العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > المنتدى العام
موضوع مغلق
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-11-2006, 01:29 AM   رقم المشاركة : 1
ســـــحااب
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية ســـــحااب
 





ســـــحااب غير متصل

نظريات تفسر نشات الدولة السعودية

عندما يبدأ الحديث عن أية مواضيع أو احداث مهمه يبدأ المتخصصون

يحللون الاحداث حسب تخصص كل منهم ووجهة نظره وعندما نبدأ بهذا

التوجه بالتاكيد سنصل لكل مانريد معرفته 00000000

مقالات اعجبتني ونقاش دار بين متخصصين حبيت انقله للفاااائده



الكاتب سعد الصويان

النجاح الذي حققه تحالف محمد بن عبد الوهاب مع محمد بن سعود في تأسيس دولة مركزية لا سابق لها وسط الجزيرة العربية قد شد اهتمام المؤرخين والباحثين فظهرت العديد من الدراسات التي تحاول البحث في الجذور التاريخية لهذه الدولة وظروف نشأتها. ومن بين ركام الدراسات والأبحاث التي تتناول هذه الظاهرة الفريدة تبرز ثلاث رسائل علمية متميزة قدمها ثلاثة من الباحثين السعوديين لنيل شهادة الدكتوراه. تتميز هذه الرسائل الثلاث بأنها تحاول تقديم طرح نظري يتعمق في البحث عن الظروف التي نشأت فيها الدولة السعودية ويفسر الأسباب التي أدت إلى قيامها، بينما تتخذ الدراسات الأخرى منحىً تاريخيا سرديا فقط تحاول من خلاله تتبع الأحداث وترتيب تسلسلها وتحديد تواريخها. وما يؤسف له أن هذه الرسائل الثلاث على الرغم من تميزها وأهميتها لم تنشر ولم تترجم إلى العربية.


طليعة هذه الرسائل رسالة قدمها الدكتور عويضة بن متيريك الجهني، أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود، سنة 1983 لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة واشنطن عنوانها تاريخ نجد قبل الوهابيين: دراسة عن الأحوال الاجتماعية والسياسية والدينية في نجد خلال القرون التي سبقت حركة التصحيح الوهابية. على كثرة ما قرأت من الكتابات التي تتناول الجزيرة العربية وتاريخ الدولة السعودية فإنني لم أقرأ كتابة على هذا القدر من الرشاقة المنهجية والأناقة في الصياغة والوضوح في العرض وطرح الأفكار المدعومة بالحقائق والأدلة والبراهين المنطقية المتسلسلة. كانت رسالة مثالية في منهجيتها وصياغتها ووضوحها. يلاحظ الدكتور الجهني أنه خلال القرنين السابقين لقيام الدولة السعودية زاد معدل سقوط الأمطار وسنوات الخصب في نجد ما أدى إلى زيادة هجرة القبائل البدوية من غرب الجزيرة وجنوبها الغربي إلى وسطها، وبالتالي زيادة عدد السكان في نجد. في هذه الفترة تشكلت الكيانات القبلية النجدية الكبيرة والقوية مثل عنزة والظفير والدواسر ومطير وبني خالد وقحطان. كما نشطت حركات الاستيطان والاستقرار الحضري بشكل ملحوظ في مناطق العارض والوشم وسدير والقصيم. نشاط الاستيطان أدى بالتالي إلى نشاط الزراعة والتجارة، وهذا بدوره أدى إلى نشاط حركة التعليم وظهور العلماء الذين لم يكن لهم وجود في القرون السابقة، والذين بدأت أعدادهم في كل قرن تتضاعف عن القرن الذي قبله. زيادة عدد القرى والمدن الناشئة وازدحامها النسبي بالسكان أدى إلى حدة التنافس على الثروات الطبيعية من مياه ومراع وأراض خصبة صالحة للزراعة. والمتتبع لتاريخ تلك الفترة يلاحظ كثرة الحروب بين المدن وحدة الصراعات على السلطة والتنافس بين سكان البلدة الواحدة، إضافة إلى زيادة معدل الهجرة إلى العراق والشام ومناطق الساحل الشرقي. وشهدت الفترة ظهور إمارات قوية في ثرمدا والعيينة وحريملاء والروضة وغيرها. هذا التفجر الديموغرافي والنمو الاقتصادي والتطور السياسي وزيادة نسبة التعليم جعل سكان نجد يتطلعون إلى تحسين أوضاعهم ويبحثون عن مخرج من التفكك والشتات والصراعات التي كانوا يعانونها. كان ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تتويجا للإرهاصات التي سبقتها والمتمثلة في زيادة نسبة التعليم وزيادة عدد العلماء مثلما أن ظهور الدولة السعودية كان تتويجا للتطورات السياسية المتمثلة في ظهور الإمارات القوية السابقة لها.


هذا التفسير الذي يقدمه الجهني لظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقيام الدولة السعودية يبدو معقولا ومقنعا لأول وهلة، لكن لو تدبرنا الأمر بتمعن لوجدنا أن تاريخ الجزيرة العربية على مر القرون وكر العصور هو عبارة عن دورات متعاقبة من الخصب والجدب، فلماذا هذه الدورة بالذات من بين كل الدورات التي سبقتها وهي التي قادت إلى هذه النتيجة. إذا لا بد من البحث عن عوامل أخرى مساعدة، وهذا ما يحاول أن يقوم به الدكتور محمد الفريح، أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود، في رسالته التي قدمها سنة 1990 لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وعنوانها الخلفية التاريخية لظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحركته. إضافة إلى ما ذكره الجهني في رسالته يورد الفريح عوامل خارجية سبقت قيام الدولة السعودية وساعدت على قيامها. فمن المعروف أنه في سنة 1497 أبحر المكتشف البرتغالي فاسكو دي جاما حول رأس الرجاء الصالح واتجه شرقا عبر المحيط الهندي إلى ساحل مالابار الهندي. وفي سنة 1509 أرسل البرتغاليون أربع سفن تجارية إلى ملقا ثم استولوا سنة 1510 على جوا على ساحل الهند الغربي وسيطروا على التجارة في غربي إندونيسيا. واستمرت سيطرتهم حتى نهاية القرن السادس عشر حينما تأسست شركة الهند الشرقية البريطانية سنة 1600 وشركة الهند الشرقية الهولندية سنة 1602. واحتد التنافس بين الشركتين للسيطرة على التجارة في جزر الهند الشرقية، خصوصا تجارة التوابل. هذه التطورات مع ما صاحبها من تطورات في صناعة السفن وتقنيات الملاحة أدت إلى انهيار النظام التجاري القديم مما حدا بأهل الجزيرة إلى تحويل استثماراتهم نحو الداخل فأسسوا المستوطنات واتجهوا نحو الزراعة والاتجار بالخيل والإبل. وما شجعهم على ذلك زيادة طلب الدولة العثمانية على هذه السلع، ومن بعدها الحكومة البريطانية في الهند. كما أن اكتشاف القهوة وزراعتها في اليمن عزز من التجارة الداخلية في الجزيرة العربية وزيادة حجم صادراتها. هذه هي الفترة التي شهدت تزايد نشاط العقيلات من أهالي نجد الذين عملوا على نقل البضائع الشرقية برا على إبلهم من موانئ الخليج إلى موانئ الشام على البحر الأبيض المتوسط ثم نقل البضائع الغربية في الاتجاه المعاكس في رحلة تستغرق نحو شهرين، وقد يصل عدد الإبل في هذه القوافل إلى أكثر من خمسة عشر ألف بعير محملة بالسلع والبضائع. كما أن المحاولات الجادة التي قامت بها الدولة العثمانية لتأمين طرق الحج أدى إلى كثافة عدد الحجاج وبالتالي زيادة الطلب على الإبل لاستخدامها في نقل الحجاج، وكذلك صرف ما يسمى “صرة” إلى شيوخ القبائل التي تقع على طرق الحج لتأمينها. وقد شكل ذلك مصادر دخل لا يستهان بها لأهالي نجد وبالتالي توفر الفائض في الإنتاج اللازم لخزينة الدولة الذي لا يمكن قيام الدولة دونه.
الرسالة الثالثة قدمها الدكتور خالد الدخيل، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود، سنة 1998 لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس عنوانها الجذور الاجتماعية للحركة الوهابية. يقدم الدكتور الدخيل رؤية مختلفة وجديرة بالاهتمام، فهو يرى أن هناك أسبابا اجتماعية أسهمت في تهيئة الظروف لنجاح دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقيام الدولة السعودية. كانت القرى والبلدات النجدية في السابق تقوم على أساس قبلي بحيث ينتمي غالبية السكان في البلدة، إن لم يكن كلهم لنفس القبيلة، أو الفرع القبلي، لكن في مراحل تاريخية متأخرة بدأ هذا النظام القبلي في المستوطنات الحضرية يتفكك بحيث نجد أعضاء القبيلة الواحدة مشتتين في عدة قرى والقرية الواحدة مأهولة بسكان ينتمون إلى قبائل مختلفة. في ظل هذا التطور الاجتماعي أصبح من المحتم أن تحل سلطة الدولة محل سلطة القبيلة المتصدعة. وفي هذا السياق يتماهى الديني مع السياسي في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى التوحيد ونبذ الشرك. هذا يعني على الصعيد الدنيوي نبذ الفرقة والتشرذم وإخضاع البلاد لسلطة سياسية واحدة.
وهناك باحث أمريكي لا تتحدث عنه مصادرنا حينما نبحث تاريخ الدولة السعودية علما بأن له أبحاثا عديدة في هذا الموضوع وعلى قدر كبير من الأهمية، ذلكم هو الأستاذ مايكل كوك Michael Cook من جامعة برنستون. من ضمن أعماله مثلا عدة أبحاث تتناول مصادر تاريخ الدولة السعودية وبحث يحاول فيه تحديد هوية مؤلف كتاب “لمع الشهاب”. كما أن له كتابا ضخما عن تطور مفهوم وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي أحد أبحاثه يرى أن العقيدة لعبت دورا حاسما في قيام الدولة السعودية لأنها المنبع الذي استمد منه آل سعود الأوائل المثابرة والإصرار والثبات والعزيمة على المضي قدما في برنامجهم نحو تأسيس دولتهم. ويستعرض كوك في بحثه مختلف التعليلات والأسباب لقيام الدولة السعودية لكنه في النهاية لا يجد أيا منها كافيا في حد ذاته، ويختم بالقول إنها ببساطة “معجزة إلهية”.
ولم تبق لي مساحة كافية لأبسط وجهة نظري الشخصية حيال هذا الموضوع. باختصار، يرى البعض أن الأمير هو الذي كان بحاجة الشيخ ليدعم مشروعه التوسعي، لكنني أعتقد أن الشيخ هو الذي كان بحاجة الأمير، لأنه كان مقتنعا أن تطبيق الشريعة أمر مستحيل من دون وجود سلطة مركزية قوية وشمولية تتولى تنفيذ الأحكام بعد أن يصدرها القضاة، وذلك وفق مفهوم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ثم إن نشاط العقيلات التجاري واللوجستي ساعد على قيام الدولة لأنهم كانوا يفضلون سلطة واحدة يدفعون لها الرسوم والضرائب بدلا من تعدد السلطات المتمثلة في أمراء المدن وشيوخ القبائل المنتشرة على طرق التجارة والتي تطالبهم كل منها بدفع ضريبة لها. وهذا بالتحديد ما حدث مثلا في أوروبا وأدى إلى انهيار نظام الإقطاع وقيام الدول الحديثة هناك بعد نشاط التبادل التجاري وظهور طبقة التجار.

جريدة الاقتصادية - الثلاثاء, 08 جماد ثاني 1427 هـ المواٿق 04/07/2006 م


--------------
جرى بعد نشر مقالتي التي استعرضت فيها نظريات نشوء الدولة السعودية حدث سجال على الإنترنت بيني وبين أحد الزملاء حول الموضوع. كان سجالا ممتعا استفدت منه كثيرا ونبهني الزميل إلى أمور لم أنتبه لها من قبل وأثارت في ذهني عددا من الأسئلة. كان أحد هذه الأسئلة الشائكة التي طرحها الزميل علي هو لماذا قامت الدولة في منطقة العارض بدلا من القصيم. وقد استصعبت السؤال في البداية، لكني بعدما قلبته في ذهني خطر لي أن القصيم لم تتحول إلي منطقة استقرار حضري إلا في وقت متأخر، مقارنة بمنطقة العارض ووادي حنيفة. هذا إذا كنا نتحدث عن تاريخ نجد الذي يبتدئ من الفترة التي سبقت ظهور الإسلام. أما ما قبل ذلك فعلمه وأدلته عند المختصين في البحث الأثري. ظهرت الدعوة الإسلامية واليمامة تُقيت بقمحها ورُطَبها مكة ومدن الحجاز وتطَلّع نبيّها مسيلمة أن يشارك محمدا في الأمر. هذا بينما القصيم، أين القصيم؟


القصيم لم يولد بعد. كان القصيم حينها يعني شقائق الرمل التي تنبت فيها قصايم الغضا والارطا، لا غير. منذ بداية العصر التاريخي ونحن نقرأ أن الحدائق الغناء وبساتين الزرع وغين النخيل تحف ضفاف وادي حنيفة، بينما لا نجد على ضفاف وادي الرمة إلا الروضات والفياض والمفالي. وليست منطقة حائل والشمال بأحسن حال من القصيم، كلهم بدو يارسول الله. ومن أدلة السبق الحضاري لمنطقة العارض أن العلم وفد منها إلى القصيم قبيل ظهور الدعوة الوهابية على يد الشيخ ابن عضيب، الذي بالمناسبة لم تكن مشاعره دافئة تجاه الدعوة. وفيما بعد كان معظم مشايخ القصيم وعلمائه يفدون إليه من منطقتي الوشم والعارض. كانت القصيم حينذاك منطقة فرونتيير frontier مدنها كلها حديثة نعرف مؤسس كل واحدة منها وتاريخ تأسيسها، بينما يعود تاريخ بعض مدن وقرى الوشم والعارض إلى ما قبل الإسلام (كان جرير والفرزدق يتندّحون فيها ويترادّون) إلى عصور سبقت طسم وجديس. بينما كانت القصيم فلاة ترعاها الإبل كانت منطقة العارض والوشم تعج بالعلماء وتعج بالإمارات الثرية والقوية التي قد تصل في حجمها حجم إحداها دول الخليج الصغيرة. كانت هذه الإمارات في صراع مستمر، كل منها تخوض حروبا توسعية تحاول من خلالها مد نفوذها وسيادتها على جاراتها، ولكن أيا منها لم تتمكن من تحقيق هذا الطموح لأنها لم توفق في العثور على المعادلة اللازمة لتحقيق السيادة الشاملة بكل أبعاد هذه المعادلة السياسية والعقائدية والعسكرية والاقتصادية.


في الفترة التي سبقت ظهور الدعوة نلاحظ أن أهل منطقة الوشم والعارض كانوا قد وصلوا إلى درجة لا بأس بها من النضج السياسي في تفكيرهم وفي فهمهم لشرعية السلطة ومقومات الحكم وواجبات الحاكم، مما يعني أن الأجواء صارت مهيأة لتقبل فكرة الدولة والسلطة المركزية، وهذا ما تعكسه نصوص الشعر النبطي التي وصلتنا من تلك الفترة والتي لم ندرسها بعد كمادة تعكس الواقع السياسي والاجتماعي. ازدهار الشعر النبطي والاحتفاء به وتدوينه كان يشكل حلقة من حلقات الازدهار العلمي والأدبي التي كانت تعيشه المنطقة قبيل ظهور الدعوة الوهابية، والتي كانت الدعوة أحد إفرازاتها. ويمكننا أن نستدل من هذا الشعر النبطي أيضا على مدى انتشار التعليم، حيث إن معظم من وصلنا شعرهم من تلك الفترة كانوا متعلمين نسخوا أشعارهم بأيديهم، ومن ذلك الأصل تناسلت النسخ والمخطوطات اللاحقة. هذا عدا ما تزخر به أشعارهم من إيماءات إلى الأدب العربي وتناص مع قصائد كلاسيكية فصيحة ومن تفقه في أمور الدين والعقيدة.
من الشعراء الذين يمكن الرجوع إليهم في هذا الصدد أولئك الذين وصلنا كم لا بأس به من أشعارهم مثل رميزان ابن غشام، أمير رو ضة سدير، وخاله جبر ابن سيار أمير القصب، وحميدان الشويعر من القصب أيضا، أتى بعد الإثنين مباشرة. وقد بلغ كل واحد من هؤلاء حدا من الشهرة أحاله عند العامة من شخصية تاريخية إلى رمز أسطوري تحاك حوله الحكايات. ويكفيك من شهرة رميزان أن مؤرخي تلك الفترة ينعتونه بالبطل الضرغام. إلا أنه، وعلى الرغم من المكانة الاجتماعية والسياسية لجبر ورميزان، تفوق حميدان عليهما بسخريته اللاذعة، مما جعل شعره ينتشر بين الناس، وقد أسس حميدان مدرسة شعرية وحاول بعض من جاء بعده من الشعراء السير على نهجه، مثل عبدالله بن جعيثن وسليمان بن علي، لكنهم لم يحققوا النجاح نفسه، لأن قضايا شعرهم قضايا شخصية أما القضايا التي يطرحها حميدان في شعره فهي قضايا اجتماعية وسياسية ومن الوزن الثقيل، خصوصا حينما يمثل في أشعاره دور الإنسان المحطم المسكين الذي يعاني من قهر الحكام وجشع التجار وظلم القضاة. ومن الخطأ مقارنة سخرية حميدان بسخرية الحطيئة، كما يفعل بعض النقاد، لأن سخرية الحطيئة لا يوجهها وعي ولا تقود إلى فعل بينما سخرية حميدان تقود إلى توعية الناس بما يعانونه من مظالم وتحثهم على تغيير واقعهم نحو الأفضل. لكن لا شك أنه أخذ عن الحطيئة خطة البدء بالاستهزاء بالذات والسخرية من النفس. لكنني أعتقد أن حميدان حينما يوظف هذه الحيلة الشعرية ويهجو نفسه وبنته وولده ويفضح أمرهم فإنه ما كان، كما يعتقد بعض النقاد، يفكر بما كان يفكر فيه الحطيئة. لم يكن القصد في حالة حميدان سد الباب على من يريد أن يرد عليه ويهجوه من الشعراء، كما هو الحال بالنسبة إلى الحطيئة. كان حميدان، إلى حدٍّ ما “يتهيبل ويتبهلل”، على نموذج جحا، مثلا، ولكن ليس بالطريقة نفسها المبالغ فيها، ليضع نفسه في خانة “اللي ما عليهم شرهه.” أي مرفوع عنه العتب. يبدأ بالسخرية من نفسه تحاشيا لعقاب من ينتقدهم ويتندر بأفعالهم من الأمراء والحكام، وهو بذلك يعطي لنفسه مساحة أوسع لنقد الواقع السياسي وتحليله وتصويره على حقيقته. لكن ذلك لم يجده نفعا. أفكار حميدان السياسية كلفته كثيرا، فقد طورد وشرد واضطر إلى الجلاء أكثر من مرة. لكن شعره السياسي ونقده الساخر للأوضاع العامة أسس له رصيدا شعبيا لا يستهان به. هذا الرصيد الشعبي شكل له سياجا وحماية خففتا عنه بعض الشيء من وطأة جور الحكام الذين كان كل واحد منهم يتمنى لو يقطع رأسه ويسكت صوته.
الشكل الفني الساخر الذي وظفه حميدان في عرض قضاياه ومواضيعه الشعرية هو الذي حقق لاسمه الشهرة، أما القضايا والمواضيع في حد ذاتها فإنها كانت متداولة بين الكثيرين من شعراء تلك الفترة الذين كانت معظم قصائدهم تتناول الحالة السياسية والاجتماعية، كما تشهد على ذلك أشعار رميزان بن غشام وجبر بن سيار. والواقع أن قصائد حميدان، في اتخاذها من الواقع السياسي والاجتماعي موضوعا، تمثل امتدادا لمدرسة جبر بن سيار الشعرية، خصوصا أنهما من البلدة نفسها وتربطهما صلة القربى والجوار. لكن حميدان أخذ هذا الأسلوب و”حدّثه” بأن عمقه ومزجه بالسخرية السوداء.
ومع الأسف أن الناس لا يعرفون من شعر رميزان إلا المقدمة الغزلية لقصيدة ظاهرها غزل ولكن إيحاءاتها ورموزها سياسية بعث بها إلى خاله جبر بالقصب ومطلعها يقول: ياجبر هو ظيم الليالي ينجلي. وقد تكون المحبوبة التي يتغزل بها رميزان هي إمارة الروضة قبل أن يستولي عليها، حينما كان يطمح إليها. وقصائد رميزان كلها سياسية تحكي معاناته في تحمل السلطة والمسؤوليات الباهظة المترتبة على ذلك، وتتراوح بين الغموض والتشاؤم إذا كان مكسور الخاطر خارج السلطة وبين التفاؤل والوضوح إذا كان منتشيا على رأس السلطة. ولكي يبرر اغتصابه الإمارة من الأسرة الحاكمة قبله يورد في قصائده معايير الحكم العادل التي حادت عنها تلك الأسرة في ممارستها للحكم بينما هو سيتقيد بها. هناك مصطلحات وتعابير ومفاهيم سياسية مشتركة ومتداولة بين هؤلاء الشعراء الثلاثة ومبثوثة في أشعارهم مما يجعل قصائدهم متناصة بشكل كثيف، وهذا يجعلني أرى فيها تعبيرا عن وعي عام وإرادة جماعية كانا يختمران في أذهان الجميع. وأهم ما في هذه الرؤية تأكيد ضرورة تطبيق الشريعة لضمان سيادة مبدأ العدل، وهذا من أهم الأسس التي قامت عليها الدولة والدعوة. منذ تلك المرحلة والعارض تتمغّط استعدادا للوثوب.
في هذه القصائد نجد أيضا حضورا قويا للسيف، رمز السلطة والقوة، لكنه ليس السيف البتار الذي تقطع به رقاب الكفار ولا السيف الذي يثأر به المرء من قاتل أخيه وابن عمه، ولا السيف الذي يشهره الطغاة، وإنما السيف الذي يقيم العدل ويأخذ حق الضعيف من القوي والظالم من المظلوم. أتصور أن هذا هو المعنى الرمزي للسيف في مخيلة الناس عندنا، وحينما يعتزي الحاكم أو ولي الأمر بسيفه فإنه لا يقصد إرهاب الناس وإنما يريد أن يؤكد التزامه بإقامة العدل ورفع الحيف عن المظلوم. وحينما يقترن السيف بالمصحف فإن المصحف يصور المصدر الرمزي للتشريع بينما يصور السيف السلطة التنفيذية. ولا يقصد من ذلك، كما يتصور بعض الغربيين، أو حتى الأصوليين المتطرفين، نشر الدين الإسلامي وإكراه الناس على قبوله بقوة السلاح. لاحظ الفرق بين حضارة الصحراء العملية وحضارة الماء التأملية. الإغريق ذهبوا إلى الرمز الذي تعنيه العدالة وهو القسطاس بينما ذهبنا نحن إلى الأداة التي بها تتحقق العدالة، أداة القوة التنفيذية التي من دونها يصعب تحقيق العدالة وإنفاذ القضاء. هذا الدمج الرمزي في أذهاننا بين السيف والعدالة شوّش التفكير بحيث لم يستطع منتوجنا الثقافي والفكري أن يبلور تصورا سياسيا يتضمن إمكانية فصل التشريعي عن التنفيذي، القضائي عن السياسي.

الاقتصادية -الثلاثاء, 29 جماد ثاني 1427 هـ المواٿق 25/07/2006 م

-------------------------------------------------------------------

يتبع







قديم 21-11-2006, 01:33 AM   رقم المشاركة : 2
ســـــحااب
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية ســـــحااب
 





ســـــحااب غير متصل

لماذا نشات الدولة السعودية الاولى 0
للدكتور خالد الدخيل

عنوان المقالة يحتاج إلى شيء من الإيضاح، خاصة بالنسبة لمن لا يعرف تاريخ نجد (وسط الجزيرة العربية) وجغرافيته، ومن ذلك التاريخ السياسي السعودي عن قرب. فكلمة “العارض” في العنوان هي اسم للمنطقة التي تقع تقريباً ما بين وسط وجنوب منطقة نجد. المهم هنا أنه في منطقة العارض هذه تقع كل من بلدة “الدرعية”، ومدينة الرياض، وبالتالي هي المنطقة التي شهدت ظهور الحركة الوهابية، ومن ثم قيام الدولة السعودية خلال مراحلها الثلاث.


السؤال الذي يحمله العنوان هو أحد الأسئلة التي تفرض نفسها عند دراسة التاريخ السياسي السعودي. وهو سؤال مشروع، خاصة من الناحية التاريخية. لماذا ظهرت الدولة السعودية في منطقة العارض من نجد تحديداً، وليس في مناطق أخرى؟ وبما أن الحركة الوهابية كانت نقطة البداية والانطلاق لظهور الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثاني عشر الهجري/ الثامن عشر الميلادي، فإن السؤال يتسع أيضاً ليشمل الحركة ذاتها. لماذا ظهرت الحركة الوهابية في منطقة العارض تحديدا؟ بعبارة أخرى، ماذا في هذه المنطقة من الناحية التاريخية والسياسية والثقافية، بحيث جعل منها مكاناً مناسباً أكثر من غيره لظهور الحركة والدولة، وبالتالي منطلقاً للتحول التاريخي والسياسي الذي جاءت به الحركة والدولة معاً؟ كانت هذه من بين الأسئلة التي تراودني دائماً بين الفينة والأخرى، ولكن للأسف لم أتمكن من التطرق إليها وتناولها في مقالة أو بحث بالشكل الذي يمكن أن يقترح إجابة مرضية.
ها أنا في هذه المقالة أتخذ الخطوة الأولى في اتجاه تناول السؤال. يعود الفضل في دفعي إلى تناول السؤال في هذه المقالة للدكتورة مضاوي الرشيد من جامعة لندن، وللدكتور سعد الصويان من جامعة الملك سعود. والمناسبة أن الدكتورة مضاوي في إحدى مراسلاتها عبر البريد الإلكتروني مع الدكتور سعد قبل عدة أشهر، طرحت عليه سؤالاً محدداً عن السبب في أن الدولة السعودية الأولى ظهرت في منطقة العارض، وليس منطقة القصيم. كان الباعث على السؤال ما كتبه سعد حينها واستعرض فيه عدداً من النظريات التي حاولت تفسير ظهور الدولة السعودية الأولى، وذلك في زاويته الأسبوعية في صحيفة “الاقتصادية” السعودية. بعد سؤال مضاوي، عاد سعد إلى الموضوع مرة أخرى وكتب في زاويته الأسبوعية نفسها مقالة جميلة حاول فيها الإجابة على السؤال (العدد 4670). وقد اطلعت مضاوي على مقالة سعد، وبدا أنها قبلت، أو على الأقل تفهمت الإجابة. ارتكز سعد في إجابته على مسألة مهمة ومركزية، وهي أن السبب الرئيس الذي جعل من العارض المنطقة التي شهدت ولادة الدولة السعودية الأولى، يتعلق بتاريخ ودرجة الاستقرار والتحضر في نجد بشكل عام، وموقع منطقة العارض من ذلك. من الواضح أن الفرضية المضمرة هنا هي أن ظهور الدولة في منطقة ما هو بحد ذاته مرتبط أولاً وقبل كل شيء بمدى الاستقرار والتحضر في هذه المنطقة، وتعبير عن درجة نضج التحضر فيها. وقد أفاض سعد في استعراض رموز ومؤشرات التحضر الثقافية. سأحاول هنا أن أتناول المؤشرات التاريخية والسياسية على نمط الاستقرار والتحضر في الجزيرة وعلاقته بالموضوع.
المقصود بالاستقرار والتحضر هنا هو درجة الانتماء للمكان، وما يرتبط بها من مصالح ومتطلبات اجتماعية وسياسية وقانونية، وما يترتب عليها من مفاهيم ثقافية وأيديولوجية. والمقارنة في حالة وسط الجزيرة العربية، هي بين البداوة كنمط للحياة، من ناحية، والاستقرار والتحضر كنمط آخر من ناحية أخرى، وما يترتب على كل منهما اجتماعياً وسياسياً. من هذه الزاوية يتضح أن الفرضية التي انطلق منها سعد في مقالته هي فرضية صحيحة. بل إنها ترقى لأن تصبح نتيجة تاريخية. فمن الناحية التاريخية لم تظهر الدولة في الجزيرة العربية منذ ما قبل الإسلام إلا في مناطق الاستقرار التي شهدت نمو وتجذر الحياة الحضرية فيها. مثال ذلك دولة كندة في جنوب نجد، وهي دولة شملت أغلب الجزيرة العربية. بعد ذلك تأتي دولة المدينة الإسلامية، وهي التي كانت النواة لإمبراطورية إسلامية كانت من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ.
هناك ملاحظة ذات صلة بموضوعنا، وتتعلق بالصراع الذي انفجر في صدر الإسلام ما بين دولة المدينة ومنطقة اليمامة. كان مركز اليمامة آنذاك يشمل ما يعرف الآن بمنطقة العارض. بل إن قاعدة اليمامة، أو عاصمتها هي مدينة “حجر”. و”حجر” هذه هي نواة ما يعرف بمدينة الرياض الآن. الملاحظة المهمة المتعلقة بالصراع أنه كان امتداداً للصراع بين حاضرتين، حاضرة قريش في مكة، وحاضرة بني حنيفة في اليمامة. بدأ الصراع أولاً بظهور الإسلام في مكة، ورفض قيادات قبيلة بني حنيفة التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وظهور “مسيلمة الكذاب” مدعياً النبوة باسم بني حنيفة في مواجهة قريش، ونبيها محمد، كما كان الحنفيون يرون الأمر آنذاك. بعد ذلك تصاعد الصراع في خلافة أبي بكر ووصل ذروته فيما يعرف بحروب الردة.
كانت قريش وبنو حنيفة من أكبر القبائل العربية المستقرة وأقواها، وربما أقدمها في الاستقرار، على الأقل في شمال الجزيرة. استقرت قريش في مكة قبل ظهور الإسلام بقرون عدة، وكان استقرارها على أساس تجاري دولي، حيث تولت إدارة الخط التجاري ما بين اليمن والشام. أما بنو حنيفة فاستقروا في اليمامة قبل الإسلام بما لا يقل عن مائتي سنة. وكانت الزراعة والريف هما أساس استقرارهم في تلك المنطقة. كان للفرق في أساس الاستقرار بين القبيلتين دور مهم في التوجهات الثقافية والسياسية التي نتجت عنه. فالإسلام الذي ظهر في مكة، و”الأيديولوجيا” التي جاء بها، كان رسالة عالمية تتجاوز قريش، ومكة، بل والجزيرة العربية كلها. وكان من الطبيعي في هذه الحالة أن تعمل الدولة الإسلامية على توسيع حدودها باستخدام آلية الجهاد. في المقابل نجد أن الأساس الزراعي لاستقرار بني حنيفة جعل من مجتمعهم مجتمعاً محافظاً، بل ومنغلقاً في محافظته، الأمر الذي ترتب عليه أن تبنت اليمامة أيديولوجية محافظة، وأن ترفض الإسلام، وتقاوم الانضواء تحت هيمنة دولة المدينة. هذه تحولات جاءت نتيجة لاستقرار القبيلتين وتحضرهما من ناحية، وتعكس الفرق بينهما، من ناحية أخرى. كان من الطبيعي في هذا الإطار أن جاء ظهور الإسلام كمقدمة لظهور الدولة، وهو تطور لم يحدث إلا بعد قرون من الاستقرار، ووصول التحضر إلى درجة من النضج سمحت بمثل هذا التحول التاريخي الكبير. في المقابل نجد أن ظهور حركة مسيلمة من ناحية ثانية، ربما جاء كتطور طبيعي من الداخل، أو ربما كرد فعل على ما حصل في مكة. في كلا الحالتين لم يكن هذا التطور ممكناً من دون أن يرتكز إلى قاعدة متينة من الاستقرار والتحضر. من ناحية أخرى، جاء ظهور مسيلمة الكذاب وحركته الدينية كتطور في اتجاه تأسيس دولة أو كيان سياسي يحمي اليمامة في وجه توسع دولة المدينة. وهو تطور لم يكن ليحصل أيضاً إلا بعد أن وصلت درجة الاستقرار والتحضر في اليمامة إلى مستوى يسمح بمثل هذا التطور. واللافت هنا أن اليمامة كانت من أكثر المناطق التي استعصت في البداية على دولة المدينة، واستطاعت أن تهزم اثنين من جيوش المدينة، مما أضطر الخليفة أبو بكر إلى إرسال جيش ثالث بقيادة خالد بن الوليد، أبرز قادة الدولة العسكريين. طبعاً في الأخير انتصرت دولة الإسلام، وتمكنت من إخضاع اليمامة، وجعلها ولاية من ولايات الدولة الإسلامية.
في القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، حصل تطور مهم في منطقة اليمامة يمثل امتداداً للتوجه نفسه. وذلك حين ظهرت في هذه المنطقة دولة “بني الأخيضر”، وهي دولة شيعية زيدية، وكانت عاصمتها مدينة الخرج، أو كما كانت تعرف حينها باسم “جو الخضارم”. استمرت هذه الدولة على الأقل لمدة قرنين. حيث يقال إنها سقطت في القرن الخامس الهجري. ما بين القرن الخامس والقرن الثاني عشر، وقت ظهور الحركة الوهابية، وبعدها الدولة السعودية، فترة زمنية غامضة تمتد لحوالي سبعة قرون. والسبب في هذا الغموض يرتبط أولاً بإهمال دولة الخلافة العباسية لمنطقة نجد، وهو من الأسباب التي سمحت بظهور الأخيضريين. ويرتبط ثانياً بعدم توفر مصادر محلية تمدنا بالمعلومات عن المنطقة وعما كان يحدث فيها آنذاك. لكن الواضح من ظهور الحركة الوهابية، ثم الدولة السعودية، أن النمط التاريخي نفسه الذي حكم التاريخ السياسي للجزيرة العربية استمر بنفس الوتيرة، والطبيعة والوجهة التي كان عليها من قبل.بقية الحديث في الأسبوع المقبل.

جريدة الاتحاد الاماراتيه - الأربعاء 10 شوال 1427 هــ 1 نوفمبر 2006م


----


من حيث المبدأ يرتبط نشوء الدولة بدرجة الاستقرار والتحضر في المنطقة التي تظهر فيها هذه الدولة. هذا المبدأ مستمد من التاريخ. جميع الدول التي ظهرت في التاريخ الإنساني ظهرت في مناطق سبقتها إليها عمليات استقرار، مجتمعات اتسمت بالتحضر والانتماء إلى المكان بشكل عضوي. دائماً ما كانت هذه المناطق على ضفاف أنهار، أو أودية، أو طرق تجارة، أو كل تلك الخصائص مجتمعة في مكان واحد. تمشياً مع المبدأ ذاته، وانعكاساً للسيرورة التاريخية ذاتها نجد أن قيام الدولة شرط مسبق لقيام الحضارة. كل الحضارات الإنسانية لم تبرز إلا في مناطق تحكمها الدولة، ثم تنمو وترسخ هذه الدولة مفهوماً وبنية وعلاقات. لا تقوم الحضارة إلا في إطار دولة. ولا تظهر دولة إلا في إطار اجتماعي من الاستقرار والتحضر. هذه معادلة أو دورة تاريخية تتكرر عبر العصور. مع ملاحظة أن قيام الدولة لا يؤدي حتماً إلى قيام حضارة. وهذه مسألة أخرى.


المهم بالنسبة لنا هنا أن حالة الجزيرة العربية، وتحديداً قيام الدولة السعودية في مرحلتها الأولى ليست استثناء. ألقينا في مقالة الأسبوع الماضي لمحة على التاريخ السياسي للجزيرة العربية يؤكد ما نذهب إليه هنا. ولأن تلك اللمحة قادتنا إلى مرحلة الدولة السعودية الأولى، سنحاول في هذه المقالة أن نلقي لمحة أخرى على تاريخ هذه الدولة. لنذكر بأن السؤال المركزي هو: لماذا قامت الدولة السعودية في العارض، وليس في إحدى مناطق نجد الأخرى؟ ولنذكر أيضاً بأن الفرضية الرئيسية التي انطلقت منها الأسبوع الماضي هي أن منطقة العارض كانت من أقدم، أو على الأقل إحدى أقدم مناطق الاستقرار والتحضر في نجد منذ ما قبل الإسلام. تقع العارض في جنوب نجد. واللافت في تاريخ الجزيرة العربية أن الاستقرار والتحضر يزدادان كلما اتجهنا جنوباً، ويقلان ويتضاءلان كلما اتجهنا شمالاً, والمبدأ ذاته ينطبق على منطقة نجد. فكلما اتجهنا شمالاً يتضاءل الاستقرار، وتتراجع معالم التحضر. وعلى العكس من ذلك كلما اتجهنا جنوباً. موقع العارض يجعلها ضمن المعادلة المذكورة، وبالتالي يبرر لماذا ظهرت الدولة المركزية في هذه المنطقة دون غيرها، أو قبل غيرها. هذا يحتاج إلى بعض التفصيل.

سنلقي نظرة على ثلاثة مواضيع: أولاً الحركة الوهابية باعتبارها الحاضنة الأولى لفكرة الدولة المركزية. ثانياً علاقة الدولة السعودية مع القبائل البدوية في نجد، وثالثاً نسب الأسرة السعودية الحاكمة وعلاقته بطبيعة الدولة. الإطار الجغرافي لكل هذه المواضيع هو منطقة العارض، وهي كما ذكرنا الأسبوع الماضي تقع في قلب اليمامة، كما يقول المؤرخون. وقاعدة اليمامة، أو عاصمتها هي “حجر”. يقول ياقوت الحموي (ت 626 هـ) في معجمه عن حجر هذه بأنها “مدينة اليمامة وأم قراها، وبها ينزل الوالي، وهي شركة، إلا أن الأصل لحنيفة. وهي بمنزلة البصرة والكوفة، لكل قوم منها خطة، إلا أن العدد فيه لبني عبيد من بني حنيفة”. ثم يفسر ياقوت تسمية هذه المدينة بحجر بما فعله عبيد بن ثعلبة بن حنيفة (أول من استقر مع عشيرته في اليمامة كما يبدو) حينما أتى اليمامة لأول مرة. يقول ياقوت إن عبيداً “عندما رآها (اليمامة) لم يحل عنها وعرف أنها أرض لها شأن فوضع رمحه في الأرض ثم دفع الفرس واحتجر ثلاثين قصراً وثلاثين حديقة، وسماها حجراً، وكانت تسمى اليمامة…” (معجم البلدان، ج2 ، ص 221).

ما قاله ياقوت عن حجر، أو العارض، تسميتها المتأخرة، يجمع بين المعلومة، والحكاية التاريخية التي ربما كان أصلها أسطورياً. فقوله إن حجر هي “مدينة اليمامة وأم قراها” يشير إلى طبيعة الحياة في هذه المنطقة أيام ياقوت، أواخر القرن السادس الهجري. ونحن نعرف أن اليمامة كانت تمول مكة بالقمح قبل الإسلام. ونعرف من حروب الردة في صدر الإسلام أن اليمامة كانت منطقة مزدهرة زراعياً إلى درجة أنها استطاعت أن تدعم مجهودها الحربي ذاتياً أمام دولة المدينة في ثلاثة حروب متتالية. هذا يعني أن الفائض الاقتصادي لليمامة كان كبيراً بما يكفي لإدارة الصراع مع قريش ودولة المدينة. والزراعة كانت المصدر الرئيسي لهذا الفائض، والممول الرئيسي لذلك المجهود، وليس التجارة، كما كانت عليه حال قريش في مكة. لم تكن اليمامة تقع على طريق تجاري رئيسي. كانت الزراعة أساس الاستقرار والحياة في هذه المنطقة. كان ذلك في بداية القرن الإسلامي الأول. ولذا ليس هناك مجال للاستغراب عندما يصف ياقوت حجر بالمدينة، ويشبهها بالبصرة والكوفة، وهو في أواخر القرن السادس الهجري. مما يعني أن حجر كانت تعتبر إحدى حواضر الدولة الإسلامية آنذاك. حتى في حكاية سبب تسميتها بحجر، وهي حكاية فيها نَفَسٌ أسطوري، نجد أنها حكاية تحمل رموزاً حضرية مثل القصور والحدائق. لنتذكر أن حجر التي يتحدث عنها ياقوت هنا هي المكان الذي تقوم فيه مدينة الرياض الآن.

نعود إلى الحركة الوهابية. لماذا؟ لأنها أولاً، وكما ذكرت، هي حاضنة فكرة الدولة السعودية، وثانياً لأنها حركة ظهرت في حاضرة نجد في القرن 12 الهجري، وثالثاً لأن ظهور هذه الحركة لا علاقة له بتدهور الحياة الدينية، أو انتشار الشرك في نجد، كما هو شائع. على العكس جاءت الحركة تتويجاً لعمليات استقرار وتحضر استمرت لقرون منذ سقوط دولة بني الأخيضر في القرن الخامس الهجري، كما ترجح المصادر التاريخية. ليس هنا مجال التفصيل في كل ذلك. لكن ربما تكفي بعض اللمحات السريعة. فالظاهرة التي تؤكدها المصادر المحلية أن القبيلة كانت قبيل ظهور الحركة تعاني من تصدع واضح تمثل في أن العائلة حلت محل القبيلة في مجتمع نجد آنذاك، وأصبحت الأساس الذي يتمحور حوله البناء الاجتماعي، وليس القبيلة كما كان عليه الحال من قبل. كذلك برزت ظاهرة المدن المستقلة سياسياً عن بعضها، بما يشبه ظاهرة “دول- المدن” المستقلة في العصر الحديث. كانت هذه البلدات أو المدن تحكم من قبل عوائل. وكان حكم كل عائلة في الغالب غير مستقر بسبب الصراع المستمر داخل العائلة على حكم البلدة. من ناحية أخرى كانت هذه المدن في حالة صراع مرير فيما بينها على المصادر وتوسيع النفوذ. إذا أضفنا إلى ذلك ما كانت المنطقة تتعرض له من دورات جفاف متعاقبة، وكوارث طبيعية وحروب، اتضح أن مجتمع حاضرة نجد كان في القرن الثاني عشر الهجري على حافة الانهيار.

ظهرت الحركة الوهابية في هذا الإطار تحديداً. وليس هناك من الناحية التاريخية ما يشير إلى أن الشرك، أو تدهور الحالة الدينية، كان جزءاً من هذا الإطار. ومن حيث أن الوهابية طرحت فكرة التوحيد، وفكرة الدولة المركزية، فإن هذا يعني أن الحركة قرنت التوحيد الديني بالتوحيد السياسي. وبالتالي يصبح من الجائز، بل ومن المنطقي القول بأن ظهور الحركة جاء استجابة لتصدع القبيلة، ولهدف استبدال القبيلة بالدولة كإطار جديد ومختلف للمجتمع. أن تأتي الاستجابة بهذه الصيغة السياسية، ولهذا الهدف المتمثل في مفهوم الدولة هو انعكاس لطبيعة المجتمع، ولنمط حياة هذا المجتمع الذي ظهرت فيه هذه الاستجابة. كان قائد الحركة، الشيخ محمد بن عبدالوهاب، يحمل فكرة الدولة، وليس فقط فكرة الدعوة، باحثاً لها عن دعم ورعاية سياسية من قبل أحد أمراء المدن المستقلة. ذهب أولاً إلى العيينة، وأميرها عثمان بن معمر. وبدا حينها أنه أقنع هذا الأمير بمشروعه الديني السياسي. لكن بن معمر تراجع تحت ضغوط حاكم الإحساء. عندها ذهب الشيخ إلى الدرعية، وفيها وجد الدعم والرعاية التي كان يتطلع إليهما. اللافت هنا أن الشيخ لم يذهب في بحثه عن الدعم خارج منطقة العارض.

ملاحظة أخرى مهمة، وذات صلة. لم تكن الحركة الوهابية أول حركة دينية في نجد مثلت تدخلاً دينيا في تاريخ المجتمع. كانت هناك حركة تعليم دينية قبل الوهابية. لكن اللافت أن ما يميز هذه الحركة أنها كانت تتمحور حول الفقه بشكل شبه حصري. يقول الشيخ عبدالله البسام في كتابه المهم “تاريخ علماء نجد منذ ثمانية قرون” عن علماء نجد قبل الحركة الوهابية بأن “علمهم يكاد ينحصر في الفقه، والمذهب السائد لديهم هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل… وعلمهم على اختلاف مذاهبهم لا يكاد يخرج عن تحقيق هذا النوع من العلم. فعلوم التفسير والحديث والتوحيد مشاركتهم فيها قليلة جداً.” (ج1، ص17). عندما جاءت الحركة الوهابية غيرت وجهة التعليم الديني في نجد. أصبح التوحيد، وليس الفقه، هو محور النشاط العلمي. ماذا يعني هذا؟ بقية الحديث الأسبوع المقبل.

جريدة الاتحاد الاماراتيه - الأربعاء 5 ربيع الآخر 1427هـ/ 3 مايو 2006م


يتبع







قديم 21-11-2006, 01:34 AM   رقم المشاركة : 3
ســـــحااب
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية ســـــحااب
 





ســـــحااب غير متصل

رد الدكتور فهد السماري على الدكتور خالد الدخيل

د. فهد بن عبدالله السماري

اطلعت على مقالتَيْ الأخ الدكتور خالد الدخيل: الأولى بعنوان "لماذا نشأت الدولة السعودية في العارض؟"، والثانية بعنوان: "تصدع القبيلة وليس الشرك وراء ظهور الوهابية"، المنشورتين في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية. وأعادتني هاتان المقالتان إلى ما كتبه الدكتور خالد منذ فترة في صحيفة "الحياة" مستنداً على ما يبدو في مادة هذه الكتابات على عمله العلمي الأكاديمي في رسالة الدكتوراه.

والدارس للتاريخ يحتفي بأية قراءة جديدة لأحداث التاريخ، خاصة إذا استخدمت في ذلك أدوات منهجية جديدة وتخصصات أخرى مساندة لعلم التاريخ مثل الاجتماع والاقتصاد وغيرهما، إلا أن هذا الاحتفاء يتلاشى عندما تكون تلك القراءة مجرد استنتاجات مبنية على رؤى محددة غير متفقة مع الأحداث في المضمون والإطار، أو تستند على الاجتزاء وإثارة الأسئلة الجدلية التي تقود إلى نتائج مستهدفة سلفاً دون اعتبار للأدلة الظاهرة! والخطورة في بعض القراءات الجديدة لبعض أحداث التاريخ من خلال منظور علمي اجتماعي أو اقتصادي، تتمثل في سيطرة التنظير من جهة، والتركيز على أحداث معينة تؤيد ذلك التنظير، وتتجاهل معظم الأحداث الأخرى من أجل إثبات الرؤية المقصودة.

وهناك مدارس كثيرة ظهرت لمحاولة قراءة أحداث التاريخ بصورة أخرى مثل مدرسة ما يسمى بالمكان أو المدرسة المادية لتفسير التاريخ ولهذه المدرسة روادها المعروفون، إلا أن ما توصلوا إليه من استنتاجات وما استخدموه من وسائل تمثل في تضخيم المصطلحات وإبرازها من جهة، وإثارة أسئلة جدلية جوابها معد سلفاً من جهة أخرى. كما لوحظ على ذلك النوع من القراءة اعتساف حقائق التاريخ ورفض الأساس الديني ولو كان صحيحاً في تطور بعض أحداث التاريخ.

وعند قراءتي لمقالتَيْ الأخ الدكتور خالد الدخيل، احتفيت بهما معتقداً أن هناك شيئاً جديداً سيضاف، إلا أنني وجدت أنهما مجرد تكرار لما سبق أن كتبه حول هذا الموضوع دون تطوير أو مراجعة لتلافي بعض التناقضات والأخطاء التاريخية التي وقع فيها مسار تحليلاته التي طرحها. وقبل أن أدلف إلى نقد هاتين المقالتين لابد أن أشير إلى أنني أحترم ما كتبه الدكتور خالد، وأعده ضمن سياق محاولات قراءة التاريخ، والتي بلاشك لها فائدتها حيث تؤدي إلى مناقشة هذه الموضوعات التاريخية وإبداء الرأي حولها.

بدأ الدكتور خالد مقالته الأولى بإثارة سؤال حول نشأة الدولة السعودية في إقليم العارض، وجاءت الإجابة من خلال رؤية اجتماعية حددها بالمكان والقبيلة، واستخدم أحداث الدولة الإسلامية الأولى وحروب الردة التي ظهرت في اليمامة وظهور مسيلمة لإثبات تلك الرؤية. ثم قفز الدكتور إلى الدولة الأخيضرية ثم الدولة السعودية، ليقول للقارئ إن هناك ارتباطاً بين ما حدث في تلك القرون وما حدث في منتصف القرن الثاني عشر الهجري. وهنا يختزل الدكتور خالد ذلك التاريخ الطويل في أحداث محددة تتفق مع سياق الرؤية المقصودة، والتي هي بارزة في السؤال ذاته. فلقد اختار الدكتور قبيلة بني حنيفة محوراً لرؤيته المفسرة لنشأة الدولة السعودية، واستخدم ذلك للإشارة إلى وجود سابقة في قيام دولة عارضت دولة الإسلام مستندة إلى القبيلة والمكان. واختزل الدكتور هنا أحداث الردة ومواقف بني حنيفة في إطار غريب ليدلل على صدق استنتاجه حول أسباب نشأة الدولة السعودية باعتبارها لا تمت للدين بصلة؟! وما أشار إليه الدكتور يتناقض مع ما حدث فعلاً حيث لم يكن جميع بني حنيفة معارضة للإسلام من جهة والذين شاركوا مع جيش المسلمين لمواجهة مسيلمة من بني حنيفة تجاوزوا الثلاثة آلاف مقاتل، وكان من بينهم شهداء كثر، ولم يكن هناك فائض في المنتج الزراعي لدى اليمامة بالصورة التي أشار إليها الدكتور، والمجال هنا ليس متاحاً لشرح مصادر هذا الموضوع وحيثياته التي يعرفها الدكتور خالد ولا تخفى عليه.

وإذا نظرنا إلى تاريخ الجزيرة العربية بعد هذه الأحداث، نجد أنها خلت من قيام دول مستقرة ذات نفوذ واسع، عدا ظهور الدولة الأخيضرية في اليمامة ودولة القرامطة في البحرين (الأحساء) اللتين لم يكن لهما ارتباط بما ذكره الدكتور خالد خصوصاً من حيث القبيلة. وعند ظهور الدعوة الإصلاحية في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، الثامن عشر الميلادي، كان الفارق الزمني كبيراً بين آخر دولة في المنطقة، حيث زاد ذلك على سبعة قرون. والسؤال هنا هو: أين النمطية في قيام الدولة المستقرة خلال هذه الفترة الطويلة جداً في هذه المنطقة، خاصة أن تلك الفترة شهدت ظاهرة تاريخية، تعرف بظهور الدول المستقلة وتحرك القبائل الواسع، وهو ما لا يسع المجال لذكره هنا؟


ذكر الدكتور خالد أن الاستقرار والتحضر هما أساس قيام الدول، وهذا صحيح، ولكن يبدو أنه فات عليه أنهما ليسا كافيين لتحقيق ذلك، وإنما الأمر يرتبط بوجود أشخاص يستندون في حركاتهم إلى مبادئ وقرارات ورؤية واضحة.


أما صفة المحافظة التي أطلقها الدكتور على قبيلة بني حنيفة باليمامة وأنها تبنت أيديولوجية محافظة لأنها عاشت في مجتمع زراعي فذلك أمر غريب! فهل يعقل أن نفسر موقف بني حنيفة الرافض لسلطة الدولة الإسلامية عليها بأنه موقف محافظ؟ وخاصة أن تلك القبيلة كما ذكر الدكتور خالد، تسعى لإنشاء دولة ذات نفوذ ولا تقبل بسلطة أخرى عليها؟ لذا يبدو أن المحافظة هنا أقحمت لكي يصل الدكتور خالد إلى تطبيق إثبات رؤيته التي عرضها في بداية الموضوع من حيث الربط بين ما حدث في تلك الفترة المبكرة جداً وما حدث عند إنشاء الدولة السعودية، أي النمطية!


ومن التناقضات التي تبرز في رؤية الدكتور حول النمطية في نشأة الدول، هو ظهور الدولة السعودية في الدرعية وعدم ظهورها في أمكنة أخرى رغم أن تلك الأمكنة أكثر استقراراً وازدهاراً. وعندما سأل الدكتور خالد عن سبب عدم اتجاه الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى منطقة أخرى خارج العارض، انساق نحو المسار الصحيح في قراءة أحداث تلك الفترة، لأنه انتقل من نمطية القبيلة والمكان إلى دور الشخصية الذي تجاهله الدكتور في قراءته هذه. فأين ظهور الدولة في الخرج أو القصيم أو حائل أو الأحساء أو نجران أو غيرها من الأماكن الحضرية الأخرى المستقرة في المنطقة؟ فمعظم تلك الأماكن شهدت استقراراً وتحضراً وسكنتها قبائل ذات اعتبار كبير ولم تشهد قيام دول. وربما سيقول الدكتور خالد إن الإرث التاريخي هو الذي حدد قيام الدول، وهنا نقول إن تلك المناطق كان لها أيضاً إرث تاريخي لم يعد ظاهراً في تلك الفترة.


بدأ الدكتور خالد في مقالته الثانية، بمدخل مرتبك منهجياً لتهيئة الرؤية التي يرمي إليها، ويحتاج نقد هذا المدخل إلى نقاش كثير نظراً لتناقضه مع مبادئ علم الاجتماع في حد ذاته، لأن الدكتور خالد طرح فكرة أن قيام الدولة شرط لقيام الحضارة، وأن الدولة لا تقوم إلا في إطار اجتماعي به استقرار وتحضر. أيهما أولاً إذن؟ وأترك نقاش هذا الأمر للمتخصصين في علم الاجتماع. وذكر الدكتور خالد أيضاً أنه قدم في مقالته الأولى لمحة عن التاريخ السياسي للجزيرة العربية، والصحيح أن تلك المقالة لم تحتوِ على أي لمحة علمية تذكر وإنما احتوت على مجرد رؤى عامة.


ولكي يثبت الدكتور خالد صحة رؤيته أو قراءته لتاريخ الدولة السعودية، ذكر أنه سيتناول الدعوة الإصلاحية والتي سماها بالحركة الوهابية وعلاقة الدولة السعودية بالقبائل البدوية، ونسب الأسرة الحاكمة وعلاقته بالدولة. وتبنى الدكتور رأياً غريباً في تفسيره لظهور الدعوة الإصلاحية، اتسم بالمغالطة واعتساف الحقائق التاريخية كي تسير وفق رؤية تمت صياغتها لتفسير الحدث. فلقد أشار إلى أن نشوء دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- عائد إلى تصدع القبيلة وسيطرة العائلة مكانها! هنا نتساءل: هل درس الدكتور خالد نشأة تلك البلدات؟ وهل استعرض التواريخ المحلية لمعرفة حقيقة الوضع الاجتماعي والسياسي آنذاك؟ وهل تابع تطور حركة القبائل ونشاطها في تلك الفترة؟ فنشأة الكثير من المدن أو البلدات كانت بسبب حراك اجتماعي حضري منبثق عن القبيلة التي لا زال جزء كبير منها يعيش في حالة البداوة آنذاك وعلى علاقات تبادلية مع المجتمعات الموجودة في تلك المدن أو البلدات. والأدلة على ذلك كثيرة، ويمكن للدكتور أن يغوص في أعماق تلك الأحداث، وليس في قشورها كي يتعرف على أسس ذلك التعايش والتبادل والصراعات التي تمت بين الحاضرة والبادية. لذا فإن القول إن ظهور تلك الحواضر كان نتيجة لتصدع القبيلة، هو أمر ترفضه حقائق التاريخ، إلا إذا اعتبر أن تحضر جزء من القبيلة تصدع، فهذا أمر يطول نقاشه.

كما أن القول إن مجتمع حاضرة نجد، كان في القرن الثاني عشر الهجري على حافة الانهيار، لا تؤيده الأحداث التاريخية، لأنه عندما قامت الدولة السعودية الأولى وبدأت في بسط سيطرتها على الحاضرة والبادية، واجهت الكثير من الصعوبات خاصة في مواجهة الحواضر القريبة منها التي لم تكن ضعيفة، بل كانت في أقوى عصورها من حيث الحماية التي فرضتها على نفسها والصراعات التي كانت تتم فيما بينها. وهذا لا يعني عدم وجود ضعف في بعض البلدان لظروف طبيعية إلا أن هناك بلداناً أخرى كانت في تلك الفترة تعيش في أوج عنفوانها.

تناول الدكتور خالد موضوعاً آخر سبق أن تطرق إليه عدد من الباحثين فيما يتعلق بالحالة الدينية في الجزيرة العربية، عشية ظهور الدعوة الإصلاحية، وذلك لكي يتوصل إلى أن الدولة السعودية لم تنشأ بسبب ديني على الإطلاق؟! فلقد ربط الدكتور، فكرة التوحيد التي نشأت عليها الدعوة بالمفهوم السياسي، ونفى أن يكون هناك تدهور للحالة الدينية في المنطقة آنذاك، مما يعني في رأيه أن الهدف من قيام الدعوة سياسي وليس دينياً في الأساس! وهنا نقول، إن الحالة الدينية في المنطقة وصفت في مصادر بأنها كانت سيئة جداً، وظهرت بعض المبالغات في ذلك، ووصفت في مصادر أخرى بأنها كانت جيدة واتسمت بوجود العلماء في المنطقة الذين ذكرت أسماؤهم في عدد من مصادر الأعلام عن تلك الفترة، ولكن ذلك لا يعني عدم وجود حالة دينية تستدعي الإصلاح. فالحالة الدينية كانت فعلاً سيئة من حيث مدى التزام المجتمع بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، وكان انتشار البدع والشركيات ظاهراً يدعو إلى قيام حركة لتصحيحها تنطلق من المبدأ الإسلامي من الأساس وهو التوحيد. لذا ركز الشيخ محمد بن عبدالوهاب على مسألة التوحيد نتيجة للحالة الدينية آنذاك، باعتباره منطلقاً للإصلاح الديني وليس السياسي كما قال بذلك الدكتور. والشيخ محمد في رسائله لم يقل بانعدام الحياة العلمية وإنما أشار إلى ضعف في العقيدة وانشغال بالفقه فقط، مما أتاح انتشار السلوكيات التعبدية الخاطئة والمتصلة بالتوحيد.

والمعروف أن انتشار البدع والشركيات ليس أمراً غريباً، حتى وإن بالغ بعض المؤرخين في وجوده آنذاك، ولنا أن ننظر في عالمنا المعاصر اليوم، حيث توجد في البلاد العربية ممارسات تناقض التوحيد رغم عدم القبول بها سواء كانت ممارسات قبورية أو سلوكيات اجتماعية مخالفة للدين وخصوصاً للعقيدة. كما أن ما حدث بعد ظهور الشيخ محمد بن الوهاب -رحمه الله- من معارضة من قبل بعض العلماء المحليين يدل على عدم القول بعدم وجود حياة علمية آنذاك.

أما قول الدكتور خالد إن ظهور الدعوة الإصلاحية جاء استجابة لتصدع القبيلة واستبدالها بالدولة، فهذا أمر غريب أيضاً، لأن الدكتور ركز مجدداً على الإطار المكاني مستخدماً خلفية تاريخية معينة للوصول إلى هذه الفكرة، والصحيح هو أن الحراك الذي حدث وأدى إلى إنشاء الدولة السعودية الأولى كان ناتجاً عن ظهور شخصية دينية درست على يد عدد من المشايخ والعلماء في الحجاز وفي الأحساء وفي البصرة، وشاء الله عز وجل أن يقوم هذا الشيخ بمعارضة تلك الممارسات غير الشرعية في منطقته مستخدماً الأساس الديني الصحيح منذ عهد الدولة الإسلامية الأولى، وهو العمل على تصحيح تلك الأخطاء والممارسات وتثبيت العقيدة الصحيحة من خلال سلطة تسانده في ذلك.

أما تساؤل الدكتور خالد والذي لفت نظره بأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يبحث عن الدعم خارج منطقة العارض، فجوابه يسيرٌ ويتمثل في أن الشيخ هو أصلاً من منطقة العارض وتحركه مرتبط بمحيطه الذي عاش فيه، وانتقاله من حريملاء إلى العيينة ثم إلى الدرعية يدل على أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب كان هو المحرك الأساس لهذه الدعوة الإصلاحية إلى أن توصل إلى القرار بالانتقال إلى الدرعية ومبايعة الإمام محمد بن سعود على نصرة الدعوة. وانتقال الشيخ إلى الدرعية كان لأسباب عديدة ليس بينها ذلك الإرث التاريخي الذي يركز عليه الدكتور خالد. فمن تلك الأسباب اضطرار أمير العيينة إلى عدم الاستمرار في مناصرة الشيخ في حركته الإصلاحية، واختيار الشيخ الدرعية بديلاً لاتصاله بقاضيها وابنيْ أميرها الذين كانوا يدرسون على يد الشيخ في العيينة، والذين ربما شجعوا الشيخ على المجيء إليهم. ومن الأسباب القوية الأخرى أن الدرعية كانت إمارة في أوج قوتها واستقلاليتها بسبب شخصية الإمام محمد بن سعود الذي رسخ مكانة الدرعية في المنطقة وابتعد بها عن الوقوع تحت سيطرة القوى الموجودة آنذاك في شرقي الجزيرة العربية وغربها.

والدارس لتاريخ الإمام محمد بن سعود من خلال المتاح من المعلومات في بعض المصادر المحلية، يتبين له مدى ما قام به من جهود لترسيخ الإمارة ونشر الاستقرار بها وإيجاد علاقات ذات استقلالية مع القوى المجاورة. ولاشك أن دراسة تاريخ الدرعية من حيث نشأتها والتطورات التي مرت بها إلى منتصف القرن الثاني عشر الهجري، ستقود إلى إيضاح جوانب هذه الشخصية التي استطاعت تبني الدعوة ومناصرتها وإنشاء دولة تقوم على ذلك.

كما أدعو الأخ الدكتور خالد إلى الانفكاك من هذا التنظير التعسفي والاتجاه إلى دراسة تاريخ الدولة السعودية في أدوارها الثلاثة بشكل معمق، كي يتبين له مدى الارتباط الديني في قيام الدولة واتساعها. فالعودة إلى أدبيات الدولة السعودية وأئمتها وعلمائها تشير بكل جلاء إلى هذا الارتباط الذي يقول الدكتور خالد بعدم صحته.

ومن خلال قراءة أحداث انتقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية والدور الذي قامت به زوجة الإمام محمد بن سعود، يتبين عدم وجود ما أسماه الدكتور خالد بالنمطية. فالإمام محمد بن سعود لم يبادر بالبحث عن حجة لإنشاء دولة من جهة، والشيخ محمد بن عبدالوهاب لم يتجه في بداية أمره إلى الدرعية ليبحث عن مناصر لدعوته في ذلك المكان بحد ذاته، أي الدرعية. وهنا أيضاً يبرز السؤال الجدلي الذي طرحه الدكتور خالد: لماذا لم يؤسس الدروع، وهم من بني حنيفة دولة؟ فالدروع كانوا مستقرين ولهم قوتهم، وبسببهم نشأت الدرعية عندما أقطعوا أبناء عمومتهم أراضي المليبيد وغصيبة ليقيموا فيهما في القرن التاسع الهجري.

والحقيقة هي أن أساس الدولة السعودية هو الدين وليس غير ذلك. والبحث في رؤى أخرى تتسم بالجاذبية وتختزل الأحداث وتربط بعضها بإطار غير منطقي لا يصمد أمام حقائق التاريخ. وبقراءة معالم المجتمع السعودي بعد قيام الدولة السعودية الأولى ثم سقوطها وظهور الدولة السعودية الثانية ثم الدولة السعودية الثالثة، يتبين عدم صحة الأساس والمنطلق الذي حدده الدكتور خالد لتفسير قيام الدولة السعودية الأولى. فالقبيلة ظلت قوية والبلدات والحواضر ظلت قوية ولكن الأساس الديني للدعوة، الذي قامت عليه الدولة السعودية هو الذي أنشأ الدولة وأقامها وليس ذلك الإرث التاريخي الذي نسج قصته الدكتور خالد.

ومن جانب آخر، يبدو أن الدكتور خالد تجاهل انتشار دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في أنحاء العالم العربي والإسلامي، وتأثيرها الذي وصل إلى حد نشوء حركات إصلاحية أخرى قامت على نفس المبدأ، وما ذلك الانتشار إلا دليلاً على أن الدعوة كانت أساسية وحقيقية وليست بقصد تأسيس دولة فقط.

وأخيراً، أشار الدكتور خالد إلى أن دعوة الشيخ لم تكن أول حركة دينية في نجد، ذات أثر في تاريخ المجتمع، وإنما في رأيه كانت هناك حركة تعليمية دينية تتمحور حول الفقه سبقتها. وهذا غير دقيق، لأن المجتمع آنذاك كانت به حالة من التعليم الديني الأساس من جهة وعلماؤه كانوا يقومون بالواجب الأساس المتمثل في القضاء والفتوى ويتوارون عن معارضة ما انتشر في المجتمع من بدع وخرافات سيطرت على الكثير من عامة الناس في تلك الفترة. ولاشك أن مواجهة تلك الأخطاء وتصحيحها يحتاج إلى سلطة تساند ذلك، مما دعا الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى البحث عن أمير يساند الفكرة التي بدأ دعوته فيها من خلال محاولة إعادة الناس إلى صفاء العقيدة الإسلامية والبعد عما لحق بها من شوائب وفساد في العقيدة. ولذا وجد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الإمام محمد بن سعود ذلك الرجل الذي يستطيع أن يحمل لواء الدعوة، وهو ما حدث وبذلك تأسست الدولة السعودية الأولى.

للجميع الحق بأبداءارائهم ومناقشتها


مع التحية







قديم 21-11-2006, 01:41 AM   رقم المشاركة : 4
بنت الهيــلا
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية بنت الهيــلا
 






بنت الهيــلا غير متصل

مشكور اخوي على هذا المجهود يعطيك العافيه







التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

قديم 21-11-2006, 01:24 PM   رقم المشاركة : 5
-- ريما --
( ود متميز )
 
الصورة الرمزية -- ريما --
 





-- ريما -- غير متصل

يعطيك العافيه

وتسلم اخوي البادي







موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:14 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية