبون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كتب اللّه لأغلبن أنا ورسلي إن اللّه قوي عزيز‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ولقد جاءك من نبأ المرسلين‏}‏ أي من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم فلك فيهم أسوة وبهم قدوة، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏وإن كان كبر عليك إعراضهم‏}‏ أي إن كان شق عليك إعراضهم عنك ‏{‏فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ النفق‏:‏ السرب فتذهب فيه فتأتيهم بآية، أو تجعل لك سلماً في السماء، فتصعد فيه، فتأتيهم بآية أفضل مما أتيتهم به فافعل، وقوله‏:‏ ‏{‏ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين‏}‏، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً‏}‏ الآية، قال ابن عباس‏:‏ إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره اللّه أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما يستجيب الذين يسمعون‏}‏ أي إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه، كقوله‏:‏ ‏{‏لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون‏}‏ يعني بذلك الكفار لأنهم موتى القلوب - فشبههم الله بأموات الأجساد، فقال‏:‏ ‏{‏والموتى يبعثهم اللّه ثم إليه يرجعون‏}‏، وهذا من باب التهكم بهم والإزراء عليهم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏37 ‏:‏ 39‏)‏
‏{‏ وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون ‏.‏ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ‏.‏ والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ مخبراً عن المشركين أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه أي خارق على مقتضى ما كانوا يريدون ومما يتعنتون، كقولهم‏:‏ ‏{‏لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً‏}‏ الآيات، ‏{‏قل إن اللّه قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون‏}‏ أي هو تعالى قادر على ذلك ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك، لأنه لو أنزلها وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم‏}‏، قال مجاهد‏:‏ أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها‏.‏ وقال قتادة‏:‏ الطير أمة، والإنس أمة، والجن أمة‏.‏ وقال السدي‏:‏ ‏{‏إلا أمم أمثالكم‏}‏ أي خلق أمثالكم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ما فرطنا في الكتاب من شيء‏}‏ أي الجميع علمهم عند اللّه ولا ينسى واحداً من جميعها من رزقه وتدبيره سواء كان برياً أو بحرياً، كقوله‏:‏ ‏{‏وما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين‏}‏ أي مفصح بأسمائها، وأعدادها، ومظانها، وحاصر لحركاتها وسكناتها، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ثم إلى ربهم يحشرون‏}‏ عن ابن عباس قال‏:‏ حشرها الموت، والقول الثاني ‏:‏ إن حشرها هو بعثها يوم القيامة، لقوله‏:‏ ‏{‏وإذا الوحوش حشرت‏}‏‏.‏

عن أبي ذر قال‏: بينما نحن عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا انتطحت عنزان، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أتدرون فيم انطحتا‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ لا ندري، قال‏:‏ ‏(‏لكن الله يدري وسيقضي بينهما‏)‏، قال أبو ذر‏:‏ ولقد تركنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً ‏"‏رواه ابن جرير وأحمد وعبد الرزاق، واللفظ لأحمد‏"‏وفي الحديث‏:‏ ‏(‏إن الجمعاء لتقتص من القرناء يوم القيامة‏)‏ ‏"‏راه الإمام أحمد في المسند‏"‏وقال عبد الرزاق عن أبي هريرة في قوله‏:‏ ‏{‏إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون‏}‏ قال‏:‏ يحشر الخلق كلهم يوم القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول‏:‏ كوني تراباً، فلذلك يقول الكافر‏:‏ ‏{‏يا ليتني كنت تراباً‏}‏ الحديث روي موقوفاً هنا ومرفوعاً في حديث الصور وقوله‏:‏ ‏{‏والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات‏}‏ أي مثلهم في جهلهم وقلة علمهم وعدم فهمهم كمثل أصم وهو الذي لا يسمع، أبكم‏:‏ وهو الذي لا يتكلم، وهو مع هذا في ظلمات لا يبصر، فكيف يهتدي مثل هذا إلى الطريق أو يخرج مما هو فيه‏؟‏ كقوله‏:‏ ‏{‏وتركهم في ظلمات لا يبصرون* صم بكم عمي فهم لا يرجعون‏}‏، وكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نوراً فما له من نور‏}‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏من يشأ اللّه يضلله ومن يشا يجعله على صراط مستقيم‏}‏ أي هو المتصرف في خلقه بما يشاء






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 04:19 AM   رقم المشاركة : 5
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏40 ‏:‏ 45‏)‏
‏{‏ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين ‏.‏ بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ‏.‏ ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ‏.‏ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ‏.‏ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ‏.‏ فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ‏}‏

يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد، المتصرف في خلقه بما يشاء، وأنه لا معقب لحكمه، ولا يقدر أحد على صرف حكمه خلقه بل هو وحده لا شريك له، الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه أو أتتكم الساعة‏}‏ أي أتاكم هذا أو هذا ‏{‏أغير اللّه تدعون إن كنتم صادقين‏}‏ أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إن كنتم صادقين‏}‏ أي في اتخاذكم آلهة معه ‏{‏بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون‏}‏ أي في وقت الضرورة لا تدعون أحداً سواه وستذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كقوله‏:‏ ‏{‏وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه‏}‏ الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء‏}‏ يعني الفقر والضيق في العيش، ‏{‏والضراء‏}‏ وهي الأمراض والأسقام والآلام، ‏{‏لعلهم يتضرعون‏}‏ أي يدعون اللّه ويتضرعون إليه ويخشعون‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا‏}‏ أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكوا لدينا، ‏{‏ولكن قست قلوبهم‏}‏ أي ما رقت ولا خشعت، ‏{‏وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون‏}‏ أي من الشرك والمعاندة والمعاصي، ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به‏}‏ أي أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم، ‏{‏فتحنا عليهم أبواب كل شيء‏}‏ أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم، عياذاً باللّه من مكره، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏حتى فرحوا بما أوتوا‏}‏ أي من الأموال والأولاد والأرزاق ‏{‏أخذناهم بغتة‏}‏ أي على غفلة ‏{‏فإذا هم مبلسون‏}‏ أي آيسون من كل خير‏.‏ قال ابن عباس المبلس‏:‏ الآيس، وقال الحسن البصري‏:‏ من وسّع اللّه عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتّر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏فلما نسوا من ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏ قال‏:‏ مكر بالقوم ورب الكعبة، أعطوا حاجتهم ثم أخذوا وقال قتادة‏:‏ بغت القوم أمر اللّه، وما أخذ اللّه قوماً قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا باللّه، فإنه لا يغتر باللّه إلا القوم الفاسقون‏.‏

وقال مالك عن الزهري{‏فتحنا عليهم أبواب كل شيء‏}قال‏:‏ رخاء الدنيا ويسرها‏.‏ وقد قال الإمام أحمد عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا رأيت اللّه يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج‏)‏، ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏ ‏"‏رواه أحمد وابن جرير وابن ابي حاتم‏"‏وعن عباده بن الصامت أن رسول اللّه كان يقول‏:‏ إذا أراد اللّه بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف وإذا اراد اللّه بقوم اقتطاعاً فتح لهم - أو فتح عليهم - باب خيانة ‏{‏حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏، كما قال‏:‏ ‏{‏فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد للّه رب العالمين‏}‏
‏"‏رواه ابن ابي حاتم وأحمد في مسنده‏"‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏46 ‏:‏ 49‏)‏
‏{‏ قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ‏.‏ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون ‏.‏ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏.‏ والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون ‏}‏

يقول اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين ‏{‏أرأيتم إن أخذ اللّه سمعكم وأبصاركم‏}‏ أي سلبكم إياها كما أعطاكموها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار‏}‏ الآية، ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بها الانتفاع الشرعي، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وختم على قلوبكم‏}‏، كما قال‏:‏ ‏{‏أمن يملك السمع والأبصار‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏من إله غير اللّه يأتيكم به‏}‏ أي هل أحد غير اللّه يقدر على رد ذلك إليكم إذا سلبه اللّه منكم‏؟‏ لا يقدر على ذلك أحد سواه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏انظر كيف نصرف الآيات‏}‏ أي نبينها ونوضحها ونفسرها دالة على أنه لا إله إلا اللّه، وأن ما يعبدون من دونه باطل وضلال، ‏{‏ثم هم يصدفون‏}‏ أي ثم هم مع البيان يصدفون، أي يعرضون عن الحق ويصدون الناس عن اتباعه قال ابن عباس‏:‏ يصدفون أي يعدلون‏.‏ وقال مجاهد وقتادة‏:‏ يعرضون، وقال السدي‏:‏ يصدون‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب اللّه بغتة‏}‏ أي وأنتم لا تشعرون به حتى بغتكم وفجأكم، ‏{‏أو جهرة‏}‏ أي ظاهراً عياناً،‏{‏هل يهلك إلا القوم الظالمون‏}‏ أي إنما كان يحيط بالظالمين أنفسهم بالشرك بالله ينجو الذين كانوا يعبدون اللّه وحده لا شريك له فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقوله‏:‏ ‏{‏وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين‏}‏ أي مبشرين عباد اللّه المؤمنين بالخيرات، ومنذرين من كفر باللّه النقمات والعقوبات، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فمن آمن وأصلح‏}‏ أي فمن آمن قلبه بما جاءوا به وأصلح عمله باتباعه إياهم ‏{‏فلا خوف عليهم‏}‏ أي بالنسبة لما يستقبلونه، ‏{‏ولا هم يحزنون‏}‏ أي بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها، اللّه وليهم فيما خلفوه، وحافظهم فيما تركوه؛ ثم قال‏:‏ ‏{‏والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون‏}‏ أي ينالهم العذاب بما كفروا بما جاءت به الرسل، وخرجوا عن أوامر اللّه وطاعته، وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حرماته‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏50 ‏:‏ 54‏)‏
‏{‏قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون ‏.‏ وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون ‏.‏ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ‏.‏ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ‏.‏ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم‏}‏

يقول اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏قل لا اقول لكم عندي خزائن اللّه‏}‏ أي لستُ أملكها ولا أتصرف فيها، ‏{‏ولا أعلم الغيب‏}‏ أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب إنما ذاك من علم اللّه عزَّ وجلَّ، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه، ‏{‏ولا أقول لكم إني ملك‏}‏ أي ولا أدعي أني ملك، إنما أنا بشر من البشر يوحى إليَّ من اللّه عزَّ وجلَّ شرفني بذلك وأنعم عليّ به، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏إن أتبع إلا ما يوحى إلي‏}‏ أي لست أخرج عنه قيد شبر ولا أدنى منه، ‏{‏قل هل يستوي الأعمى والبصير‏}‏ أي هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه، ومن ضل عنه فلم ينقد له ‏{‏أفلا تتفكرون‏}‏‏؟‏ وهذه كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع‏}‏ أي وأنذر بهذا القرآن يا محمد، ‏{‏الذين هم من خشية ربهم مشفقون‏}‏، ‏{‏الذين يخشون ربهم ويخافون سوء الحساب‏}‏، ‏{‏الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم‏}‏ أي يوم القيامة ‏{‏ليس لهم‏}‏ أي يومئذ ‏{‏من دونه ولي ولا شفع‏}‏ أي لا قريب لهم ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم ‏{‏لعلهم يتَّقون‏}‏ أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا اللّه عزَّ وجلَّ ‏{‏لعلهم يتقون‏}‏ فيعملون في هذه الدار عملاً ينجيهم اللّه به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه‏}‏ أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك، كقوله‏:‏ ‏{‏واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏يدعون ربهم‏}‏ أي يعبدونه ويسألونه ‏{‏بالغداة والعشي‏}‏ قال سعيد ابن المسيب‏:‏ المراد به الصلاة المكتوبة وهو قول مجاهد والحسن وقتادة وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏وقال ربكم ادعوني أستجب لكم‏}‏ أي أتقبل منكم، وقوله‏:‏ ‏{‏يريدون وجهه‏}‏ أي يريدون بذلك العمل وجه اللّه الكريم وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات، وقوله‏:‏ ‏{‏ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء‏}‏ كقول نوح عليه السلام في جواب الذين قالوا‏:‏ ‏{‏أنؤمن لك واتبعك الأرذلون‏}‏، ‏{‏وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون‏}‏ أي إنما حسابهم على اللّه عزَّ وجلَّ، وليس عليّ من حسابهم من شيء، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء وقوله‏:‏ ‏{‏فتطردهم فتكون من الظالمين‏}‏ أي إن فعلت هذا والحالة هذه‏.‏

روى ابن جرير عن ابن مسعود قال‏:‏ مر الملأ من قريش برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا يا محمد‏:‏ أرضيت بهؤلاء من قومك‏؟‏ أهؤلاء الذين منَّ اللّه عليهم من بيننا‏؟‏ أنحن نصير تبعاً لهؤلاء‏؟‏ اطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك، فنزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه‏}‏، ‏{‏وكذلك فتنا بعضهم ببعض‏}‏ إلى آخر الآية، وقال ابن أبي حاتم عن خباب في قول اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‏}‏ قال‏:‏ جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي صلى اللّه عليه وسلم حقّروهم في نفر من أصحابه فأتوه فخلوا به، وقالوا‏:‏ إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا‏:‏ فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏، قالوا‏:‏ فاكتب لنا عليك كتاباً، قال‏:‏ فدعا بصحيفة ودعا علياً ليكتب ونحن قعود في ناحية، فنزل جبريل فقال‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم‏}‏ الآية، فرمى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالصحيفة من يده، ثم دعانا فأتيناه ‏"‏أخرجه ابن ابي حاتم ورواه ابن جرير أيضاً من حدث أسباط بن نصر‏"‏وقال سعد نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم، منهم ابن مسعود قال‏:‏ كنا نستبق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وندنو منه، فقالت قريش‏:‏ تدني هؤلاء دوننا، فنزلت‏:‏ ‏{‏ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‏}‏ ‏"‏رواه الحاكم في المستدرك وقال‏:‏ على شرط الشيخين وأخرجه ابن حبان في صحيحه‏"‏وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك فتنا بعضهم ببعض‏}‏ أي ابتلينا واختبرنا، وامتحنا بعضهم ببعض ‏{‏ليقولوا أهؤلاء منَّ اللّه عليهم من بيننا‏}‏، وذلك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان غالب من اتبعه في أول بعثته ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل، كما قال نوح لنوح‏:‏ ‏{‏وما نراك اتبعك إلا الذين هم اراذلنا بادي الرأي‏}‏ الآية، وكما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل فقال له فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم‏؟‏ فقال‏:‏ بل ضعفاؤهم، فقال‏:‏ هم أتباع الرسل، والغرض أن مشركي قريش كانوا يسخرون بمن آمن من ضعفائهم ويعذبون من يقدرون عليه منهم، وكانوا يقولون‏:‏ أهؤلاء منَّ اللّه عليهم من بيننا‏؟‏ أي ما كان اللّه ليهدي هؤلاء إلى الخير لو كان ما صاروا إليه خيراً ويدعنا كقولهم‏:‏ ‏{‏لو كان خيراً ما سبقونا إليه،‏}‏ وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً‏}‏ قال اللّه تعالى في جواب ذلك‏:‏ ‏{‏وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثاً ورئيا‏}‏، وقال في جوابهم حين قالوا‏:‏ ‏{‏أهؤلاء منَّ اللّه عليهم من بيننا‏}‏{‏أليس اللّه بأعلم بالشاكرين‏}‏‏؟‏ أي أليس هو أعلم بالشاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم فيوفقهم ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن اللّه لمع المحسنين‏}‏ وفي الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏إن اللّه لا ينظر إلى صوركم ولا إلى ألوانكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم‏)‏ ‏"‏أخرجه مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏إن اللّه لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم‏.‏‏.‏‏)
‏الحديث‏.‏‏"‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم‏}‏ أي فأكرمهم برد السلام عليهم وبشرهم برحمة اللّه الواسعة الشاملة لهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كتب ربكم على نفسه الرحمة‏}‏ أي أوجبها على نفسه الكريمة تفضلاً منه وإحساناً وامتناناً ‏{‏أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة‏}‏، قال بعض السلف‏:‏ كل من عصى اللّه فهو جاهل وقال بعضهم‏:‏ الدنيا كلها جهالة‏:‏ ‏{‏ثم تاب من بعده وأصلح‏}‏ أي رجع عما كان عليه من المعاصي وأقلع، وعزم على أن لا يعود وأصلح العمل في المستقبل ‏{‏فإنه غفور رحيم‏} قال الإمام أحمد عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لما قضى اللّه على الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي‏)‏ أخرجاه في الصحيحين‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 04:48 AM   رقم المشاركة : 6
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏55 ‏:‏ 59‏)‏
{‏ وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ‏.‏ قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ‏.‏ قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين ‏.‏ قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين ‏.‏ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وكما بينا ما تقدم بيانه من الحجج والدلائل على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد، ‏{‏كذلك نفصل الآيات‏}‏ أي التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها، ‏{‏ولتستبين سبيل المجرمين‏}‏ أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل، وقوله‏:‏ ‏{‏قل إني على بينة من ربي‏}‏ أي على بصيرة من شريعة اللّه التي أوحاها اللّه إليّ، ‏{‏وكذبتم به‏}‏ أي بالحق الذي جاءني من الله، ‏{‏ما عندي ما تستعجلون به‏}‏ أي من العذاب، ‏{‏إن الحكم إلا للّه‏}‏ أي إنما يرجع أمر ذلك إلى اللّه إن شاء عجل لكم ما سألتموه من ذلك، وإن شاء أنظركم وأجّلكم لما له في ذلك من الحكمة العظيمة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يقص الحق وهو خير الفاصلين‏}‏ أي وهو خير من فصل القضايا وخير الفاصلين في الحكم بين عباده، وقوله‏:‏ ‏{‏قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم‏}‏ أي لو كان مرجع ذلك إليّ لأوقعت لكم ما تستحقونه من ذلك، واللّه أعلم بالظالمين‏.‏ فإن قيل‏:‏ فما الجمع بين هذه الآية وبين ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ يا رسول اللّه هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحُد‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منه يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد ظللتني، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني، فقال‏:‏ إن اللّه قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال‏:‏ فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال‏:‏ يا محمد إن اللّه قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت، إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏بل أرجو أن يخرج اللّه من أصلابهم من يعبد اللّه لا يشرك به شيئا‏.‏ فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم فاستأنا بهم، وسأل لهم التأخير لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئاً، فما الجمع بين هذا وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة‏:‏‏{‏قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم واللّه أعلم بالظالمين‏}‏‏؟‏ فالجواب - واللّه أعلم - أن هذه الآية دلت على أنه لو كان إليه وقوع العذاب الذي يطلبونه حال طلبهم له لأوقعه بهم‏.‏ وأما الحديث فليس فيه أنهم سألوه وقوع العذاب بهم بل عرض عليه ملك الجبال، أنه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوباً وشمالاً، فلهذا استأنى بهم وسأل الرفق لهم‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو‏}‏ قال البخاري عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا اللّه‏(‏ ثم قرأ‏:‏ إن اللّه عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن اللّه عليم خبير‏}‏، وفي حديث عمر أن جبريل حين تبدي له في صورة أعرابي، فسال عن الإيمان الإسلام الإحسان‏.‏ فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم فيما قال له‏:‏ ‏(‏خمس لا يعلمهن إلا اللّه‏)‏ ثم قرأ‏:‏ ‏{‏إن اللّه عنده علم الساعة‏}‏ الآية‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ويعلم ما في البر والبحر‏}‏ أي يحيط علمه الكريم بجميع الموجودات بريها وبحريها لا يخفى عليه من ذلك شيء ولا مثقال ذرة في الارض ولا في السماء، وما أحسن ما قاله الصرصري‏:‏
فلا يخفى عليه الذر إما * تراءى للنواظر أو توارى
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما تسقط من ورقة إلا يعلمها‏}‏ أي ويعلم الحركات حتى من الجمادات، فما ظنك بالحيوانات لا سيما بالمكلفون منهم من جنهم وإنسهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏}‏ وقال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وما تسقط من ورقة إلا يعلمها‏}‏ قال‏:‏ ما من شجرة في بر ولا بحر إلا وملك موكل بها يكتب ما يسقط منها، وقوله‏:‏ ‏{‏ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين‏}‏ قال عبد اللّه بن الحارث‏:‏ ما في الأرض من شجرة ولا مغرز إبراة إلا وعليها ملك موكل يأتي اللّه بعلمها رطوبتها إذا رطبت ويبوستها إذا يبست‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏60 ‏:‏ 62‏)‏
{‏ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ‏.‏ وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ‏.‏ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ إنه يتوفى عباده في منامهم بالليل، وهذا هو التوفي الأصغر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اللّه يتوفَّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها‏}‏، فذكر في هذه الآية الوفاتين الكبرى والصغرى، وهكذا ذكر في هذا المقام حكم الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، فقال‏:‏ ‏{‏وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار‏}‏ أي ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار، وهذه جملة معترضة دلت على إحاطة علمه تعالى بخلقه في ليلهم ونهارهم في حال سكونهم حال حركتهم، كما قال‏:‏ ‏{‏سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار‏}‏، وكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه‏}‏ أي في الليل، ‏{‏ولتبتغوا من فضله‏}‏ أي في النهار، كما قال‏:‏ ‏{‏وجعلنا الليل لباساً وحعلنا النهار معاشاً‏}‏، ولهذا قال تعالى ها هنا‏:‏ ‏{‏وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار‏}‏ أي ما كسبتم من الأعمال فيه، ‏{‏ثم يبعثكم فيه‏}‏ أي في النهار، قاله مجاهد وقتادة والسدي، وقال ابن جرير ‏:‏ أي في المنام والأول أظهر، وقد روى ابن مردويه بسنده عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏مع كل إنسان ملك إذا نام أخذ نفسه ويرد إليه، فإن أذن اللّه في قبض روحه قبضة وإلا رد إليه‏)‏ فذلك قوله‏:‏ ‏{‏وهو الذي يتوفاكم بالليل‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ليقضى أجل مسمى‏}‏ يعني به أجل كل واحد من الناس، ‏{‏ثم إليه مرجعكم‏}‏ أي يوم القيامة، ‏{‏ثم ينبئكم‏}‏ أي يخبركم ‏{‏بما كنتم تعملون‏}‏ ويجزيكم على ذلك إن خيراً فخير وإن شرأ فشر، وقوله‏:‏ ‏{‏وهو القاهر فوق عباده‏}‏ أي وهو الذي قهر كل شيء وخضع لجلاله وعظمته وكبريائه كل شيء، ‏{‏ويرسل عليكم حفظة‏}‏ أي من الملائكة يحفظون بدن الإنسان كقوله‏:‏ ‏{‏له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه‏}‏ وحفظة يحفظون عمله ويحصونه كقوله‏:‏ ‏{‏وإن عليكم لحافظين‏}‏ الآية، وكقوله‏:‏ ‏{‏ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد‏}‏ وكقوله‏:‏ ‏{‏إذ يتلقى المتلقيان‏}‏ الآية‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏حتى إذا جاء أحدكم الموت‏}‏ أي احتضر وحان أجله ‏{‏توفته رسلنا‏}‏ أي ملائكة موكلون بذلك‏.‏ قال ابن عباس وغير واحد‏:‏ لملك الموت أعوان من الملائكة يخرجون الروح من الجسد فيقبضها ملك الموت إذا انتهت إلى الحلقوم، وسيأتي عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت‏}‏ الأحاديث المتعلقة بذلك الشاهدة لهذا بالصحة، وقوله‏:‏ ‏{‏وهم لا يفرّطون‏}‏ أي في حفظ روح المتوفى بل يحفظونها وينزلونها حيث شاء اللّه عزَّ وجلَّ، إن كان من الأبرار ففي عليين، وإن كان من الفجار ففي سجين عياذاً باللّه من ذلك، وقوله‏:‏ ‏{‏ثم ردوا إلى اللّه مولاهم الحق‏}‏‏.‏ قال ابن جرير‏:‏ ‏{‏ثم ردوا‏}‏ يعني الملائكة، ونذكر ها هنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصالح قالوا‏:‏ اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها فيقال‏:‏ من هذا‏؟‏ فيقال‏:‏ فلان، فيقال‏:‏ مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا تزال يقال لها ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها اللّه عزَّ وجلَّ وإذا كان الرجل السوء قالوا‏:‏ اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال‏:‏ من هذا‏؟‏ فيقال‏:‏ فلان، فيقال‏:‏ لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء، فترسل من السماء، ثم تصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح فيقال له‏:‏ مثل ما قيل في الحديث الأول، ويجلس الرجل السوء فيقال له‏:‏ مثل ما قيل في الحديث الثاني‏)‏ ويحتمل أن يكون المراد بقوله‏:‏ ‏{‏ثم ردوا‏}‏ يعني الخلائق كلهم إلى يوم القيامة فيحكم فيهم بعدله كما قال‏:‏ ‏{‏قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً‏}‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏63 ‏:‏ 65‏)‏
‏{‏ قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين ‏.‏ قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ‏.‏ قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ‏}‏

يقول تعالى ممتناً على عباده في إنجائه المضطرين منهم من ظلمات البر والبحر أي الحائرين الواقعين في المهامه البرية، وفي اللجج البحرية إذا هاجت الرياح العاصفة، فحينئذ يفردون الدعاء له وحده له شريك له، كقوله‏:‏ ‏{‏وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته أإله مع اللّه تعالى اللّه عما يشركون‏}‏ وقال في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية‏}‏ أي جهراً وسراً، ‏{‏لئن أنجانا‏}‏ أي من هذه الضائقة ‏{‏لنكونن من الشاكرين‏}‏ أي بعدها، قال اللّه‏:‏ ‏{‏قل اللّه ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم‏}‏ أي بعد ذلك، ‏{‏تشركون‏}‏ أي تدعون معه في حال الرفاهية آلهة أخرى، وقوله‏:‏ ‏{‏قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم‏}‏ لما قال‏:‏ ‏{‏ثم أنتم تشركون‏}‏ عقبه بقوله‏:‏ ‏{‏قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً‏}‏ أي بعد إنجائه إياكم كقوله‏:‏ ‏{‏وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً‏}‏ قال الحسن‏:‏ هذه للمشركين، وقال مجاهد‏:‏ لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم وعفا عنهم؛
ونذكر هنا الأحاديث الواردة في ذلك‏.‏
قال البخاري رحمه اللّه تعالى‏:
يلبسكم‏:‏ يخلطكم من الالتباس، يلبسوا‏:‏ يخلطوا، شيعاً‏:‏ فرقاً‏.‏ ثم روى بسنده عن جابر بن عبد اللّه قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم‏}‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أعوذ بوجهك‏)‏، ‏{‏أو من تحت أرجلكم‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏أعوذ بوجهك‏)‏، ‏{‏أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض‏}‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏ هذه أهون - أو - أيسر‏)‏ طريق آخر قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره عن جابر قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً من فوقكم‏}‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أعوذ باللّه من ذلك‏)‏ ‏{‏أو من تحت أرجلكم‏}‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أعوذ باللّه من ذلك‏)‏، ‏{‏أو يلبسكم شيعاً‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏هذا أيسر‏)‏ ولو استعاذه لأعاذه‏.‏

حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ أقبلنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية، فدخل فصلى ركعتين، فصلينا معه، فناجى ربه عزَّ وجلَّ طويلاً ثم قال‏:‏ ‏(‏سألت ربي ثلاثاً، سألته‏:‏ أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته‏:‏ أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته‏:‏ أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها‏)‏
‏"‏أخرجه مسلم في كتاب الفتن، ومعنى السنة‏:‏ القحط والجدب‏"‏

حديث آخر ‏: قال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن جابر بن عتيك أنه قال‏:‏ جاءنا عبد اللّه بن عمر في حرة بني معاوية - قرية من قرى الأنصار - فقال لي‏:‏ هل تدري أين صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في مسجدكم هذا‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم، فقال‏:‏ فأشرت إلى ناحية منه، فقال‏:‏ هل تدري ما الثلاث التي دعاهن فيه‏؟‏ فقلت‏:‏ أخبرني بهن فقلت‏:‏ دعا أن لا يظهر عليهم عدواً من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيهما، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها، قال‏:‏ صدقت، فلا يزال الهرج إلى يوم القيامة ‏
"‏قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد قوي وليس هو في شيء من الكتب الستة‏"‏

حديث آخر قال الإمام أحمد عن أنس بن مالك أنه قال‏:‏ رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعات فلما انصرف قال‏:‏ ‏(‏إني صليت صلاة رغبة ورهبة ، وسألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة‏:‏ سألته أن لا يبتلي أمتي بالسنين ففعل، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوهم ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعاً فأبى عليّ‏)‏، ورواه النسائي في الصلاة‏.‏ حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن خباب بن الأرت مولى بني زهرة وكان قد شهد بدراً مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ وافيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في ليلة صلاها كلها حتى كان مع الفجر فسلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من صلاته، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت مثلها‏!‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏أجل إنها صلاة رغب ورهب، سألت ربي عزَّ وجلَّ فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي عزَّ وجلَّ أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسالت ربي عزَّ وجلَّ أن لا يظهر علينا عدواً من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي عزَّ وجلَّ أن لا يلبسنا شيعاً فمنعنيها‏)‏
"‏رواه أحمد والنسائي وابن حبان والترمذي وقال‏:‏ حسن صحيح‏"‏

حديث آخر ‏:‏
عن شداد بن أوس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وإني أعطيت الكنزين المراد بالكنزين‏:‏ الذهب والفضة الأبيض والأحمر، وإني سألت ربي عزَّ وجلَّ أن لا يهلك أمتي بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً فيهلكهم بعامة، وأن لا يلبسهم شيعاً، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فقال‏:‏ يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وان لا أسلط عليهم عدواً ممن سواهم فيهلكهم بعامة حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً وبعضهم يقتل بعضاً وبعضهم يسبي بعضاً‏)‏ قال‏:‏ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، فإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة‏)‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ الحديث ليس في شيء من الكتب الستة وإسناده جيد قوي‏"‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 04:49 AM   رقم المشاركة : 7
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

حديث آخر ‏:‏قال الطبراني عن جابر بن سمرة السوائي عن علي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏سألت ربي ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، فقلت‏:‏ يا رب لا تهلك أمتي جوعاً فقال‏:‏ هذه لك‏.‏ قلت‏:‏ يا رب لا تسلط عليهم عدواً من غيرهم يعني أهل الشرك فيجتاحهم قال‏:‏ ذلك لك، قلت‏:‏ يا رب لا تجعل بأسهم بينهم قال - فمنعني هذه‏)‏

حديث آخر ‏:‏قال الحافظ أبو بكر بن مردويه عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏دعوت ربي عزَّ وجلَّ أن يرفع عن أمتي أربعاً فرفع اللّه عنهم اثنتين، وأبى عَليَّ أن يرفع عنهم اثنتين‏:‏ دعوت ربي أن يرفع الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيعاً، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع اللّه عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأبى أن يرفع اثنتين القتل والهرج‏)‏ طريق أخرى ‏:‏ عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض‏}‏ قال‏:‏ فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم فتوضا ثم قال‏:‏ ‏(‏اللهم لا ترسل على أمتي عذاباً من فوقهم ولا من تحت أرجلهم ولا تلبسهم شيعاً، ولا تذق بعضهم بأس بعض‏)‏ قال‏:‏ فأتاه جبريل فقال‏:‏ يا محمد إن اللّه قد أجار أمتك أن يرسل عليهم عذاباً من فوقهم أو من تحت أرجلهم‏.‏ قال مجاهد وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد وغير واحد في قوله‏:‏ ‏{‏عذاباً من فوقكم‏}‏ يعني الرجم، ‏{‏أو من تحت أرجلكم‏}‏ يعني الخسف وهذا هو اختيار ابن جرير‏.‏


وكان عبد اللّه بن مسعود يصيح وهو في المسجد أو على المنبر يقول‏: الا أيها الناس إنه قد نزل بكم، إن اللّه يقول‏:‏ ‏{‏قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم‏}‏ لو جاءكم عذاب من السماء لم يبق منكم أحد ‏{‏أو من تحت أرجلكم‏}‏ لو خسف بكم الأرض أهلككم ولم يبق منكم أحداً، ‏{‏أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض‏}‏، الا إنه نزل بكم أسوأ الثلاث‏.‏ وقال ابن جرير عن ابن عباس ‏{‏عذاباً من فوقكم‏}‏ يعني أمراءكم، ‏{‏أو من تحت أرجلكم‏}‏ يعني عبيدكم وسفلتكم، قال ابن جرير‏:‏ وهذا القول وإن كان له وجه صحيح لكن الأول أظهر وأقوى، ويشهد له بالصحة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير‏}‏ وفي الحديث‏:‏ ‏(‏ليكونن في هذه الأمة قذف وخسف ومسخ‏)‏، وذلك مذكور مع نظائره في أمارات الساعة وأشراطها وظهور الآيات قبل يوم القيامة، وستأتي في موضعها إن شاء اللّه تعالى‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏أو يلبسكم شيعاً‏}‏ يعني يجعلكم ملتبسين شيعاً فرقاً متخالفين‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ يعني الأهواء،وكذا قال مجاهد وقد ورد في الحديثعنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة‏)‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويذيق بعضكم بأس بعض‏}‏، قال ابن عباس وغير واحد‏:‏ يعني يسلط بعضكم على بعض بالعذاب والقتل، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏انظر كيف نصرف الآيات‏}‏ أي نبينها ونوضحها مرة ونفسرها ‏{‏لعلهم يفقهون‏}‏ أي يفهمون ويتدبرون عن اللّه آياته وحججه وبراهينه قال زيد ابن أسلم‏:‏ لما نزلت ‏{‏قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذاباً من فوقكم‏}‏ الآية، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف‏)‏ قالوا‏:‏ ونحن نشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم‏)‏ فقال بعضهم‏:‏ لا يكون هذا ابداً أن يقتل بعضنا بعضاً ونحن مسلمون، فنزلت ‏{‏انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون* وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون‏}‏"‏رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‏"‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 05:06 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏66 ‏:‏ 69‏)‏
‏{‏ وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل ‏.‏ لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ‏.‏ إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ‏.‏ وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وكذب به‏}‏ أي بالقرآن الذي جئتهم به والهدى والبيان ‏{‏قومك‏}‏ يعني قريشاً، ‏{‏وهو الحق‏}‏ أي الذي ليس وراءه حق، ‏{‏قل لست عليكم بوكيل‏}‏، أي لست عليكم بحفيظ، ولست بموكل بكم كقوله‏:‏ ‏{‏وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‏}‏، أي إنما عليَّ البلاغ وعليكم السمع والطاعة، فمن اتبعني سعد في الدنا والآخرة، من خالفني فقد شقي في الدنيا والآخرة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لكل نبأ مستقر‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ أي لكل نبأ حقيقة، أي لكل خبر وقوع ولو بعد حين، كما قال‏:‏ ‏{‏ولتعلمن نبأه بعد حين‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏لكل أجل كتاب‏}‏، وهذا تهديد ووعيد أكيد، ولهذا قال بعده‏:‏ ‏{‏وسوف تعلمون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا‏}‏ أي بالتكذيب والاستهزاء فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره‏}‏ أي حتى يأخذوا في كلام آخر غير ما كانوا فيه من التكذيب ‏{‏وإما ينسينك الشيطان‏}‏، والمراد بذلك كل فرد فرد من آحاد الأمة، أن لا يجلس مع المكذبين الذين يحرفون آيات اللّه ويضعونها على غير مواضعها، فإن جلس أحد معهم ناسياً ‏{‏فلا تقعد بعد الذكرى‏}‏ بعد التذكر ‏{‏مع القوم الظالمين‏}‏، ولهذا ورد في الحديث‏:‏ ‏(‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن ماجة ولفظه ‏(‏إن اللّه وضع عن أمتي الخطأ‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏"‏وقال السدي في قوله‏:‏ ‏{‏وإما ينسينك الشيطان‏}‏، قال‏:‏ إن نسيت فذكرت ‏{‏فلا تقعد‏}‏ معهم، وكذا قال مقاتل بن حيان، وهذه الآية هي المشار إليها في قوله‏:‏ ‏{‏وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات اللّه يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم‏}‏ الآية، أي إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك فقد ساويتموهم فيما هم فيه، وقوله‏:‏ ‏{‏وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء‏}‏ أي إذا تجنبوهم فلم يجلسوا معهم في ذلك فقد برثوا من عهدتهم وتخلصوا من إثمهم، قال ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قوله‏:‏ ‏{‏وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء‏}‏ قال‏:‏ ما عليك أن يخوضوا في آيات اللّه إذا فعلت ذلك، أي إذا تجنبتم وأعرضت عنهم، وقال آخرون‏:‏ بل معناه‏:‏ وإن جلسوا معهم فليس عليهم من حسابهم من شيء، وزعموا أن هذا منسوخ بآية النساء المدنية وهي قوله‏:‏ ‏{‏إنكم إذا مثلهم‏}‏، قاله مجاهد والسدي وابن جريج وغيرهم، وعلى قولهم يكون قوله‏:‏ ‏{‏ولكن ذكرى لعلهم يتقون‏}‏ أي ولكن أمرناكم بالإعراض عنهم حينئذ تذكريراً لهم عما هم فيه لعلهم يتقون ذلك ولا يعودون إليه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏70‏)‏
{‏ وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا‏}‏ أي دعهم وأعرض عنهم وأمهلهم قليلاً فإنهم صائرون إلى عذاب عظيم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وذكر به‏}‏ أي ذكر الناس بهذا القرآن وحذرهم نقمة اللّه وعذابه الأليم يوم القيامة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن تبسل نفس بما كسبت‏}‏ أي لئلا تبسل، قال ابن عباس والحسن والسدي‏:‏ تبسل‏:‏ تسلم، وقال الوالبي عن ابن عباس تفتضح‏.‏ وقال قتادة‏:‏ تحبس، وقال ابن زيد‏:‏ تؤاخذ، وقال الكلبي‏:‏ تجزى، وكل هذا الأقوال والعبارات متقاربة في المعنى، وحاصلها الإسلام للهلكة، والحبس عن الخير، والإرتهان عن درك المطلوب، كقوله‏:‏ ‏{‏كل نفس بما كسبت رهينة إلا اصحاب اليمين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ليس لها من دون اللّه ولي ولا شفيع‏}‏ أي لا قريب ولا أحد يشفع فيها، كقوله‏:‏ ‏{‏من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها‏}‏ أي ولو بذلت كل مبذول ما قبل منها كقوله‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً‏}‏ الآية، وكذا قال ههنا‏:‏ ‏
{‏أولئك الذين ابسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏71 ‏:‏ 73‏)‏
‏{‏ قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين ‏.‏ وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون ‏.‏ وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير ‏}‏

قال السدي‏:‏ قال المشركون للمسلمين اتبعوا سبيلنا واتركوا دين محمد، فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏قل أندعوا من دون اللّه مالا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا‏}‏ أي في الكفر ‏{‏بعد إذ هدانا اللّه‏}‏ فيكون مثلنا مثل الذي استهوته الشياطين في الأرض، يقول‏:‏ مثلكم إن كفرتم بعد إيمانكم كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق، فضلَّ الطريق، فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض وأصحابه على الطريق، فجعلوا يدعونه إليهم يقولون‏:‏ ائتنا فإنا على الطريق، فأبى أن يأتيهم، فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق، والطريق هو الإسلام ‏"‏رواه ابن جرير‏"‏وقال قتادة ‏{‏استهوته الشياطين في الارض‏}‏ أضلته في الارض‏:‏ يعني استهوته سيرته، كقوله‏:‏ ‏{‏تهوي إليهم‏}‏، وقال ابن عباس‏:‏ هذا مثل ضربه اللّه لآلهة ومن يدعو إليها، والدعاة الذين يدعون إلى هدى اللّه عزَّ وجلَّ، كمثل رجل ضل عن طريق تائهاً، إذ ناداه مناد‏:‏ يا فلان ابن فلان هلم إلى الطريق، وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق، يقول‏:‏ مثل من يعبد هذه الآلهة من دون اللّه فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الندامة والهلكة‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كالذي استهوته الشياطين في الأرض‏}‏ هم الغيلان يدعونه باسمه واسم أبيه وجده، فيتبعها، وهو يرى أنه في شيء، فيصبح وقد رمته في هلكة، وربما أكلته، أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشاً فبهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون اللّه عزَّ وجلَّ رواه ابن جرير‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران‏}‏ قال‏:‏ رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق وذلك مثل من يضل من بعد أن هدي‏.‏ وقال العوفي عن ابن عباس‏:‏ هو الذي لا يستجيب لهدى اللّه، وهو رجل أطاع الشيطان، وعمل في الارض بالمعصية، وحاد من الحق، وضل عنه، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى، يقول اللّه ذلك لأوليائهم من الإنس ‏{‏إن الهدى هدى اللّه‏}‏ والضلال ما يدعو إليه الجن، رواه ابن جرير، ثم قال‏:‏ وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ويزعمون أنه هدى، قال‏:‏ وهذا خلاف ظاهر الآية، فإن اللّه أخبر أنهم يدعونه إلى الهدى، فغير جائز أن يكون ضلالاً وقد اخبر اللّه أنه هدى، وهو كما قال ابن جرير، فإن السياق يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الارض حيران، وهو منصوب على الحال أي في حال حيرته وضلاله وجهله وجه المحجة، وله أصحاب على المحجة سائرون، فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى وتقدير الكلام فيأبى عليهم ولا يلتفت إليهم ولو شاء اللّه لهداه ولرد به إلى الطريق، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قل إن هدى اللّه هو الهدى‏}‏ كما قال‏:‏ ‏{‏ومن يهد اللّه فما له من مضل‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏إن تحرص على هداهم فإن اللّه لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وأمرنا لنسلم لرب العالمين‏}‏ أي نخلص له العبادة وحده لا شريك له ‏{‏وأن أقيموا الصلاة واتقوه‏}‏ أي وأمرنا بإقامة الصلاة وبتقواه في جميع الأحوال، ‏{‏وهو الذي إليه تحشرون‏}‏ أي يوم القيامة، ‏{‏وهو الذي خلق السموات والارض بالحق‏}‏ أي بالعدل فهو خالقهما ومالكهما والمدبر لهما ولمن فيهما، وقوله‏:‏ ‏{‏ويوم يقول كن فيكون‏}‏ يعني يوم القيامة الذي يقول اللّه كن فيكون عن أمره كلمح البصر أو هو أقرب، واختلف المفسرن في قوله‏:‏ ‏{‏يوم ينفخ في الصور‏}‏، فقال بعضهم‏:‏ المراد بالصور هنا جمع صورة أي يوم ينفخ فيها فتحيا‏.‏ قال ابن جرير كما يقال‏:‏ سور لسور البلد، وهو جمع سورة، والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، قال ابن جرير‏:‏ والصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته متى يؤمر فينفخ‏)‏ ‏"‏رواه مسلم في صحيحه‏"‏وقال الإمام أحمد عن عبد اللّه بن عمرو قال،
قال أعرابي‏:‏ يا رسول اللّه ما الصور‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏قرن ينفخ فيه‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏74 ‏:‏ 79‏)‏
‏{‏ وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين ‏.‏ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ‏.‏ فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين ‏.‏ فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ‏.‏ فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون ‏.‏ إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ‏}‏

قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر، وإنما كان اسمه تارخ، وقال مجاهد والسدي‏:‏ آزر اسم صنم، قلت‏:‏ كأنه غلب عليه آزر لخدمته ذلك الصنم فاللّه أعلم، وقال ابن جرير‏:‏ هو سب وعيب بكلامهم، ومعناه معوج، وهي أشد كلمة قالها إبراهيم عليه السلام، ثم قال ابن جرير‏:‏ والصواب أن اسم أبيه أزر، وقد يكون له اسمان كما لكثير من الناس، أو يكون أحدهما لقباً، وهذا الذي قاله جيد قوي واللّه أعلم‏.‏ وقرأ الجمهور بالفتح، إما على أنه علم أعجمي لا ينصرف، وهو بدل من قوله لأبيه، أو عطف بيان وهو أشبه، والمقصود أن إبراهيم وعظ أباه في عبادة الأصنام وزجره عنها فلم ينته كما قال‏:‏ ‏{‏وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر تتخذ أصناما آلهة‏}‏ أي أتتأله لصنم تعبده من دون اللّه ‏{‏إني أراك وقومك‏}‏ أي السالكين مسلكك ‏{‏في ضلال مبين‏}‏ أي تائهين، لا يهتدون أين يسلكون بل في حيرة وجهل، وأمركم في الجهالة والضلال بين واضح لكل ذي عقل سليم، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا‏}‏، فكان إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه مدة حياته، فلما مات على الشرك وتبين إبراهيم ذلك رجع عن الاستغفار له وتبرأ منه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو اللّه تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم‏}‏، وثبت في الصحيح أن إبراهيم يلقى أباه آزر يوم القيامة، فيقول له آزر‏:‏ يا بني اليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم أي رب ألم تعدني أنك لا تخزني يوم يبعثون، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد‏؟‏ فيقال‏:‏ يا إبراهيم انظر ما ورءاك، فإذا هو بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار، وقوله‏:‏ ‏{‏وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض‏}‏ أي نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما على وحدانية اللّه عزَّ وجلَّ في ملكه وخلقه وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، كقوله‏:‏ ‏{‏قل انظروا ماذا في السموات والأرض‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض‏}‏‏.‏ وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين‏}‏، فإنه تعالى جلى له الأمر سره وعلانيته، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق، فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره حتى رأى ذلك عياناً، ويحتمل أن يكون عن بصيرته حتى شاهده بفؤاده وتحققه وعرفه وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدلالات القاطعة، كما رواه الإمام أحمد والترمذي عن معاذ بن جبل في حديث المنام‏:‏ ‏(‏أتاني ربي في أحسن صورة فقال‏:‏ يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى‏؟‏ فقلت‏:‏ لا أدري يا رب، فوضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفت ذلك‏)‏ وذكر الحديث‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وليكون من الموقنين‏}‏ قيل الواو زائدة تقديره‏:‏ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ليكون من الموقنين، كقوله‏:‏ ‏{‏وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين‏}‏، وقيل‏:‏ بل هي على بابها أي نريه ذلك ليكون عالماً وموقناً‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فلما جن عليه الليل‏}‏ أي تغشاه وستره ‏{‏رأى كوكبا‏}‏ أي نجماً قيل‏:‏ الزهرة، وقيل‏:‏ المشتري، وهو قول الطبري، وكان قومه يعبدون الكواكب ، ‏{‏قال هذا ربي فلما أفل‏}‏ أي غاب‏.‏ قال محمد بن إسحاق الأفول‏:‏ الذهاب، وقال ابن جرير‏:‏ يقال أفل النجم يأفِل ويأفُل أفولاً وأفلاً‏:‏ إذا غاب، ومنه قول ذي الرمة‏:‏
مصابيح ليست باللواتي نقودها * دياج ولا بالآفلات الزوائل






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 05:34 AM   رقم المشاركة : 9
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

ويقال‏:‏ أين أفلت عنا‏؟‏ بمعنى أين غبت عنا‏.‏ ‏{‏قال‏:‏ لا أحب الآفلين‏}‏، قال قتادة‏:‏ علم أن ربه دائم لا يزول ‏{‏فلما رأى القمر بازغا‏}‏ أي طالعاً، ‏{‏قال هذا ربي فلما أفل قال‏}‏ لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، ‏{‏فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي‏}‏ أي هذا المنير الطالع ربي ‏{‏ هذا أكبر‏}‏ أي جرماً من النجم والقمر وأكثر إضاءة، ‏{‏فلما أفلت‏}‏ أي غابت ‏{‏قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض‏}‏ أي خلقهما ‏{‏حنيفا وما أنا من المشركين‏}‏ أي أخلصت ديني وأفردت عبادتي ‏{‏للذي فطر السموات والأرض‏}‏ أي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق ‏{‏حنيفا‏}‏ أي في حال كوني حنيفاً أي مائلاً عن الشرك إلى التوحيد، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وما أنا من المشركين‏}‏‏.‏ وقد اختلف المفسرون في هذا المقام‏:‏ هل هو مقام نظر أو مناظرة‏؟‏ فروى ابن جرير عن ابن عباس ما يقتضي أنه مقام نظر، واختاره ابن جرير مستدلاً بقوله‏:‏ ‏{‏لئن لم يهدني ربي‏}‏ الآية‏.‏ وقال محمد بن إسحاق‏:‏ قال ذلك حين خرج من السرب الذي ولدته فيه أمه حين تخوفت عليه من نمروذ بن كنعان، لما كان قد أخبر بوجود مولود يكون ذهاب ملكه على يديه، فأمر بقتل الغلمان عامئذ، فلما حملت أم إبراهيم به وحان وضعها ذهبت به إلى سرب ظاهر البلد، فولدت فيه إبراهيم وتركته هناك، وذكر أشياء من خوارق العادات، كما ذكرها غيره من المفسرين من السلف والخلف‏.‏

والحق أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان في هذا المقام مناظراً لقومه مبينا لهم بطلان
ما كانوا عليه من عبادة الهياكل والأصنام، فبين في المقام الأول مع أبيه خطأهم في
عبادة الأصنام الأرضية التي هي على صور الملائكة السماوية ليشفعوا لهم عنده في
الرزق والنصر وغير ذلك مما يحتاجون إليه، وبين في هذا المقام خطأهم وضلالهم في عبادة الهياكل وهي الكواكب السيارة السبعة المتحيرة، وهي القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري وزحل وأشدهن إضاءة وأشرفهن عندهم الشمس ثم القمر، ثم الزهرة، فبين أولاً صلوات اللّه وسلامه عليه أن هذه الزهرة لا تصلح للإلهية، فإنها مسخرة مقدرة بسير معين لا تزيع عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تملك لنفسها تصرفاً، بل هي جرم من الأجرام خلقها اللّه منيرة لما له في ذلك من الحكم العظيمة، وهي تطلع من الشرق ثم تسير فيما بينه وبين الغرب حتى تغيب عن الأبصار فيه، ثم تبدو في الليلة القابلة على هذا المنوال، ومثل هذه لا تصلح للإلهية، ثم انتقل إلى القمر، فبين فيه مثل ما بين في النجم، ثم انتقل إلى الشمس كذلك، فلما انتفت الإلهية عن هذه الأجرام الثلاثة التي هي أنور ما تقع عليه الأبصار وتحقق ذلك بالدليل القاطع ‏{‏قال يا قوم إني بريء مما تشركون‏}‏ أي أنا بريء من عبادتهن وموالاتهن، فإن كانت آلهة فكيدوني بها جميعاً ثم لا تنظرون ‏{‏إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين‏}‏ أي إنما أعبد خالق هذه الأشياء ومسخرها ومقدرها ومدبرها الذي بيده ملكوت كل شيء وخالق كل شيء وربه وملكيه وإلهه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن ربكم اللّه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر تبارك اللّه رب العاليمن‏}‏، وكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظراً في هذا المقام وهو الذي قال اللّه في حقه‏:‏ ‏{‏ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون‏}‏ الآيات، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إن إبراهيم كان أمة قانتا للّه حنيفا ولم يك من المشركين * شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين‏}‏، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة‏)‏، وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال اللّه إني خلقت عبادي حنفاء‏)‏، وقال اللّه في كتابه العزيز‏:‏ ‏{‏فطرة اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم‏؟‏ قالوا بلى‏}‏، ومعناه على أحد القولين كقوله‏:‏ ‏{‏فطرة اللّه التي فطر الناس عليها‏}‏، كما سيأتي بيانه، فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله اللّه أمة قانتاً للّه حنيفاً ولم يك من المشركين ناظراً في هذا المقام، بل هو أولى بالفطرة السليمة والسجية المستقيمة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بلا شك ولا ريب، ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظراً لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظراً قوله تعالى‏:‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏80 ‏:‏ 83‏)‏
{‏ وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون ‏.‏ وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ‏.‏ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ‏.‏ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد، وناظروه بشبه من القول أنه قال‏:‏ ‏{‏أتحاجوني في اللّه وقد هداني‏}‏ أي أتجادلونني في أمر اللّه وأنه لا إله إلا هو، وقد بصّرني وهداني إلى الحق وأنا على بينة منه، فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة‏؟‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً‏}‏ أي ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه أن هذه الآلهة التي تعبدونها لا تؤثر شيئاً وأنا لا أخافها ولا أباليها، فإن كان لها كيد فكيدوني بها ولا تنظرون بل عاجلوني بذلك، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن يشاء ربي شيئاً‏}‏، استثناء منقطع أي لا يضر ولا ينفع إلا اللّه عزَّ وجلَّ ‏{‏وسع ربي كل شيء علماً‏}‏ أي أحاط علمه بجميع الأشياء فلا تخفى عليه خافية، ‏{‏أفلا تتذكرون‏}‏ أي فيما بينته لكم، أفلا تعتبرون أن هذه الآلهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها‏؟‏ وهذه الحجة نظير ما احتج بها نبي اللّه هود عليه السلام على قومه عاد فيما قص عنهم في كتابه حيث يقول‏:‏ ‏{‏قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد اللّه واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون * إني توكلت على اللّه ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏وكيف أخاف ما أشركتم‏}‏ أي كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون اللّه ‏{‏ولا تخافون أنكم أشركتم باللّه ما لم ينزل به عليكم سلطاناً‏}‏، قال ابن عباس وغير واحد من السلف‏:‏ أي حجة، وهذا كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به اللّه‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون‏}‏ أي فأيّ طائفتين أصوب، الذي عبد من بيده الضر والنفع، أو الذي عبد من لا يضر ولا ينفع بلا دليل‏؟‏ أيهما أحق بالأمن من عذاب اللّه يوم القيامة المؤمن أم المشرك‏؟‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون‏}‏ أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة للّه وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة‏.‏ عن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ لما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‏}‏ شق ذلك على الناس، فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه أينا لا يظلم نفسه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح‏:‏ ‏{‏يا بني لا تشرك باللّه إن الشرك لظلم عظيم‏}‏ إنما هو الشرك‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وابن أبي حاتم، وأخرجه البخاري بلفظ‏:‏ شق ذلك على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏‏.‏ وفي رواية لما نزلت‏:‏ ‏{‏ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‏}‏ شق ذلك على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا‏:‏ وأينا لم يظلم نفسه‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ليس كما تظنون إنما هي كما قال العبد الصالح لإبنه‏:‏ ‏{‏يا بني لا تشرك باللّه إن الشرك لظلم عظيم‏}‏‏)‏، وفي لفظ قالوا‏:‏ أينا لم يظلم نفسه‏؟‏ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ليس بالذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح‏:‏ ‏{‏إن الشرك لظلم عظيم‏}‏ إنما هو الشرك‏)‏ ولابن أبي حاتم عن عبد اللّه مرفوعاً قال‏:‏ ‏{‏ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏بشرك‏)‏ ‏"‏وروي عن أبي بكر وعمر وأبي بن كعب وحذيفة وابن عمر وعكرمة والضحّاك وقتادة والسدي‏"‏‏.‏ وعن عبد اللّه قال‏:‏ لما نزلت‏:‏ ‏{‏الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‏}
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏قيل لي أنت منهم‏)‏

وقال الإمام أحمد، حدثنا إسحاق بن يوسف، حدثنا أبو جناب عن زاذان عن جرير بن عبد اللّه قال‏:‏ خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏كأن هذا الراكب إياكم يريد ‏)‏ فانتهى إلينا الرجل، فسلم فرددنا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من أين أقبلت‏؟‏ قال‏:‏ من أهلي وولدي وعشيرتي قال‏:‏ فأين تريد‏؟‏ قال‏:‏ أريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ فقد أصبته قال‏:‏ يا رسول اللّه علمني ما الإيمان‏؟‏ قال‏:‏ أن تشهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت قال‏:‏ قد أقررت، قال‏:‏ ثم إن بعيره دخلت يده في جحر جرذان فهوى بعيره، وهوى الرجل فوقع على هامته فمات‏.‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ عليَّ بالرجل ، فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان فأقعداه، فقالا‏:‏ يا رسول اللّه قبض الرجل، قال‏:‏ فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال لهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ أما رأيتما إعراضي عن الرجل، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة، فعلمت أنه مات جائعاً ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ هذا من الذين قال اللّه عزَّ وجلَّ فيهم‏:‏ ‏{‏الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم‏}‏ الآية، ثم قال‏:‏ دونكم أخاكم فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه وحملناه إلى القبر، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى جلس على شفير القبر، فقال‏:‏ ألحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا‏)
‏، وفي بعض الروايات هذا ممن عمل قليلاً وأجر كثيراً‏.‏

وروى ابن مردويه عن عبد اللّه بن سخبرة قال،
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏من أعطي فشكر ومنع فصبر وظَلَم فاستغفر وظُلِم فغفر‏)‏ وسكت قال‏:‏ فقالوا‏:‏ يا رسول اللّه ما له‏؟‏ قال‏:‏ ‏{‏أولئك لهم الأمن وهم مهتدون‏}‏ في اللباب‏:‏ أخرج ابن أبي حاتم‏:‏ حمل رجل من العدو على المسلمين، فقتل رجلاً ثم حمل فقتل آخر، ثم حمل فقتل آخر، ثم قال‏:‏ أينفعني الإسلام بعد هذا‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ نعم ، فضرب فرسه، فدخل فيهم، ثم حمل على أصحابه فقتل رجلاً ثم آخر ثم آخر، ثم قُتل‏.‏ فيرون أن هذه الآية ‏{‏الذين آمنوا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ نزلت فيه ‏.‏وقوله‏:‏ ‏{‏وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه‏}‏ أي وجهنا حجته عليهم‏.‏ قال مجاهد وغيره يعني بذلك قوله‏:‏ ‏{‏وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم باللّه ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن‏}‏ الآية‏.‏ وقد صدقه اللّه وحكم له بالأمن والهداية فقال‏:‏ ‏{‏الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون‏}‏، ثم قال بعد ذلك كله‏:‏ ‏{‏وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء‏}‏ قرىء بالإضافة وبلا إضافة، وكلاهما قريب في المعنى‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏إن ربك حكيم عليم‏}‏ أي حكيم في أقواله وأفعاله، عليم‏:‏ أي بمن يهديه ومن يضله وإن قامت عليه الحجج والبراهين، كما قال‏:‏ ‏{‏إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم‏}‏، ولهذا قال ههنا‏:‏ ‏{‏إن ربك حكيم عليم‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏84 ‏:‏ 90‏)‏
‏{‏ ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ‏.‏ وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ‏.‏ وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ‏.‏ ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ‏.‏ ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون ‏.‏ أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ‏.‏ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين ‏}‏

يذكر تعالى أنه وهب لإبراهيم إسحاق بعد أن طعن في السن، وأيس هو وامرأته سارة من الولد، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوط، فبشروهما بإسحاق، فتعجبت المرأة من ذلك، وقالت‏:‏ ‏{‏يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب‏}‏، فبشروهما مع وجوده بنبوته وبأن له نسلاً وعقباً، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين‏}‏، وهذا أكمل في البشارة وأعظم في النعمة، وقال‏:‏ ‏{‏فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب‏}‏ أي ويولد لهذا المولود ولد في حياتكما فتقر أعينكما به كما قرت بوالده، فإن الفرح بولد الولد شديد لبقاء النسل والعقب، ولما كان ولد الشيخ والشيخة قد يتوهم أنه لا يعقب لضعفه وقعت البشارة به وبولده باسم يعقوب الذي فيه اشتقاق العقب والذرية، وكان هذا مجازاة لإبراهيم عليه السلام حين اعتزل قومه وتركهم ونزح عنهم، وهاجر من بلادهم ذاهباً إلى عبادة اللّه في الأرض، فعوضه اللّه عزَّ وجلَّ عن قومه وعشيرته بأولاد صالحين من صلبه على دينه لتقر بهم عينه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاً جعلنا نبياً‏}‏، وقال ههنا‏:‏ ‏{‏ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏ونوحاً هدينا من قبل‏}‏ أي من قبله هديناه كما هديناه ووهبنا له ذرية صالحة، وكل منهما له خصوصية عظيمة، أما نوح عليه السلام فإن اللّه تعالى لما أغرق أهل الأرض إلا من آمن به - وهم الذين صحبوه في السفينة - جعل اللّه ذريته هم الباقين فالناس كلهم من ذريته، وأما الخليل إبراهيم عليه السلام فلم يبعث اللّه عزَّ وجلَّ بعده نبياً إلا من ذريته كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب‏}‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا‏}‏، وقوله في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏ومن ذريته‏}‏ أي وهدينا من ذريته ‏{‏داود وسليمان‏}‏ الآية، وعود الضمير إلى نوح لأنه أقرب المذكورين ظاهر لا إشكال فيه، وهو اختيار ابن جرير، وعوده إلى إبراهيم لأنه الذي سيق الكلام من أجله حسن، لكن يشكل عليه لوط، فإنه ليس من ذرية إبراهيم، بل هو ابن أخيه هاران بن آزر، اللهم إلا أن يقال‏:‏ إنه دخل في الذرية تغليباً، كما في قوله‏:‏ ‏{‏أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي‏؟‏ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون‏}‏، فإسماعيل عمه دخل في آبائه تغليباً، وكما قال في قوله‏:‏ ‏{‏فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس‏}‏‏.‏ فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسجود وذم على المخالفة، لأنه كان في تشبه بهم فعومل معاملتهم ودخل معهم تغليباً، وإلا فهو كان من الجن وطبيعته من النار والملائكة من النور، وفي ذكر عيسى عليه السلام في ذرية إبراهيم أو نوح على القول الآخر دلالة على دخول ولد البنات في ذرية الرجل، لأن عيسى عليه السلام إنما ينسب إلى إبراهيم عليه السلام بأمه مريم عليها السلام فإنه لا أب له‏.‏

روي أن الحجاج أرسل إلى يحيى بن يعمر فقال‏:‏ بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلى اللّه عليه وسلم تجده في كتاب اللّه، وقد قرأته من أوله إلى آخره، فلم أجده‏؟‏ قال‏:‏ أليس تقرأ سورة الأنعام‏:‏ ‏{‏ومن ذريته داود وسليمان‏}‏ حتى بلغ ‏{‏ويحيى وعيسى‏}‏‏؟‏ قال‏:‏ بلى، قال‏:‏ أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب‏؟‏ قال‏:‏ صدقت ‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏‏.‏ فلهذا إذا أوصى الرجل لذريته أو وقف على ذريته، أو وهبهم دخل أولاد البنات فيهم، فأما إذا أعطى الرجل بنيه أو وقف عليهم فإنه يختص بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه، واحتجوا بقول الشاعر العربي‏:‏
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأجانب‏.‏
وقال آخرون‏:‏ ويدخل بنو البنات فيهم أيضاً، لما ثبت في صحيح البخاري أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال للحسن بن علي‏:‏ ‏(‏إن ابني هذا سيد، ولعل اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين‏)‏ فسماه ابناً، فدل على دخوله في الأبناء، وقال آخرون‏:‏ هذا تجوز‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ومن أبائهم وذرياتهم وإخوانهم‏}‏ ذكر أصولهم وفروعهم، وذوي طبقتهم وأن الهداية أو الاجتباء شملهم كلهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده‏}‏ أي إنما حصل لهم ذلك بتوفيق اللّه وهدايته إياهم ‏{‏ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون‏}‏ تشديد لأمر الشرك وتغليظ لشأنه وتعظيم لملابسته كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت لحبطنَّ عملك‏}‏ الآية، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع كقوله‏:‏ ‏{‏قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين‏}‏، وكقوله‏:‏ ‏{‏لو أراد اللّه أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو اللّه الواحد القهار‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 09-05-2014, 05:44 AM   رقم المشاركة : 10
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة‏}‏ أي أنعمنا عليهم بذلك رحمة للعباد بهم ولطفاً منا بالخليقة، ‏{‏فإن يكفر بها‏}‏ أي بالنبوة، ويحتمل أن يكون الضمير عائداً على هذه الأشياء الثلاثة‏:‏ الكتاب والحكم والنبوءة، ‏{‏فإن يكفر بها‏}‏ أي بالنبوة، ‏{‏هؤلاء‏}‏ يعني أهل مكة وهو قول ابن عباس والضحّاك وقتادة والسدي وغيرهم ، ‏{‏فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين‏}‏ أي إن يكفر بهذه النعم من كفر بها من قريش وغيرهم من سائر أهل الأرض من عرب وعجم ومليين وكتابيين، فقد وكلنا بها قوماً آخرين، أي المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة، ‏{‏ليسوا بها بكافرين‏}‏ أي لا يجحدون منها شيئاً ولا يردون منها حرفاً واحداً بل يؤمنون بجميعها محكمها ومتشابهها، جعلنا اللّه منهم بمنه وكرمه وإحسانه‏.‏ ثم قال تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏أولئك‏}‏ يعني الأنبياء المذكورين مع من أضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان وهم الأشباه ‏{‏الذين هدى اللّه‏}‏ أي هم أهل الهدى لا غيرهم ‏{‏فبهداهم اقتده‏}‏ أي اقتد واتبع، وإذا كان هذا للرسول صلى اللّه عليه وسلم فأمته تبع له فيما يشرعه ويأمرهم به، قال البخاري عند هذه الآية عن سليمان الأحول أن مجاهداً أخبره أنه سأل ابن عباس‏:‏ أفي ص سجدة‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، ثم تلا‏:‏ ‏{‏ووهبنا له إسحاق ويعقوب‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فبهداهم اقتده‏}‏ ثم قال‏:‏ هو منهم، زاد يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسهيل بن يوسف عن العوام عن مجاهد قلت لابن عباس، فقال‏:‏ نبيكم صلى اللّه عليه وسلم ممن أُمِرَ أن يقتدى بهم، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا أسألكم عليه أجراً‏}‏ أي لا أطلب منكم على إبلاغي إياكم هذا القرآن أجراً أي أجرة ولا أريد منكم شيئاً، ‏{‏إن هو إلا ذكرى للعالمين‏}‏ أي يتذكرون به فيرشدوا من العمى إلى الهدى، ومن الغي إلى الرشاد، ومن الكفر إلى الإيمان‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏91 ‏:‏ 92‏)‏
‏{‏ وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ‏.‏ وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون ‏}‏

يقول اللّه تعالى‏:‏ وما عظموا اللّه حق تعظيمه إذ كذبوا رسله إليهم‏.‏ قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ نزلت في قريش، واختاره ابن جرير، وقيل‏:‏ نزلت في طائفة من اليهود‏.‏ وقيل‏:‏ في فنحاص رجل منهم‏.‏ وقيل‏:‏ في مالك بن الصيف في اللباب‏:‏ أخرج ابن أبي حاتم‏:‏ خاصم مالك بن الصيف اليهودي النبي صلى اللّه عليه وسلم، فقال له النبي‏:‏ ‏(‏أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجد في التوراة أن اللّه يبغض الحبر السمين‏؟‏ وكان حبراً سميناً، فغضب، وقال‏:‏ ما أنزل اللّه على بشر من شيء، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏وما قدروا اللّه‏}‏ الآية ‏.‏ ‏{‏إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شيء‏}‏، والأول أصح، لأن الآية مكية واليهود لا ينكرون إنزال الكتب من السماء، وقريش والعرب قاطبة كانوا ينكرون إرسال محمد صلى اللّه عليه وسلم لأنه من البشر، كما قال‏:‏ ‏{‏أكان للناس عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس‏}‏، وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث اللّه بشراً رسولاً‏}‏، وقال ها هنا‏:‏ ‏{‏وما قدروا اللّه حق قدره إذ قالوا ما أنزل اللّه على بشر من شيء‏}‏، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس‏}‏ أي قل يا محمد لهؤلاء المنكرين لإنزال شيء من الكتب من عند اللّه في جواب سلبهم العام بإثبات قضية جزئية موجبة ‏{‏من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى‏}‏ وهو التوراة التي قد علمتم وكل أحد أن اللّه قد أنزلها على موسى بن عمران ‏{‏نوراً وهدى للناس‏}‏ أي ليستضاء بها في كشف المشكلات ويهتدى بها من ظلم الشبهات، وقوله‏:‏ ‏{‏تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً‏}‏ أي تجعلون جملتها قراطيس، أي قطعاً تكتبونها من الكتاب الأصلي الذي بأيديكم، وتحرفون منها ما تحرفون، وتبدلون وتتأولون وتقولون‏:‏ هذا من عند اللّه أي في كتابه المنزل وما هو من عند اللّه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيراً‏}‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم‏}‏ أي ومن أنزل القرآن الذي علمكم اللّه فيه من خبر ما سبق، ونبأ ما يأتي ما لم تكونوا تعلمون ذلك لا أنتم ولا آباؤكم، وقد قال قتادة‏:‏ هؤلاء مشركو العرب، وقال مجاهد‏:‏ هذه للمسلمين‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل اللّه‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ أي قل اللّه أنزله، وهذا الذي قاله ابن عباس هو المتعين في تفسير هذه الكلمة، لا ما قاله بعض المتأخرين من أن معنى ‏{‏قل اللّه‏}‏ أي لا يكون خطابك لهم إلا هذه الكلمة كلمة اللّه ، وهذا الذي قاله هذا القائل يكون أمراً بكلمة مفردة من غير تركيب، والإتيان بكلمة مفردة لا يفيد في لغة العرب فائدة يحسن السكوت عليها‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ثم ذرهم في خوضهم يلعبون‏}‏ أي ثم دعهم في جهلهم وضلالهم يلعبون حتى يأتيهم من اللّه اليقين، فسوف يعلمون ألهم العاقبة أم لعباد اللّه المتقين‏؟‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وهذا كتاب‏}‏ يعني القرآن ‏{‏أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى‏}‏ يعني مكة ‏{‏ومن حولها‏}‏ من أحياء العرب ومن سائر طوائف بني آدم من عرب وعجم، كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الناس إني رسول اللّه إليكم جميعاً‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏لأنذركم به ومن بلغ‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً‏}‏، وثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي وذكر منهن‏:‏ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة‏)‏، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به‏}‏ أي كل من آمن باللّه واليوم الآخر يؤمن بهذا الكتاب المبارك الذي أنزلناه إليك يا محمد وهو القرآن، ‏{‏وهم على صلاتهم يحافظون‏}‏ أي يقيمون بما فرض عليهم من أداء الصلوات في أوقاتها‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:15 PM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية