العودة   منتديات الـــود > +:::::[ الأقسام العامة ]:::::+ > ۞ مكتبة الــوٍد الإسلامية ۞
إضافة رد
   
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-05-2014, 12:04 AM   رقم المشاركة : 11
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏117 ‏:‏ 122‏)‏
{‏ وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون ‏.‏ فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ‏.‏ فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ‏.‏ وألقى السحرة ساجدين ‏.‏ قالوا آمنا برب العالمين ‏.‏ رب موسى وهارون ‏}‏

يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى عليه السلام في ذلك الموقف العظيم الذي فرق اللّه تعالى فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه ‏{‏فإذا هي تلقف‏}‏ أي تأكل ‏{‏ما يأفكون‏}‏ أي ما يلقونه ويوهمون أنه حق وهو باطل، قال ابن عباس‏:‏ فجعلت لا تمر بشيء من حبالهم ولا من خشبهم إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا شيء من السماء ليس هذا بسحر، فخروا سجداً قيل‏:‏ كان رؤساؤهم أربعة، وهم أئمة السحرة، كما ذكره الطبري، والدارقطني، وكان السحرة‏:‏ سبعين ألفاً، وقيل دون ذلك، ومهما يكن من أمر فقد كان عددهم كبيراً ، وقالوا‏:‏ ‏{‏آمنا برب العالمين رب موسى وهارون‏}‏ قال محمد بن إسحاق‏:‏ جعلت تتبع تلك الجبال والعصي واحدة واحدة حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجداً، قالوا‏:‏ ‏{‏آمنا برب العالمين رب موسى وهارون‏}‏ لو كان هذا ساحراً ما غلبنا‏.‏ وقال القاسم بن أبي برة‏:‏ أوحى اللّه إليه أن ألق عصاك، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فاغر فاه، يبتلع حبالهم وعصيهم، فألقي السحرة عند ذلك سجداً فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏123 ‏:‏ 126‏)‏
‏{‏ قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون ‏.‏ لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين ‏.‏ قالوا إنا إلى ربنا منقلبون ‏.‏ وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ‏}‏

يخبر تعالى عما توعد به فرعون لعنه اللّه السحرة لما آمنوا بموسى عليه السلام، وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله‏:‏ ‏{‏إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها‏}‏ أي إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، كقوله في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏إنه لكبيركم الذي علمكم السحر‏}‏، وهو يعلم وكل من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل، فإن موسى عليه السلام بمجرد ما جاء من مدين دعا فرعون إلى اللّه، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه وسلطنته، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ممن اختار وأحضرهم عنده، ووعدهم بالعطاء الجزيل، ولهذا قد كانوا من أحرص الناس على التقدم عند فرعون، وموسى عليه السلام لا يعرف أحداً منهم ولا رآه ولا اجتمع به وفرعون يعلم ذلك، وإنما قال هذا تستراً وتدليساً على رعاع دولته وجهلتهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فاستخف قومه فأطاعوه‏}‏ فإن قوماً صدقوه في قوله ‏{‏أنا ربكم الأعلى‏}‏ من أجهل خلق اللّه وأضلهم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لتخرجوا منها أهلها‏}‏ أي تجتمعوا أنتم وهو وتكون لكم دولة وصولة وتخرجوا منها الأكابر والرؤساء، وتكون الدولة والتصرف لكم ‏{‏فسوف تعلمون‏}‏ أي ما أصنع بكم، ثم فسر هذا الوعيد بقوله‏:‏ ‏{‏لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف‏}‏ يعني بقطع يده اليمنى ورجله اليسرى أو بالعكس ‏{‏ولأصلبنكم أجمعين‏}‏، وقال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏في جذوع النخل‏}‏ أي على الجذوع، قال ابن عباس‏:‏ وكان أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون، وقول السحرة‏:‏ ‏{‏إنا إلى ربنا منقلبون‏}‏ أي قد تحققنا أنا إليه راجعون وعذابه أشد من عذابك، ونكاله على ما تدعونا إليه اليوم، وما أكرهتنا عليه من السحر أعظم من نكالك، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب اللّه، ولهذا قالوا‏:‏ ‏{‏ربنا أفرغ علينا صبرا‏}‏ أي عمنّا بالصبر على دينك والثبات عليه، ‏{‏وتوفنا مسلمين‏}‏ أي متابعين لنبيك موسى عليه السلام، وقالوا لفرعون‏:‏ ‏{‏فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا‏}‏، فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره شهداء بررة، قال ابن عباس‏:‏ كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏127 ‏:‏ 129‏)‏
‏{‏ وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ‏.‏ قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ‏.‏ قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون ‏}‏

يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه وما أضمروه لموسى عليه السلام وقومه من الأذى ‏{‏وقال الملأ من قوم فرعون‏}‏ أي لفرعون ‏{‏أتذر موسى وقومه‏}‏ أي تدعهم ‏{‏ليفسدوا في الأرض‏}‏ أي يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك، ‏{‏ويذرك وآلهتك‏}‏ الواو هنا حالية أي أتذره وقومه يفسدون في الأرض وقد ترك عبادتك‏؟‏ وقيل‏:‏ هي عاطفة أي أتدعهم يصنعون من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى ترك آلهتك‏؟‏ وقرأ بعضهم‏:‏ إلاهتك أي عبادتك روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ‏.‏ قال الحسن البصري‏:‏ كان لفرعون إله يعبده في السر، فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله‏:‏ ‏(‏سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم‏)‏ وهذا أمر ثان بهذا الصنيع، وقد كان نكّل بهم قبل ولادة موسى عليه السلام حذراً من وجوده، فكان خلاف ما رامه وضد ما قصده فرعون، وهكذا عومل في صنيعه أيضاً لما أراد إذلال بني إسرائيل وقهرهم، فجاء الأمر على خلاف ما أراد، أعزهم اللّه وأذله وأرغم أنفه وأغرقه وجنوده، ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل ‏{‏قال موسى لقومه استعينوا باللّه واصبروا‏}‏،

ووعدهم بالعاقبة وأن الدار ستصير لهم في قوله‏:‏ ‏{‏إن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبلأن تأتينا ومن بعد ما جئتنا‏}‏ أي فعلوا بنا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى ومن بعد ذلك، فقال منبهاً لهم على حالهم الحاضر وما يصيرون إليه‏:‏ ‏{‏عسى ربكم أن يهلك عدوكم‏}‏ الآية‏.‏ وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر عند حلول النعم وزوال النقم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏130 ‏:‏ 131‏)‏
‏{‏ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ‏.‏ فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند اللّه ولكن أكثرهم لا يعلمون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد أخذنا آل فرعون‏}‏ أي اختبرناهم وامتحناهم وابتليناهم ‏{‏بالسنين‏}‏
وهي سنين الجوع بسبب قلة الزروع، ‏{‏ونقص من الثمرات‏}‏، وقال رجاء بن حيوة‏:‏ كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة، ‏{‏لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة‏}‏ أي من الخصب والرزق ‏{‏قالوا لنا هذه‏}‏ أي هذا لنا بما نستحقه ‏{‏وإن تصبهم سيئة‏}‏ أي جدب وقحط ‏{‏يطيروا بموسى ومن معه‏}‏ أي هذا بسببهم وما جاؤوا به ‏{‏ألا إنما طائرهم عند اللّه‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ مصائبهم عند اللّه، ‏{‏ولكن أكثرهم لا يعلمون‏}‏ وعنه ‏{‏ألا إنما طائرهم عند اللّه‏}‏ أي من قبل اللّه‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏132 ‏:‏ 135‏)‏
‏{‏ وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين ‏.‏ فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ‏.‏ ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ‏.‏ فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ‏}‏

هذا إخبار من اللّه عزَّ وجلَّ عن تمرد قوم فرعون وعتوهم، وعنادهم للحق وإصرارهم على الباطل في قولهم‏:‏ ‏{‏مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين‏}‏، يقولون‏:‏ أي آية جئتنا بها ودلالة وحجة أقمتها، رددناها فلا نقبلها منك ولا نؤمن بك ولا بما جئت به، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فأرسلنا عليهم الطوفان‏}‏ اختلفوا في معناه، فعن ابن عباس‏:‏ كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار وبه قال الضحاك بن مزاحم وهو الأظهر ، وعنه‏:‏ هو كثرة الموت، وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏الطوفان‏}‏ الماء والطاعون، وأما الجراد فمعروف ومشهور،

وهو مأكول لما ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن أبي أوفى‏:غزونا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد، وروى الشافعي وأحمد وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أحلت لنا ميتتان ودمان‏:‏ الحوت والجراد والكبد والطحال‏)‏ وقال مجاهد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد‏}‏ قال‏:‏ كانت تأكل مسامير أبوابهم وتدع الخشب‏.‏ وروى الحافظ أبو الفرج الحريري قال‏:‏ سئل شريح القاضي عن الجراد‏؟‏ فقال‏:‏ قبح اللّه الجرادة فيها خلقة سبعة جبابرة رأسها رأس فرس، وعنقها عنق ثور، وصدرها صدر أسد، وجناحها جناح نسر، ورجلاها رجل جمل، وذنبها ذنب حية، وبطنها بطن عقرب‏.

وروى ابن ماجه عن أنس وجابر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا دعا على الجراد قال‏:‏ ‏(‏اللهم أهلك كباره، واقتل صغاره، وأفسد بيضه، واقطع دابره، وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزقنا إنك سميع الدعاء‏)‏ فقال له جابر‏:‏ يا رسول اللّه أتدعو على جند من أجناد اللّه بقطع دابره‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنما هو نثرة حوت في البحر‏)‏ ‏"‏أخرجه ابن ماجه في سننه‏"‏‏.‏ قال هشام‏:‏ أخبرني زياد أنه أخبره من رآه ينثره الحوت‏.‏ قال من حقق ذلك‏:‏ إن السمك إذا باض في ساحل البحر فنضب الماء عنه وبدا للشمس أنه يفقس كله جراداً طياراً‏.‏ وأما القمل فعن ابن عباس‏:‏ هو السوس الذي يخرج من الحنطة، وعن الحسن‏:‏ القمل دواب سود صغار، وقال ابن أسلم‏:‏ القمل البراغيث، وقال ابن جرير‏:‏ القُمَّل جمع واحدتها قملة وهي دابة تشبه القمل تأكل الإبل فيما بلغني‏.‏

وعن سعيد بن جبير قال‏:‏ لما أتى موسى عليه السلام فرعون قال له‏:‏ أرسل معي بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم الطوفان وهو المطر، فصب عليهم منه شيئاً خافوا أن يكون عذاباً، فقالوا لموسى‏:‏ ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل،

فدعا ربه فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فأنبت لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزروع والثمار والكلأ، فقالوا‏:‏ هذا ما كنا نتمنى، فأرسل اللّه عليهم الجراد فسلّطه على الكلأ، فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع، فقالوا‏:‏ يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فداسوا وأحرزوا في البيوت فقالوا قد أحرزنا، فأرسل اللّه عليهم القمل وهو السوس الذي يخرج منه، فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها إلا ثلاثة أقفزة، فقالوا‏:‏ يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع، فقال لفرعون‏:‏ ما تلقى أنت وقومك من هذا‏؟‏ فقال‏:‏ وما عسى أن يكون كيد هذا‏؟‏ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه، فقالوا لموسى‏:‏ ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا، وأرسل اللّه عليهم الدم فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار وما كان في أوعيتهم وجدوه دماً عبيطاً، فشكوا إلى فرعون فقالوا‏:‏ إنا قد ابتلينا بالدم وليس لنا شراب، فقال‏:‏ إنه قد سحركم، فقالوا‏:‏ من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا وجدناه دماً عبيطاً‏؟‏ فأتوه وقالوا‏:‏ يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل روي مثل هذا عن ابن عباس والسدي وقتادة وغير واحد من علماء السلف ‏.‏

وقال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه اللّه‏:‏ فرجع عدو اللّه فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مغلولاً، ثم ابى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر، فتابع اللّه عليه الآيات، فأخذه بالسنين وأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم، آيات مفصلات، فأرسل الطوفان وهو الماء ففاض على وجه الأرض، ثم ركد لا يقدرون أن يحرثوا ولا أن يعملوا شيئاً حتى جهدوا جوعاً، فلما بلغهم ذلك ‏{‏قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل‏}‏ فدعا موسى ربه فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل عليهم الجراد فأكل الشجر فيما بلغني، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل اللّه عليهم القمل، فذكر لي أن موسى عليه السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيب أهيل عظيم فضربه بها فانثال عليهم قملاً،

حتى غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النوم والقرار، فلما جهدهم قالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل اللّه عليهم الضفادع فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحداً ثوباً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه، فلما جهدهم ذلك قالوا مثل ما قالوا فسأل ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل اللّه عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر، ولا يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏136 ‏:‏137‏)‏
‏{‏ فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ‏.‏ وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ‏}‏

يخبر تعالى أنهم لما عتوا وتمردوا مع ابتلائه إياهم بالآيات المتواترة واحدة بعد واحدة انتقم منهم بإغراقه إياهم في اليم وهو البحر الذي فرقه لموسى فجاوزه وبنو إسرائيل معه، ثم ورده فرعون وجنوده على أثرهم، فلما استكملوا فيه ارتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم، وذلك بسبب تكذيبهم بآيات اللّه وتغافلهم عنها، وأخبر تعالى أنه أورث القوم الذين كانوا يستضعفون - وهم بنو إسرائيل - مشارق الأرض ومغاربها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قوما آخرين‏}‏‏.‏ وعن الحسن البصري وقتادة في قوله‏:‏ ‏{‏مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها‏}‏ يعني الشام، وقوله‏:‏ ‏{‏وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا‏}‏ قال مجاهد وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض‏}‏ ‏"‏وروي أيضاً عن ابن جرير وغيره وهو ظاهر‏"‏الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه‏}‏ أي وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعون من العمارات والمزارع ‏{‏وما كانوا يعرشون‏}‏ يبنون قاله ابن عباس ومجاهد ‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏138 ‏:‏ 139‏)‏
‏{‏وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ‏.‏ إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون ‏}‏

يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى عليه السلام حين جاوزوا البحر وقد رأوا من آيات اللّه وعظيم سلطانه ما رأوا ‏{‏فأتوا‏}‏ أي فمروا ‏{‏على قوم يعكفون على أصنام لهم‏}‏‏.‏ قال بعض المفسرين‏:‏ كانوا من الكنعانين، قال ابن جرير‏:‏ وكانوا يعبدون أصناماً على صور البقر، فلهذا أثار ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك، فقالوا‏:‏ ‏{‏يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون‏}‏ أي تجهلون عظمة اللّه وجلاله وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل ‏{‏إن هؤلاء متبر ما هم فيه‏}‏ أي هالك ‏{‏وباطل ما كانوا يعملون‏}‏، عن أبي واقد الليثي قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل حنين فمررنا بسدرة، فقلت‏:‏ يا نبي اللّه، اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة ويعكفون حولها، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ اللّه أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة‏.‏ إنكم تركبون سننن من قبلكم‏)‏"‏رواه أحمد وابن أبي حاتم وأورده ابن جرير‏"‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 12:20 AM   رقم المشاركة : 12
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏140 ‏:‏ 141‏)‏
‏{‏ قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين ‏.‏ وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ‏}‏

يذكّرهم موسى عليه السلام نعم اللّه عليهم، من أسر فرعون وقهره، وما فيه من الهوان والذلة، وما صاروا إليه من العزة والاشتفاء من عدوهم، والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه وغرقه ودماره، وقد تقدم تفسيرها في البقرة‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏142‏)‏
‏{‏ وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ‏}‏

يقول تعالى ممتناً على بني إسرائيل بما حصل لهم من الهداية بتكلميه موسى عليه السلام وإعطائه التوراة وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم، فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة، فصامها موسى عليه السلام وطواها، فلما تم المقيات استاك بلحاء شجرة، فأمره اللّه تعالى أن يكمل بعشر أربعين، وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي‏؟‏ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة وعشر من ذي الحجة، روي عن ابن عباس وغيره، فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى عليه السلام، وفيه أكمل اللّه الدين لمحمد صلى اللّه عليه وسلم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا‏}‏، فلما تم المقيات وعزم موسى على الذهاب إلى الطور استخلف على بني إسائيل أخاه هارون ووصاه بالإصلاح وعدم الإفساد، وهذا تنبيه وتذكير وإلا فهارون عليه السلام نبي شريف كريم على اللّه، له وجاهة وجلالة صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏143‏)‏
‏{‏ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ‏}‏

يخبر تعالى عن موسى عليه السلام أنه لما جاء لمقيات اللّه تعالى وحصل له التكليم من اللّه، سال اللّه تعالى أن ينظر إليه فقال‏:‏ ‏{‏رب أرني أنظر إليك قال لن تراني‏}‏ وقد أشكل حرف ‏{‏لن‏}‏ ههنا على كثير من العلماء، لأنها موضوعة لنفي التأبيد، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدينا والآخرة، وهذا أضعف الأقوال، لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن المؤمنين يرون اللّه في الدار الآخرة، كما سنوردها عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة‏}‏، وقوله تعالى إخباراً عن الكفار ‏{‏كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون‏}‏، وقيل‏:‏ إنها لنفي التأبيد في الدنيا جمعاً بين هذه الآية وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة، وقيل‏:‏ إن هذا الكلام في المقام كالكلام في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار‏}‏، وفي الكتب المتقدمة أن اللّه تعالى قال لموسى عليه السلام‏:‏ ‏(‏يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده‏)‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا‏}‏، قال ابن جرير الطبري‏:‏ ‏(‏لما تجلى ربه للجبل اشار بأصبعه فجعله دكاً وأرانا أبو إسماعيل بأصبعه السبابة‏)‏، وعن أنس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قرأ هذه الآية‏:‏ ‏{‏فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا‏}‏ قال‏:‏ هكذا بأصبعه، ووضع النبي صلى اللّه عليه وسلم إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل ‏"‏أخرجه ابن جرير وروى الترمذي وأحمد والحاكم قريباً منه‏"‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ‏{‏جعله دكاً‏}‏ قال‏:‏ تراباً ‏{‏وخر موسى صعقا‏}‏ قال‏:‏ مغشياً عليه ‏"‏أخرجه ابن جرير والطبري وهي رواية السدي عن ابن عباس‏"‏‏.‏ وقال قتادة‏:‏ ‏{‏وخر موسى صعقا‏}‏ قال‏:‏ ميتاً، وقال الثوري‏:‏ ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر فهو يذهب معه‏.‏ وعن عروة بن رويم قال‏:‏ كانت الجبال قبل أن يتجلى اللّه لموسى على الطور صماء ملساء، فلما تجلى اللّه لموسى على الطور دك وتفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف
‏"‏رواه ابن أبي حاتم‏"‏‏.‏

وقال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني‏}‏، فإنه أكبر منك وأشد خلقاً ‏{‏فلما تجلى ربه للجبل جعله‏}‏ فنظر إلى الجبل لا يتمالك وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل فخر صعقاً‏.‏ وقال عكرمة ‏{‏جعله دكا‏}‏ قال‏:‏ نظر اللّه إلى الجبل فصار صحراء تراباً، والمعروف أن الصعق هو الغشي ها هنا كما فسره ابن عباس وغيره، لا كما فسره قتادة بالموت، وإن كان ذلك صحيحاً في اللغة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه‏}‏ فإن هناك قرينة تدل على الموت، كما أن هنا قرينة تدل على الغشي، وهي قوله‏:‏ ‏{‏فلما أفاق‏}‏ والإفاقة لا تكون إلا عن غشي، ‏{‏قال سبحانك‏}‏ تنزيهاً وتعظيماً وإجلالاً أن يراه أحد في الدنيا إلا مات، وقوله‏:‏ ‏{‏تبت إليك‏}‏، قال مجاهد‏:‏ أن أسألك الرؤية ‏{‏وأنا أول المؤمنين‏}‏، قال ابن عباس ومجاهد‏:‏ من بني إسرائيل، واختاره ابن جرير‏.‏ وفي رواية أخرى عنه ‏{‏وأنا أول المؤمنين‏}‏‏:‏ أنه لا يراك أحد، قال أبو العالية‏:‏ أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة، وهذا قول حسن له اتجاه، وقوله‏:‏ ‏{‏وخر موسى صعقا‏}‏ روي عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قد لطم وجهه، وقال يا محمد إن رجلاً من أصحابك من الأنصار لطم وجهي قال‏:‏ ‏(‏ادعوه‏)‏، فدعوه، قال‏:‏ ‏(‏لم لطمت وجهه‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ يا رسول اللّه إني مررت باليهودي فسمعته يقول‏:‏ والذي اصطفى موسى على البشر، قال‏:‏ وعلى محمد‏؟‏ قال‏:‏ فقلت‏:‏ وعلى محمد‏؟‏ وأخذتني غضبة فلطمته فقال‏:‏ ‏(‏لا تخيروني من بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور‏)‏ ‏"‏رواه البخاري ومسلم وأبو داود‏"‏‏.‏ وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ استب رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال المسلم‏:‏ والذي اصطفى محمداً على العالمين، فقال اليهودي‏:‏ والذي اصطفى موسى على العالمين، فغضب المسلم على اليهودي فلطمه، فأتى اليهودي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسأله فأخبره، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاعترف بذلك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏)‏لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق فإذا بموسى ممسك بجانب العرش، فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى اللّه عز وجلَّ‏)‏ ‏"‏رواه الشيخان وأحمد‏"‏‏.‏
والكلام في قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا تخيروني على موسى‏)‏ كالكلام على قوله‏:‏ ‏(‏لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى‏)‏ قيل‏:‏ من باب التواضع وقيل‏:‏ قبل أن يعلم بذلك، وقيل‏:‏ نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضب والتعصب، وقيل‏:‏ على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي، واللّه أعلم‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏فإن الناس يصعقون يوم القيامة‏)‏ الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة يحصل أمر يصعقون منه، واللّه أعلم به، وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء وتجلى للخلائق الملك الديان كما صعق موسى من تجلي الرب تبارك وتعالى، ولهذا قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏فلا أدري أفاق قبل أم جوزي بصعقة الطور‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏144 ‏:‏ 145‏)‏
‏{‏ قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ‏.‏ وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين ‏}‏

يذكر تعالى أنه خاطب موسى بأنه اصطفاه على أهل زمانه برسالاته تعالى وبكلامه، ولا شك أن محمداً صلى اللّه عليه وسلم سيّد ولد آدم من الأولين والآخرين، ولهذا اختصه اللّه تعالى بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وأتباعه أكثر من أتباع سائر المرسلين كلهم، وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل عليه السلام، ثم ‏"‏موسى بن عمران‏"‏كليم الرحمن عليه السلام، ولهذا قال تعالى له ‏{‏فخذ ما آتيتك‏}‏ أي من الكلام والمناجاة ‏{‏وكن من الشاكرين‏}‏ أي على ذلك ولا تطلب ما لا طاقة لك به، ثم أخبر تعالى أنه كتب له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء، كتب له فيها مواعظ وأحكاماً مفصلة، مبينة للحلال والحرام، وكانت هذه الألواح مشتملة على التوراة، وقيل‏:‏ الألواح أعطيها موسى قبل التوراة فاللّه أعلم، وقوله ‏{‏فخذها بقوة‏}‏ أي بعزم على الطاعة ‏{‏وأمر قومك يأخذوا بأحسنها‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ أمر موسى عليه السلام أن يأخذ بأشد ما أمر قومه، وقوله‏:‏ ‏{‏سأريكم دار الفاسقين‏}‏ أي سترون عاقبة من خالف أمري وخرج عن طاعتي كيف يصير إلى الهلاك والدمار والتباب، قال ابن جرير‏:‏ وإنما قال‏:‏ ‏{‏سأريكم دار الفاسقين‏}‏ كما يقول القائل لمن يخاطبه‏:‏ سأريك غداً إلى ما يصير إليه حال من خالف أمري على وجه التهديد والوعيد لمن عصاه وخلف أمره نقل معنى ذلك عن مجاهد والحسن البصري ، وقيل‏:‏ منازل قوم فرعون، والأول أولى لأن هذا كان بعد انفصال موسى وقومه عن بلاد مصر، وهو خطاب لبني إسرائيل قبل دخولهم التيه،
واللّه أعلم‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏146 ‏:‏ 147‏)‏
‏{‏ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ‏.‏ والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق‏}‏ أي سأمنع فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي، قلوب المتكبرين عن طاعتي، ويتكبرون على الناس بغير حق، أي كما استكبروا بغير حق أذلهم بالجهل، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم‏}‏، وقال بعض السلف‏:‏ لا ينال العلم حيي ولا مستكبر، وقال آخر‏:‏ من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً، وقال سفيان بن عيينة‏:‏ أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي، ‏{‏وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها‏}‏، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا‏}‏ أي وإن ظهر لهم سبيل الرشد أي طريق النجاة لا يسلكوها،

وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلاً، ثم علّل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا‏}‏ أي كذبت بها قلوبهم ‏{‏وكانوا عنها غافلين‏}‏ أي لا يعملون بما فيها، وقوله‏:‏ ‏{‏والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم‏}‏ أي من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات حبط عمله، وقوله‏:‏ ‏{‏هل يجزون إلا ما كانوا يعملون‏}‏‏؟‏ أي إنما نجازيهم بحسب أعمالهم التي أسلفوها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وكما تدين تدان‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏148 ‏:‏ 149‏)‏
‏{‏ واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين ‏.‏ ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين‏}‏

يخبر تعالى عن ضلال من ضل من بني إسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامري من حلي القبط الذي كانوا استعاروه منهم، فشكل لهم منه عجلاً ثم ألقى فيه القبضة من التراب التي أخذها من أثر فرس جبريل عليه السلام فصار عجلاً جسداً له خوار، والخوار صوت البقر، وكان هذا منهم بعد ذهاب موسى لميقات ربه تعالى، فأعلمه اللّه تعالى بذلك وهو على الطور حيث يقول إخباراً عن نفسه الكريمة‏:‏ ‏{‏قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري‏}‏‏.‏ وقد اختلف المفسرون في هذا العجل هل صار لحماً ودماً له خوار، أو استمر على كونه من ذهب إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوّت كالبقر‏؟‏ على قولين واللّه أعلم، ويقال‏:‏ إنهم لما صوّت لهم العجل رقصوا حوله وافتتنوا به وقالوا‏:‏ ‏{‏هذا إلهكم وإله موسى فنسي‏}‏، قال تعالى‏:‏ ‏{‏أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا‏}‏‏؟‏ وقال في هذه الآية الكريمة ‏{‏ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا‏}‏‏؟‏ ينكر تعالى عليهم ضلالهم بالعجل، وذهولهم عن خالق السموات والأرض، ورب كل شيء ومليكه، ان عبدوا معه عجلاً جسداً له خوار، لا يكلمهم ولا يرشدهم إلى خير، ولكن غطّى على أعين بصائرهم عمى الجهل والضلال، كما تقدم عن أبي الدرداء قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏)‏حبك الشيء يعمي ويصم‏)‏ ‏"‏أخرجه الإمام أحمد وأبو داود‏"‏‏.‏ وقوله ‏{‏ولما سقط في أيديهم‏}‏ أي ندموا على ما فعلوا ‏{‏ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين‏}‏ أي من الهالكين، وهذا اعتراف منهم بذنبهم والتجاء إلى اللّه عزَّ وجلَّ‏.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 12:45 AM   رقم المشاركة : 13
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏150 ‏:‏ 151‏)‏
‏{‏ ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئس ما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ‏.‏ قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين ‏}‏

يخبر تعالى أن موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسفاً، والأسف أشد الغضب ‏{‏قال بئس ما خلفتموني من بعدي‏}‏ يقول‏:‏ بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم، وقوله‏:‏ ‏{‏أعجلتم أمر ربكم‏}‏ يقول‏:‏ استعجلتم مجيئي إليكم وهو مقدر من اللّه تعالى، وقوله‏:‏ ‏{‏وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه‏}‏ قيل‏:‏ كانت الألواح من زمرد، وقيل‏:‏ من ياقوت، وظاهر السياق أنه لما ألقى الأواح غضباً على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفاً وخلفاً، ‏{‏وأخذ برأس أخيه يجره إليه‏}‏ خوفاً أن يكون قد قصَّر في نهيهم كما قال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرئيل ولم ترقب قولي‏}‏، وقال ها هنا‏:‏ ‏{‏ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين‏}‏ أي لا تسقني مساقهم ولا تخلطني معهم وإنما قال‏:‏ ‏{‏ابن أم‏}‏ ليكون أرق وأنجع عنده، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه، فلما تحقق موسى عليه السلام براءة ساحة هارون عليه السلام، عند ذلك ‏{‏قال‏}‏ موسى ‏{‏رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين‏}‏، عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يرحم اللّه موسى ليس المعاين كالمخبر، أخبره ربه عزَّ وجلَّ أن قومه فتنوا بعده فلم يلق الألواح، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح‏)‏ ‏
"‏أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس مرفوعاً‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏152 ‏:‏ 153‏)‏
‏{‏ إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين ‏.‏ والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ‏}‏

أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل، فهو أن اللّه تعالى لم يقبل لهم توبة حتى قتل بعضهم بعضاً وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلاً وصغاراً في الحياة الدنيا، وقوله‏:‏ ‏{‏وكذلك نجزي المفترين‏}‏ نائلة لكل من افترى بدعة، كما قال الحسن البصري‏:‏ إن ذل البدعة على أكتافهم، وإن هملجت بهم البغلات وطقطقت بهم البراذين، وعن أبي قلابة أنه قرأ هذه الآية‏:‏ ‏{‏وكذلك نجزي المفترين‏}‏ فقال‏:‏ هي واللّه لكل مفتر إلى يوم القيامة، وقال سفيان بن عيينة‏:‏ كل صاحب بدعة ذليل‏.‏ ثم نبه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبة عباده من أي ذنب كان حتى ولو كان من كفر أو شرك أو نفاق أو شقاق ولهذا عقب هذه القصة بقوله‏:‏ ‏{‏والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك‏}‏ أي يا محمد يا نبيّ الرحمة ‏{‏من بعدها‏}‏ أي من بعد تلك الفعلة ‏{‏لغفور رحيم‏}‏‏.‏ عن عبد اللّه بن مسعود‏:‏ أنه سئل عن ذلك يعني الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها، فتلا هذه الآية‏:‏‏{‏والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم‏}‏ فتلاها عبد اللّه عشر مرات، فلم يأمرهم بها ولم ينههم عنها
"‏رواه ابن أبي حاتم أيضاً‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏154‏)‏
‏{
‏ ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة
للذين هم لربهم يرهبون‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولما سكت‏}‏ أي سكن ‏{‏عن موسى الغضب‏}‏ أي غضبه على قومه،
‏{‏أخذ الألواح‏}‏ أي التي كان ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل غيرة للّه وغضباً له ‏{‏وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون‏}‏ يقول كثير من المفسرين‏:‏ أنها لما ألقاها تكسرت، ثم جمعها بعد ذلك، ولهذا قال بعض السلف‏:‏ فوجد فيها هدى ورحمة، وقال قتادة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أخذ الألواح‏}‏ قال‏:‏ رب إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي‏!‏ قال تلك أمة أحمد، قال رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون، أي آخرون في الخلق سابقون في دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي، قال‏:‏ تلك أمة أحمد، قال‏:‏ رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها رب اجعلهم أمتي‏!‏ قال‏:‏ تلك أمة أحمد‏.‏ قال قتادة‏:‏ فذكر لنا أن نبي اللّه موسى عليه السلام نبذ الألواح وقال‏:‏ اللهم اجعلني من أمة أحمد
"‏ذكر هذا الأثر مطولاً عن قتادة ولم يرمز إليه ابن كثير بضعف‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏155 ‏:‏ 156‏)‏
‏{‏ واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين ‏.‏ واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك ‏}‏

قال السدي‏:‏ إن اللّه أمر موسى أن يأتيه في سبعين من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعدهم موعداً، ‏{‏واختار موسى قومه سبعين رجلا‏}‏ على عينيه ثم ذهب بهم ليعتذروا، فلما أتوا ذلك المكان قالوا‏:‏ ‏{‏لن نؤمن لك‏}‏ يا موسى ‏{‏حتى نرى اللّه جهرة‏}‏ فإنك قد كلمته فأرناه، ‏{‏فأخذتهم الصاعقة‏}‏ فماتوا، فقام موسى يبكي ويدعو اللّه، ويقول‏:‏ يا رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم وقد أهلكت خيارهم‏؟‏

‏{‏رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي‏}
روي مثل هذا عن عباس وبعض السلف ‏.‏ وقال محمد بن إسحاق‏:‏ اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً‏:‏ الخِّير فالخير، وقال انطلقوا إلى اللّه فتوبوا إليه مما صنعتم، وسلوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم، فخرج بهم إلى طور سيناء لمقيات وقّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم،

فقال له السيعون - فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به وخرجوا معه للقاء ربه - لموسى، اطلب لنا نسمع كلام ربنا، فقال‏:‏ أفعل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل فيه وقال للقوم‏:‏ ادنوا، وكان موسى إذا كلمه اللّه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام، وقعوا سجوداً فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل، فلما فرغ إليه من أمره وانكشف عن موسى الغمام، فأقبل إليهم فقالوا يا موسى‏:‏ ‏{‏لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة فأخذتهم الرجفة‏}‏ وهي الصاعقة فالتقت أرواحهم فماتوا جميعاً، فقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول‏:‏ ‏{‏رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي‏}‏ قد سفهوا، أفتهلك من ورائي بني إسرائيل‏؟‏

وقال ابن عباس وقتادة‏:
إنهم أخذتهم الرجفة لأنهم لم يزايلوا قومهم في عبادتهم العجل ولا نهوهم، ويتوجه هذا القول لقول موسى‏:‏ ‏{‏أتهلكنا بما فعل السفهاء منا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏إن هي إلا فتنتك‏}‏ أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك، يقول‏:‏ إن الأمر إلا أمرك، وإن الحكم إلا لك فما شئت كان، تضل من تشاء وتهدي من تشاء ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لمن منعت، ولا مانع لما أعطيت، فالملك كله لك والحكم كله لك، لك الخلق والأمر، وقوله‏:‏ ‏{‏أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين‏}‏ الغفر هو الستر وترك المؤاخذة بالذنب، والرحمة إذا قرنت مع الغفر يراد بها أن لا يوقعه في مثله في المستقبل‏:‏ ‏{‏وأنت خير الغافرين‏}‏ أي لا يغفر الذنب إلا أنت، ‏{‏واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة‏}‏ الفصل الأول من الدعاء لدفع المحذور، وهذا لتحصيل المقصود ‏{‏واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة‏}‏ أي أوجب لنا وأثبت لنا فيهما حسنة، وقد تقدم تفسير الحسنة في سورة البقرة ‏{‏إنا هدنا إليك‏}‏ أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأبو العالية والضحاك والسدي وقتادة وغيرهم ‏.‏ عن علي قال‏:‏ إنما سميت اليهود لأنهم قالوا‏:‏ ‏{‏إنا هدنا إليك‏}‏ ‏"‏أخرجه ابن جرير قال ابن كثير‏:‏ وفيه جابر الجعفي ضعيف‏"‏‏.‏

‏{‏قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ‏}‏ يقول تعالى مجيباً لموسى في قوله‏:‏ ‏{‏إن هي إلا فتنتك‏}‏ الآية، ‏{‏قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ أي أفعل ما أشاء وأحكم ما أريد، ولي الحكمة والعدل في كل ذلك سبحانه لا إله إلا هو، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء‏}‏ آية عظيمة الشمول والعموم، كقوله تعالى إخباراً عن حملة العرش ومن حوله إنهم يقولون‏:‏ ‏{‏ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما‏}‏‏.‏ عن جندب بن عبد اللّه البجلي قال‏:‏ جاء أعرابي فأناخ راحلته، ثم عقلها ثم صلى خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أتى راحلته، فأطلق عقالها، ثم ركبها، ثم نادى‏:‏ اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك في رحمتنا أحداً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أتقولون هذا أضل أم بعيره، ألم تسمعوا ما قال‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ بلى، قال‏:‏ ‏(‏لقد حظرت رحمة واسعة، إن اللّه عزَّ وجلَّ خلق مائة رحمة، فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها، وأخرّ عنده تسعاً وتسعين رحمة، أتقولون هو أضل أم بعيره‏)‏‏؟‏ رواه أحمد وأبو داود، وقال الإمام أحمد أيضاً عن سلمان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن للّه عزَّ وجلَّ مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق، وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخرّ تسعة وتسعين إلى يوم القيامة‏)‏ عن أبي سعيد قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏)‏للّه مائة رحمة فقسم منها جزءاً واحداً بين الخلق، به يتراحم الناس والوحش والطير‏) ‏"‏رواه ابن ماجه والإمام أحمد‏"‏‏.‏
وقوله‏:‏ ‏{‏فسأكتبها للذين يتقون‏}‏ الآية، يعني فسأوجب حصول رحمتي منة مني وإحساناً إليهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كتب ربكم على نفسه الرحمة‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏للذين يتقون‏}‏ أي سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات وهم أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الذين يتقون أي الشرك والعظائم من الذنوب، قوله‏:‏ ‏{‏ويؤتون الزكاة‏}‏ قيل‏:‏ زكاة النفوس، وقيل‏:‏ الأموال، ويحتمل أن تكون عامة لهما، فإن الآية مكية ‏{‏والذين هم بآياتنا يؤمنون‏}‏ أي يصدقون‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏157‏)‏
‏{‏ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ‏}‏

‏{‏الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل‏}‏ وهذه صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته، ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم، كما روى الإمام أحمد عن رجل من الأعراب، قال‏:‏ جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلما فرغت من بيعي قلت‏:‏ لألقين هذا الرجل، فلأسمعن منه قال‏:‏ فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود، ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي‏(‏ فقال‏:‏ برأسه هكذا أي لا، فقال ابنه‏:‏ أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أنك رسول اللّه، فقال‏:‏ ‏(‏أقيموا اليهودي عن أخيكم‏)‏، ثم تولى كفنه والصلاة عليه ‏"‏أخرجه أحمد عن الجريري عن أبي صخر العقيلي قال ابن كثير‏:‏ هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح‏"‏‏.‏ وروى ابن جرير عن عطاء بن يسار قال‏:‏ لقيت عبد اللّه بن عمرو فقلت‏:‏ أخبرني عن صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في التوراة قال‏:‏ أجل، واللّه إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن‏:‏ ‏{‏يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‏}‏ وحرزاً للأميّين، أنت عبدي ورسولي، اسمك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولن يقبضه اللّه حتى يتم به الملة العوجاء، بأن يقولوا‏:‏ لا إله إلا اللّه،

ويفتح به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وأعيناً عمياً‏.‏ وقد رواه البخاري في صحيحه وزاد بعد قوله ‏(‏ليس بفظ ولا غليظ‏)‏ ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر‏}‏ هذه صفة الرسول صلى اللّه عليه وسلم في الكتب المتقدمة، وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر، كما قال عبد اللّه بن مسعود إذا سمعت اللّه يقول‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا‏}‏ فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه، ومن أهم ذله وأعظمه ما بعثه اللّه به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له، والنهي عن عبادة من سواه‏.‏ عن أبي حميد وأبي أسيد رضي اللّه عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الحديث عني ممّا تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه‏)‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ رواه أحمد بإسناد جيد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة‏"‏‏.‏ وعن علي رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهدى، والذي هو أهنى، والذي هو أتقى‏)‏ ‏"‏رواه الأمام أحمد‏"‏‏.‏ وفي رواية قال‏:‏ إذا حدثتم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ أي يحل لكم ما كانوا حرموه عن أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام، ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث، قال ابن عباس‏:‏ كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها اللّه تعالى، قال بعض العلماء‏:‏ فكل ما أحل اللّه تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين، وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين، وقوله‏:‏ ‏{‏ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏}‏ أي أنه جاء بالتيسير والسماحة، كما ورد الحديث من طرقعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏بعثت بالحنيفية السمحة‏(‏ وقال صلى اللّه عليه وسلم لأميريه معاذ و أبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن‏:‏ ‏(‏بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا‏)‏، وقد كانت الأمم الذين من قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم، فوسع اللّه على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم، ولهذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‏)‏، ولهذا أرشد اللّه هذه الأمة أن يقولوا‏:‏ ‏{‏ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه‏}‏ أي عظموه ووقروه، ‏{‏واتبعوا النور الذي أنزل معه‏}‏ أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس ‏{‏أولئك هم المفلحون‏}
أي في الدنيا والآخرة‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 01:07 AM   رقم المشاركة : 14
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏158‏)‏
{‏ قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ‏}‏

يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏{‏قل‏}‏ يا محمد ‏{‏يا أيها الناس‏}‏ وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي ‏{‏إني رسول اللّه إليكم جميعا‏}‏ أي جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته صلى اللّه عليه وسلم أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى الناس كافة كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فإن أسلموا واهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ‏}‏، والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه صلوات اللّه عليه رسول اللّه إلى الناس كلهم‏.‏ قال البخاري في تفسير هذه الآية، عن أبي الدرداء رضي اللّه عنه قال‏:‏ كانت بين أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما محاورة فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضباً فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال أبو الدرداء ونحن عنده، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما صاحبكم هذا فقد غامر‏)‏ أي غاضب وحاقد، قال‏:‏ وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقص على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء‏:‏ فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول‏:‏ واللّه يا رسول اللّه لأنا كنت أظلم، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هل أنتم تاركوا لي صاحبي‏؟‏ إني قلت يا أيها الناس إني رسول اللّه إليكم جميعاً، فقلتم‏:‏ كذبت، وقال أبو بكر‏:‏ صدقت‏)‏ وقال الإمام أحمد عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي ولا أقوله فخراً‏:‏ بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي يوم القيامة، فهي لمن لا يشرك باللّه شيئاً‏)‏ وقال الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار‏)‏ ‏"‏رواه أحمد في المسند ومسلم في صحيحه واللفظ لأحمد‏"‏‏.‏ وعن جابر بن عبد اللّه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبل‏:‏ نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه وبعثت إلى الناس عامة‏)‏ ‏"‏رواه الشيخان عن جابر بن عبد اللّه مرفوعاً‏"‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت‏}‏ صفة اللّه تعالى في قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أي الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم،

وقوله‏:‏ ‏{‏فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي‏}‏ أخبرهم أنه رسول اللّه إليهم ثم أمرهم باتباعه والإيمان به ‏{‏النبي الأمي‏}‏ أي الذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب المتقدمة، فإنه منعوت بذلك في كتبهم، ولهذا قال النبي الأمي، وقوله‏:‏ ‏{‏الذي يؤمن بالله وكلماته‏}‏ أي يصدق وله عمله وهو يؤمن بما أنزل إليه من ربه ‏{‏واتبعوه‏}‏ أي اسلكوا طريقه واقتفوا أثره ‏{‏لعلكم تهتدون‏}‏ أي إلى الصراط المستقيم‏.

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏159‏)‏
‏{‏ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ‏}‏

يقول تعالى مخبراً عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات اللّه آناء الليل وهم يسجدون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وإن من أهل الكتاب من قبله هم به يؤمنون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به‏}‏ الآية‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏160 ‏:‏ 162‏)‏
‏{‏ وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ‏.‏ وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ‏.‏ فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون‏}‏

تقدم تفسير هذا كله في سورة البقرة وهي مدينة وهذا السياق مكي، ونبهنا على الفرق بين هذا والسياق وذاك بما أغنى عن إعادته هنا وللّه الحمد والمنة‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏163‏)‏
‏{‏ واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ‏}‏

هذا السياق هو بسط لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت‏}‏ الآية، يقول تعالى لنبيه صلوات اللّه وسلامه عليه، ‏{‏واسألهم‏}‏ أي واسأل هؤلاء اليهود الذين بحضرتك عن قصة أصحابهم الذين خالفوا أمر اللّه ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذر هؤلاء من كتمان صفتك التي يجدونها في كتبهم لئلا يحل بهم ما حل بإخوانهم وسلفهم، وهذه القرية هي أيلة وهي على شاطىء بحر القلزم، وقال ابن عباس‏:‏ هي قرية يقال لها أيلة بين مدين والطور وهو قول عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي ، وقيل‏:‏ هي مدين وهو رواية عن ابن عباس، وقوله‏:‏ ‏{‏إذ يعدون في السبت‏}‏ أي يعتدون فيه ويخالفون أمر اللّه فيه لهم بالوصاة به إذ ذاك ‏{‏إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ أي ظاهرة على الماء، ‏{‏ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم‏}‏ أي نختبرهم بإظهار السمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرم عليهم صيده، وإخفائها عنهم في اليوم الحلال لهم صيده، ‏{‏كذلك نبلوهم‏}‏ نختبرهم ‏{‏بما كانوا يفسقون‏}‏ يقول‏:‏ بفسقهم عن طاعة اللّه وخروجهم عنها، وهؤلاء قوم احتالوا على انتهاك محارم اللّه بما تعاطعوا من الأسباب الظاهرة التي معناها في الباطن تعاطي الحرام، وفي الحديث عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تركبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم اللّه بأدنى الحيل‏)‏
‏"‏قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد ورجاله مشهورون ثقات‏"‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏164 ‏:‏ 166‏)‏
‏{‏ وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ‏.‏ فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ‏.‏ فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ‏}‏

يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق‏:‏ فرقة ارتكبت المحذور واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه ولكنها قالت للمنكرة ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا‏}‏ أي لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم قد هلكوا، واستحقوا العقوبة من اللّه فلا فائدة في نهيكم إياهم، قالت لهم المنكرة ‏{‏معذرة إلى ربكم‏}‏ أي فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،

‏{‏ولعلهم يتقون‏}‏ أي لعلهم بهذا الانكار يقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى اللّه تائبين، فإذا تابوا تاب اللّه عليهم ورحمهم، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به‏}‏ أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة ‏{‏أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا‏}‏، أي ارتكبوا المعصية ‏{‏بعذاب بئيس‏}‏، فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمينن وسكت عن الساكتين، لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحاً فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيماً فيذموا، ومع هذا فقد اختلف الأئمة فيهم‏:‏ هل كانوا من الهالكين أو من الناجين‏؟‏ على قولين، وقال ابن عباس في الآية‏:‏ هي قرية على شاطىء البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة، فحرم اللّه عليهم الحيتان يوم سبتهم، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرعاً في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها، فمضى على ذلك ما شاء اللّه، ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة، وقالوا تأخذونها وقد حرمها اللّه عليكم يوم سبتكم‏؟‏ فلم يزدادوا إلا غياً وعتواً، وجعلت طائفة أخرى تنهاهم، فلما طال ذلك عليهم قالت طائفة من النهاة تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم‏}‏‏؟‏ وكانوا أشد غضباً للّه من الطائفة الأخرى، فقالوا‏:‏ ‏{‏معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون‏}‏ وكل قد كانوا ينهون، فلما وقع عليهم غضب اللّه نجت الطائفتان اللتان قالوا‏:‏ لم تعظون قوماً مهلكهم اللّه والذين قالوا معذرة إلى ربكم، وأهلك اللّه أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة‏.‏

عن عكرمة عن ابن عباس في الآية قال‏:‏
ما أدري أنجا الذين قالوا‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم‏}‏ أم لا‏؟‏ قال‏:‏ فلم أزل به حتى عرّفته أنهم قد نجوا فكساني حلة‏.‏ وقال عبد الرزاق عن عكرمة قال‏:‏ جئت ابن عباس يوماً وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنو منه، ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست، فقلت ما يبكيك يا ابن عباس جعلني اللّه فداك‏؟‏ قال‏:‏ فقال‏:‏ هؤلاء الورقات قال‏:‏ وإذا هو في سورة الأعراف، قال‏:‏ تعرف أيلة‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، قال‏:‏ فإنه كان بها حي من اليهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا بعد كد ومؤنة شديدة، كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً بيضاء سماناً، فكانوا كذلك برهة من الدهر، ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال‏:‏ إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام، فقالت ذلك طائفة منهم، وقالت طائفة‏:‏ بل نهيتهم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السبت، فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفة ذات اليمينن وتنحت، واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت، وقال الأيمنون‏:‏ ويلكم، ننهاكم أن تتعرضوا لعقوبة اللّه، وقال الأيسرون‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا‏}‏‏؟‏ قال الأيمنون‏:‏ ‏{‏معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون‏}‏ أي ينتهون، إن ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم، فمضوا على الخطيئة، وقال الأيمنون فقد فعلتم يا أعداء اللّه، واللّه لنأتينكم الأيلة في مدينتكم، واللّه ما نراكم تصبحون حتى يصبحكم اللّه بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب، فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجيبوا، فوضعوا سلماً وأعلوا سور المدينة رجلاً، فالتفت إليهم، فقال‏:‏ أي عباد اللّه قردة واللّه تعاوى تعاوى، لها أذناب، قال‏:‏ ففتحوا فدخلوا عليهم، فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة فجعلت القرود يأتيها نسبيها من الإنس، فتشم ثيابه، وتبكي، فيقول‏:‏ ألم ننهكم عن كذا‏؟‏ فتقول برأسها‏:‏ أي نعم، ثم قرأ ابن عباس‏:‏ ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس‏}‏ قال‏:‏ فأرى الذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها، قال‏:‏ قلت جعلني اللّه فداك ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم، وقالوا‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم‏؟‏‏}‏ قال‏:‏ فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين ‏"‏أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس‏"‏‏.‏

القول الثاني ‏:
أن الساكتين كانوا من الهالكين، قال محمد بن إسحاق عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ابتدعوا السبت، فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان، فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى السبت المقبل، فإذا جاء السبت جاءت شرعاً فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا كذلك، ثم إن رجلاً منهم أخذ حوتاً فحزم أنفه ثم ضرب له وتداً في الساحل وربطه وتركه في الماء، فلما كان الغد أخذه فشواه فأكله، ففعل ذلك وهو ينظرون ولا ينكرون ولا ينهاه منهم أحد إلا عصبة منهم نهوه، حتى ظهر ذلك في الأسواق ففعل علانية، قال، فقالت طائفة للذين ينهونهم‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم‏}‏ فقالوا‏:‏ نسخط أعمالهم ‏{‏ولعلهم يتقون * فلما نسوا ما ذكروا به - إلى قوله - قردة خاسئين‏}‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ كانوا أثلاثاً، ثلث نهوا، وثلث قالوا‏:‏ ‏{‏لم تعظون قوما اللّه مهلكهم‏}‏، وثلث أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ هذا إسناد جيد عن ابن عباس ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة الساكتين أولى القول بهذا‏"‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس‏}‏ فيه دلالة بالمفهوم على أن الذين بقوا نجوا، و‏{‏بئيس‏}‏ معناه في قول مجاهد الشديد، وفي رواية‏:‏ أليم، وقال قتادة‏:‏ موجع، والكل متقارب، واللّه أعلم، وقوله‏:‏ ‏{‏خاسئين‏}‏ أي ذليلن حقيرين مهانين‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏167‏)‏
‏{‏ وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم ‏}‏

‏{‏تأذن‏}‏ تفعَّل من الأذام أي أعلم، قاله مجاهد، وفي قوة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللفظة، ولهذا أتبعت باللام في قوله‏:‏ ‏{‏ليبعثن عليهم‏}‏ أي على اليهود، ‏{‏إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب‏}‏ أي بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر اللّه وشرعه واحتيالهم على المحارم، ويقال‏:‏ إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين، وقيل ثلاث عشرة سنة، وكان أول من ضرب الخراج، ثم كانوا في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين،

ثم صاروا إلى قهر النصارى وإذلالهم إياهم وأخذهم منهم الجزية والخراج، ثم جاء الإسلام ومحمد صلى اللّه عليه وسلم، فكانوا تحت قهره وذمته يؤدون الخراج والجزية‏.‏ قال ابن عباس في تفسير هذه الآية‏:‏ هي المسكنة وأخذ الجزية منهم، وعنه‏:‏ هي الجزية، والذي يسومهم سوء العذاب محمد صلى اللّه عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة وكذا قال سعيد بن جبير وابن جريج والسدي وقتادة ‏.‏ ثم آخر أمرهم أنهم يخرجون أنصاراً للدجال فيقتلهم المسلمون مع عيسى بن

مريم عليه السلام، وذلك آخر الزمان‏.‏ وقوله ‏{‏إن ربك لسريع العقاب‏}‏ أي لمن عصاه وخالف شرعه، ‏{‏وإنه لغفور رحيم‏}‏ أي لمن تاب إليه وأناب، وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة لئلا يحصل اليأس، فيقرن تعالى بين الترعيب والترهيب كثيراً لتبقى النفوس بين الرجاء والخوف‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 01:11 AM   رقم المشاركة : 15
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏168 ‏:‏ 170‏)‏
{‏ وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ‏.‏ فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ‏.‏ والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين ‏}‏

يذكر تعالى أنه فرقهم في الأرض أمماً أي طوائف وفرقاً، ‏{‏منهم الصالحون ومنهم دون ذلك‏}‏ أي فيهم الصالح وغير ذلك، كقول الجن‏:‏ ‏{‏وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك‏}‏، ‏{‏بلوناهم‏}‏ أي اختبرناهم ‏{‏بالحسنات والسيئات‏}‏ أي بالرخاء والشدة، والرغبة والرهبة، والعافية والبلاء ‏{‏لعلهم يرجعون‏}‏، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى‏}‏ الآية، يقول تعالى‏:‏ فخلف من بعد ذلك الجيل الذين فيهم الصالح والطالح خلف آخر لا خير فيهم، وقد ورثوا دراسة الكتاب وهو التوراة، وقال مجاهد‏:‏ هم النصارى، وقد يكون أعم من ذلك، ‏{‏يأخذون عرض هذا الأدنى‏}‏ أي يعتاضون عن بذل الحق ونشره بعرض الحياة الدنيا، ويسوفون أنفسهم ويعدونها بالتوبة، وكلما لاح لهم مثل الأول وقعوا فيه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه‏}‏‏.‏ قال مجاهد‏:‏ لا يشرف لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه حلالاً كان أو حراماً ويتمنون المغفرة، ‏{‏ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه‏}‏‏.‏ وقال السدي‏:‏ كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم، وإن خيارهم اجتمعوا فأخذ بعضهم على بعض العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا، فجعل الرجل منهم إذا استقضى ارتشى فيقال له‏:‏ ما شأنك ترتشي في الحكم‏؟‏ فيقول‏:‏ سيغفر لي، فتطعن عليه البقية الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع، فإذا مات أو نزع وجعل مكانه رجل ممن كان يطعن عليه فيرتشي، يقول‏:‏ وإن يأت الآخرين عرض الدنيا يأخذوه، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلا الحق‏}‏ الآية، يقول تعالى منكراً عليهم في صنيعهم هذا مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبينن الحق للناس ولا يكتمونه، كقوله‏:‏ ‏{‏وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه‏}‏ الآية،

وقال ابن جريج قال ابن عباس‏:‏ ‏{‏ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على اللّه إلا الحق‏}‏ قال‏:‏ فيما يتمنون على اللّه من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون‏}‏ يرعبهم في جزيل ثوابه ويحذرهم من وبيل عقابه، أي وثوابي وما عندي خير لمن اتقى المحارم، وترك هوى نفسه، وأقبل على طاعة ربه، ‏{‏أفلا تعقلون‏}‏‏؟‏ يقول أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عما عندي عقل يردعهم عما هم فيه من السفه والتبذير، ثم أثنى تعالى على من تمسك بكتابه الذي يقوده إلى اتباع رسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم كما هو مكتوب فيه، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يمسكون بالكتاب‏}‏ أي اعتصموا به واقتدوا بأوامره، وتركوا زواجره
‏{‏وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏171‏)‏
‏{‏ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ‏}‏

قال ابن عباس{‏نتقنا الجبل فوقهم‏}‏ يقول‏:‏ رفعناه، وهو قوله‏:‏ ‏{‏ورفعنا فوقهم الطور‏}‏ بميثاقهم، رفعته الملائكة فوق رؤوسهم، ثم سار بهم موسى عليه السلام إلى الأرض المقدسة، وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب، وأمرهم بالذي أمر اللّه أن يبلغهم من الوظائف، فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها حتى نتق الجبل فوقهم ‏{‏كأنه ظلة‏}‏ قال‏:‏ رفعته الملائكة فوق رؤوسهم ‏"‏رواه النسائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس‏"
‏‏.‏ وقال أبو بكر بن عبد اللّه قيل‏:‏ هذا كتاب أتقبلونه بما فيه، فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم قالوا‏:‏ انشر علينا ما فيها، فإن كانت فرائضها وحدودها يسيرة قبلناها، قال‏:‏ اقبلوها بما فيها، قالوا‏:‏ لا، حتى نعلم ما فيها كيف حدودها وفرائضها، فأوحى اللّه إلى الجبل فانقلع فارتفع في السماء حتى إذا كان بين رؤوسهم وبين السماء، قال لهم موسى‏:‏ ألا ترون ما يقول ربي عزَّ وجلَّ‏؟‏ لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل، قال فحدثني الحسن البصري قال‏:‏ لما نظروا إلى الجبل خر كل رجل ساجداً على جاجبه الأيسر، ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فَرقاً من أن يسقط عليه، فكذلك ليس اليوم في الأرض يهودي يسجد إلا على جاجبه الأيسر، يقولون‏:‏ هذه السجدة التي رفعت بها العقوبة،

قال أبو بكر‏:‏ فلما نشر الألواح فيها كتاب اللّه كتبه بيده لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر إلا اهتز، فليس اليوم يهودي على وجه الأرض صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ونغض لها رأسه‏:‏ أي حوّل، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فسينغضون إليك رؤوسهم‏}‏ ‏"‏أخرجه سنيد بن داود في تفسيره عن حجاج بن محمد عن أبي بكر بن عبد اللّه‏"‏واللّه أعلم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 01:27 AM   رقم المشاركة : 16
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏172 ‏:‏ 174‏)‏
‏{‏ وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ‏.‏ أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ‏.‏ وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ‏}‏
يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم، من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن اللّه ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأقم وجهك حنيفا فطرت اللّه التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله‏}‏،

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة‏)‏ وقال ابن جرير عن الأسود بن سريع من بني سعد قال‏:‏ غزوت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أربع غزوات، قال‏:‏ فتناول القوم الذرية بعدما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاشتد عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏ما بال أقوام يتناولون الذرية‏)‏‏؟‏ فقال رجل‏:‏ يا رسول اللّه أليسوا أبناء المشركين، فقال‏:‏ ‏(‏إن خياركم أبناء المشركين، ألا إنها ليست نسمة ولد تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها، فأبواها يهودانها وينصرانها‏)‏، قال الحسن‏:‏ واللّه لقد قال اللّه في كتابه‏:‏ ‏{‏وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم‏}‏"‏رواه ابن جرير وأخرجه أحمد والنسائي‏"‏الآية‏.‏ وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأن اللّه ربهم، قال الإمام أحمد عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة‏:‏ أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به‏؟‏ قال، فيقول‏:‏ نعم، فيقول‏:‏ قد اردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك بي‏)‏
‏"‏رواه أحمد والشيخان‏"‏‏.‏

حديث آخر‏:‏ قال الإمام أحمد عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلاً قال‏:‏ ‏{‏ألست بربكم‏؟‏ قالوا‏:‏ بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا - إلى قوله - المبطلون‏}‏
واه أحمد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك‏"‏‏.‏

عن أبي مسعود عن جرير قال‏:
مات ابن للضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام، قال فقال‏:‏ يا جابر إذا أنت وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عنه عقده، فإن ابني مجلس ومسئول، ففعلت به الذي أمر، فلما فرغت قلت‏:‏ يرحمك اللّه عم يسأل‏.‏‏.‏‏.‏من يسأله إياه‏؟‏ قال‏:‏ يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم، قلت يا أبا القاسم‏:‏ وما هذا الميثاق الذي أقر به في صلب آدم‏؟‏ قال‏:‏ حدثني ابن عباس‏:‏ إن اللّه مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خلقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم في صلبه، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يؤمئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقرَّ به لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة‏.‏

حديث آخر ‏:‏ قال الإمام أحمد عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية‏:‏ ‏{‏وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى‏}‏ الآية، فقال عمر بن الخطاب‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عنها، فقال‏:‏ ‏(‏إن اللّه خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، قال‏:‏ خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، قال‏:‏ خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل‏:‏ يا رسول اللّه ففيم العمل‏؟‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا خلق اللّه العبد للجنة استعمله بأعمال أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بأعمال أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار‏)‏ ‏
"‏رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏"‏‏.‏

حديث آخر ‏:قال الترمذي عند تفسيره هذه الآية عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لما خلق اللّه آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال‏:‏ أي رب من هؤلاء‏؟‏ قال‏:‏ هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، قال‏:‏ أي رب من هذا‏؟‏ قال‏:‏ هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، قال‏:‏ رب وكم جعلت عمره‏؟‏ قال‏:‏ ستين سنة، قال‏:‏ أي رب قد وهبت له من عمري أربعين سنة، فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت قال‏:‏ أو لم يبق من عمري أربعون سنة‏؟‏ قال‏:‏ أولم تعطها ابنك داود‏؟‏ قال‏:‏ فحجد آدم، فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته‏)‏ ‏"‏رواه الترمذي وقال‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏"‏‏.‏ حديث آخر ‏:‏ عن هشام بن حكيم رضي اللّه عنه أن رجلاً سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه أتبدأ بالأعمال أم قد قضى القضاء‏؟‏ قال، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم ثم أشهدهم على أنفسهم، ثم أفاض بهم في كفيه، ثم قال هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة، وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار‏)
‏"‏رواه ابن جرير وابن مردويه من طرق عن هشام بن حكيم‏"‏‏.‏

فهذه الأحاديث دالة على أن اللّه عزَّ وجلَّ استخرج ذرية آدم من صلبه وميز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم، فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبير عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد اللّه بن عمرو، وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم، ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف‏:‏ إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على التوحيد، كما تقدم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي، ومن رواية الحسن البصري عن الأسود بن سريع، وقد فسر الحسن الآية بذلك، قالوا، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وإذ أخذ ربك من بني آدم‏}‏ ولم يقل من آدم، ‏{‏من ظهورهم‏}‏ ولم يقل من ظهره، ‏{‏ذرياتهم‏}‏ أي جعل نسلهم جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وهو الذي جعلكم خلائف الأرض‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏ويجعلكم خلفاء الأرض‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏كم أنشأكم من ذرية قوم آخرين‏}‏،

ثم قال‏:‏ ‏{‏وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى‏}‏، أي أوجدهم شاهدين بذلك قائلين له حالاً وقالاً، والشهادة تارة تكون بالقول، كقوله‏:‏ ‏{‏قالوا شهدنا على أنفسنا‏}‏ الآية، وتارة تكون حالاً، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر‏}‏، أي حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك، وكذا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإنه على ذلك لشهيد‏}‏، كما أن السؤال تارة يكون بالقال وتارة يكون بالحال، كقوله‏:‏ ‏{‏وآتاكم من كل ما سألتموه‏}‏‏.‏ قالوا‏:‏ ومما يدل على أن المراد بهذا هذا أن جعل الإشهاد حجة عليهم في الإشراك، فلو كان قد وقع هذا كما قال من قال لكان كل أحد يذكره ليكون حجة عليه، فإن قيل‏:‏ إخبار الرسول صلى اللّه عليه وسلم به كاف في وجوده‏؟‏ فالجواب أن المكذبين من المشركين يكذبون بجميع ما جاءتهم به الرسل من هذا وغيره، وهذا جعل حجة مستقلة عليه فدل على أنه الفطرة التي فطروا عليها من الإقرار بالتوحيد، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أن تقولوا‏}‏ أي لئلا تقولوا يوم القيامة ‏{‏إنا كنا عن هذا‏}‏ أي التوحيد ‏{‏غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا‏}‏ الآية‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏175 ‏:‏ 177‏)‏
‏{‏ واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ‏.‏ ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ‏.‏ - ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ‏}‏

هو رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعوراء ‏"‏ذكره عبد الرزاق عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه‏"‏؛
وقال قتادة عن ابن عباس‏:‏ هو صيفي بن الراهب ، وقال كعب‏:‏ كان رجلاً من أهل البلقاء وكان يعلم الاسم الأكبر، وكان مقيماً ببيت المقدس مع الجبارين، وعن ابن عباس رضي اللّه عنه‏:‏ هو رجل من أهل اليمن، يقال له بلعم آتاه اللّه آياته فتركها، وقال مالك بن دينار‏:‏ كان من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد، بعثه نبي اللّه موسى عليه السلام إلى ملك مدين يدعوه إلى اللّه فأقطعه وأعطاه، فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام‏.‏ وقال سفيان بن عيينة عن ابن عباس‏:‏ هو بلعم بن باعوراء، وقال ثقيف‏:‏ هو أمية بن الصلت، وقال عبد اللّه بن عمرو في قوله‏:‏ ‏{‏واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا‏}‏ الآية، قال‏:‏ هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت؛ وقد روي من غير وجه عنه وهو صحيح إليه، وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه، فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة، ولكنه لم ينتفع بعلمه‏.‏ فإنه أدرك زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له بصيرة، ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه، وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم، ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة قبحه اللّه‏.‏ وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه، فإن له أشعاراً ربانية وحكماً وفصاحة، ولكنه لم يشرح اللّه صدره للإسلام‏.‏

والمشهور في سبب نزول هذه الآية الكريمة‏:‏
إنما هو رجل من المتقدمين في زمن بني إسرائيل، كما قال ابن مسعود وغيره من السلف، وكان يعلم اسم اللّه الأكبر، وكان مجاب الدعوة، ولا يسأل اللّه شيئاً إلا أعطاه إياه، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ لما نزل موسى بهم يعني الجبارين ومن معه أتاه - يعني بلعم - بنو عمه وقومه فقالوا‏:‏ إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا، فادع اللّه أن يردَّ عنا موسى ومن معه، قال‏:‏ إني دعوت اللّه أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه اللّه ما كان عليه، فذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فانسلخ منها فأتبعه الشيطان‏}‏ الآية‏.‏ وقال السدي‏:‏ لما انقضت الأربعون سنة التي قال اللّه‏:‏ ‏{‏فإنها محرمة عليهم أربعين سنة‏}‏، بعث يوشع ابن نون نبياً فدعا بني إسرائيل، فأخبرهم أنه نبي، وأن اللّه أمره أن يقاتل الجبارين، فبايعوه وصدقوه، وانطلق إلى رجل من بني إسرائيل يقال له‏:‏ بلعام فكان عالماً يعلم الاسم الأعظم المكتوم، فكفر - لعنه اللّه - وأتى الجبارين، وقال لهم‏:‏ لا ترهبوا بني إسرائيل فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأتبعه الشيطان‏}‏ أي استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فكان من الغاوين‏}‏ أي من الهالكين الحائرين البائرين، وقد ورد في معنى هذه الآية حديث حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان رداؤه الإسلام، اعتراه إلى ما شاء اللّه، انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك‏)‏ قال‏:‏ قلت يا نبيّ اللّه أيها أولى بالشرك المرمي أو الرامي‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بل الرامي‏)‏ ‏"‏أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي قال ابن كثير‏:‏ إسناده جيد‏"‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه‏}‏، يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولو شئنا لرفعناه بها‏}‏ أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها، ‏{‏ولكنه أخلد إلى الأرض‏}‏ أي مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتها، وأقبل على لذاتها ونعيمها، وغرته كما غرت غيره من غير أولي البصائر والنهى‏.‏

قال محمد بن إسحاق بن يسار عن سالم عن أبي النضر‏:‏ أنه حدث أن موسى عليه السلام لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام أتى قوم بلعام إليه، فقالوا له هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل، قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل، وإنا قومك، وليس لنا منزل، وأنت رجل مجاب الدعوة، فاخرج فادع اللّه عليهم قال‏:‏ ويلكم نبي اللّه معه الملائكة والمؤمنون، كيف أذهب أدعو عليه وأنا أعلم من اللّه ما أعلم‏؟‏ قالوا له‏:‏ ما لنا من منزل، فلم يزالوا به يرفقونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه، فافتتن؛ فركب حمارة له متوجهاً إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل - وهو جبل حسبان - فلما سار عليها غير كثير ربضت به فنزل عنها فضربها، حتى إذا أزلقها قامت فركبها، فلم تسر به كثيراً حتى ربضت به فضربها، حتى إذا أزلقها أذن لها فكلمته حجة عليه، فقالت‏:‏ ويحك يا بلعم أين تذهب‏؟‏ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا‏؟‏ تذهب إلى نبي اللّه والمؤمنين لتدعو عليهم، فلم ينزع عنها، فضربها، فخلى اللّه سبيلها، حين فعل بها ذلك، فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل جعل يدعو عليهم ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف اللّه لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف اللّه لسانه إلى بني إسرائيل، فقال له قومه‏:‏ أتدري يا بلعم ما تصنع‏؟‏ إنما تدعو لهم وتدعو علينا، قال‏:‏ فهذا ما لا أملك‏.‏ هذا شيء قد غلب اللّه عليه، قال‏:‏ واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال لهم‏:‏ قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، ولم يبق إلا المكر والحيلة، فسأمكر لكم وأحتال، جملوا النساء وأعطوهن السلع، ثم أرسولهن إلى العسكر يبعنها فيه، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فإنهم إن زنى رجل واحد منهم كفيتموهم، ففعلوا، فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين برجل من عظماء بني إسرائيل وهو زمري بن شلوم‏"‏رأس سبط شمعون بن يعقوب، فلما رآها أعجبته، فقام فأخذ بيدها، وأتى بها موسى وقال‏:‏ إني سأظنك ستقول‏:‏ هذا حرام عليك لا تقربها، قال‏:‏ أجل هي حرام عليك، قال‏:‏ فواللّه لا أطيعك في هذا، فدخل بها قبته، فوقع عليها، وأرسل اللّه عزَّ وجلَّ الطاعون في بني إسرائيل، وكان ‏"‏فنحاص‏"‏صاحب أمر موسى غائباً حين صنع زمري بن شلوم ما صنع، فجاء الطاعون يجوس فيهم، فأخبر الخبر، فأخذ حربته ثم دخل القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء وجعل يقول‏:‏ اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك، ورفع الطاعون، فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص، فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفاً، والمقلل لهم يقول عشرون ألفاً في ساعة من النهار، ففي بلعام بن باعوراء أنزل اللّه‏:‏ ‏{‏واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها - إلى قوله - لعلهم يتفكرون‏}‏‏.‏ ‏"‏رواه محمد بن إسحاق عن سالم أبي النضر وأخرجه ابن جرير بمثله وفيه أن الزنى وقع من عدد من الجند الذين كانوا مع
موسى عليه السلام فسلّط اللّه عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفاً‏}‏‏.‏وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث‏}‏ اختلف المفسرون في معناه، فعلى سياق ابن إسحاق عن سالم أبي النضر أن بلعاماً اندلع لسانه على صدره فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك ظاهر، وقيل‏:‏ معناه فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء،

كالكلب في لهيثه في حالتيه إن حملت عليه، وإن تركته هو يلهث في الحالين، فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون‏}‏، ‏{‏استغفر لهم أو لا تستغفر لهم‏}‏‏.‏ وقيل‏:‏ معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ من الهدى فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا نقل نحو هذا عن الحسن البصري وغيره ، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقصص القصص لعلهم يتفكرون‏}‏، يقول تعالى لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏فاقصص القصص لعلهم‏}‏ أي لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام، وما جرى له في إضلال اللّه إياه وإبعاده من رحمته، بسبب أنه استعمل نعمة اللّه عليه في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، في غير طاعة ربه، بل دعا به على حزب الرحمن، وشعب الإيمان، أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان، كليم اللّه موسى بن عمران عليه السلام، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لعلهم يتفكرون‏}‏ أي فيحذروا أن يكونوا مثله، فإن اللّه قد أعطاهم علماً وميزهم على من عداهم من الأعراب، وجعل بأيديهم صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم، فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته وموازرته كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به، ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد، أحل اللّه به ذلاً في الدنيا موصولا بذل الآخرة، وقوله‏:‏ ‏{‏ساء مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا‏}‏ يقول تعالى‏:‏ ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا أي ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة، فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه، واتبع هواه صار شبيهاً بالكلب وبئس المثل مثله؛ ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ليس منا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه‏)‏ ‏"‏هو في الصحيحين من حديث ابن عباس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏وأنفسهم كانوا يظلمون‏}‏ أي ما ظلمهم اللّه، ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهدى وطاعة المولى، إلى الركون إلى دار البلى، والاقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 01:33 AM   رقم المشاركة : 17
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏178‏)‏
‏{‏ من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ من هداه اللّه فإنه لا مضل له، ومن أضله فقد خاب وخسر وضل لا محالة، فإنه تعالى ما شاء وما لم يشأ لم يكن، ولهذا جاء في حديث ابن مسعود‏:‏ ‏(‏إن الحمد للّه نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد اللّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‏)‏ ‏
"‏الحديث بتمامه رواه الإمام أحمد وأهل السنن‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏179‏)‏
‏{‏ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد ذرأنا لجهنم‏}‏ أي خلقنا وجعلنا لجهنم ‏{‏كثيرا من الجن والإنس‏}‏ أي هيأناهم لها وبعمل أهلها يعملون، فإنه تعالى لما أراد أن يخلق الخلق علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ورد في صحيح مسلم عن عبد اللّه بن عمرو أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن اللّه قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء‏)‏، وفي صحيح مسلم أيضاً عن عائشة أم المؤمنين رضي اللّه عنها أنها قالت‏:‏ دعي النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه طوبى له، عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أو غير ذلك يا عائشة، إن اللّه خلق الجنة وخلق لها أهلها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم‏)‏ وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود‏:‏ ‏(‏ثم يبعث اللّه إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد‏)‏، وتقدم أن اللّه لما استخرج ذرية آدم من صلبه، وجعلهم فريقين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال قال‏:‏ ‏(‏هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي‏)‏، والأحاديث في هذا كثيرة‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها‏}‏ يعني ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها اللّه سبباً للهداية، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏صم بكم عمي فهم لا يرجعون‏}‏ هذا في حق المنافقينن وقال في حق الكافرين‏:‏ ‏{‏صم بكم عمي فهم لا يعقلون‏}‏ ولم يكونوا صماً ولا بكماً ولا عمياً إلا عن الهدى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولو علم اللّه فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور‏}‏، وقال‏:‏ ‏{‏ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك كالأنعام‏}‏ أي هؤلاء الذين لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا في الذي يقيتها في ظاهر الحياة الدنيا، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء‏}‏ أي ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه ما يقول، ولهذا قال في هؤلاء‏:‏ ‏{‏بل هم أضل‏}‏ أي من الدواب، لأنها قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أنس بها، وإن لم تفقه كلامه بخلاف هؤلاء؛ ولأنها لم تفعل ما خلقت له إما بطبعها وإما بتسخيرها بخلاف الكافر، فإنه إنما خلق ليعبد اللّه ويوحده فكفر باللّه وأشرك به، ولهذا من أطاع اللّه من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به من البشر كانت الدواب أتم منه، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 01:51 AM   رقم المشاركة : 18
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏180‏)‏
‏{‏ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ‏}‏

عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال،
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن للّه تسعاً وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر‏)‏
"‏أخرجه الشيخان والترمذي وابن ماجه وزاد الترمذي ‏"‏هو اللّه الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن‏.‏‏.‏ وذكر أسماء اللّه الحسنى ‏.‏ ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة في تسعة وتسعين،

بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده
عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ما أصاب أحداُ قط هم ولا حزن فقال‏:‏ اللهم إني عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي،

إلا أذهب اللّه حزنه وهمه، وأبدل مكانه فرحاً‏)‏ فقيل‏:‏ يا رسول اللّه أفلا نتعلمها‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها‏)‏ وذكر ابن العربي أحد ائمة المالكية في كتابه الأحوذي في شرح الترمذي أن بعضهم جمع من الكتاب والسنّة من أسماء اللّه ألف اسم، فاللّه أعلم‏.‏ وقال ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وذروا الذين يلحدون في أسمائه‏}‏، قال‏:‏ إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء اللّه، وقال مجاهد‏:‏ اشتقوا اللات من اللّه، والعزى من العزيز، وقال قتادة‏:‏ يلحدون‏:‏ يشركون في أسمائه‏.‏ وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ الإلحاد‏:‏ التكذيب، وأصل الإلحاد في كلام العرب العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏181‏)‏
‏{‏ وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏وممن خلقنا‏}‏ أي بعض الأمم ‏{‏أمة‏}‏ قائمة بالحق قولاً وعملاً ‏{‏يهدون بالحق‏}‏ يقولونه ويدعون إليه، ‏{‏وبه يعدلون‏}‏ يعملون ويقضون، وقد جاء في الآثار أن المراد في الآية هذه الأمة المحمدية، قال قتادة‏:‏
بلغني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية‏:‏ ‏(‏هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها، ‏{‏ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون‏}‏‏.‏ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن من أمتي قوماً على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل‏)‏، وفي الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان قال، قال رسول الّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏حتى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك‏)‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏182 ‏:‏ 183‏)‏
‏{‏ والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ‏.‏ وأملي لهم إن كيدي متين ‏}‏
يقول تعالى‏:‏ ‏{‏والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون‏}‏ ومعناه أن يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون‏}‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأملي لهم‏}‏ أي وسأملي لهم أي أطول لهم ما هم فيه ‏{‏إن كيدي متين‏}‏ أي قوي سديد‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏184‏)‏
‏{‏ أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏أولم يتفكروا‏}‏ هؤلاء المكذبون بآياتنا ‏{‏ما بصاحبهم‏}‏ يعني محمداً صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏من جنة‏}‏ أي ليس به جنون بل هو رسول اللّه حقاً، دعا إلى حق ‏{‏إن هو إلا نذير مبين‏}‏ أي ظاهر لمن كان له لب وقلب يعقل به ويعي به كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما صاحبكم بمجنون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد‏}‏، يقول ‏{‏ثم تتفكروا‏}‏ في هذا الذي جاءكم بالرسالة من اللّه أبه حنون أم لا، فإنكم إن فعلتم ذلك بان لكم وظهر أنه رسول اللّه حقاً وصدقاً، وقال قتادة‏:‏ ذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان على الصفا فدعا قريشاً، فجعل يفخذهم فخذاً فخذاً، يا بني فلان، يا بني فلان، فحذرهم بأس اللّه ووقائع اللّه، فقال قائلهم‏:‏ إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوت إلى الصباح أو حتى أصبح، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏185‏)‏
‏{‏ أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ أولم ينظر هؤلاء المكذبون بآياتنا في ملك اللّه وسلطانه في السموات والأرض، وفيما خلق من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به، فيؤمنوا باللّه ويصدقوا رسوله، وينيبوا إلى طاعته، ويخلعوا الأنداد والأوثان، ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب اللّه وأليم عقابه، وقوله‏:‏ ‏{‏فبأي حديث بعده يؤمنون‏}‏ يقول‏:‏ فبأي تخويفٍ وتحذيرٍ وترهيب بعد تحذير محمد صلى اللّه عليه وسلم وترهيبه الذي أتاهم به من عند اللّه، يصدقون إن لم يصدقوا بهذا الحديث الذي جاءهم به محمد من عند اللّه عزَّ وجلَّ‏؟‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏186‏)‏
‏{‏ من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ‏}‏

يقول تعالى من كتب عليه الضلالة فإنه لا يهديه أحد، ولو نظر لنفسه فيما نظر فإنه لا يجزي عنه شيئاً ‏{‏ومن يرد اللّه فتنته فلن تملك له من اللّه شيئا‏}‏، وكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏187‏)‏
‏{‏ يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ‏}‏

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الساعة‏}‏ قيل‏:‏ نزلت في قريش، وقيل في نفر من اليهود، والأول أشبه لأن الآية مكية، وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعاداً لوقوعها وتكذيباً بوجودها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏أيان مرساها‏}‏‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ منهاها أي متى محطها، وأيان آخر مدة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة‏:‏ ‏{‏قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو‏}‏، أمر تعالى رسول صلى اللّه عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى اللّه تعالى، فإنه هو الذي يظهر أمرها، ومتى يكون على التحديد، لا يعلم ذلك إلا هو تعالى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ثقلت في السماوات والأرض‏}‏‏.‏ قال قتادة‏:‏ ثقل علمها على أهل السموات والأرض، قال الحسن‏:‏ إذا جاءت ثقلت على أهل السموات والأرض، يقول كبرت عليهم، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏ثقلت في السموات والأرض‏}‏ قال‏:‏ ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة؛ وقال ابن جريج‏:‏ إذا جاء انشقت السماء، وانتثرت النجوم وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وكان ما قال اللّه عزَّ وجلَّ، فذلك ثقلها، واختار ابن جرير رحمه اللّه أن المراد‏:‏ ثقل علم وقتها على أهل السموات والأرض كما قال قتادة، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تأتيكم إلا بغتة‏}‏، ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السموات والأرض واللّه أعلم، وقال السدي‏:‏ خفيت في السموات والأرض، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل ‏{‏لا تأتيكم إلا بغتة‏}قال‏:‏ وذكر لنا أن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏(‏إن الساعة تهيج بالناس، والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقيم سلعته في السوق، ويخفض ميزانه ويرفعه‏)‏ وقال البخاري عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، ولتقومن الساعة، وقد نشر الرجلان ثوبهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها‏)‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يسألونك كأنك حفي عنها‏}اختلف المفسرون في معناه، فقيل‏:‏ معناه كأنّ بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم، قال ابن عباس‏:‏ لما سأل الناس النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم، فأوحى اللّه إليه‏:‏ إنما علمها عنده استأثر به فلم يطلع اللّه عليها ملكاً مقرباً ولا رسولاً، وقال قتادة، قالت قريش لمحمد صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ إن بيننا وبينك قرابة فأسرَّ إلينا متى الساعة‏؟‏ فقال اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏يسألونك كأنك حفي عنها‏}‏، والصحيح عن مجاهد قال‏:‏ استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها، وكذا قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ كأنك عالم بها لست تعلمها، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‏{‏كأنك حفي عنها‏}‏‏:‏ كأنك بها عالم وقد أخفى اللّه علمها على خلقه، وقرأ‏:‏ ‏{‏إن اللّه عنده علم الساعة‏}‏ الآية؛ وهذا القول أرجح في المقام من الأول، واللّه أعلم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏قل إنما علمها عند اللّه ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏}‏، ولهذا جاء جبريل عليه السلام في صورة أعرابي ليعلم الناس أمر دينهم، فجلس من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مجلس السائل المسترشد، وسأله صلى اللّه عليه وسلم عن الإسلام، ثم عن الأديان، ثم عن الإحسان، ثم قال‏:‏ فمتى الساعة‏؟‏ قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما المسئول عنها بأعلم من السائل‏)‏ أي لست أعلم بها منك ولا أحد أعلم بها من أحد ثم قرأ النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إن اللّه عنده علم الساعة‏}‏ الآية، وفي رواية‏:‏ فسأله عن أشراط الساعة فبين له أشراط الساعة، ثم قال‏:‏ ‏(‏في حمس لا يعلمهن إلا اللّه‏)‏، وقرأ هذه الآية، ثم لما انصرف قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‏)‏ ‏"‏قال ابن كثير‏:‏ قد ذكرت هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد في أول شرح البخاري‏"‏، ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جهوري فقال‏:‏ يا محمد، قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هاؤم‏)‏ على نحوٍ من صوته، قال‏:‏ يا محمد متى الساعة‏؟‏ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ويحك إن الساعة آتية فما أعددت لها‏)‏‏؟‏ قال‏:‏ ما أعددت لها كبير صلاة ولاصيام، ولكني أحب اللّه ورسوله، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المرء مع من أحب‏)‏
فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث‏.‏

وقال الإمام أحمد عن حذيفة قال‏:
سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الساعة، فقال‏:‏ ‏(‏علمها عند ربي عزَّ وجلَّ لا يجلّيها لوقتها إلا هو، ولكن سأخبركم بمشارطها وما يكون بين يديها‏:‏ إن بين يديها فتنة وهرجاً‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول اللّه الفتنة قد عرفناها، فما الهرج، قال‏:‏ ‏(‏بلسان الحبشة‏:‏ القتل‏)‏، قال‏:‏ ‏(‏ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحداً‏)‏ وقال وكيع عن طارق بن شهاب قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة، حتى نزلت‏:‏ ‏{‏يسألونك عن الساعة أيان مرساها‏}‏ الآية، وهذا إسناد قوي، فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم محمد صلوات اللّه عليه وسلامه نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة، والعاقب والمقفي والحاشر، الذي تحشر الناس على قدميه مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد رضي اللّه عنهما‏:‏ ‏(‏بعثت أنا والساعة كهاتين‏)‏ وقرن بين إصبيعيه السبابة والتي تليها، ومع هذا كله قد أمره أن يرد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها، فقال‏:‏ ‏{‏قل إن علمها عند اللّه ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏188‏)‏
‏{‏ قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير
وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ‏}‏

أمره اللّه تعالى أن يفوض الأمور إليه وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب المستقبل ولا اطلاع له على شيء من ذلك إلا بما أطلعه اللّه عليه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير‏}‏، قال مجاهد‏:‏ لو كنت أعلم متى أموت لعملت عملاً صالحاً‏.‏ والأحسن في هذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس ‏{‏لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير‏}‏ أي من المال، وفي رواية لعلمت إذا اشتريت شيئاً ما أربح فيه، فلا أبيع شيئاً إلا ربحت فيه، ولا يصيبني الفقر‏.‏ وقال ابن جرير‏:‏ وقال آخرون‏:‏ معنى ذلك لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من المخصبة، ولوقت الغلاء من الرخص، فاستعددت له من الرخص، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‏{‏وما مسني السوء‏}‏ قال‏:‏ لاجتنبت ما يكون من الشر أن يكون واتقيته، ثم أخبر أنه هو نذير وبشير، أي نذير من العذاب وبشير للمؤمنين بالجنات، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏189 ‏:‏ 190‏)‏
‏{‏ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ‏.‏ فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عما يشركون ‏}‏

ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام وأنه خلق منه زوجته حواء، ثم انتشر الناس منهما، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‏}‏ الآية، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها‏}‏ الآية، وقال في هذه الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏وجعل منها زوجها ليسكن إليها‏}‏ ليألفها ويسكن بها، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة‏}‏ فلا ألفة أعظم مما بين الزوجين، ولهذا ذكر تعالى أن الساحر ربما توصل بكيده إلى التفرقة بين المرء وزوجه، ‏{‏فلما تغشاها‏}‏ أي وطئها ‏{‏حملت حملا خفيفا‏}‏ وذلك أول الحمل فلا تجد المرأة له ألماً إنما هي النطفة ثم العلقة ثم المضغة، وقوله‏:‏ ‏{‏فمرت به‏}‏، قال مجاهد‏:‏ استمرت بحمله، وقال أيوب سألت الحسن عن قوله‏:‏ ‏{‏فمرت به‏}‏ قال‏:‏ لو كنت رجلاً عربياً لعرفت ما هي، إنما هي‏:‏ فاستمرت به، وقال قتادة ‏{‏فمرت به‏}‏‏:‏ استبان حملها، وقال العوفي عن ابن عباس‏:‏ استمرت به فشكت أحملت أم لا، ‏{‏فلما أثقلت‏}‏ أي صارت ذات ثقل بحملها، وقال السدي‏:‏ كبر الولد في بطنها، ‏{‏دعوا اللّه ربهما لئن آتيتنا صالحا‏}‏ أي بشراً سوياً، كما قال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ أشفقا أن يكون بهيمة‏.‏ وقال الحسن البصري‏:‏ لئن آتيتنا غلاماً لنكونن من الشاكرين ‏{‏فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى اللّه عما يشركون‏}‏‏.‏ ذكر المفسرون ههنا آثاراً وأحاديث سأوردها وأبين ما فيها‏.‏

قال الإمام أحمد في مسنده عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لما ولدت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال‏:‏ سميه عبد الحارث فإنه يعيش، فسمته عبد الحارث فعاش، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره‏)‏ ‏"‏رواه أحمد والترمذي والحاكم في المستدرك قال ابن كثير‏:‏ وهذا الحديث معلول وقد رجّح رحمه اللّه كونه موقوفاً على الصحابي وبيّن أنه غير مرفوع وضعّف ما ورد من آثار‏"‏‏.‏ قال ابن جرير عن الحسن{‏جعلا له شركاء فيما آتاهما‏}‏
قال‏:‏ كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم، وعن قتادة قال كان الحسن يقول‏:‏ هم اليهود والنصارى رزقهم اللّه أولاداً فهودوا ونصروا، وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي اللّه عنه أنه فسر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير، وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظاً عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما عدل عنه هو ولا غيره، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابين وعن ابن عباس قال‏:‏ كانت حواء تلد لآدم عليه السلام أولاداً فيعبدهم للّه ويسميهم عبد اللّه وعبيد اللّه ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال‏:‏ إنكما لو سميتماه بغير الذي تسميانه به لعاش، قال فولدت له رجلاً فسماه عبد الحارث، ففيه أنزل اللّه يقول‏:‏ ‏{‏هو الذي خلقكم من نفس واحدة - إلى قوله - جعلا له شركاء فيما آتاهما‏}‏ إلى آخر الآية، وعنه قال‏:‏ أتاهما الشيطان فقال‏:‏ هل تدريان ما يولد لكما‏!‏ أم هل تدريان ما يكون أبهيمة أم لا‏؟‏ وزين لهما الباطل، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطان‏:‏ إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سوياً ومات، كما مات الأول، فسميا ولدهما عبد الحارث، فذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما‏}‏ الآية‏.‏ وروى ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب قال‏:‏ لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها‏:‏ أتطيعيني ويسلم لك ولدك‏؟‏ سميه عبد الحارث، فلم تفعل، فولدت فمات، ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل، ثم حملت الثالثة فجاءها فقال‏:‏ إن تطيعيني يسلم، وإلا فإنه يكون بهيمة فهيبها فأطاعا، وهذه الآثار يظهر عليها واللّه أعلم أنها من آثار أهل الكتاب، وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري رحمه اللّه في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته، ولهذا قال اللّه‏:‏{‏فتعالى عما يشركون‏}‏ فذكر آدم وحواء أولاً كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين، وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس كقوله‏:‏ ‏{‏ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح‏}‏ الآية، ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمى بها، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها، ولهذا نظائر في القرآن، واللّه أعلم‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 02:19 AM   رقم المشاركة : 19
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏191 ‏:‏ 198‏)‏
‏{‏ أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ‏.‏ ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون ‏.‏ وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ‏.‏ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ‏.‏ ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ‏.‏ إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ‏.‏ والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون ‏.‏ وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون ‏}‏

هذا إنكار من اللّه على المشركين الذين عبدوا مع اللّه غيره من الأنداد والأصنام والأوثان، وهي مخلوقة للّه مربوبة مصنوعة، لا تملك شيئاً من الأمر، ولا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تنتصر لعابديها، بل هي جماد لا تتحرك ولا تسمع ولا تبصر عابدوها أكمل منها بسمعهم وبصرهم وبطشهم، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون‏}‏ أي أتشركون به من المعبودات ما لا يخلق شيئاً ولا يستطيع ذلك، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه ضعف الطالب والمطلوب‏}‏ أخبر تعالى أن آلهتهم لو اجتمعوا كلهم ما استطاعوا خلق ذبابة، بل لو سلبتهم الذبابة شيئاً من حقير المطاعم وطارت لما استطاعوا إنقاذه منها، فمن هذه صفته وحاله كيف يعبد ليرزق ويستنصر‏؟‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يخلقون شيئا وهم يخلقون‏}‏ أي بل هم مخلقون مصنوعون كما قال الخليل‏:‏ ‏{‏أتعبدون ما تنحتون‏}‏ الآية، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يستطيعون لهم نصرا‏}‏ أي لعابديهم ‏{‏ولا أنفسهم ينصرون‏}‏ يعني ولا لأنفسهم ينصرون ممن أرادهم بسوء، كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام يكسر أصنام قومه ويهينها غاية الإهانة كما أخبر تعالى عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فراغ عليهم ضربا باليمين‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فجعلهم جذادا إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون‏}‏، وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح و معاذ بن جبل رضي اللّه عنهما، وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها ويتخذانها حطباً للأرامل، ليعتبر قومهما بذلك، ليرتأوا لأنفسهمن فكان لعمرو بن الجموح، وكان سيداً في قومه، صنم يعبده ويطيبه، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه، ويلطخانه بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صنع به، فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفاً ويقول له‏:‏ انتصر، ثم يعودان لمثل ذلك ويعود إلى صنيعه أيضاً، حتى أخذاه مرة فقرناه مع كلب ميت، ودلياه في حبل في بئر هناك، فلما جاء عمرو بن الجموح، ورأى ذلك نظر، فعلم ان ما كان عليه من الدين باطل وقال‏:‏

تاللّه لو كنت إلهاً مستدن * لم تك والكلب جميعاً في قرن

ثم اسلم فحسن إسلامه، وقتل يوم أحد شهيداً رضي اللّه عنه وأرضاه وجعل جنة الفردوس مأواه‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم‏}‏ الآية، يعني أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء لديها من دعاها ومن دحاها كما قال إبراهيم‏:‏ ‏{‏يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً‏}‏، ثم ذكر تعالى أنها عبيد مثل عابديها أي مخلوقات مثلهم، بل الأناس أكمل منها، لأنها تسمع وتبصر وتبطش، وتلك لا تفعل شيئاً من ذلك‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قل ادعوا شركاءكم‏}‏ الآية، أي استنصروا بها عليَّ فلا تؤخروني طرفة عين واجهدوا جهدكم، ‏{‏إن وليي اللّه الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين‏}‏ أي اللّه حسبي وكافيني وهو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة وهو ولي كل صالح بعدي، وهذا كما قال هود عليه السلام‏:‏ ‏{‏إني توكلت على اللّه ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم‏}‏، وكقول الخليل‏:‏ ‏{‏أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين‏}‏ الآيات، وكقوله لأبيه وقومه‏:‏ ‏{‏إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏والذين تدعون من دونه‏}‏ إلى آخر الآية؛ مؤكد لما تقدم إلا أنه بصيغة الخطاب وذاك بصيغة الغيبة، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون‏}‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون‏}‏، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم‏}‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏{‏وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون‏}‏، إنما قال‏:‏ ‏{‏ينظرون إليك‏}‏ أي يقابلونك بعيون مصورة كأنها ناظرة وهي جماد، ولهذا عاملهم معاملة من يعقل لأنها على صور مصورة كالإنسان وتراهم ينظرون إليك، فعبر عنها بضمير من يعقل، وقال السدي‏:‏ المراد بهذا المشركون، والأول أولى، وهو اختيار ابن جرير‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏199 ‏:‏ 200‏)‏
‏{‏ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ‏.‏ وإما ينزغنك
من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ‏}‏

قال ابن عباس ‏{‏خذ العفو‏}‏ يعني خذ ما عفا لك من أموالهم وما أتوك به من شيء فخذه، وكان هذا قبل أن تنزل براءة بفرائض الصدقات وتفصيلها وما انتهت إليه الصدقات، وقال الضحاك عن ابن عباس‏:‏ أنفق الفضل، وقال عبد الرحمن بن أسلم‏:‏ أمره اللّه بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين، ثم أمره بالغلظة عليهم، واختار هذا القول ابن جرير، وقال غير واحد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏خذ العفو‏}‏ قال‏:‏ من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس، وفي صحيح البخاري عن عبد اللّه بن الزبير قال‏:‏ إنما أنزل ‏{‏خذ العفو‏}‏ من أخلاق الناس‏.‏ وفي رواية عن أبي الزبير‏:‏ ‏{‏خذ العفو‏}‏ قال‏:‏ من أخلاق الناس واللّه لآخذنه منهم ما صحبتهم، وهذا أشهر الأقوال، ويشهد له ما روي عن أبيّ قال‏:‏ لما أنزل اللّه عزَّ وجلَّ على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما هذا يا جبريل‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ إن اللّه أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك ‏"‏رواه ابن جرير وابن أبي حاتم‏"‏‏.‏ وقال الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال‏:‏ لقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت‏:‏ يا رسول اللّه أخبرني بفواضل الأعمال، فقال‏:‏ ‏(‏يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك‏)‏

وقال البخاري قوله‏:‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ العرف‏:‏ المعروف ‏"‏قول البخاري العرف‏:‏ المعروف نص عليه عروة السدي وقتادة وابن جرير‏"‏‏.‏ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال‏:‏ قدم عيينة بن حصن بن حذيفة فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاوراته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه‏:‏ يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه، قال‏:‏ سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس‏:‏ فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال‏:‏ هي يا ابن الخطاب‏!‏ فواللّه ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحر‏:‏ يا أمير المؤمنين إن اللّه تعالى قال لنبيه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ وإن هذا من الجاهلين، واللّه ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافاً عند كتاب اللّه عزَّ وجلَّ ‏"‏أخرجه البخاري في صحيحه‏"‏‏.‏

وقال ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن نافع‏:‏
أن سالم بن عبد اللّه بن عمر مرّ على عير لأهل الشام وفيها جرس فقال‏:‏ إن هذا منهي عنه، فقالوا‏:‏ نحن أعلم بهذا منك، إنما يكره الجلجل الكبير، فأما مثل هذا فلا بأس به، فسكت سالم وقال‏:‏ ‏{‏وأعرض عن الجاهلين‏}‏، وقال ابن جرير‏:‏ امر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يأمر عباده بالمعروف، ويدخل في ذلك جميع الطاعات، وبالإعراض عن الجاهلين، وذلك وإن كان أمراً لنبيه صلى اللّه عليه وسلم فإنه تأديب لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم، لا بالإعراض عمن جهل الحق الواجب من حق اللّه ولا بالصفح عمن كفر باللّه وجهل وحدانيته، وهو للمسلمين حرب‏.‏ وقال قتادة في الآية‏:‏ هذه أخلاق أمر اللّه بها نبيه صلى اللّه عليه وسلم ودله عليها‏.‏ وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى؛ فسكبه في بيتين فيهما جناس فقال‏:‏

خذ العفو وأمر بعرف كما * أمرت وأعرض عن الجاهلين
ولنْ في الكلام لكل الأنام * فمستحسن من ذوي الجاه لين

وقال بعض العلماء‏:‏ الناس رجلان‏:‏ فرجل محسن فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه، وإما مسيء فمره بالمعروف فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه فلعل ذلك أن يرد كيده،

كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ادفع بالتي هي أحسن نحن أعلم بما يصفون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم‏}‏، وقال في هذه السورة الكريمة أيضاً‏:‏ ‏{‏وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم‏}‏، فهذه الآيات الثلاث في الأعراف والمؤمنون وحم السجدة لا رابع لهن، فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف بالتي هي أحسن، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم‏}‏، ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجان، فإنه لا يكفه عنك الإحسان، وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية، فإنه عدو مبين لك ولأبيك من قبلك‏.‏ قال ابن جرير في تفسير قوله‏:‏ ‏{‏وإما ينزغنك من الشيطان نزغ‏}‏ وإما يغضبنك من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهل ويحملك على مجازاته ‏{‏فاستعذ بالله‏}‏ يقول‏:‏ فاستجر باللّه من نزغه، ‏{‏إنه سميع عليم‏}‏ سميع لجهل الجاهل عليك والاستعاذة به من نزغه ولغير ذلك من كلام خلقه لا يخفى عليه منه شيء، عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خلقه‏.‏ وقد تقدم في أول الاستعاذة حديث الرجلين اللذين تسابا بحضرة النبي صلى اللّه عليه وسلم، فغضب أحدهما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد‏:‏ أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم‏)‏ الحديث‏.‏ وأصل النزغ‏:‏ الفساد إما بالغضب أو غيره، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم‏}‏، والعياذ‏:‏ الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشر، وأما الملاذ ففي طلب الخير، كما قال الحسن بن هانئ‏:‏

يا من ألوذ به فيما أؤمله * ومن أعوذ به مما أحاذره
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره * ولا يهيضون عظماً أنت جابره

وقد قدمنا أحاديث في الاستعاذة في أول التفسير بما أغنى عن إعادته ها هنا‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏201 ‏:‏ 202‏)‏
‏{‏ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ‏
.‏ وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ‏}‏

يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر، وتركوا ما عنه زجر، أنهم ‏{‏إذا مسهم‏}‏ أي أصابهم ‏{‏طائف‏}‏، منهم من فسره بالغضب، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه، ومنهم من فسره بالهم بالذنب، ومنهم من فسره بإصابة الذنب، وقوله‏:‏ ‏{‏تذكروا‏}‏ أي عقاب اللّه وجزيل ثوابه ووعده ووعيده، فتابوا وأنابوا واستعاذوا باللّه ورجعوا إليه من قريب، ‏{‏فإذا هم مبصرون‏}‏ أي قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ جاءت امرأة إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وبها طيف، فقالت‏:‏ يا رسول اللّه إني أصرع، وأتكشف، فادع اللّه أن يشفيني، فقال‏:‏ ‏(‏إن شئت دعوت لك أن يشفيك، وإن شئت صبرت ولك الجنة‏)‏،

فقالت‏:‏ بل أصبر ولي الجنة، ولكن ادع اللّه لي أن لا أتكشف، فدعا لها فكانت لا تتكشف
‏"‏رواه ابن مردويه وغير واحد من أهل السنن وأخرجه الحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم‏"‏‏.‏

وروي أن شاباً كان يتعبد في المسجد فهويته امرأة فدعته إلى نفسها، فما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الآية‏:‏ ‏{‏إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون‏}‏ فخر مغشياً عليه، ثم أفاق، فأعادها، فمات، فجاء عمر فعزى فيه أباه، وكان قد دفن ليلاً فذهب فصلى على قبره بمن معه، ثم ناداه عمر فقال‏:‏ يا فتى ‏{‏ولمن خاف مقام ربه جنتان‏}‏، فأجابه الفتى من داخل القبر‏:‏ يا عمر قد أعطانيهما ‏"‏أخرجه الحافظ ابن عساكر في ترجمة عمرو بن جامع من تاريخه‏"‏ربي عزَّ وجلَّ في الجنة مرتين‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإخوانهم يمدونهم‏}‏ أي وإخوان الشياطين من الإنس، كقوله‏:‏ ‏{‏إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين‏}‏ وهم أتباعهم والمستمعون لهم، القابلون لأوامرهم ‏{‏يمدونهم في الغي‏}‏ أي تساعدهم الشياطين على المعاصي وتسهلها عليهم وتحسنها لهم، المد‏:‏ الزيادة، يعني يزيدونهم في الغي يعني الجهل والسفه، ‏{‏ثم لا يقصرون‏}‏ قيل معناه أن الشياطين تمد الإنس لا تقصر في أعمالهم بذلك، كما قال ابن عباس‏:‏ لا الإنس يقصرون عما يعملون ولا الشياطين تمسك عنهم، وقيل‏:‏ معناه كما رواه العرفي عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون‏}‏، قال‏:‏ هم الجن يوحون إلى أوليائهم من الإنس ثم لا يقصرون، يقول لا يسأمون، وكذا قال السدي وغيرهن يعني أنّ الشياطين يمدون أولياءهم من الإنس، ولا تسأم من إمدادهم في الشر، لأن ذلك طبيعة وسجية، ‏{‏لا يقصرون‏}‏ لا تفتر فيه ولا تبطل عنه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا‏}‏
قال ابن عباس وغيره‏:‏ تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏203‏)‏
‏{‏ وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ‏}‏

قال ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قالوا لولا اجتبيتها‏}‏ يقول‏:‏ لولا تلقيتها وقال مرة أخرى لولا أحدثتها فأنشأتها، وقال‏:‏ لولا اقتضيتها، قالوا‏:‏ تخرجها عن نفسك وهو قول قتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، واختاره ابن جرير‏.‏ وقال العوفي عن ابن عباس ‏{‏لولا اجتبيتها‏}‏ يقول‏:‏ تلقيتها من اللّه تعالى‏:‏ وقال الضحاك ‏{‏لولا اجتبيتها‏}‏ يقول‏:‏ لولا أخذتها أنت فجئت بها من السماء، ومعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا لم تأتهم بآية‏}‏ أي معجزة وخارق، كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين‏}‏، يقولون للرسول صلى اللّه عليه وسلم ألا تجهد نفسك في طلب الآيات من اللّه حتى نراها ونؤمن بها، قال اللّه تعالى له‏:‏ ‏{‏قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي‏}‏ أي أنا لا أتقدم إليه تعالى في شيء، وإنما أتبع ما أمرني به فأمتثل ما يوحيه إلي، فإن بعثت آية قلتها، وإن منعها لم أسأله ابتداء إياها، إلا أن يأذن لي في ذلك فإنه حكيم عليم، ثم أرشدهم إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات وأبين الدلالات وأصدق الحجج والبينات، فقال‏:‏ ‏{‏هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون‏}‏‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
قديم 13-05-2014, 02:33 AM   رقم المشاركة : 20
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏204‏)‏
‏{‏ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ‏}‏

لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته إعظاماً له واحتراماً، لا كما كان يعتمده كفار قريش المشركون في قولهم‏:‏ ‏{‏لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه‏}‏ الآية، ولكن يتأكد ذلك في الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة، كما روي عن أبي موسى الأشعري قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا‏)‏ ‏"‏أخرجه مسلم في صحيحه ورواه أهل السنن‏"‏‏.‏ وعن أبي هريرة قال‏:‏ كانوا يتكلمون في الصلاة فلما نزلت هذه الآية‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له‏}‏ والآية الأخرى أمروا بالإنصات‏.‏ قال ابن جرير وقال ابن مسعود‏:‏ كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة فجاء القرآن‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون‏}‏، وقال أيضاً عن بشير بن جابر قال‏:‏ صلى ابن مسعود فسمع ناساً يقرأون مع الإمام، فلما انصرف قال‏:‏ أما آن لكم أن تعقلوا‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‏}‏ كما أمركم اللّه‏.‏ وقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال‏:‏ ‏(‏هل قرأ أحد منكم معي آنفاً‏؟‏‏)‏ قال رجل‏:‏ نعم يا رسول اللّه، قال‏:‏ ‏(‏إني ما أقول ما لي أنازع القرآن‏)‏، قال‏:‏ فانتهى الناس عن القراءة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيما جهر بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏رواه أحمد وأهل السنن‏"‏‏.‏ وقال عبد اللّه بن المبارك‏:‏ لا يقرأ من وراء الإمام فيما يجهر به الإمام، تكفيهم قراءة الإمام وإن لم يسمعهم صوته، ولكنهم يقرأون فيما لا يجهر به سراً في أنفسهم، ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سراً ولا علانية، فإن اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون‏}‏‏.‏ وهذا مذهب طائفة من العلماء وهو أحد قولي الشافعية، لما ذكرناه من الأدلة المتقدمة، وقال الشافعي في الجديد‏:‏ يقرأ الفاتحة فقط في سكتات الإمام، وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم‏.‏

وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل‏:‏ لا يجب على المأموم قراءة أصلاً في السرية ولا الجهرية بما ورد في الحديث‏:‏ ‏(‏من كان له إمام فقراءته قراءة له‏)‏ ‏"‏هذا الحديث رواه أحمد عن جابر مرفوعاً وهو في الموطأ عن جابر موقوفاً قال ابن كثير‏:‏ وهذا أصح ، وقد أفرد لها الإمام البخاري مصنفاً على حدة، واختار وجوب القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية أيضاً، واللّه أعلم، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية، يعني في الصلاة المفروضة، وعن مجاهد قال‏:‏ لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم‏.‏ وقال ابن المبارك عن ثابت بن عجلان قال‏:‏ سمعت ابن جبير يقول في قوله ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‏}‏ قال‏:‏ الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة، وفيما يجهر به الإمام من الصلاة، وهذا اختيار ابن جرير‏:‏ أن المراد من ذلك الإنصات في الصلاة وفي الخطبة، كما جاء في الأحاديث بالإنصات خلف الإمام وحال الخطبة، وقال الحسن‏:‏ إذا جلست إلى القرآن فأنصت له‏.‏ وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من استمع إلى آية من كتاب اللّه كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة‏)‏ ‏"‏رواه الإمام أحمد في المسند‏"‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏205 ‏:‏ 206‏)‏
‏{‏ واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ‏.‏ إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ‏}‏

يأمر تعالى بذكره أول النهار وآخره كثيراً كما أمر بعبادته في هذين الوقتين في قوله‏:‏ ‏{‏فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب‏}‏، وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء وهذه الآية مكية، وقال ههنا بالغدو وهو أول النهار، والآصال جمع أصيل،

وأما قوله‏:‏ ‏{‏تضرعا وخيفة‏}‏ أي اذكر بك في نفسك رغبة ورهبة وبالقول لا جهراً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ودون الجهر من القول‏}‏، وهكذا يستحب أن يكون الذكر خفياً لا يكون نداء وجهراً بليغاً، ولهذا لما سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالوا‏:‏ أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه‏؟‏ فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان‏}‏، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه قال‏:رفع الناس أصواتهم بالدعاء في بعض الأسفار فقال لهم النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً، إن الذي تدعونه سميع قريب أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته‏)‏، وقد يكون المراد من هذه الآية كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا‏}‏، فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه وسبوا من جاء به، فأمره اللّه تعالى أن لا يجهر به لئلا ينال منه المشركون، ولا يخافت به عن أصحابه فلا يسمعهم، ليتخذ بين الجهر والإسرار، والمراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا من الغافلين،

ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فقال‏:‏ ‏{‏إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته‏}‏ الآية، وإنما ذكرهم بهذا ليقتدي بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم، ولهذا شرع لنا السجود ههما لما ذكر سجودهم للّه عزَّ وجلَّ كما جاء في الحديث‏:‏ ‏(‏ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها يتمون الصفوف، الأول فالأول، ويتراصون في الصف‏)‏‏:‏ وهذه أول سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
   


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:53 AM.




 


    مجمموعة ترايدنت العربية